حكى يوسف فقال: غادرت المغرب منذ سنوات... غادرته لأننى سمعت كثيرا عن الحلم الكندى... و قررت أن أتزوج من أول كندية تسمح لى بالدخول في حياتها ... تعرفت اليها عن طريق الأنترنت... هذا التعارف تحول الى اعجاب تم زواج أعترف بأني كنت أظن في البداية أننى أصبحت كنديا بمجرد اقتراني بها... حاولت جاهدا أن أؤدي دوري الجديد... و أقبلت أحتفل بعيد ميلادها و بميلاد المسيح و عيد الحب و لكنى بعد أول عام اكتشفت أنني لا أستطيع تقمص الدورلفترة أطول! كنت فقط ابن الخامسة والعشرين عندما تزوجت بها وأعترف أنني وجدت صعوبة فى اقناعها بأن تحبني كما أنا ! فقد كنت فاشلا فى الطبخ وفى فرز الازبال و فى الاعتناء بالحديقة... كنت فوضويا ولا أستعمل المذكرة فأنسى مواعيد الطبيب... و أسدد الفواتير بعد فوات أجل الدفع. كانت زوجتى عصبية المزاج و كانت تثور اذا لم أقم بعملية فرز الازبال...و تثور أكثرعندما نتلقى مكالمة من طبيب الأسنان لاخبارنا بأننا لم نحضر فى الموعد و يتوجب علينا دفع غرامة .. و لطالما حلمت بأن زوجتي تغيرت ...و أصبحت تتلهف لرؤيتي فأتخيلها تنتظرنى بالبيت و هي ترتدي ثوبا جميلا يبرز مفاتنها... وتأخذني من يدي و تدعوني لمائدة بها ما لذ من طعام وشراب وتضع الطعام في فمي ...و تصر أن أكل من يدها... و أنا أعتقد أن الزوجة هي الحياة... هى منبع الحب وهى مصدر العطاء, وهى تتصرف كذلك وفق طبيعتها كأنثى! أما الرجل فيظل كاءنا بسيطا واضحا...له نفس احتياجات الطفل... كل ما بيحث عنه هو الحنان الرجل و المرأة يتكاملان و لا يختلفان! وهو أمر لا يمكن تغييره...و الا اختل التوازن في الطبيعة ونحن الرجال العرب ...نحب المرأة و نعشقها ... و نستمتع بوجودها أكثر اذا كانت مطيعة و خنوعة ! وهذا ما رفضته زوجتي ...واعتبرته اهانة و تصغيرا لدور المرأة... تحولت زوجتي الى مصلحة اجتماعية تحسب علي حركاتي و همساتي و منحت لنفسها الحق فى تربية ابننا ادم بالطريقة التى في اعتقادها الأفضل كم من مرة رغبت في التمرد ... لكنه شعور سرعان ما أدفنه فى داخلي عندما أرى ابتسامة طفلنا. كثر الحديث عن العرب و الارهاب... و كانت تلوم العرب و تتهمهم احيانا بما تروج له وساءل الاعلام وبدأت أشعر بالنفور من جفاءها ومن اصرارها على القيام بالتزامات البيت .. و فى مثل هذه العلاقة الزوجية التي تجعلك كل يوم تحت المجهر.. يتفجر التمرد ! وبعد مناقشات طويلة قررنا الانفصال جسديا و طالبتني بالنوم فى غرفة بالطابق السفلى انتقلت الى الطابق الأرضى براءحته الباردة و اتخذت به مكانا أختلي فيه الى نفسي... أخذت أبحث فى حاجياتي القديمة وسقطت بين يدي السجادة الصغيرة... سجادة للصلاة دستها والدتي فى حقيبتي حين أعلنت رغبتى فى السفر... تحسستها و قبلتها و تمسحت بها.. شممت فيها راءحة الأم و الوطن و الهوية الاسلامية وامتزجت بذاكرتي صور كثيرة ومرة أخرى ...بدأت حياة جديدة... كنت غالبا ما أختلي بنفسي فى غرفتي بالطابق الأرضي لأداء الصلاة و تلاوة ايات من القران الكريم... .و أحيانا أبدأ في تلقين سورة الفاتحة لابني... وكانت زوجتي تبدي اعتراضا شديدا على ذلك... إلى درجةأنها أضحت تعتقد أن كل ما أ قرأه له علاقة بالدين. فأعلنت الحرب! بدأت تنتابتها لحظات مزاجية فتنعتتنى بالرجعية و ثقافتي بالغبية. حاولت أن أذكرها بجدوري ورفضت الحديث فى مساءل الدين بدعوى أنه ترويج للانغلاق و التسليم بالأشياء وأنه يعطل قدرة النقد. وبدأت تمارس ملامح الفكر الحر فى علاقاتها... فأهانت الرجل الذي بداخلي! وجدت صعوبة فى الاستمرار فأعلنت التمرد! طالبت زوجتي بالطلاق و حكمت لها المحكمة بالحضانة. بعدها قررت طليقتي الانتقال الى مقاطعة ألبرتا لتوفر فرص الشغل هناك... و مضت سنوات.. و في أحد أيام ديسمبر, توصلت برسالة الكترونية من ابني يخبرني أنه يقضي عطلة رأس السنة بتورنتو وأنه يرغب في رؤيتي... كان شعورا جميلا و لا يوصف... التقينا بعد سنوات ... عمره لم يتجاوز العاشرة... ملامحنا متشابهة...انه يشبهني كثيرا ...انه نسخة مني ... ولاشىء أروع من أن يشبهك ولدك! كان طفلا جميلا أخذ يتحدث عن حياته اليومية هواياته ليست متواضعة, انها مكلفة هو طفل لا يتحمس كثيرا لكرة القدم وجدته يتحدت كثيرا عن لعبة الهوكي هو طفل لا يؤمن بالروحانيات, و يستطيع تفسير الظواهر بربطها بعلم الفيزياء. ثم تحدث عن كلبه... و أخرج صورة لهما وتحدث عن صديق والدته ...بكل عفوية أعجبني نقده وأفكاره وإستقرائه وحججه وقوة لغته تأملته وكان يشبهني كثيرا....انه نسخة مني.. بقي يتكلم و شردت طويلا تذكرت طفولتي ... أنا... ذلك الطفل البسيط , الذى كان يأتى ماشيا للمدرسة على الطريق الترابي, مرددا لما كتب ، لايحق له التساؤل,.. ليس طرفا فى الحوار... طفل مكبوت نفسيا وعاطفيا و مهاريا كان ابنى يشبهني شكلا و لكنه يختلف عني بأفكاره وبمواقفه ربما أنا من يختلف عن الأخرين! أعترف أننى شعرت بمرارة المهزوم فكر غربى فى جسد عربي... لقد أجادت والدته اللعبة و أتقنت الثأر كنت أريده أن يشبهني ... ليس فى الملامح ...ليس فى لون عيوني كنت فقط أريده أن يحمل شيئا من الانسان العربي!