عبد الله الجباري الاثنين 14 ماي 2012 – 12:53 نشرت جريدة أخبار اليوم في عددها 734 استجوابا مع الشيخ محمد المغراوي زعيم وهابية مراكش، وضمنه السؤال والجواب الآتيين : “س : يصفك البعض بأنك ممثل التيار الوهابي في المغرب، ما رأيك ؟ ج : لكن، أنا لا أعرف شيئا اسمه الفكر الوهابي، أقسم لك بأنني ما سمعت أبدا شيئا اسمه الفكر الوهابي، لم أعرف ذلك طيلة سنوات دراستي، لذلك أنا أريد أن أعرف هذا الفكر، وإذا تفضل أحدهم وشرح لي ما هو سأكون له شاكرا، إنهم يخوفوننا بالغول، بينما نحن لم نر الغول أبدا في حياتنا، أنا رجل حفظ القرآن الكريم، ودرس كتب السنة، ولا أعرف شيئا غير ذلك”. هذا جواب ذ. المغراوي بنصه، وأول ما يلاحظ على فضيلته الآتي : • التسلح بالكذب : لقد سمع الصغار والكبار بالفكر الوهابي، وعلم به الصحفي السائل، وكتبت حول هذا الفكر مصنفات ومقالات، ومع ذلك يحاول الأستاذ المذكور إيهامنا بأنه ما سمع به أبدا، أيعقل هذا ؟ نعم، قد ينكر انتماءه إلى هذه المنظومة الفكرية، وقد ينتقد من أطلق عليها اسم الوهابية، أما أن ينكر سماعه بها فهذا عين الكذب، كان حريا بفضيلته أن يترفع عنه. • أحس ذ. المغراوي بكذبه، وحاول إقناع القراء به، فتذرع بالقسم، لكنه لورعه تجنب اليمين الغموس، فأقسم بدون مقسم به، فقال : “أقسم لك بأنني ...”، فبمن أقسم ؟ أما حقيقة المذهب الوهابي وانتساب الأستاذ المغراوي إليه فيتجلى من خلال الآتي : مرتكزات المذهب الوهابي : • المرتكز الأول : الانتصار للتيار الحنبلي المتشدد في العقيدة والفقه : يعتبر المذهب الحنبلي من أكثر المذاهب تمسكا بظواهر النصوص وتشبثا بحرفيتها مقارنة مع المذاهب الثلاثة الأخري، وقد تبلور فيما بعد تياران داخل المذهب، أولهما : آراء إمام المذهب وبعض المتقدمين كالخرقي والخلال وغيرهما، ثانيهما : الآراء الأكثر تشددا في قضايا فقهية عديدة، بعضها خولف فيها الإجماع، ويمثل هذا الرأي كثير من الحنابلة، لكنه برز أكثر مع ابن تيمية وظهر جليا مع محمد بن عبد الوهاب. والأمر ذاته نجده في العقيدة، حيث كان الإمام أحمد مفوضا غير مؤول ولا مشبه، غير أن بعض الحنابلة بالغوا في الإثبات والتجسيم، ووقعوا في طامات وأوابد عقدية خطيرة جدا، مثل أبي يعلى الفراء وأبي إسماعيل الهروي، وسايرهم في ذلك من بعدهم من المتأخرين أمثال ابن تيمية وابن القيم وورثهم في هذا الانحراف العقدي محمد بن عبد الوهاب، حيث أثبتوا لله الجسم والمكان وغيرهما مما لا يجوز الاسترسال فيه في هذا المقام، امتثالا لنصيحة حجة الإسلام الغزالي “إلجام العوام عن علم الكلام”. وللشذوذ العقدي مثيل في الفقه ونظير له، فما كان في المسألة من آراء إلا اختار الوهابية أعنتها وأشدها، تعسيرا على المسلمين وتضييقا عليهم، وإذا كان الأصل في الأشياء الإباحة كما قرر العلماء، فإن التحريم أقرب إلى الوهابية من حبل الوريد، به يبدأون، وعليه يعتمدون. ولن نسوق الأمثلة والنماذج من كتب رواد المذهب، بل نعتمد في تدليلنا على ما صدر من ذ. المغراوي نفسه، لنجعل أقاويله برهانا على انتمائه لهذا المذهب الذي أنكر سماعه به. - سئل فضيلته عن حكم سياقة المرأة للسيارة، فرجح التحريم، بناء على محاذير عديدة توهمها وبنى عليها حكمه، من ذلك “أن السيارة قد تتعرض لآفات كثيرة تقتضي من المرأة بذل مجهود كبير في إصلاحها مما يضطر المرأة إلى الوقوع في حرج كبير، ... وقد يقع حادث فتُصدَم سيارتها أو تَصدِم سيارة أخرى، والسيارة المصدومة فيها رجال أوباش يتحرشون بالنساء، وهي في بعد عن الناس، ولا تستطيع أن تستغيث بأحد، ... فيُفعل بها ما لا يحمد عقباه، ... وقد تنقلب سيارتها وتتعرض للعري في أخص عوراتها وأخص زينتها...” . لم يكن الشيخ مجتهدا في إصدار هذا الرأي الفقهي المتشدد، بل كان ممثلا لوهابية الحجاز مكررا لصداهم، حيث يجعلون من مسألة سياقة المرأة من المحظورات التي لا تباح ولو للضرورة، وإذا اعتمدنا تعليلات ذ. المغراوي فإننا نقول بحرمة ركوب المرأة للسيارة ولو لم تكن سائقة، لأن السيارة قد تنقلب ثم تتعرض المرأة للعري الذي بنى عليه فتواه، فهل الشيخ يحرم هذه الحالة أيضا ؟ أم أن فقهه لا تدور فيه العلل مع الأحكام وجودا وعدما ؟ - ولما سئل فضيلته عن التصوير الفوتوغرافي قال ما نصه : “والتصوير في حد ذاته منكر، لا يجوز إلا للمصالح الشرعية كتطبيب أو معاملة تفرضها الدولة كالجواز ... وما سوى ذلك فعبث وإثم وعدوان” ، وقال في فتوى أخرى : “والتصوير في أصله زور وبهتان، فمن رأيته في صورة فليس هو الشخص المرئي حقيقة، فالشخص المرئي إما أن يكون ميتا مضت عليه أزمنة وأكل التراب عظامه ولحمه، وإما أن يكون غائبا ... أما ما يسميه الناس بالصور التذكارية فهو من السفاهات المعاصرة التي لا معنى لها إلا السفه ...” ، هذه أهم التعليلات التي بنى عليها ذ. المغراوي فتواه، لكنه استدل في الفتوى الأولى بحديث “لعن النبي المصورين”، واستهل الفتوى الثانية بأن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أدخل ما يتعلق بالتصوير في باب المعتقد. لعل القارئ لمس ما في تعليلات الفقيه الوهابي من سخافات، ولنا عليها عدة ملاحظات : أولا: لم يكن الشيخ مجتهدا في هذه الفتوى كسابقتها، بل مكررا لصدى رواد الوهابية المعاصرين من أمثال ابن باز والألباني ومن على شاكلتهما. ثانيا : أبان الشيخ عن قصور فكري يؤطر رؤيته الفقهية، فهو لا يستطيع قراءة غير كتب أقطاب مذهبه، ومن هم على نحلته، أما أئمة الفقه ورواد الفتوى في هذا العصر فالوهابية عنهم ناكبون، وعن مصنفاتهم معرضون، وكان يكفيه أن يقرأ كتاب العلامة المجتهد المتمكن محمد بخيت المطيعي رحمه الله وأسكنه أعلى الجنان، المعنون ب “الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي”. ثالثا : توضح هذه الفتوى بجلاء ضعف ذ. المغراوي في اللغة العربية، التي بدونها لا يُتمكن من فهم القرآن والسنة، ودوننا فهمه لحديث “لعن الله المصورين”، لأن التصوير في الحديث وفي اللغة معناه الخلق، ومن أسماء الله الحسنى “المصور”، وهو القائل “هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ”، بمعنى يخلقكم، ولنا عدة نصوص تفيد هذا المعنى وترجحه، أما التصوير الفوتوغرافي فليس خلقا، لذلك لا يعد تصويرا حقيقة، بل هو عكْسُ صورةِ الإنسان فقط، مثل عكسها على المرآة سواء بسواء، فمن حرم التصوير الفوتوغرافي لزمه القول بتحريم المرآة والنظر إليها، وهذا لا يقوله عاقل، ولو تتبع الشيخ ألفاظ وروايات الحديث لفهمه على الوجه السليم، ولكن أنى له ذلك. رابعا : بيّن ذ. المغراوي في فتواه أن إمامه محمد بن عبد الوهاب أدخل مسألة التصوير في باب المعتقد، وهذه إحدى سمات المنهج العام للمدرسة الوهابية، حيث يعالجون قضايا الفروع الفقهية ضمن المباحث العقدية، ومعلوم أن الفقهيات تناقش وفق ثنائية الصواب والخطأ، أما أمور الاعتقاد فتؤطَّر وفق ثنائية الكفر والإيمان، وشتان بين الأمرين. • المرتكز الثاني : نبذ التصوف بإجمال : لعل المتتبع للإنتاج الفقهي والدعوي للوهابية يلمس بجلاء رفضهم للتصوف والصوفية من دون تفصيل أو تمييز، وهو ما يجسده ذ. المغراوي في كثير من فتاويه وكتبه، ومنها كتابه المتهجم على “دلائل الخيرات” للإمام الجزولي أحد سبعة رجال المشهورين في مراكش. أما في الفتاوى، فحدث عن حربه على التصوف وأهله ولا حرج، من ذلك أنه سئل عن السبحة التي يستعين بها الصوفية وغيرهم في ضبط الأذكار، فقال ما نصه : “ما يسمى بالسبحة هو من شعار المبتدعة، فهو شعار التيجانية والدرقاوية والبودشيشية وغيرهم من فرق الضلالة، فلا يجوز استعمالها ولا بيعها، بل ينبغي قطعها وإتلافها” . هكذا يصدر فضيلته حكما قاسيا جدا، لكنه غير مبني على أساس علمي ألبتة، ولنا أن نتصور لو خرج أتباعه ومريدوه من زاويتهم “دار القرآن” وعمدوا إلى إتلاف وقطع ما وجدوا من السبح ولو كانت في أيدي أصحابها، ألا يعد الشيخ مثيرا للفتنة ومحرضا عليها بفتواه الآنفة الذكر. ولما سئل عن تأليف ابن القيم لكتاب مدارج السالكين الذي شرح فيه كتاب منازل السائرين – وهو من المصنفات النفيسة في التصوف – تطاول عليه وتعالم على حضرته وقال : “ما كان ينبغي له أن يشرح هذا الكتاب، ولو بذل جهده ذلك في شرح كتاب سلفي لكان أنفع”. ولم يقف عند حدود ابن القيم، بل تجاوزه إلى عَلَم من أعلام المسلمين، هو الإمام عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، حيث سئل عن كتابه “الفتح الرباني” فأجاب للتو : هو كتاب ضلالة، هو من كتب الخرافات. آه على واقعنا وألف آه، المغراوي يُسأل عن الإمام عبد القادر ومصنفاته، والسائل ينتظر جوابه تعديلا أو تجريحا. ولكي لا يترك السائل في حيرة، عرض عليه ذ. المغراوي كتبا بديلة يجد فيها الخلاص، وهي: “كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب وصحيح البخاري والعقيدة الواسطية لابن تيمية واقتضاء الصراط المستقيم له وصفة الصلاة للألباني وصفة الحج له ..” أول بديل يطرحه الأستاذ المفتي هو كتاب التوحيد لإمام مذهبه، وقدمه في الذكر على صحيح البخاري، ولا غرابة في ذلك، فكتاب التوحيد لابن عبد الوهاب مصحف الوهابية الأقدس. • المرتكز الثالث : العنف بأنواعه : يتميز الخطاب والفقه الوهابيين بالعنف اللفظي والمادي، ويكفي أن نذكر بأن المذهب الوهابي بني بالسيف والدماء والأشلاء، حيث عمد محمد بن عبد الوهاب ومن معه إلى حصر مصطلح أهل السنة والجماعة على طائفتهم، ووصم كل من عاداهم من الصوفية والأشاعرة والماتريدية بالبدعة والضلال، وأن لا خيار لهم إما إعلان التوبة على أيدي الوهابية أو الإبادة، ولن ينسى التاريخ غارات ومجازر الوهابية في الحجاز، حيث قتلوا الرضع والصبيان، وقتلوا العلماء والفقهاء، منهم السيد يوسف الزواوي شيخ مشايخ الشافعية بمكة وقد ناهز الثمانين، والسيد عبد الله الزواوي مفتي الشافعية بمكة، والشيخ عبد الله أبو الخير قاضي مكة، والشيخ سليمان بن مراد قاضي الطائف، وغيرهم كثير. أما اليوم، فكل من تلطخت أيديهم بالدماء في العالم كانوا من خريجي هذه المدرسة وأفكارها، وقانا الله شرها. أما العنف اللفظي فهو شعار الوهابية ورمز نحلتهم، ويكفي أن نذكر بفتاوى التكفير والتبديع والتفسيق التي توزع في المنشورات والأشرطة، ولو تتبع الإنسان ما صدر عنهم من الألفاظ النابية في حق علماء الأمة ورموزها كالشيخ محمد زاهد الكوثري والعلماء الصديقيين الغماريين والدكتور محمد علوي مالكي والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزالي وذ. فهمي هويدي والشيخ راشد الغنوشي والدكتور حسن الترابي وغيرهم من الأفاضل لاستخرج معجما من الشتائم ترفعتُ عن ذكرها في هذا المقام. • المرتكز الرابع : عدم إنزال النبي المكانة اللائقة به : لعل التراث الصوفي في مدح النبي وإطرائه والتعلق به يفوق العد والحصر، ولا نجد عند الوهابية عُشر ذلك أو أقل، بل تخصصوا في تتبع ألفاظ وعبارات محبي الجناب النبوي الشريف نقدا وتزييفا، مثل صنيعهم مع الإمام البوصيري صاحب البردة والهمزية الشهيرتين، أو مثل صنيع ذ. المغراوي مع الإمام الجزولي رحمه الله. نعم، يذكر الوهابيون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذكرهم له كذكر المستشرقين سواء بسواء، ولنا أن نستمع إلى شريط لأحدهم حول السيرة النبوية أو غيرها، فإن درسه مليئ بقوله : قال محمد ..، فعل محمد ..، زار محمد ... أهكذا يتحدث العلماء الربانيون عن نبيهم ؟ وما الفرق بينهم وبين أبي جهل ؟ ألم يكن يسميه محمدا كما يسمونه ؟ ولم يتوقفوا عند هذا الأمر، بل تجاوزوه إلى نقد كل من أضاف لفظ السيادة إلى اسمه الشريف بدعوى البدعية وغيرها. أما آثار النبي وآل بيته الأطهار فعمل الوهابية على محوها من الحجاز، لأنها تنافي التوحيد بالمفهوم الخاص لابن عبد الوهاب، ولنا أن نستغرب حقا من وجود الآثار الفرعونية والرومانية واليونانية وغيرها في بلادنا العربية، ولا نلفي أثرا للنبي صلى الله عليه وسلم أو للسيدة فاطمة الزهراء في أرض الحجاز، ويكفي أن نذكر أن المسلمين تشبثوا بكل آثار الحبيب المصطفى هناك، فحافظوا على البيت الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم، ولما ساد الوهابية حولوه إلى كتاب لتدريس القرآن، وهو الآن مكتبة. ومن غلو الوهابية – وكل فكرهم غلو – أن أحدهم أفتى بإخراج الروضة الشريفة من المسجد النبوي، وكأن وجود القبر الشريف هناك يهدد العقيدة الإسلامية وينسف بنيانها. هذه أهم مرتكزات المذهب الوهابي وأسسه، حاولت تبليغها للأستاذ المغراوي الذي طلب منا توضيحها له في الاستجواب المذكور أعلاه، كما حاولت أن أبرز انتماءه الفكري والأيديولوجي لهذا المذهب. وإذا كان علماء المغرب قد انبروا على مر العصور للرد على النحلة الوهابية في مهدها، منذ الشيخ الطيب بنكيران وحمدون بلحاج وغيرهما، فما السر في زيارة وزير العدل والحريات للأستاذ المغراوي في مقره ومركزه ؟ ورغم ذلك أجدني متفقا مع الأستاذ الرميد الذي صرح بأن الناس يذهبون إلى مراكش لمعصية الله. حقا، يحجون إلى مراكش من كل أنحاء المغرب لينصتوا إلى محاضرات المغراوي التي تدعو إلى التجسيم، يحجون إلى مراكش ليؤطرهم ذ. المغراوي بالفكر المتشدد والفقه الشاذ. يقصدون مراكش من كل فج عميق ليتعلموا تضليل الناس وتفسيقهم. أليست هذه عين المعاصي يا وزير العدل والحريات ؟