بعد أجواء الانفتاح الحقوقي التي شهدها المغرب ربيع السنة الماضية، توالت أحداث أثارت قلق الحقوقيين حول مدى احترام الحكومة الجديدة لالتزاماتها في حماية حقوق الإنسان، فيما أكدت الحكومة أنها "ستطبق القانون" لحماية هيبة الدولة قبل بضعة أسابيع انتخب عبد العالي حامي الدين رئيسا لجمعية "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان" المقربة من حزب العدالة والتنمية، خلفا لمصطفى الرميد، وزير العدل والحريات. يوم الأربعاء الماضي كان الرميد بصدد الدفاع عن منجزات الحكومة المغربية في مجال حقوق الإنسان في مقر الأممالمتحدة بجنيف، بينما كان خلفه يتعرض للشتم من قبل الشرطة التي تدخلت لتفريق اعتصام لمعتقلين إسلاميين سابقين أمام مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط، وفق ما نقلته جريدة "أخبار اليوم المغربية". وصول حزب يمثل التغيير إلى الحكومة عقب انتخابات سابقة لأوانها ودستور جديد لم يقلل في شيء من قلق الحقوقيين. سجن "الحاقد"، مغني 20 فبراير، وشاعرها يونس بلخديم، وعرض قانون يمنح الحصانة للعسكريين خلال أداء مهام داخل الوطن، من أبرز الأمثلة على هذا القلق. استرجاع هيبة الدولة سترجاع هيبة الدولة كان هو الشعار الذي دشنت به حكومة عبد الإله بنكيران أيامها الأولى. الهدف هو القطع مع مظاهر التسامح مع خرق القانون تفاديا لتطور الاحتجاجات التي انتشرت في البلاد خلال السنة الماضية. تقارير الجمعيات الحقوقية وإفادات برلمانيين من حزب العدالة والتنمية الإسلامي نفسه، تفيد أن هذه المرحلة لم تخلو من تجاوزات. في حوارها مع DW ترى خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الفترة التي قضتها الحكومة الجديدة في تسيير البلاد شهدت تراجعات واضحة في احترام حقوق الإنسان. تشرح الرياضي موضحة "خلال السنة الماضية شهدنا حراكا سياسيا واجتماعيا في الشارع. كان المواطنون يتظاهرون بوتيرة منتظمة في مختلف أنحاء البلاد دون أن تتعرض للقمع باستثناء بعض الحالات". وتضيف الرياضي موضحة "بعد تشكيل الحكومة الجديدة أصبح شعار المرحلة هو استرجاع هيبة الدولة، كل من يحاول الضغط لتحقيق مطالبه يواجه بالقمع. ما حدث في مدينة تازة كان خطيرا للغاية، إذ اقتحم رجال الشرطة بيوت المواطنين دون أن تسجل أية متابعة في حقهم ولا فتح أي تحقيق في الموضوع. على العكس تماما، رأينا كيف أن الحكومة هددت المواقع الالكترونية التي نشرت صور وفيدوهات الاعتداء على المواطنين، بينما أفلت المعتدون من العقاب". في مقابل ذلك يشدد عبد العزيز العماري، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان، على حرص الحكومة على احترام حقوق الإنسان. يقول العماري في حواره مع DW "هذه حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع وعن دستور يعلي من شأن حقوق الإنسان". ويضيف "السياق الذي جاءت فيه يجعلها ملزمة باحترام تلك الحقوق، ولا يمكنها الرجوع إلى الوراء. في نفس الوقت لا يعقل أن تقترن ممارسة حقوق الإنسان بخرق القانون. احتلال الملك العام ومؤسسات الدولة لا بد أن تواجهه القوات العمومية في إطار القانون". وبالنسبة للحالات التي يقول الحقوقيون إن قوات الأمن انتهكت فيها حقوق المواطنين، يؤكد العماري أن "هناك فعلا ملاحظات في هذا الصدد، لكن ينبغي اللجوء إلى القضاء وتصحيح الاختلالات إن ثبتت". الكيل بمكيالين سرعان ما هدأت الأوضاع في المدن التي شهدت مواجهات بين السكان وقوات الأمن. عاد نفس الإيقاع المعتاد في المغرب منذ سنوات في مواجهة الاحتجاجات السلمية، تصعيد تارة وتسامح تارة أخرى. بل إن الحكومة صادقت، في تطور مهم، على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري. غير أن سجن عضوين بارزين من حركة 20 فبراير أعاد القلق حول احترام حقوق الإنسان. معاذ بلغوات، مغني الراب الشهير ب"الحاقد" والعضو البارز في حركة 20 فبراير، يوجد حاليا قيد الاعتقال بعد إدانته بسنة سجنا نافذا. المحاكمة جاءت بعد شكاية تقدمت بها الإدارة العامة للأمن الوطني ضد الحاقد تتهمه فيها ب"الإساءة إلى رجال الأمن"، خلال إحدى أغنياته. بعد سجن الحاقد جاء الدور على يونس بلخديم، المعروف ب"شاعر 20 فبراير". بلخديم اتهم باقتحام مخفر للشرطة والاعتداء على رجال الأمن خلال وقفة تضامنية مع الحاقد وأدين بسنتين سجنا نافذا. مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، كان من أبرز المدافعين عن إطلاق سراح شيوخ السلفية الجهادية لأسباب من بينها أن التعبير عن الرأي لا يوجب الاعتقال. غير أنه واجه البرلمانيين الذين طالبوه بالإفراج عن الحاقد في بمنطق مختلف تماما، إذ اعتبر أن الحاقد لا يملك أية حصانة تعفيه من المحاكمة. الرميد دعا البرلمانيين إلى تشريع قانون يجيز "الإساءة إلى الملك ومؤسسات الدولة"، حتى يصبح الحاقد معفيا من المحاكمة. الحكومة المغربية الجديدة من غريب الصدف أن حادثا مثيرا جاء ليضعف منطق الحكومة. فقد نشرت مواقع الكترونية خبر اعتداء شابين من عائلتين نافذتين على والي أمن العاصمة نفسه، دون أن يتمكن من متابعتهما لنفوذ عائلتيهما. "كيف يعقل أن يسجن الحاقد بسبب حديثه عن الفساد داخل الشرطة في أغنية، ويفلت المعتدون على والي الأمن من العقاب؟" يستغرب نزار بنماط، عضو حركة 20 فبراير في حواره مع DW. نزار ورفاقه في الحركة نظموا وقفة تضامنية مع والي الأمن أمام مكتبه بالرباط أول أمس السبت، ووجهت بسخرية وعصي رجال الأمن. خديحة الرياضي ترى في هذا المنحى "تعبيرا عن إرادة الانتقام من حركة 20 فبراير وما تمثله من حراك شعبي. المخزن (الجاهز المركزي للدولة -المملكة) يعتبر أنه انتصر على الشارع وحان وقت تقديم الحساب. سلطة الحكومة ضعيفة مقارنة مع سلطة المخزن، لكنها مسؤولة قانونيا وسياسيا عن كل ما يقع". جمود قانوني أياما قليلة بعد الحكم على الحاقد وبلخديم، جاء مشروع قانون يتعلق بالضمانات الممنوحة للعسكريين ليفتح جبهة مواجهة أخرى بين الحكومة والجمعيات الحقوقية. إئتلاف يضم 18 جمعية حقوقية احتج بقوة على ما تضمنه هذا القانون في مادته السابعة من منح حصانة للعسكريين أثناء أداء مهام داخل الوطن. صراع كسرعظام بالمغرب بين الإسلاميين والعلمانيين حول التلفزيون "هذه شرعنة خطيرة لظاهرة الإفلات من العقاب التي نناضل ضدها، في الوقت الذي نطالب فيه بالمصادقة على الاتفاقية الجنائية الدولية" تقول خديجة الرياضي. في حين يقلل العماري من هول الموضوع قائلا "المشروع ما يزال في مرحلة النقاش. القراءة الأولية للمشروع أثارت لدينا فعلا ملاحظات كما أثارته لدى باقي الفرقاء السياسيين. نعتبر أنه يجب تقييد الحصانة الممنوحة للعسكريين باحترام الدستور وحقوق الإنسان، ما دام أداؤهم لمهامهم خارج الوطن مقيدا بمبادئ القانون الدولي الإنساني". الجدل حول هذا القانون مفتوح على كل الاحتمالات، في حين حسمت الحكومة مطالب حقوقية أخرى، مثل إلغاء عقوبة الإعدام. وزير العدل والحريات رفض توصية من مجلس حقوق الإنسان الأممي في دورته الأخيرة بجنيف، كما رفض توصيات أخرى تتعلق بإلغاء تعدد الزوجات والمساواة في الإرث بين الجنسين. جمود قانوني كان واضحا منذ قضية أمينة الفيلالي، المنتحرة بعد تزويجها من مغتصبها، حين أكد الرميد أن زواجها "كان قانونيا"، في مواجهة مطالب الحقوقيين بإلغاء قانون تزويج القاصرات وقانون تزويج المغتصبات من مغتصبيهن. مراجعة: طارق أنكاي ينشر باتفاق شراكة وتعاون مع موقع: (دويتشه فيله) DW Arabic