خرج إدريس الضحاك عن صمته، وحرر لسانه، على عكس ما كان مفروضا أن يتصف به ممن شغلوا منصب الأمين العام للحكومة، ليرد على تصريحات محمد الطوزي، الباحث في العلوم السياسية وعضو لجنة المراجعة الدستورية، التي قال فيها قبل أزيد من أربعة أشهر أن نسخة الدستور الجديد التي رفعتها اللجنة إلى الملك ليست هي النسخة التي عرضت إلى الاستفتاء، والنسخة التي صادق عليها المغاربة ليس هي التي نشرت في الجريدة الرسمية. وفي نفس السياق أثيرت الفروق الموجودة بين النسختين العربية والفرنسية. اتهم السيد الضحاك كلا من الطوزي والنويضي، ب "الضعف وعدم الدقة في البحث"، لأنهما خروجا ببعض التصريحات التي من المفروض أن تثير حفيظة المشتغلين في حقل القانون الدستوري، وكذلك قضاة المجلس الدستوري، الذي يعتبر هيئة للتحكيم الدستوري وفقا للدستور الجديد، ونظرا لتشكيلته المفروض أن تكون مشكلة من رجال قانون يتوفرون على أزيد من 15 سنة من الخبرة". سكوت هؤلاء "رجال القانون" وعدم اتجاههم للبحث والتدقيق في تصريحات "الطوزي" بالخصوص، من خلال قراءة مجموع نسخ مشروع الدستور المتوفرة لمن يرغب البحث والتدقيق، هو ما دفع إلى جعل هذا الموضوع يبقى معلقا بدون رد، لمدة شهور بعد تصريحات الطوزي. لكن، الصمت هو السبب ذاته الذي دفع السيد الضحاك إلى التلويح تحت قبة البرلمان بانتقاد كل من الطوزي والنويضي! سنتجاوز تصريح عبد العزيز النويضي، عن مسألة حذف حق إحالة البرلمانيين ورئيس الحكومة، الاتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية التي كان منصوصا عليها في الفقرة الثالثة من الفصل 132، وعدم الدخول في الموضوع، من زاوية التصريح بالحذف، لأن هذا المقتضى حذف في التصحيح الذي صدر في الجريدة الرسمية في عدد 30 يونيو 2011، أي قبل يوم واحد من الاستفتاء على الدستور، من خلال تعديل جزئي على مشروع الدستور، الذي عرض في الفاتح من يوليوز 2011... لكن، دعونا نعود بالسيد الأمين العام للحكومة إلى مجموعة من المتغيرات في الوثائق الدستورية من المسودة إلى المشروع، وصولا إلى النص الدستوري المنشور بالجريدة الرسمية باللغتين العربية والفرنسية. فبالرجوع إلى المسودة الأولى التي سلمت إلى الأمناء العامين للأحزاب، ومقارنتها بالنسخة التي عرضت على الإستفتاء، نجد أن الفقرة الثالثة من المادة 87 التي تنص على أنه "لا يمكن لأعضاء الحكومة، خلال مدة مزاولتهم لمهامهم، ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري بالقطاع الخاص، كما لا يمكن أن يكونوا طرفا في الالتزامات المبرمة مع الدولة، أو المؤسسات العمومية، أو الجماعات الترابية أو الهيئات الخاضعة للمراقبة المالية إلى الدولة"، قد اختفت دون أن تكون محل أي نقاش لا داخل اللجنة المختصة بمراجعة الدستور أو في الفضاء العام، وكذلك بالنسبة لمقتضيات المادة 14 من الدستور التي حورت عبارة أنه "للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم "اقترحات" في مجال التشريع"، لتتحول كلمة اقتراحات إلى كلمة "ملتمسات"، وشتان بين المصطلحين في اللغة، فما بالك في مقتضيات أعلى نص قانوني في الدولة ! وبالرجوع إلى الفرق الموجود بين النسختين العربية والفرنسية، فيكفي أن نعود إلى الفصل 41 من الدستور لنقارن بين عبارة أن "الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين"، و إلى مقابلها في النص الفرنسي لنجده ينص على أنه " Le roi, amir almouminine, veille au respect de l'islam"، فهل حماية الملة والدين تقابها حماية الإسلام أم أن الدين مختزل بالنسبة للنص الفرنسي في الإسلام دون غيره من الديانات، مع ان أغلب الاجتهادات الدستورية في هذا الباب، وأهمها اجتهاد محمد المعتصم، الفقيه الدستوري والمستشار الملكي، تذهب إلى أن معنى أمير المؤمنين أنه يعلو بالملك ليكون أميرا وحاميا للمسلمين والمسيحيين واليهود، وتراجع في هذا الباب أطروحة المعتصم "التطور التقليداني للقانون الدستوري المغربي". هذه بعض الملاحظات ونترك الأخرى، لنعود لها بعد أن نتجاوز "الضعف وعدم الدقة في البحث"، كما قال السيد الضحاك لنا جميعا...