يحتفل المغرب هذه الأيام بعيد الاستقلال، ملحمة جعلت المغرب يخرج من الاستعمار ويعانق الاستقلال بفضل التضحيات الجسام والالتحام التاريخي بين العرش والشعب، حيث نجح المغرب في استرجاع أراضيه وطرد القوى التي أرادت تقسيم الأوصال وخلق الفتنة بين مكونات الشعب المغربي. نحتفل بهذه المناسبة والمغرب لا زال يقدم التضحيات من أجل دحض المشاريع التخريبية لدول الجوار.فالأحداث الأخيرة التي عرفها مخيم إكديم إيزيك وما صاحبها من تخريب وقتل لأرواح المغاربة من طرف ميليشيات"البوليساريو" المدعمة من أجهزة مخابراتية تكن العداء للمغرب ولوحدته.. ولا شك أن المكانة التي أصبح يحتلها المغرب في السياسة المتوسطية والعربية والدور الذي أصبح يلعبه من خلال موقعه الجيوسياسي كدولة محورية في صياغة سياسة جهة جنوب البحر الأبيض المتوسط، جعلت بعض الدول ترى إيديولوجياتها المؤسسة لأنظمتها محط أسئلة من طرف شعوبها، لهذا فهي تتصيد أي فرصة للانقضاض وزعزعة إستقرار المغرب وأمنه.ما وقع في مدينة العيون أبان على أن الأعمال الإجرامية المرتكبة في حق قوات الأمن المغربية هي من صنع أجهزة مخابراتية خارجية. الزيارات العسكرية، والتي اكتست الطابع الرسمي وغير الرسمي بين الأجهزة المخابراتية الإسبانية والجزائرية، تدل على أنه مع وجود إيديولوجية العداء القائمة منذ مدة إزاء المغرب، أصبح التنسيق من أجل تقزيم دور المغرب في المنطقة. التاريخ لن ينسى التحامل الجزائري على المغرب حين حاولت قيادة الجزائر من خلال معاهدة مستغانم سنة 1976 ضرب روح المسيرة الخضراء وإعاقة التلاحم القوي بين مكونات الشعب المغربي. التاريخ لن ينسى التحامل الجزائري - الإسباني على المغرب إبان أزمة جزيرة ليلى سنة 2002. التاريخ لن ينسى المناورة المخابراتية الجزائرية الإسبانية عندما قررت الانفصالية أميناتو حيدر من خلال إعتصامها إرباك المغرب. التاريخ لن ينسى بأن المغرب ساهم ملكا وحكومة وشعبا في تحرير الجزائر، كما لن ينسى العالم والتاريخ أرواح الآلاف من المغاربة الذين سقطوا ضحية الغازات السامة الإسبانية في منطقة الريف. كل هذا التاريخ لم يشفع للمغرب عند أعداء وحدته الترابية. في هذا الصدد، أظهرت الأحداث المأساوية الأخيرة أن المغرب محتم عليه مواصلة الإصلاح من خلال وضع آليات تجعل من الحكامة المسؤولة قطار الآمان حتى لا يستغل أعداؤنا الفجوات والزلات. فأرواح شهداء الواجب التي سقطت على أيدي همجية ميليشيات "البوليساريو" يجب أن تكون لنا درسا كبيرا لكي نؤسس لمغرب قوي بمؤسساته، مغرب عروقه تجري فيها روح المسيرة الخضراء سفينة الروح الوطنية. التحامل الأخير للإعلام الإسباني ضد وحدة المغرب وما وازاه من مناورات إعلامية جزائرية للمس بصورة المغرب في الخارج يضعنا أمام الحقيقة التي يجب أن تنهضنا من سباتنا، وأن ننسى ذواتنا ونتحلى بالروح الوطنية التي ميزت الآباء المؤسسين للدولة المغربية المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني طيب الله ثراهما. جلالة الملك محمد السادس نصره الله عندما وقف تحت الأمطار الغزيرة عند زيارته الأخيرة لمدينة تاونات غير آبه بأجواء الطقس المضطرب احتراما للنشيد والعلم الوطنيين، فإنه من خلال ذلك كان يبعث برسالة محلية وأخرى خارجية. الرسالة الداخلية مفادها أنه على الجميع، كل من موقعه، أن يكون في مستوى طموحات وتحديات الوطن العزيز. أما الرسالة الخارجية وهي أن المغرب لن يأبه بمناورات أعدائه وسيواصل البناء الديمقراطي المجتمعي الذي أرسى دعائمه ملكنا الهمام جلالة الملك محمد السادس. المناورات الجزائرية لزعزعة استقرار وحدة المغرب لن تنتهي، بل أكثر من ذلك أصبحت مكشوفة لدى الجميع. الإدانة الأخيرة لمجلس الأمن للهمجية التي قامت بها الميليشيات الانفصالية تؤكد أن الطرح المغربي من خلال مقترح الحكم الذاتي مشروع قائم بذاته ومتوازن في رؤيته لنهاية هذا الصراع. الإعلام الإسباني لن يكف عن دعم أي مناورة تهدف إلى زعزعة استقرار المغرب، لأن الماضي عند القيادات الراديكالية الإسبانية هو الموجه لسياساتها. كل هذا يجعل من المناورة التي كانت بالأمس قضية مكشوفة لدى الجميع. التحولات العالمية والمتغيرات التي أصبحت وازنة في المعادلة السياسية والاقتصادية الدولية في المنطقة يجب أن تحفز المغرب على مواصلة البناء ووضع آليات مؤسساتية مبنية على رؤية إستراتيجية تجعل من عملية التوافق /الإجماع التي كرست معالم المرجعيات المؤسسة لوطننا، جوهر الإصلاحات الهيكلية القادرة على خلق الأوراش الكبرى وتهيئ المغرب لمواجهة الطوارئ والأخطار المحدقة به. (*) أكاديمي