ليس الكتاب مجرد كيان مادي؛ بل إنه كائن حي يتفاعل مع محيطه السياسي و الثقافي و الاجتماعي، ومن المؤكد أن حياة الإنسان قد تأثرت قديما و حديثا بالكتاب كوسيلة أساسية من وسائل الاتصال، رغم التقدم التكنولوجي و الثورة الرقمية مازالت الكلمة المكتوبة لم تفقد سحرها على مر العصور، و ما زال الكتاب يستهوي أعين الناس وقارئيه، إلا أن الكتاب يعيش اليوم في العالم العربي و المغرب بالخصوص ظروفا صعبة تتجلى في مشكل القراءة، و النشر، و التوزيع، مما ينعكس على التأليف و الإبداع. في هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على هذه المشاكل من خلال استقراء الواقع و استشراف المستقبل. أزمة القراءة خلصت الدراسة التي قام بها الباحث حسن الوزاني حولحالة قطاع الكتاب بالمغرب بتعاون ما بين منظمة الإيسيسكو و وزارة الثقافة المغربية إلى أن هناك بالفعل أزمة قراءة بالمغرب، و أن عدد القراء في تراجع مستمر، كما أن نسبة القراء الحقيقيون ضعيفة، و هذا عكس ما ذهبت إليه بعض الآراء التي تحث على عدم الوثوق في الإحصائيات التي تصدر عن بعض الهيئات العالمية التي تسيء لصورة القارئ العربي عموما. وكشفت الدراسة إلى أن الثقافة لا تحصل إلا على 3,6 بالمائة من النفقات إذا ما قورنت مع نفقات الأكل والسكن. ويرجع السبب في هذه الوضعية حسب نفس الدراسة إلى عامل الأمية الضاربة في عمق المجتمع، وكذا العامل المادي أوالسوسيو- اقتصادي الذي لا يخول للمواطن المغربي اقتناء الكتب. لكن هناك من يرى أن غياب تقاليد قرائية متينة هي من الأسباب القوية في تظهور حالة الكتاب بالمغرب. مسؤول مكتبة دار الأمان بالرباط أحمد الصايغ قال في تصريح لالتجديد إن:الإقبال على الكتاب ضعيف ويزداد سوءا سنة بعد سنة؛ وهذا ناتج عن انعدام الوعي لدى المواطن بضرورة القراءة، ويتضح هذا حين يتناوب الجالسون في المقاهي على جريدة واحدة. أما بالنسبة لتكلفة الكتاب فتظل غير مرتفعة، ونحن نقدم عدة تضحيات في هذا المجال ومن جهته يرى الكاتب المسرحي الأستاذ عبد الكريم برشيد في تصريح لجريدة التجديد: عادة القراءة جميلة، وتبتدئ من البيت الذي نفتح فيه أعيننا وخصوصا مع المصحف الشريفـ ، لكن البيوت خالية من الكتب إلا من الديكورات، وتبتدئ من خلال الكتاب المدرسي والمكتبة والمدرسين وذلك بالخروج عن المقرر المدرسي. لكن هذا غائب في المدرسة، كما أن التلميذ اعتاد على القراءة النفعية لاجتياز الامتحان، بعد الشهادة يقطع علاقته مع القراءة مثل الأطر العليا. ويتساءل الكاتب عبد الكريم برشيد:لماذا لا نساير المد العالمي في القراءة ؟ لماذا الإعلام الأجنبي يحتفي بالكتاب عند خروجه، وإعلامنا لا يهتم إلا بالمهرجانات والمغنيات ولا يعير اهتماما للكتاب؟ وهكذا مع أمية متفشية، وغياب ثقافة القراءة، أمام تزايد الاستهلاك المادي يكون من المنطقي أن يعاني الكتاب من انتشار كتبهم والاطلاع على إبداعاتهم ، وكذا هزالة أرقام توزيعها. لكن الدراسة التي قام بها الباحث حسن الوزاني تفيد أن من أصل 7 مكتبات كعينات (ما يعادل 41,18بالمائة)، 5 فقط (29,41بالمائة) يقمن بتوقيعات الكتاب، و أن 2(11,76 بالمائة) ينظمن لقاءات للنقاش. أي أن المكتبة هي الأخرى لا تقوم بالتنشيط اللازم من اجل التحفيز على القراءة. خطر الثالوث لعل من التحديات التي يواجهها الكتاب المغربي ثالوث الطبع والنشر والتوزيع، فمصير الكتاب مرتبط أساسا بهذه العمليات الثلاث، رغم أن المغرب عرف تطورا في عدد دور النشر والتوزيع؛ إلا أن الكتاب مازالوا يشتكون من هذا الثالوث المحبط، وهذا ما أكده عدد كبير من الكتاب وحتى أصحاب المكتبات من بينهم احمد الصايغ الذي في نظره: يبقى المشكل الكبير هو التوزيع؛ فحصة الموزعين مرتفعة حيث تصل إلى 50 بالمائة. في حين أن المقربين لهم تكلفة خاصة. وعامة فالمسؤولون لا يتدخلون لإصلاح هذا الميدان ولا يشجعون على الرفع من قيمة الكتاب. كما أقر عبد الكريم برشيد بأن مجموعة من الباحثين والمتخصصين ينشرون على حسابهم الخاص لأن الدولة لا تقوم بدورها. المغرب لا يتوفر على هيأة للكتاب مثل مصر؛ يضيف الصايغ، والدولة لا تطبع؛ و إذا طبعت فلبعض المحظوظين والكتب لا توزع وهذا يؤثر على حياتنا اليومية. و يضيف أيضا في السبعينيات كان الكاتب هو الذي يتحمل أعباء كتابه في التوزيع، هذه الطريقة النضالية لم تكن مجدية، فالمغرب له دولة يجب أن تحتفي بالكاتب و نشر كتبه. على أن الناشرون بالمغرب يطرحون مشكل المعيقات المهنية(غلاء الورق مثلا) لذلك يتجهون إلى الكتاب المدرسي لأنه مربح ويدعون الكتاب الأدبي. من جهة أخرى؛ يرى بعض المحللين أن احتكار شركتي التوزيع نصف ثمن البيع لا يساعد على نشر الكتاب المغربي، ولذلك يتجه البعض إلى ما يسمى بالكتاب الخفيف، الذي يروج له أكثر من الكتب الأخرى، أو أن الكاتب هو الذي يقوم بالنشر والتوزيع مما يحبط الكاتب ويعرقل عملية الإبداع، والبعض الآخر يرى في الكتاب الالكتروني( المواقع الخاصة) الحل الأنجع لتفادي هذه المشاكل و لضمان أيضا عددا كبيرا من القراء و حرية التعبير. دور وزارة الثقافة تقوم وزارة الثقافة المغربية بتغطية 50 بالمائة من تكاليف طبع الكتاب حتى يتسنى للمواطن شراءه بنصف تكلفته، و الهدف من ذلك هو دعم إنتاج واستهلاك الكتاب. فما بين سنة 20051999 قامت الوزارة بدعم 270 كتاب و 166 مجلة حيث وصلت التكلفة إلى 7230969د. و من اجل دعم القراءة و إنشاء فضاءات عمومية للقراءة تقوم الوزارة بشراء 100نسخة من كل كتاب مغربي. لكن من المختصين من يلاحظ أن وزارة الثقافة مازالت لم ترق إلى المستوى المطلوب، و لا تتوفر على سياسة واضحة المعالم في مجال الكتاب. كما أن سياسة الزبونية والمحسوبية هي السائدة فيما يخص طبع كتب المؤلفين المغاربة.وفي هذا الصدد يقول عبد الكريم برشيد:من المعروف أن المغرب هو دولة المؤسسات فمن الواجب أن يكون للطبع و النشر هيأت وسياسات ولجنة للقراءة، بمعنى أن يكون هناك مخطط و مشروع وطني. فهل لوزارة الثقافة هذه الإستراتيجية العامة؟ إذا كانت وزارة السياحة تتوقع استقطاب 10 ملايين من السياح فما هي توقعات وزارة الثقافة في السنين المقبلة؟ إلا أن هناك من يرى أن الكتاب المغربي عليه إقبال؛ و أنه خطا خطوات كبيرة في الترويج له رغم تكاليف التسويق؛ وأصبح ينافس الكتاب المصري و اللبناني و السوري خصوصا في ميادين علم الاجتماع و اللسانيات. خاتمة من المعلوم أن الكتاب ينتعش في ظل مناخ إبداعي و ثقافي و قيمي معين كما عبر عن ذلك أحد الناشرين، لكن المغرب يفتقد إلى هذا المناخ المحفز، و لن يتأتى له ذلك إلا عن طريق التشجيع على القراءة و الإسهام في التنشيط الثقافي و مساندة الكاتب ماديا و معنويا.