"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة خاصة في شبه فتوى الحاخامات الجدد المستوردة من الخليج و الجدل العقيم
نشر في أنا المغرب يوم 28 - 08 - 2009

الأستاذ معمر بوضرسه من الجزائر
دراسة خاصة لجريدة أنا المغرب
دراسة خاصة في شبه فتوى الحاخامات الجدد المستوردة من الخليج و الجدل العقيم.
أثار كتاب شيخ الزاويا العلوية « التصوف: الثرات المشترك»، زوبعة صحافية قادتها جمعية العلماء المسلمين ضد شيخ الزاويا و وضفته بأشنع الصفات دون تقديم برهانها و نقدها لما جاء في النص المكتوب، و اقتصرت على ما جاء من رسوم وصفتها أنها مسيء لرسول الله. و لم تقدم البرهان و البينة على ما تدعي، و اكتفت بنشر شبه فتوى مستوردة من الخليج دون أن تصدر فتوى من علمائها إن كان لها علماء أصلا، أو أن التسمية هي ستار لجهلة انتحلوا صفة علماء.
و أريد بهذه الدراسة أن أبين ما جاء في هذه الفتوى و ما جاء في كتاب الله من آيات محكمة تدلنا على جهل هؤلاء الذين يمنعون كل شيء و يحرمون كل شيء لا يتماشى و جهلهم و شهواتهم و ظنونهم و أهوائهم. و أذكر في هذه الدراسة المراجع و الأدلة القطعية و ليس الظنية كما يفعل هذا القوم.
ليس هناك سلطة دينية في الإسلام.
جاء في كتاب عبد الرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد» في الفصل الخاص « الاستبداد و الدين» ما يلي:« ثم جاء الإسلام مهذبا لليهودية و النصرانية مؤسسا على الحكمة و العزم هادما للتشريك بالكلية، و محكما لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الديمقراطية و الأرستقراطية، فأسس التوحيد و نزع كل سلطة دينية أو تغلبية تتحكم في النفوس أو في الأجسام، و وضع شريعة حكمه إجمالية صالحة لكل زمان و قوم و مكان.»
و قبلها يكتب في حق رجال الدين النصارى ما يلي:« و هكذا صارت النصرانية تعظم رجال الكنهوت إلى درجة اعتقاد النيابة عن الله و العصمة عن الخطأ و قوة التشريع.»، أي أن رجال الدين المسيحي نابوا عن الله، و خصوا أنفسهم بالعصمة من الخطأ و أصبحوا قوة تشريع في مكان الله. و انتهج رجال الدين الإسلامي هذا المنهج، حيث حرفوا كلام الله، و منحوا أنفسهم و جهلهم العصمة و أصبحوا يشرعون في مكان الله.
و من جهته، كتب محمد البشير الإبراهيمي، ثاني رئيس جمعية العلماء المسلمين بعد عبد الحميد ابن باديس، في العدد 7 لسنة 1947 لجريدة « الصائر» ما يلي:« جهل المسلمون حقائق دينهم، و جهلوا الحكم المنطوية تحت أحكامه، و من أسباب ذلك جفاف الفقه عند الفقهاء لأخذهم إياه من كتب تعلم الأحكام و لا تبين الحكم». كما كتب في العدد 144 من نفس الجريدة لسنة 1951 ما يلي:« فوقعت الأمة فريسة للمبتدعين في الدين، و المتسلطين في الدنيا، و المتبعين لأهوائهم في الدين و الدنيا..». كما كتب في العدد 163 من نفس الجريدة لسنة 1951 ما يلي:« و أفكر في قومي المسلمين فأجدهم قد ورثوا من الدين قشورا بلا لباب، و ألفاظا بلا معاني، ثم عمدوا إلى روحه فأزهقوها بالتعطيل، و إلى زواجره فأرهقوها بالتأويل، و إلى هدايته الخالصة فموهوها بالتضليل، و إلى وحدته الجامعة فمزقوها بالمذاهب و الطرق و النحل و الشيع...». كما كتب في العدد 122 لنفس الجريدة لسنة 1950 ما يلي:« كان الإسلام عزيز الجانب...يوم كان يدافع عن نفسه بروحانيته القوية، و حقائقه الواضحة، و عقائده الصافية، و أحكامه السمحة، و آدابه القويمة، و حكمه المتحكم في العقول...فلما ضعف سلطانه على نفوس أبنائه ضعف سلطانهم على الأرض فاختل فتلاشى، ذلك يوم أصبح قرآنه أغاني على الألسنة، لا أشفية للصدور، و أحاديثه أحاديث للتلهية و التغرير، لا معادن للأحكام و الأخلاق، و يوم قضى على عقائده بالخرافات، و نسخت أحكامه بالعادات، و بدلت آدابه بالتقاليد...». كما كتب في العدد 177 من نفس الجريدة لسنة 1951 ما يلي:« ظهر “رجال الدين” بمظهر مناقض للدين، فكشفوا الستر، عن حقيقتهم المستورة، و وقفوا في صف الحكومة مؤيدين لها، خاذلين لدينهم و للمدافعين عن حريته، مطالبين بتأييد استعباده، عاملين بكل جهد على بقائه بيد حكومة مسيحية تخربه بأيديهم، و تشوه حقائقه بالسنتهم، و تلوث محاريبه و منابره بضلالهم...و تمسخ أحكامه بفتاويهم...» ، أي أن أحكام الله نسخت بفتاوي من رجال الدين. كما كتب نصا آخر خاص بمنصب المفتي و احتكار إصدار الفتاوي من أي سلطة دينية رسمية أو غير رسمية، حيث يكتب في العدد 58 لنفس الجريدة لسنة 1948 ما يلي:« إن وظيفة المفتي من أساسها تزوير على الإسلام، لأن الفتيا في الحلال و الحرام حق على كل عالم بالأحكام مستوف للشرائط المقررة في الدين..»
هذا ما أخرجته من كتابات محمد البشير الإبراهيمي الخاص بجهل رجال الدين الإسلامي لدينهم و نسخ أحكامه بفتاويهم التي لا تبين الحكم، حيث وصف منصب المفتي بتزوير الدين، و سمح لكل عارف بأحكام ألله أن يفتي في الحلال و الحرام، أي أن ديمقراطية إصدار الفتاوى هي القاعدة لكل عارف و عالم بأحكام الدين و ليس الجاهل بها. لكن الواقع يدلنا أن المفتيون الجدد لا يعرفون أحكام الله الواردة في كتابه و يتصرفون كأنهم ألهة جدد يتقنون الحلال على الغير و الحلال على أنفسهم. و أصبحوا شركاء مع الله الوحيد الأوحد. و سأقدم البراهين القرآنية على ذلك في الفصل الخاص بحكم الإفتاء.
الغزالي و ثقافة رجال الدين الإسلامي.
بعد الكواكبي و محمد البشير الإبراهيمي، درس محمد الغزالي ثقافة رجال الدين الإسلامي في كتابه « كيف نتعامل مع القرآن»، استخرج منه ما يلي:« الثقافة الإسلامية بالصورة التي انتهت إليها الآن، لا تسر مسلما حريصا على ثقافته، لأنها ابتعدت عن الينابيع الأصلية من الكتاب و السنة، و توقفت عند الحدود التي جمدت عندها مدارس الفكر الإسلامي....المشكلة أن العقل الإسلامي توقف عن النمو في هذه المجالات- لعدة أسباب- مع أن موضوع القرآن هو الإنسان....إن الأمة الإسلامية حدث فيها، للعجب، أنها تركت الكتاب للسنة، ثم تركت السنة لأقوال الأئمة..ثم تركت أقوال الأئمة لمؤلفي المتون....أما الاتصال بالقرآن نفسه كمصدر، فأبعد هذا عن الثقافة الإسلامية.». و يمكن للقراء أن يستنجوا من هذا الاقتباس عدة عبر و ويخرجوا بخلاصة مفادها أن علم رجال الدين اليوم و ثقافتهم بعيدة كل البعد عن أحكام الله و شرعه المدونة في كتابه و هو القرآن. هذه الثقافة الجديدة و هذا العلم الجديد ليسا من القرآن، بل نسيج خيالهم و شهواتهم و ظنونهم و أهوائهم. و سوف أقدم البرهان على الفتوى المستوردة من الخليج، على أنها خارجة عن أحكام الله، و أنها حكم بعض الناس الذين لبسوا ثياب العلم للكيد بالمسلمين و حجب جهلهم الأكيد بأحكام الله.
تعريف الفقه عند ابن خلدون.
عرف ابن خلدون في كتابه « المقدمة» الفقه أنه علم و يكتب ما يلي:« الفقه هو معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين، بالوجوب و الحذر و الندب والكراهة و الإباحة، و هي متلقاة من الكتاب و السنة و ما نصبه الشارع من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة قيل لها فقه....اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية و أجلها قدرا و أكثرها فائدة، و هو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام و التآليف. و أصول الأدلة الشرعية هي الكتاب الذي هو القرآن، ثم السنة المبينة له.» و تطرق أيضا في نفس الكتاب إلى منهج القياس و عرفه و إلى منهج الإجماع أو الجماعة و عرفه. و ذكر الخلافات الموجودة في عدة ميادين، حتى أصبح الترجيح هو السبيل الوحيد، لكن الترجيح ليس اليقين و ليس العلم، أي أنه رأي شخصي فقط، لأن أحكام الله معلومة و معروفة في كتاب الله و جاءت في آيات محكمات و ليس متشابهات.
هذا ما كتبه ابن خلدون في تعريفه للفقه. و لم يذكر التحريم و الإحلال من اختصاص الفقه، لأن أحكام التحريم و الإحلال من أحكام الله و ليس من أحكام الفقهاء. كما ذكر ابن خلدون أن الفقه يستخرج من كتاب الله كما تستخرج الأدلة الشرعية الخاصة به، أي أن الفقه و أدلته مستخرجة من كتاب الله و ليس من أهواء الفقهاء. كما أن الأدلة تستخرج أيضا من السنة المبنية للقرآن و ليس السنة الخارجة عنه أو الغريبة عنه.
كما يذكر في كتابه أن الفقه انقسم إلى طرقتين، الطريقة الأولى هي طريقة أهل الرأي و القياس و الطريقة الثانية هي طريقة أهل الحديث. و بعدها جاءت المذاهب الأربعة المعروفة، و هي المذهب الحنفي نسبة لأبي حنيفة، و المذهب المالك نسبة لمالك بن أنس، و المذهب الشافعي نسبة للشافعي و أخيرا المذهب الحنبلي نسبة لأحمد بن حنبل. و يذكر ما يلي:« و على قولهم بعصمة الأئمة و رفع الخلاف عن أقوالهم، و هي كلها أصول واهية.». و هنا يتبين أن عصمة الأئمة الأربعة، كما ذكرها ابن خلدون هي صورة متطابقة لما كتبه الكواكبي فيما يخص رجال الدين المسيحي الذين أعطوا لأنفسهم العصمة، كما جاء ذلك في الفصل الخاص بالسلطة الدينية، أي أن الأئمة الأربعة حلوا محل الله و نابوا عليه، رغم وجود آية قرآنية صريحة تدلنا أن الله أعطى العصمة لرجل واحد و هو رسوله، محمد، و ليس لغيره من البشر. و جاء ذلك في الآية 67 من سورة المائدة ﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾.
و من هذه الآية، يتبين أن، باستثناء رسول الله المعصوم من الله و ليس من نفسه كما عمل فقهاء المذاهب الأربعة، الناس يخطئون. و جاءت عدة آيات قرآنية صريحة تدلنا على حكم الله في الذين يخطئون بجهالة و هو العفو و التوبة و الذين يخطئون عمدا، و عقوبتهم جهنم.
التحريم: حكم الله و ليس حكم الفقهاء.
من بين ما تميز به الفقهاء في آخر الزمان هو التحريم، أي أنهم شرعوا في مكان الله، عوض ذكر حكم الله في الحرام و الحلال، كما جاء في كتابه. و من بين الآيات الدالة على ذلك، الآية الأولى من سورة التحريم التي نفت على رسول الله تحريم ما أحله الله ﴿ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك و الله غفور رحيم﴾. و الآية تدلنا في أخرها على سبب تحريم رسول الله ما أحله له. و هذا السبب هو تلبية رغبات أزواجه لإرضائهن.
و بعدما نفى على رسوله المعصوم بحكمه، نفى على الناس الإحلال و التحريم و وصف ذلك بالكذب عليه. و جاء ذلك في الآية 116 من سورة النحل﴿ و لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون.﴾. و جاءت آية أخرى تنفي على المؤمنين تحريم ما أحله الله، و هي الآية 87 من سورة المائدة ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.﴾
و بهذه الآيات، يتبين أن الله نفى على عباده و لو كانوا فقهاء حقا تحريم ما أحله هو، و ليس غيره. و جاءت آيات صريحة تدلنا على ما حرم الله في كتابه، أذكر منها: تحريم فدية الأسرى ( الآية 85 من سورة البقرة)، تحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير تحريما مقيدا و ليس مطلقا، حيث ذكر الاستثناء ( الآية 173 من سورة البقرة)، تحريم الأمهات و البنات و الأخوات و العمات و الخالات و بنات الأخت و الأخ ألخ...من النكاح و الزواج بهن، تحريم بعض المأكولات باستثناء الضرورة، مكملة لما جاء في الآية 173 من سورة البقرة، حيث تم إضافة المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع (الآية 3 من سورة المائدة)، تحريم الفواحش و الإثم و البغي ( الآية 33 من الأعراف)، تحريم المؤمن من نكاح الزانية و المؤمنة من نكاح الزاني ( الآية 3 من سورة النور)، تحريم قتل النفس (الآية 68 من سورة الفرقان)، الخ....و ليس هناك تحريم آخر غير التحريم المنصوص عليه في كتاب الله. و كل حكم صادر من البشر، يحرم فيه ما يريد هو كفر بكتاب الله و شرك، لأن حكم التحريم أنفرد به الله دون سواه. لكن كهانة الإسلام و حاخاماته الذين قلدوا رجال الدين المسيحي و اليهودية، أعطوا لنفسهم سلطة الله، أي أصبحوا شركاء معه، أي أنهم من المشركين، رغم تسترهم بدين الإسلام.
الإبداع حلالا طيبا.
إن الإبداع في جميع ميادين الحياة ليس محرما من الله، بل حلالا طيبا، حتى في طريقة حب الله، و التعبير على هذا الحب. و جاء ذلك في آية محكمة خاصة بالمسيحيين، حيث ابتدعوا الرهبانية ابتغاء رضوان الله، رغم أنها لم تكن موجودة في كتابهم. و جاء ذلك في الآية 27 من سورة الحديد ﴿ ثم قفينا على آثرهم برسلنا و قفينا بعيسى ابن مريم و آتيناه الإنجيل و جعلناه في قلوب الذين اتبعوه رأفة و رحمة و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم و كثير منهم فاسقون.﴾. و ليس في هذه الآية ما يدلنا أن الله حرم الإبداع من أجل رضاه، و التقرب منه أو التعبير على حب الناس له و لرسله و الملائكة، و كل مخلوقاته، منها الأرض و الشمس و القمر و البحر و الكواكب، أي الكون كله. و رسم الفنانون كل هذه الكائنات، كما رسموا الحيوانات و هي من خلق الله. لماذا لم يحرم حاخامات الإسلام هذه الرسوم؟ و جاءت عدة آيات قرآنية محكمة تدلنا أن الله زين الكون، و الرسم هو تزيين أيضا. كيف يحرم حاخامات الخليج ما أحله الله و جعل منه زينة حياة الدنيا كما زين هو الكون.
العمل بالمتشابه في القرآن.
جاء في كتاب الله، في الآية 7 من سورة آل عمران تصنيف آيات القرآن إلى صنفين، و هما الآيات المحكمات و هن أم الكتاب و الآيات التشابهات. و وصف الذين يتبعون الآيات المتشابهات عوض الآيات المحكمات بأن في قلوبهم زيغ ابتغاء الفتة و التأويل، رغم أن الله أكد أن تأويل الآيات المتشابهات لا يعلمه إلا هو، و العلماء لا يؤولونها بل آمنوا بها و يذكرونها ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله، و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا و ما يذكر إلا أولوا الألباب.﴾. و من هذا المنهج القرآني المحكم و الصريح، يتم العمل بكل شيء محكم، و ليس مبهم أو متشابه أو مماثل. و كل عمل بالمتشابه و المماثل فهو ابتغاء الفتنة و التأويل، و ليس الحكم البين. و حث الله، في كتابه، في عدة آيات العمل باليقين و ليس بالظن، لأن الظن ليس الحق و العلم، أذكر منها الآية 12 من سورة الحجرات ﴿ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ....﴾. و اجتناب الظن هو سلوك طريق اليقين و حكم الله لأنه هو الأحسن كما جاء ذلك في الآية 50 من سورة المائدة ﴿ أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون.﴾. و يقنون، هو فعل مضارع لفعل يقن، و يشتق منه اليقين.
وصف الرسول في كتب الفقه.
تم وصف رسول الله، محمد، في عدة كتب، و كان الوصف جزيئا أو تاما. و من بين هذه الكتب التي تم وصفه، أذكر منها كتاب «البداية و النهاية» لأبن الكثير، حيث أنه خص وصف رسول الله بأكثر من 65 صفحة جمع فيها كل رواة صفة رسول الله. و جاء بعده كتاب مصطفى صادق الرافعي « تاريخ آداب العرب» الذي خص فصلا لصفة رسول الله، زيادة على وصفه في كتاب مختصر صحيح مسلم، و كتاب الموطأ لمالك بن أنس. و كل ما دونه هؤلاء الكتاب هو تحويل أسلوب تعبير و هو القول إلى أسلوب تعبير أخر و هي الكتابة للتدوين و الحفاظ على التاريخ، لأن الأقوال تزول مع الزمن و ووفاة الذين سمعوها، عكس الكتابة التي تبقى محفوظة، و يمكن الإطلاع عليها و نسخها إذ لم تحرق الكتب. و تحويل أسلوب تعبير إلى أسلوب تعبير أخر ليس بحرام، لأن الله لم يحرمه. بل أكد في آيات صريحة و محكمة أن القرآن محفوظ في لوح، كما جاء ذلك في الآيتين 21 و 22 من سورة البروج.
و الرسم هو أسلوب تعبير خاص بالفنانين و المبدعين، و عوض استعمال الحروف و القلم، يستعملون الرسم بالريشة، كما أن الأفلام تحول قصص جاءت في الكتب إلى صور، حيث يمثل أشخاص حقيقيين أشخاص وهميين أو حقيقيين الذين جاء دورهم في الكتاب. و يذكر المخرج من أين أخرج عمله، هل من إبداعه الشخصي و خياله أو أنه مقتبس من كتاب ما لكاتب ما، أي أن مسؤوليته تنحصر في اختيار الممثلين و الأدوار التي يقومون بها مكان الأشخاص الواردة أدوارهم في الكتاب أو في القصة. و لأن صفة رسول الله مدونة في الكتب، يمكن تحويل أسلوب التعبير الكتابي إلى أسلوب تعبير أخر يفهمه و يحدبه الجمهور. لكن، كما دونت ذلك كتب التاريخ، فإن الوهابيين، و هي طرقية حجازية، حرموا الموسيقى و الرقص و الغناء و الدخان و القهوة منذ القرن التاسع عشر. و مع تطور وسائل الإعلام، حرموا أيضا كل الفنون منها السينما و الرسم التشكيلي، الخ....من فنون الإبداع. و لا تزال هذه المحرمات قائمة ليومنا هذا، لأنهم جمدوا الفقه و العقل و منعوا الرجوع لكتاب الله.
و اختلطت عليهم معاني الكلمات، حيث أن الرسم التشكيلي أصبح صورة عبد الحاخامات الجدد، و الوصف أصبح أيضا صورة. و لا يفرقون بين الرسم و الصورة و الوصف، رغم أن معنى صورة موجود في كتاب الله من خلال فعل «صور»، كما تدل على ذلك آيات صريحة و محكمة و ليس آيات متشابهة. و استخرج من كتاب الله بعض الآيات الدالة على ذلك التي جاء فيها فعل صور، منها الآية 11 من سورة الأعراف ﴿ و لقد خلقناكم ثم صورناكم...﴾، و الآية 6 من سورة آل عمران ﴿ هو الذي يصوركم في الأرحام...﴾، و الآية 73 من سورة الأنعام ﴿...يوم ينفخ في الصور عالم الغيب و الشهادة و هو الحكيم الخبير.﴾، و الآية 99 من سورة الكهف ﴿....و نفخ في الصور فجمعناهم جمعا﴾، و الآية 102 من سورة طه ﴿ يوم ينفخ في الصور....﴾، و الآية 101 من سورة المؤمنين ﴿ فإذا نفخ في الصور....﴾، و الآية 87 من سورة النمل ﴿ و يوم ينفخ في الصور...﴾، و الآية 51 من سورة يس ﴿ و نفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون﴾، و الآية 68 من سورة الزمر ﴿ و نفخ في الصور....﴾، و الآية 64 من سورة غافر ﴿...و صوركم فأحسن صوركم...﴾، و الآية 20 من سورة ق ﴿ و نفخ في الصور ذلك يوم الوعيد﴾، و الآية 24 من سورة الحشر ﴿ هو الله الخالق الباريء المصور له....﴾، الآية 3 من سورة التغابن ﴿ خلق....بالحق و صوركم فأحسن صوركم ....﴾، و الآية 13 من سورة الحافة ﴿ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة﴾، و الآية 18 من سورة النبأ ﴿ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا﴾ و أخيرا الآية 8 من سورة الانفطار ﴿ في أي صورة ما شاء ركبك﴾.
و ليس في هذه الآيات دلالة واحدة تحرم صورة رسول الله، لأنها منه و ليس من غيره. و كيف يحرم الله شيئا من خلقه على عباده؟ و الحقيقة هي أن رسول الله بشر فقط، اصطفاه الله و اختاره نبيا و رسولا و أعصمه من الناس. و كل ما ذكر في وصفه هي روايات عن أشخاص. و هذه الروايات تدلنا أن رسول الله من البشر وليس من الجن و الإنس. و لأنه من البشر تم وصفه، و الوصف هو معاينة الشكل الخارجي للجسم بالكتابة. و ما هو الفرق بين الوصف بالكتابة و الوصف بالرسم طبقا للوصف بالكتابة؟
الحاخامات الجدد أو شركاء الله الجدد أو المفتيون الجدد.
ظهر في السنوات الأخيرة طيف جديد من الارتزاق من حرفة جديدة أو مهنة جديدة و هي الإفتاء بالتحايل على كلام الله من عباد الله. و نشرت كتب، و اختصت قنوات فضائية في بيع سلعة جديدة، سميت فتوى، و نشرت جرائد و بثت قنوات إذاعية فتاوى متعددة من أشخاص متعددين، يفتون في كل شيء حتى في الغيب، رغم أنه من علم الله و ليس من علم البشر، كما نصت عليه آيات محكمة، أذكر منها الآية 38 من سورة فاطر ﴿ إن الله عالم غيب السماوات...﴾، و الآية 46 من سورة الزمر ﴿ قل اللهم فاطر السماوات و الأرض و عالم الغيب...﴾، و الآية 18 من سورة الحجرات ﴿ إن الله يعلم غيب السماوات و الأرض....﴾، و الآية 8 من سورة الجمعة ﴿ ...ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة...﴾،و الآية 22 من سورة الحشر ﴿ هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة هو الرحمن الرحيم﴾، و الآية 18 من سورة التغابن ﴿ عالم الغيب و الشهادة العزيز الحكيم﴾، و الآية 26 من سورة الجن ﴿ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد﴾. كل هذه الآيات تدلنا أن الله وحده لا شريك له هو عالم الغيب. رغم كل هذه الآيات الدالة إلا أن الدعاة الجدد و الوعاظ الجدد و المفتيون الجدد نصبوا أنفسهم علماء الغيب، أي أنهم صنفوا أنفسهم مع الله، أي أنهم أصبحوا شركاء معه، أي ألهة جدد يتبعهم الناس.
و قد تقدم ما كتبه محمد البشير الإبراهيمي الخاص بمنصب المفتي و هو إفساد الدين و أن الفتاوى هي محو أحكام الله الواردة في كتابه و استبدالها بأحكامهم، أي أنهم نصبوا أنفسهم دون سابق إنذار و إشعار ألهة جدد، أي شركاء جدد مع الله. و أقدم البراهين القرآنية الواردة في آيات محكمة على أن الله هو الوحيد الذي أفتى في كتابه و ليس غيره، أي أن صفة المفتي هي لله فقط دون الناس. و كل مفتي أصبح شريكا لله، لأن أحكام الله مدونة في كتابه في آيات محكمة كما ذكرت من قبل. لهذا، فإن كل من يصف نفسه بالمفتي فهو شريك الله. و جاءت آيات محكمة تدلنا أن اختصاص الإفتاء من سلطة الله وحده لا شريك له. و الآية الأولى التي تدلنا على ذلك هي الآية 127 من سورة النساء ﴿ و يستفتوك في النساء قل الله يفتيكم فيهن....﴾، و الآية 176 من سورة المائدة ﴿ يستفتونك قل الله يفتيكم.....﴾، و الآية 41 من سورة يوسف ﴿.... قضى الأمر الذي فيه تستفتيان﴾ و أخيرا الآية 46 من سورة يوسف ﴿ يوسف أيها الصديق افتنا في .....﴾.
و هذه الآية الأخيرة تدلنا أن النبي يوسف لم يفت في الموضوع، بل أوحى الله له، أي أن الإفتاء من اختصاص الله كما دلت على ذلك الآيات الأخرى المذكورة. لهذا، فإن كل مفتي هو شريك الله، لأن أحكام الله معروفة و مدونة في كتابه، و على الفقيه، أي العارف بكتاب الله استخراجها و ليس إصدار أحكام جديدة غير واردة في كتاب الله أو إلغاء أحكام الله بفتاوى جديدة، كما ذكر ذلك محمد البشير الإبراهيمي. و معنى الإفتاء، في اللسان العربي المبين هو جواب على سؤال. و دون سؤال ليس هناك جواب، أي فتوى. لكن الواقع يدلنا أن شركاء الله الجدد يصدرون فتاوى دون سؤال، أي أنها ليست بفتاوى، بل أهوائهم و شهواتهم، حيث حرفوا معنى الكلمة التي تعني جواب على سؤال، لكن شركاء الله الجدد يجيبون دون أن تطرح عليهم الأسئلة، كما أبين ذلك في موقف جمعية العلماء المسلمين في بيان لها خاص بكتاب شيخ الزاويا العلوية، حيث أفتت دون أن تسأل.
مسؤولية الفرد في كتاب الله.
جاء في عدة آيات محكمة من كتاب الله تحديد مسؤولية الفرد في الحياة، و منها حريته المطلقة و الغير المشروطة في الإيمان و الكفر، إلا الشرك بالله. و هذه الآيات هي أحكام الله أيضا، و ليس أحكام البشر الكافرة بكتاب الله، منها أولئك الذين نصبوا أنفسهم شركاء الله. و من بين هذه الآيات، أذكر منها الآية 29 من سورة الكهف ﴿ و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر...﴾، و الآية 2 من سورة التغابن ﴿ هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن....﴾. و جاءت آيات أخرى محكمة تدلنا أن الإيمان و الكفر بالله هي سلطته وحده لا شريك له. و لم يكلف بها أحد و حتى رسوله، حيث نهاه على إهداء الناس و لو كانوا أحبابه، كما دلت على ذلك الآية 272 من سورة البقرة ﴿ ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء...﴾، و الآية 56 من سورة القصص ﴿ إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين﴾. و هذا هو حكم الله في الدنيا، حيث أنه يهدي من يشاء و يضل من يشاء، كما دلت على ذلك آيات محكمة أخرى التي كفر بها شركاء الله الجدد الذين يريدون إهداء كل بشر العالم لدين الله، رغم أحكام الله الواردة في هذا الموضوع التي تدلنا أن الله لا يريد ذلك، أي أن شركائه الجدد أرادوا تحدي إرادته التي جاءت في كتابه، و خاصة في الآية 8 من سورة الشورى ﴿ و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن يدخل من يشاء في رحمته...﴾، و الآية 93 من سورة النحل ﴿ و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن يضل من يشاء و يهدي من يشاء...﴾، و الآية 142 من سورة البقرة ﴿...قل رب المشرق و المغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾. و جاءت آية أخرى خاصة بصوم رمضان و هي مسؤولية خاصة بمن شهد الشهر، أي أن حكم الله يطبق من طرف من شاهد الشهر و ليس من الجميع، و من لم يشاهد الشهر و يصوم، فقد خالف حكم الله، أي أنه كفر به. و جاءت الآية 185 من سورة البقرة تدلنا على ذلك ﴿ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن....فمن شهد منكم الشهر فليصمه....﴾.
و كما جاء في كتاب السيوطي « الإتقان في علوم القرآن»، فإن الفاء التي موجودة في “فمن” و في “فليصمه”، فهي رابطة الجواب بالشرط، و الشرط هو من شهد منكم، و هو مفرد و ليس جمع، و الجواب هو فليصمه، و هو مفرد و ليس جمع. يدلنا الواقع أننا كافرين بهذا الحكم المنزل من الله و المحكم و ليس المبهم و المتشابه، لأننا نتبع شركاء الله الجدد و ليس ما جاء في كتاب الله. و لا يتحمل المرء مسؤوليته الفردية و يتبع أهواء و شهوات شركاء الله الجدد، أي أنه لا يميز بين أحكام الله المدونة في كتابه و أحكام البشر المبنية على جهل كتاب الله من جهة و شهواتهم و أهوائهم من جهة ثانية. و من لا يميز بين الأمور و الأشياء و أحكام الله و أحكام البشر، شركاء الله الجدد، فهو أضل من الحيوان كما جاء هذا الوصف في الآية 44 من سورة الفرقان ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾. و هذا أيضا حكم الله على الذين لا يميزون، و لا يعقلون، و لا يسمعون أحكام الله و يطبقون أحكام شركاء الله الجدد.
دراسة لغوية و فقهية في بيان جمعية العلماء المسلمين
في هجومها ضد شيخ الزاويا العلوية، نشرت جمعية العلماء المسلمين توضيح أو بيان صدر في يومية « الخبر» ليوم السبت أول أوت 2009. و جاء في البيان أو التوضيح محتوى فتوى صدرت من مجلس المجمع الفقهي الإسلامي الذي كان يترأسه عبد العزيز بن عبد الله بن باز، و ذلك سنة 1985 الموافق لتاريخ 30 ربيع الآخر 1405. و طبقت جمعية العلماء المسلمين هذه الفتوى على محتوى الرسوم المذكورة في كتاب شيخ الزاويا العلوية، رغم أن الفتوى ليست خاصة بها. و كما جاء في نص البيان أو التوضيح فالقضية مماثلة، أي تشبهها.
و هنا وجب طرح عدة أسئلة: لماذا جمعية العلماء المسلمين نقلت و قلدت فتوى خاصة و طبقتها على الرسوم الموجودة في الكتاب؟ لماذا أصدرت جمعية العلماء المسلمين فتوى و هي لم يطرح عليها السؤال؟ لماذا طبقت بأثر رجعي محتوى فتوى صادرة سنة 1985 على رسومات القرون الماضية؟ لماذا قررت جمعية العلماء المسلمين أن الرسومات مماثلة؟ أين هي الأدلة على ذلك؟ هل طبقت منهج القياس أم منهج الجماعة؟ أم أنها لا تفرق بين هذا و ذاك؟ فالعمل بالمماثلة هو منهج القياس كما ذكره ابن خلدون، الذي يوضح لنا أن منهج المماثلة هو منهج التشابه، أي أن القياس يطبق على ما يتشابه في المواضيع، و تطرقنا في هذه الدراسة للآيات المتشابهات و من يعمل بها، أي الذين في قلوبهم زيغ يريدون الفتنة و التأويل. و نفس الحكم يطبق على من يتبع منهج المماثلة، و هو منهج جمعية العلماء المسلمين كما جاء في نص البيان. و لأنها لم تسأل، حسب ما ورد في الصحف، فلماذا تجيب على سؤال لم يطرح عليها؟ إنه الفقه المعكوس، حيث هناك جواب على سؤال لا نعرفه.
و المعروف أن جمعية العلماء تتبع منهج الجماعة، و الدليل على ذلك نقلها و تقليدها لفتوى صادرة من الحجاز و طبقتها في الجزائر، أي أن جمعية العلماء المسلمين مقلدة و ناقلة للفتوى دون دراستها. و لو كانت عالمة حقا كما تسمي نفسها، حيث أنها جمعية علماء، أي تجمع عدد كبير من العلماء. لكن البيان يؤكد العكس، أي أنها ليست جامعة لعلماء الدين الإسلامي، لكن تسمية فقط. و لو كان فيها علماء ما قلدت الفتوى، و أصدرت حكمها من صلبها بعد دراسة الموضوع على دراية و ليس على رواية.
و لو كان فيها علماء لا درست محتوى الفتوى و الكلمات الموجودة فيها التي تدلنا على جهل من أصدرها، منها « ...و مرفق به كتيب فيه صورة مرسومة...»، و الدارس لمعاني كلمة “صورة” و صفتها “مرسومة”، يدلنا أن أصحاب الفتوى لا يعرفون معاني الكلمات و اللسان العربي، لأن الصورة لا يمكن أن تكون مرسومة، و أن الصورة ليست الرسم، و لا يمكن وصف شيء بشيء معاكس. و لو استنجدوا بمنجد الطلاب لاكتشفوا معاني كلمة رسم، و استخرجوا المعنى المقصود و هو ” كتب و خط، أثار تمثيل شيء، النقش”، أما صور فلها معاني منها ” جعل له صورة، و شكل، ، و نقش، و تخيل”. أما المتعارف عليه اليوم و المعروف فهي الصورة الشمسية المطابقة للأصل، و هذا من المستحيلات لأنها الأشخاص الواردة أسماءهم في الفتوى من الأموات و ليس من الأحياء. و جاء في نص الفتوى « و بعد أن أطلع المجلس على الصورتين المذكورتين...»، أي أن المجلس أطلع على الصورتين اللتان فقدتا الصفة الأولى، و الإطلاع ما هو إلا الرؤية فقط. و من هذا، قرر المجلس تحريم ما يلي:
1) كل تخيل لرسول الله بالصور، كانت مرسومة متحركة أو ثابتة، و سواء كانت ذات جرم أو ظل، أو ليس لها ظل و جرم. و هذا التحريم ليس في محله، لأن الفتوى لا تستدل بأي نص من كتاب الله، بل هو حكم أهواء و شهوات أعضاء المجلس، لأنهم لم يحرموا طبقا لحكم الله، لكن طبقا لأهوائهم و آرائهم. و لهذا، فهي غير متطابقة مع شرع و حكم الله. كما أن الفتوى أجابت على أسئلة غير مطروحة، لأن السؤال خاص بالصور المرفقة أو الرسوم المرفقة، و لا يمكن معرفة الحقيقة لأن اللغة المستعملة هي لغة الإبهام و اللبس. و شملت عدة ميادين غير موجودة في السؤال، لهذا لا يحق تصنيفها بفتوى، لأن الفتوى تقتصر على جواب السؤال المطروح و ليس الجواب على أسئلة غير مطروحة. و الدليل موجود في الفتوى التي حددت أنواع الصور و هي مرسومة متحركة أو ثابتة، سواء كانت ذات جرم و ظل أو ليس عليها جرم و ظل. و السؤال المطروح خاص بالرسم و هو شكل ثابت أو الصورة و هي أيضا شكل ثابت. لماذا خرجت الفتوى عن الموضوع؟ و لأنها لم تحترم شرط الفتوى، و هو السؤال، فهي ليست بفتوى، بل تشبه الفتوى، لأن الفتوى هي الجواب على سؤال، لكن النص لا يذكر السؤال. رغم هذا سميت فتوى و حرمت ما تريد أن تحرم.
و ذهبت إلى أوسع من ذلك، حيث حرمت، دون وجود سؤال منع «المسئولين و وزارات الإعلام و أصحاب وسائل النشر منع تصوير النبي- صلى الله عليه و سلم- صورا مجسمة و غير مجسمة، في القصص و الروايات و المسرحيات و كتب الأطفال و الأفلام و التلفاز و السينما، و غير ذلك من وسائل النشر»، أي أنها، دون سؤال، أفتت، أي أن الفتوى غير شرعية لأنها تعد حدود السؤال. لهذا ترفض شكلا و مضمونا.
كما أن الفتوى شرعت، عوض أن تحكم بما أنزل الله. فهي جاءت بشرع جديد ليس موجود في كتاب الله، و شمل شرعها الجديد، زيادة على رسول الله، كل الصحابة. و الشرع ليس الفتوى، فالفرق واضح في اللسان العربي المبين. الفتوى هي جواب على سؤال. أما الشرع أو التشريع فهو إصدار أحكام جديدة. و هذه الأحكام الجديدة ليست موجودة في كتاب الله، لكنها حسب شركاء الله الجدد فهي من أحكام الله، لكنها غير موجودة في كتابه، فهي أحكامهم طبقا لشهواتهم و أهوائهم.
و الدارس لنص الفتوى، يكتشف أنها حرمت التخيل، أي كل تخيل لشخص رسول الله حرام، أي أنها تمنع على دهن الإنسان التفكير في صفة رسول الله، رغم أن شركاء الله الجدد يعلنون في الصحف و الجرائد و القنوات السمعية و البصرية أنهم شهدوا في أحلامهم و منامهم رسول الله، دون أن يسألون على وصفه. و هل رؤية رسول الله في المنام و الأحلام حرام؟ أليس هذا تخيل؟ أو أن الحلم أصبح حراما عند شركاء الله الجدد؟
و يختتم توضيح جمعية العلماء المسلمين بما يلي:«لذا فإن المجلس يقرر: بأن تصوير أي واحد من هؤلاء حرام، و لا يجوز شرعا، و الله أعلم.». و هذا الحكم لم يذكر حكم الله الذي يحرم تصوير رسول الله و الصحابة، و لا يذكر الشرع الذي يستخرج منه حكمه، هل هو كتاب الله أو كتاب أخر أو أنهم شركاء جدد لله يحرمون كما حرم هو في كتابه. و جاءت عبارة “و الله أعلم” للكشف على جهلهم، لأن الله دون في كتابه ما حرم، لكنهم لم يسروا لنا من أي مصدر جاء تحريمهم. و لو كانوا ذات يقين و علم لما اختموا فتواهم بهذه العبارة التي حرفوها من موضعها، لأنها جاءت في كتاب الله، في آية محكمة خص بها رسول الله دون سواه، و هي الآية 68 من سورة الحج ﴿ و إن جادلوك قل الله أعلم بما تعلمون﴾، و الآية 26 من سورة الكهف ﴿ قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات...﴾. و كما تدلنا هذه الآيات و أخرى جاء ت فيها كلمات “الله أعلم”، أو “ربكم أعلم”، فهي خاصة به و ليس للغير، كما كلف الأنبياء فقط بالرد بهذا الجواب، لأن علم الغيب من أحكام الله و ليس لبشر. و باستعمالهم هذه العبارة، يصفوا أنفسهم بالأنبياء و بالله، أي أصبحوا شركاء له.
و الحقيقة هي أن هذه الفتوى ليست الأولى من نوعها، حيث السلطات المصرية، عن طريق فتوى، منعت مسرحية عبد الرحمن الشرقاوي الخاصة بالحسين بن علي، و السيدة زينب، حيث أن سلطة المراقبة الدينية بجامعة الأزهر أعطت موافقتها في 4 أوت 1970، أي بعد أقل من شهر من طرح السؤال، و جاء جوابها بشروط و هي عدم تصوير الحسين و زينب أو بالتدقيق عدم تمثيل أدوار لهم، أي أن المنع أو التحريم قائم عند هؤلاء الشركاء الجدد لله. و يحق فيهم ما جاء في آية محكمة و هي الآية 25 من سورة النحل ﴿ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة و من أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون﴾
و لنقلها و تقليدها لحكم صادر من أتباع الوهابية و هي طرقية حجازية، و ليس فتوى، لأنها لا تحترم مفهوم الفتوى و هي الجواب على سؤال، برهنت جمعية العلماء المسلمين أنها مقلدة و تابعة للطرقية الحجازية، لأنها جعلت من لحكم حجازي ذريعة للتهجم على شيخ الزاويا العلوية ليس بالبراهين، بل بطريقتها المألوفة الاتهام بالباطل و السب و الشتم و القذف، أسلوب ضعفاء النفوس. كما أنها قدمت البرهان أنها لا تجمع العلماء، بل ناس لبسوا لباس العلم للتستر على جهلهم بأحكام الله الواردة في كتابه. و برهن نائب رئيسها، عمار طالبي، عميد جامعة الأمير عبد القادر سابقا على جهله معاني كلمات كتاب الله، حيث أصبح لا يفرق بيت الفقه و الإفتاء، كما جاء ذلك في نص له نشرته جريدة « الخبر » في نفس اليوم مع بيان أو توضيح الجمعية، أي في أول أوت 2009، تحت عنوان « غرائب الفتوى في المؤتمر العلاوي»، أين يكتب ما يلي:« أصبح المؤتمر العلاوي للطريقة العلاوية مجمعا فقهيا يفتي فيه....هذه فتوى: الحجاب الإسلامي خرافة لا معنى لها، أفتت في ذلك النساء و في مقدمتهن السيدة صوفيا بن تونس عضو الجمعية العلاوية...». و هكذا، لا يفرق الدكتور بين الفقه و هو معرفة أحكام الله و الفتوى و هي جواب على سؤال، لأنه لم يذكر السؤال الذي طرح على النساء التي أدعى أنهن أفتتن في الحجاب. و لو عرف قراء الجريدة و الشعب الجزائري بمحتوى السؤال و محتوى الجواب، لاكتشفنا شيئا أخر. و لأن الدكتور عمار طالبي، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين، لا يفرق بين معنى فقه و هو معرفة أحكام الله المدونة في كتابه و معنى إفتاء و هو جواب محكم على سؤال، كما استخرجته من آيات جاءت في كتاب الله، اختلطت عليه الأمور في دهنه و كتاباته.
و برهن على جهله باللسان العربي المبين، و استعمل اللسان الأعجمي الأعوج و الأعرج الذي لا يفرق بين معنى كلمة الفقه و معنى كلمة إفتاء، حيث جعلهما مرادفتين، و هما ليسا بذلك، أي أنه برهن أنه لا يميز بين معاني كلمات عربية جاءت غي كتاب الله. و حق فيه ما جاء في الآية 44 من سورة الفرقان، أي أنه أضل من الحيوان سبيلا، أي أنه فاقد العقل، أي أنه جاهل في ثوب عالم ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.﴾
و كما دون محمد البشير الإبراهيمي، في عدة كتابات له، فإن تلاميذ جمعية العلماء الأصلية دو علم قليل. و إن كانت الجمعية الحالية متكونة من تلاميذ الجمعية الأصلية، فإنهم فقدوا العلم القليل و أكتفوا بالتقليد و النقل و تركوا الجهد و الاجتهاد. و بهذا تبرهن هذه الجمعية الحاملة للاسم فقط أن الإصلاح الديني الذي بشره ابن باديس و تابعه الإبراهيمي قل فشل، مؤكدة تخوف الإبراهيمي من هذا الغرض الغير مقصود، و ذلك في العدد 149 لجريدة «البصائر» لسنة 1951،حيث يكتب:« و لا نرضى أن تكون خاتمة أعمالهم فشلا و خيبة، و لا أن يكونوا هم السبب أو بعض السبب فيما يصيب هذه النهضة العلمية من خمود أو تراجع...»
من أجل إصلاح ديني شامل جديد.
و لو كان لهذه الجمعية، المسمية نفسها بجمعية العلماء، علماء، لا عينوا الواقع الجزائري و اكتشفوا أن النهضة فشلت و تراجعت و تعثرت في طريقها، لأنها خرجت عن طريقها الأول و انتهجت طريق جديد، كافحته من قبل، و هو طريق الطرقية الوهابية، التي وصفها عبد الحميد ابن باديس بالفاشلة و الجاهلة. لهذا وجب طرح السؤال، بعد كل هذا الجدل العقيم، هل هناك مؤشر على إصلاح ديني جديد في الجزائر، يشمل العبادات و المعاملات و فهم آيات كتاب الله و أحكامه، و معرفة الآيات الناسخة و المنسوخة و تطبيق أحكام الله المحكمة من طرف المؤمنين بها دون فرضها على عامة المجتمع بالقوة و الجبر، لأن شرع الله لا يحتاج لقوة و جبر و إكراه، كما دلت على ذلك آيات محكمات، منها الآية 256 من سورة البقرة ﴿ لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله....﴾، و الآية 82 من سورة يونس ﴿ و لو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.﴾. و الآيتان قاعدة ثابتة و غير متغيرة في حرية الدين، أي أن الجبر و الإكراه في الدين الإسلامي مرفوض من الله و ليس من غيره. و يدعيه الحاخامات الجدد ليس من كتاب الله، بل من أهوائهم و شهواتهم و حبهم لطواغيت و المستبدين في الدين و الدنيا.
كيف هاجر المسلمون هذه القاعدة الذهبية في حرية الدين و المعتقد، و سلكوا طريق الجبر و الإكراه و الطغيان في معاملاتهم و عباداتهم و عقيدتهم و منهجهم في الحياة، حيث أصبح الجبر هو القاعدة و الحرية منعدمة، رغم أن هذه الحرية هبة من عند الله و ليس من البشر. و لكل هذا، و جب على المجتمع الجزائري أن يباشر بإصلاح ديني جديد شامل ليخرج من ظلومات الحاخامات الجدد و شركاء الله الجدد و الأنبياء الجدد إلى نور أحكام الله المدونة في كتابه.
اقرأ أيضا:
صورة للرسول (ص) مع صور “إباحية” في كتاب لشيخ صوفي جزائري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.