في نهاية المطاف لازال المرجل الثوري يزند و يقدح بالعالم العربي ، لازال بعض الطغاة لم يرحلوا بعد، ولا زال بعض الشباب ينظرون بفخر واعتزاز للفيسبوك هذا البساط السحري لأحلام القرن الواحد والعشرين. بعد تنحية مبارك ،من الأكيد أن غد مصر سيكون أقل استبدادا على أية حال ،وقد أكون متفائلا جدا في الحالة التونسية ، على الرغم من تشويش بعض الأطراف الإسلاموية و اليسارية المتطرفة على المسار الحالي. إذ لتونس مؤهلات فريدة تحظى بها على المستوى السوسيو ثقافي و الاجتماعي لا تتوافر بغالبية بلدان العالم العربي،وهناك هوية و تاريخ متميزان ،الإصلاح ممكن و سريع، إنه عبارة عن تصويب لانحراف حصل في زمان بورقيبة ولكن المجتمع لازال حيا و لم تقتله آليات الاستبداد العابرة. وبعد العشرين من فبراير في المغرب، على الرغم من جوقات النفاق و الانتهازية السياسية التي صاحبته مسبحة بحمد التغيير الذي حاربته جهارا بالماضي، أو تلك التي كانت سببا أكيدا من أسباب انتكاساته ، و على الرغم من جوقات النفاق الآخر التي انطلقت منذ مسائه لتهنئ الشباب على وعيه و هلم جرا ، وعلى الرغم من التهشيم و الحرائق و الجرحى و الموتى والخسائر المادية عبر العديد من محطات التراب الوطني ، أعترف أنه بغض النظر عن كل هذه الملابسات شكلت محطة العشرين من فبراير رسالة يجب على الجميع قراءتها و استيعاب مقاصدها. أهم الحضور في هذه المحطة لم يتحدث عنه إلا القليل،إنه جيل الكهول و الشيوخ من النساء و الرجال الذين واجهوا السلطة أيام سنوات الرصاص ومعهم كثير من الشرفاء ممن لم يندمجوا في الهيئات السياسية المختلفة بما فيها تنظيمات اليسار الراديكالي ،ولكنهم لم يسقطوا في براثن العفن السائد، ، هؤلاء كانوا الأكثر حضورا و عددا في كل المسيرات السلمية تأكيدا لرغبتهم الدائمة في التغيير. وجود شباب 20 فبراير في هذه المسيرات المفترض تنظيمها من طرفهم كان محدودا لولا شبيبات بعض الأحزاب الحكومية المنتفضة ضد أحزابها،ومجموعات العاطلين ذوي الشواهد بمختلف أنواعهم. وحاول البعض أن يتسلل إلى هذه اللحظة السياسية من خلال دس التطبيع بين الإسلام السياسي المغربي و اليسار المغربي الدغمائي المتحجر من جهة، و رفع شعارات تهاجم أفرادا أو حساسيات بشكل خاص. بينما فشلت نبوءة أولئك الذين وعدوا المواطنين ب ثورة فيسبوكية مغربية على منوال ميدان التحرير أو الطريقة البوعزيزية.و تبينت هشاشة السيناريوهات التي خطط لها البعض من داخل أو خارج المغرب على الأقل حاليا.لكن هذا لا يعني أنها غير واردة مستقبلا، الحقيقة أننا نوجد مغربيا بعد العشرين من فبراير في نفس الوضع الذي كنا عليه قبل هذا التاريخ، أي أننا في مجتمع يكاد يحصل إجماعا على ضرورة التغيير لكنه لا يستطيع بعد الدخول إلى مرحلة إنجازه بسبب غياب الثقة و المصداقية بين أطرافه المتناقضة. إن عشرين فبراير كحركة سياسية لها معبروها الرسميون وبحكم الضبابية التي يمارسها هؤلاء لا يمكن أن تمثل الإطار الأمثل لزرع الثقة إلا إذا مرت إلى مأسسة نفسها بشكل منظم تعبر فيه عن استقلالية قوية تجاه عمليات الاحتواء المختلفة..إن شباب الفيسبوك هم أكثر من مليوني شاب لاتمثل فيه فئة مناصري هذه الحركة إلا نزرا يسيرا . ومن المفيد جدا أن ترقى هاته الفئة إلى بنية منظمة سياسيا و ذات مرئية بما يسمح لها بعلاقات أفضل مع الشباب أنفسهم و مع مكونات المجتمع الأخرى. وتمثل القراءة الجيدة لعشرين فبراير ولكل الوضع القائم حاليا بالنسبة للدولة مسألة ملحة، لأن عليها تقع مسؤولية تدبير المرحلة بقيادة المركب المغربي إلى شط الأمان و النجاة ،وما جرى في العشرين هو إنذار و تجربة مصغرة جدا miniature. لما يمكن أن يقع.ومن المهم جدا أن يتم أخذ هذا الإنذار بعين الاعتبار إيجابيا.لقد تأخر المغرب في اعتماد بعض الإصلاحات الجوهرية والملحة التي كان الإمكان الاحتماء بظلال نتائجها في ظرفية متقلبة مثل هذه،وعلى سبيل المثال لا الحصر عرفت السنوات الأربع الأخيرة محاولة التفاف على توصيات الإنصاف و المصالحة ،و حتى على المكتسبات الهشة للقطاع الإعلامي،و عرف المغرب مواجهة قوية لمحاولات إصلاح القضاء،و أقبرت محاولات محاربة الفساد و الرشوة إلخ. لذا فإن الوضع الحالي يقتضي خطوات سريعة و واضحة التعبير إزاء كل الملفات الملحة ،و العمل من خلال ذلك على تركيز الثقة في المؤسسات الحيوية للدولة كوعاء ضروري لكافة الإصلاحات التي تطمح لها الأمة المغربية بكل مكوناتها .إن التأخير الحاصل في هذه الملفات بالذات قد كلف المغرب ثمنا باهضا قبل العشرين من فبراير ،وشكل عرقلة وثقلا سلبيا يؤثر على مردودية المشاريع الاقتصادية المهيكلة الكبرى ،إن الشروع السريع و الواضح في هذه الإصلاحات هو الكفيل بالدلالة على جدارة و مصداقية الاستثناء المغربي لا الانكفاء على الذات و البث عن المبررات من أجل المزيد من تأخيرها. البشير الزناكي مناضل ديموقراطي من أجل كرامة المواطنين والوطن اكتوى بسنوات الرصاص لمدة طويلة صحافي