بعد شهور من الاقتتال والمفاوضات المضنية، وقعت أطراف الصراع في ليبيا بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق السلم والمصالحة المقترحة من الأممالمتحدة. لكن هذا التوقيع بقي ناقصا، إذ رفض طرف أساسي التوقيع عليه، فما دلالات ذلك؟. يضع الاتفاق الأممي الذي وقعه بالأحرف الأولى بعض أطراف النزاع في ليبيا، البلاد على طريق طويل وشاق قبل الوصول إلى حل نهائي للصراع على السلطة وجعل دولة ما بعد الثورة دولتين.ورغم غياب المؤتمر الوطني العام، الذراع التشريعية للسلطات الحاكمة في العاصمة طرابلس وأحد الأطراف الرئيسيين للنزاع، عن التوقيع، إلا أن هذه الخطوة تمثل أول اختراق سياسي فعلي لجدار الأزمة المتواصلة منذ غشت 2014. وقال عثمان بن ساسي الناشط السياسي والعضو السابق في المؤتمر الوطني العام لوكالة فرانس برس "حدث أمر إيجابي في المغرب. المؤتمر لم يحضر، لكن أطرافا في الصراع أقروا بالأحرف الأولى اتفاقا سياسيا، وهذا يعتبر بمثابة اختراق". وأضاف "البلاد تتخبط منذ عام، والدولة التي ولدت بعد الثورة أصبحت دولتين. ليبيا بحاجة إلى توحيد مؤسساتها عبر حكومة وحدة وطنية لإنهاء هذا الانقسام. وتوقيع الاتفاق يضع البلاد على هذا الطريق، لكنه طريق لا يزال طويلا وشاقا". وفي ليبيا الغارقة في الفوضى منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في 2011، حكومة ومؤتمر وطني انتهت ولايته هو بمثابة برلمان ومقرهما طرابلس الخاضعة لسيطرة ميليشيات إسلامية تحت مسمى "فجر ليبيا"، وبرلمان وحكومة يعترف بهما المجتمع الدولي ومقرهما مدينتا البيضاء وطبرق في الشرق. ويتنازع الطرفان السلطة وتدور يوميا بين القوات الموالية لهما معارك في العديد من المدن والبلدات خلفت مئات القتلى منذ عام، بينما تسعى الأممالمتحدة لإنهاء النزاع عبر إدخال البلاد في مرحلة انتقالية تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وبعد أشهر من المحادثات، عقدت بعثة الأممالمتحدة حفلا لتوقيع اتفاق السلم والمصالحة بالأحرف الأولى بهدف إنهاء النزاع الليبي في منتجع الصخيرات السياحي جنوب العاصمة الرباط. وحضر حفل التوقيع وفد برلمان طبرق المعترف به دوليا، وممثلون للمجالس البلدية لمدن مصراتة وسبها وزليتن وطرابلس المركز ومسلاته، إضافة إلى ممثلين لأحزاب سياسية، وكذلك ممثلين للمجتمع المدني ونواب مستقلين ومنقطعين. وقال برناردينو ليون المبعوث الأممي من أجل الدعم في ليبيا قبل التوقيع "إن اتفاق الصخيرات سيضع حدا للصراع الذي عم البلاد لشهور عديدة. هي خطوة واحدة فقط، لكنها مهمة جدا على طريق السلام. سلام سعى جميع الليبيين منذ فترة طويلة لتحقيقه". وأوضح ليون أن "الباب يبقى مفتوحا لأولئك الذين اختاروا أن لا يكونوا هنا الليلة رغم أنهم لعبوا دورا حاسما في تطوير هذا النص"، مضيفا "أنا واثق بأننا سنقوم في الأسابيع المقبلة بتوضيح القضايا، التي لا تزال مثارا للجدل". وكان من أهم النقاط الخلافية بين وفدي برلمان طبرق وبرلمان طرابلس تركيبة مجلس الدولة، حيث أوضحت الأممالمتحدة أنه "سيتم معالجته تفصيلا بأحد ملاحق الاتفاق ودعا كافة الأطراف إلى تقديم مقترحاتهم حول هذا الشأن مع مراعاة مبادئ التوافق والتوازن وعدالة التمثيل". وقال بيان رسمي صادر عن البعثة الأممية للدعم في ليبيا إن "قبول أحد الأطراف للاتفاق مع تقديم تحفظات محددة، أمر متعارف عليه ويحفظ للأطراف حقهم في الاستمرار في التفاوض حول تلك التحفظات حتى التوقيع النهائي وإقرار الاتفاق". ويعني التوقيع بالأحرف الأولى عدم قابلية المسودة الرابعة المعدلة، التي اقترحتها الأممالمتحدة لإدخال تعديلات جديدة عليها، وإرجاء مناقشة النقاط الخلافية حولها إلى حين مناقشة الملاحق المرتبطة بهذا الاتفاق، وذلك في جولات جديدة بعد عيد الفطر. وبرر المؤتمر الوطني العام رفضه هذه المسودة ل "غياب نقط جوهرية" فيها، مؤكدا رغم ذلك استعداده للمشاركة في جلسات جديدة للحوار في المغرب. وفي رسالة موجهة إلى ليون قبيل توقيع الاتفاق، أوضح رئيس المؤتمر نوري أبو سهمين أن المؤتمر مستعد لإرسال وفده من جديد للمشاركة في جولات للحوار على أن يكون الهدف "تقديم التعديلات" التي يراها مناسبة، أو "بحث أسس وآلية جديدة". في مقابل ذلك، رحبت الحكومة المعترف بها في بيان نشرته على صفحتها في موقع فيسبوك بتوقيع الاتفاق. وكتبت "إن الحكومة الليبية المؤقتة وهي تبارك لشعبها هذا الإنجاز الكبير، فإنها تجدد دعوتها لكل الأطراف لتغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتناشدهم أن يكملوا السير بخطى ثابتة نحو اتفاق شامل يؤسس لولادة حكومة وفاق وطني". ويذكر أن مسودة الاتفاق، ورغم توقيعها في الصخيرات، إلا أن إقرارها رسميا من قبل السلطات المعترف بها لا يزال يحتاج إلى تصويت داخل البرلمان في طبرق. رويترز