يرتبط مشكل الطبع والنشر الأدبي في المغرب ،ارتباطا عضويا "بالقدرة القرائية" عند المغاربة على وزن "القدرة الشرائية " بإشكالية الاستهلاك الثقافي والإقبال على القراءة . ولان رواج الكتاب الأدبي بالمغرب،أشبه مايكون بالكتاب اليتيم في رفوف اللئام،فهو يعرف ركودا كبيرا ،وبالتالي فإنه من المسلمات، أن يجد الكاتب نفسه أمام معضلة صعوبة إيجاد دار للنشر مستعدة للمغامرة بنشر ديوان شعر أو رواية في سوق كهذا، لا تروج فيه إلا بضع من كتب الطبخ والأناقة والكتب الفرانكفونية ،حتى وان كانت أثمنتها مرتفعة جدا مقارنة مع الكتاب العربي . وهذا مشكل عام في المغرب تعاني منه حتى الأسماء التي لها حضور قوي في المشهد الثقافي المغربي ، فما بالك بمبدع شاب بالكاد يتلمس خطواته الأولى . لقد عانت أجيال الثمانينات والتسعينات من إيجاد مؤسسة ثقافية تتبنى انتاجاتهم . حتى أواسط التسعينات حيث ستقوم وزارة الثقافة المغربية بإحداث تجربة الكتاب الأول، التي تدخل في إطار سياسة دعم الدولة المغربية للكتاب وتقريبه من القارئ، وهي تجربة ساهمت في اغناء الخزانة المغربية بالعديد من الإبداعات سواء في الشعر أو الرواية أو المسرح وأعادت الروح للعديد من المبدعين خصوصا الشباب منهم، وكانت وراء بروز العديد من الأسماء التي تمثل الآن ابرز الحساسيات الأدبية بالمغرب ،لكن هذا الظهور ظل مرتبطا بالوسط النخبوي ، بعيدا عن الجمهور، لأن التجربة لقيت مشاكل تقنية مرتبطة بالتوزيع، و عدم الإقبال ، وبالتالي فالمشكل ظل قائما . يؤكد وزير الثقافة الحالي في لقاءاته الصحفية الأخيرة، على نهج سياسة جديدة للوزارة في دعم الكتاب وتعميم القرائة، ولكن الأمر يتطلب إيجاد حلول جذرية وعملية لعزوف المغاربة عن القراءة واستهلاك الكتاب، فالكاتب في حاجة إلى من يقرؤه ،لا أن يُوضع بين دفتي كتاب، ويبقى حبيس غبار المكتبات والرفوف. المشكل الآخر مرتبط بغياب دور نشر قادرة على وضع إستراتيجية لخلق الرواج المطلوب ، فدور النشر الموجودة في المغرب تكتفي بما هو تقني كطبع الكتاب دون اهتمام بنشره وتوزيعه - وكفى الله المومنين شر القتال – رغم أنها تحصل على دعم مهم من الوزارة الوصية . في المغرب لا يمكن احتراف الكتابة باستثناء الراحلين الكبيرين محمد شكري ومحمد زفزاف، فلا كاتب يستطيع أن يعيش أو يضمن استقرارا ماديا من مبيعات مجموعاته الشعرية أو رواياته في المغرب ، ولذلك فإنه من المسلمات أيضا، أن يصارع المبدع الشاب على أكثر من واجهة ، في مشهد ثقافي تتحكم فيه الانتماءات والإيديولوجيات وتتم فيه صناعة بعض الاسماء، رغم أن الأسماء لا تصنع المبدعين الحقيقيين ، وعليه كذلك ان يصارع من اجل البقاء، وإلا فانه محكوم فليه بالانزواء والاختلاء بقصائده وغبار غرفته المعتمة الضيقة ، ضيق جغرافية الكتابة في هذا البلد رغم شساعتها. إن شمس الإبداع في المغرب غير متاحة لأصحاب النقاء والصفاء الشعريين . وإنما تؤخذ غلابا . لكل هذا ستظل المواجهة قائمة ضد الاحتكار واللامبالاة ، وضد الركود في ظل اختلال موازين القوى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا . عبد القادرمكيات شاعر من المغرب