يحتفل الشعب المغربي غدا الخميس, 18 نونبر, بالذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال التي تكتسي دلالات عميقة تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية. ويشكل هذا الحدث مناسبة يحيي من خلالها المغاربة ذكرى عزيزة غالية تؤرخ لما قام به العرش والشعب من تضحيات جسام وبطولات عظام من أجل صيانة هوية الوطن, وتبرز مدى تعلق الشعب المغربي بالعرش العلوي المجيد وعزمه المستميت على الدفاع عن مقدساته وثوابته ووحدته الترابية. إن هذه الذكرى تمثل كذلك مناسبة للقيام بوقفة تأمل في تاريخ المغرب الغني بالأمجاد وبالمحطات المشرقة من أجل الذود عن المقدسات, وتشكل برهانا على إجماع كل المغاربة وتعبئتهم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن. والمتتبع لتاريخ المغرب, يلاحظ أنه رغم المخططات والمناورات التي نفذتها القوى الاستعمارية الفرنسية والإسبانية مستعملة قوة الحديد والنار في محاولة تقطيع أوصال المغرب وطمس الهوية, استطاع المغرب أن يقف وقفة رجل واحد في وجه الاستعمار الأجنبي معلنا التحدي بقيادة بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس الذي اعتقدت السلطات الاستعمارية أن نفيه رفقة أسرته إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر سيوقف الانتفاضة العارمة التي تفجرت في كل المدن والقرى المغربية. إن جل المخططات التي نفذها الاستعمار بدءا بالظهير البربري الذي أصدرته الحماية الفرنسية في 16 ماي 1930 بهدف التفريق بين أبناء الشعب انطلاقا من مبدإ "فرق تسد" وانتهاء بالإقدام على نفي محمد الخامس وأسرته الكريمة يوم 20 غشت 1953 إلى كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر, كان مآلها الفشل الذريع وعجلت برحيل سلطات الحماية. وإذا كان المغاربة يستحضرون بإجلال وخشوع الكفاح الوطني لآبائهم, فمن حقهم أيضا بعد 55 سنة من الاستقلال أن يعتزوا بالمفاخر التي حققوها على درب البناء والتشييد والوحدة عملا بالمقولة الشهيرة لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه "لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" حيث تواصلت معركة التحرير واستكمال الوحدة الترابية. وهكذا وجه جلالته رحمه الله عناية خاصة لتحرير الصحراء المغربية حيث تم تتويج ذلك باسترجاع منطقة طرفاية سنة 1958. وسيرا على نهج والده المنعم, واصل جلالة المغفور له الحسن الثاني معركة استكمال الوحدة الترابية, فتم في عهده استرجاع سيدي ايفني سنة 1969, وفي سنة 1975 تم استرجاع الصحراء المغربية بفضل المسيرة الخضراء المظفرة, وفي 14 غشت سنة 1979 تعزز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم وادي الذهب. ومواصلة لمسيرة البناء التي نهجها جلالة المغفور له محمد الخامس ومن بعده جلالة المغفور له الحسن الثاني, يشهد المغرب حاليا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس العديد من الأوراش التنموية والإصلاحات الكبرى التي همت مختلف المجالات. إن تخليد ذكرى الاستقلال المجيدة تعد مناسبة أخرى لاستلهام ما تنطوي عليه من قيم سامية وغايات نبيلة لإذكاء التعبئة الشاملة وزرع روح المواطنة وربط الماضي التليد بالحاضر المتطلع إلى آفاق أرحب ومستقبل أرغد وخدمة لقضايا الوطن وإعلاء صروحه وصيانة وحدته والحفاظ على هويته ومقوماته والدفاع عن مقدساته وتعزيز نهضته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.