بشراكة مع شركة بوادي للصيد السياحي، نظمت جمعية "الصقارين القواسم بأحد أولاد فرج" و جمعية الفرنسيين والفرنكفونيين المقيمين بإقليمالجديدة«El Jadida Accueil» ، يوم الأحد الماضي ، "سفاري" إلى منطقة أولاد فرج لاستكشاف خبايا بنايات "طازوطة" و التعرف على أصالة و قيم الصقارين القواسم بأحد أولاد فرج. خرجت القافلة من الجديدة في حدود الساعة 10 صباحا متوجهة نحو أحد أولاد فرج. وهكذا بدأت رحلة التشويق والمتعة لتنطلق حوالي 50 سيارة تقل 100 شخص في قصص ومواقف وصور رائعة، قبل توقفها قبالة بنايات طازوطة التابعة ترابيا لجماعة الشعيبات.
فتسارعت نبضات القلب وبدأت النظرات تترقب أولى اللحظات التي يرى فيها المشاركون كل جنبات هذه البنايات المذهلة، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر شارل و روبير و ألان وبياتريس و بيتي و آن و مونيك و جان و إيليان و فاتي و غيرهم.
و كلمة (طازوطة) تعني بالأمازيغية (إناء الحريرة) أو الإناء الدائري الشكل، وهو المعنى الذي يفسر على الأرجح كون هذا البناء ترجع جذوره إلى أيام الفينيقيين و الرومان، وهو مصمم على شكل دائري وهرمي من الأحجار فقط دون إضافة أي مادة من مواد البناء.
وطازوطة هي تلك البنايات الأسطوانية الشكل التي ينفرد بها إقليمالجديدة وحده بالمغرب. هياكلها تقوم على حجارة مصفوفة بدقة وعناية متناهيتين. و قد نجد بعض جدرانها مغلفة من الداخل بالطين المخلوط بالتبن والقصب، فيما يشبه "التابيا" التي كانت مسخرة في القرن 12 الميلادي وبعده لبناء عدد من الأسوار التاريخية. وقد كانت بنايات "تازوطا" أو "طازوطة" منتشرة بشكل كبير في دكالة العميقة ذات الطبيعة الحجرية، وبمرور الأيام زحف البناء الإسمنتي فتراجعت إلى أن كادت تختفي وتندثر.
ومعلوم أن شكل طازوطة الهندسي حين يتداعى بناؤها، فإن انهيار أحجارها يأتي بالتساقط خارجها دون أن تسقط ولو حجرة واحدة بداخل البناء. والغريب أن البعض يحاول جاهدا إيهام الناس على أن المعمرين الفرنسيين هم من علموا أهل دكالة بناء طازوطة وتناسوا أن طازوطة اسم أمازيغي يرجع إلى العهد الذي كانت فيه دكالة منطقة أمازيغية بامتياز.
أما اليوم فإن بنايات طازوطة تعاني الإهمال وانهيار أحجارها وتآكل أ جزائها،مما ينذر بانهيارها كليا، مع العلم أن صيانتها قد لا تكلف شيئا، و في هذا المجال،فإننا نشير بأننا كنا قد أشعرنا مرارا بالحالة التي هي عليها بنايات طازوطة وأنها آيلة للانهيار في أية لحظة بسبب انهيار بعض من أحجارها في جل أجزائها وسرقتها ولم نلق أذانا صاغية.وبينما كان أحمد شهيد يعطي بعض الشروحات عن هذه البنايات، تملكنا الشجى والشجن لمصير هذه البنايات الرائعة التي هي منا ونحن منها.
ابتهجت زاوية الشرفاء القواسم بأهلها وبالقادمين إليها بغرض الاستمتاع بالأجواء الربيعية التي تعيشها المنطقة ،حيث اعتادت من حين لآخر استقبال عدد كبير من عشاق الرحلات البرية القادمين لها من داخل المملكة ومن الدول الشقيقة الحبيبة الخليجية. كما تشتهر زاوية الشرفاء القواسم باحتوائها على عدد مهم من الصقور ،حيث يجد الصقارون الشرفاء القواسم متعة في اقتناص الصقور. ومنطقة قبيلة الشرفاء القواسم تتجاوز كل الأبعاد لتجسد اللا مكان واللا زمان، وتسحر بجمالها الاستثنائي كل من زارها نظرا لتميز سكانها بالقبول الطيب وحسن الضيافة ودماثة الأخلاق.
وبمدخل «الدراع»، استقبل الوفد من طرف الصقارين القواسم وكذا من طرف الحاجة زهرة والأستاذة فاطمة و الدكتورة ماريا والسي أحمد والسي ابراهيم داعين الجميع إلى تناول عدة أنواع من الحلوى المغربية والشاي المنعنع. مع العلم أنه قبل موعد «السفاري» تكلفت الحاجة زهرة والأستاذة فاطمة و الدكتورة ماريا بتهيئة عدة أنواع من الحلوى المغربية وكذا عدة أنواع من أطباق الأكل بالسمك الطازج، فيما تكلف السيد محمد الغزواني بتهيئة ما يسمى بالكبسة الخليجية بالبهارات وكل أنواع الأسماك و فواكه البحر، والتي قام بطهيها أمام أعين المشاركين في هذه الجولة الرائعة.
وبداخل المزرعة البيداغوجية النموذجية «الدراع»،أفرنة طبيعية تقليدية تسخن بالعود المحلي. وفي كل جنباتها، تجد تقريبا كل أنواع الطيور كالدجاج و الإوز والحمام و الحبارى و الحجل والديك الرومي، إضافة إلى الأبقار و الغنم و الجمال و الخيول. كل هذه الطيور تمرح بين هدير المياه الطبيعية والنباتات و الأشجار بشتى أنواعها. ولعل المكان الاستراتيجي لمزرعة «الدراع» يشكل المكان المناسب للهروب من تعقيدات المدينة وصخبها، بل وكذلك شحنة أساسية للعلاج من الاكتئاب والضغط النفسي.
وبعد وجبة الغذاء، تدخل السيد محمد الغزواني ليكشف للمشاركين في «السفاري» بعض أسرار عالم الصيد البحري و كذا عالم الصقور حيث قال« إن للصقور أنواعا عديدة وألوانها كثيرة فمنها الأبيض وهو الأفضل والأغلى ثمنا ثم الأسود ثم الأشقر ثم الأحمر ومنه (الأحمر العادي والمجهم والأشعل) ثم الأدهم، علما بأن الصقر الحر له سلالات عديدة، فهو يختلف من صقر إلى آخر من حيث أماكن التواجد ولون الريش، ويتميز الصقر الحر بالتحمل والصبر ومقاومته بعض الأمراض أكثر من صقر الشاهين، ولكن الصقر الشاهين يعتبر من أسرع أنواع الصقور على الإطلاق، ومنه الشاهين البحري والشاهين الجبلي وهي من أشجع الطيور وأخفها، وتتفوق على الصقر الحر من حيث المهارة في الصيد. ولعل أبرز مستلزمات الصقار في المقناص هي:
البرقع: وهو غطاء لتغطية رأس الصقر يصنع من الجلد ونحوه. الدس: وهو كف لحمل اطير. الوكر: قطعة من الخشب او الحديد لوقوف الطير عليها. المربط: حبل صغير من قطعتين يكون بين الوكر والسبوق. السبوق: حبل صغير يكون بين قدمي الصقر والمربط. المجول: قطعة من الحديد تكون بين قطعتي المربط لمنع التواء المربط على الصقر. الملواح: مجموعة من الريش يقوم الصقار بجمعها وغالبا ما تكون من ريش الحبارى ويستخدم في عملية التدريب. جهاز متابعة الصقر عن بعد والريشة ذات الذبذبة. كما يحرص بعض الصقارة على حمل بعض الأدوية البسيطة».
ومع أن الجولة كانت غير طويلة وغير كافية لسبر أغوار هذه المنطقة التي تحدثت عنها الكثير من كتب المناقب و التاريخ، فقد استغرقت يوما كاملا مع ضيوف رئيس جمعية الصقارين القواسم أولاد فرج السيد محمد الغزواني لدرجة أن المشاركين لم يكونوا يتصورون أن هذا الرجل و رجال الصحافة المرافقين لهم السادة المصطفى لخيار وأحمد شهيد و الحاج عبد المجيد نجدي لهم إلمام بكل صغيرة وكبيرة عن دكالة وأعرافها وتقاليدها سواء في مجال الصقور أو في مجالات أخرى،هؤلاء بطبيعة الحال أحبوا أن يعرفوا بدكالة خارج المملكة وبإرثها التاريخي والحضاري، وذلك أضعف الإيمان، حسب قول قيدوم الصحفيين المصطفى لخيار.
شكرا لشركة بوادي للصيد السياحي بدكالة التي يديرها السيد محمد الغزواني الدكالي و التي تؤسس اليوم لسياحة إيكولوجية تنمو وتزدهر في صمت. وهي سياحة تقوم على كل ما هو طبيعي ذي بعد ثقافي يحافظ على الأصالة و الموروث الدكالي الصرف.
وفي الأخير،تجب الإشارة إلى أنه من الضروري، إضافة إلى سمات التراث الحضاري، العمل بجد على التعريف بما تزخر به مواقع طازوطة و زاوية القواسم، بدون أي منازع، مما وهبهم الله من جمالية الطبيعة، ومن المزايا العديدة التي قد تزيد هذه المواقع الجغرافية قيمة من الوجهة الترفيهية والسياحية. كل هذا يفرض على كل واحد منا أن نتخذ من موقع قبيلة الشرفاء القواسم و بنايات طازوطة وقصبة بولعوان جوهر ذاكرة دكالة الشامخة.
ومن جهة ثانية، يجب على المسؤولين إرساء ركائز ثقافة المحافظة على تراث الإقليم، وتقوية أواصر التوعية بالافتخار بوجوده، ليتسنى إحاطته بما يستحق من الصيانة وخالص العناية وحتى الرأفة أيضا، وأخيرا وهو الأهم إنقاذ تراثنا المعماري من الإهمال وتخليصه من قبضة التطفل والعبث.