"إن الطريقة الأوثق من اجل إيصال كل التفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع هي البحث في التفاصيل والأجزاء التي كانت متصلة بالموضوع ، فالخطأ الشائع الذي يقع فيه عامة الناس أثناء بحثهم في أمور السياسة هو بالاعتقاد أن المؤامرة، تتخذ شكلها الواضح في الأحداث الراهنية بمنطق "المع" و "الضد"، "التحالف" و "الخلاف"، "الدفاع" و "الهجوم"....إلخ، فكل هذه الأشكال ماهي إلا مظاهر لوضع سياسي عادي، بل تعتبر من مقومات الحالات العادية في السياسة، أما الأحداث التي تتحكم في مجرياتها مؤامرات سياسية خفية، فهي دائما ما تتخذ شكلها الواضح في الأجزاء والتفاصيل التي قد تبدو للعامة بأنها ليست ذات صلة بالموضوع، ومن جراء لك تتحق الغايات والأهداف المسطرة سلفا وكأنها أحداث مازلت يانعة ولحظية." ....قبل أن نصل إلى نقطة بداية معركة الأسرة المشردة ، لا بد لنا أن نعرج قليلا على وصف واقع الاحتجاج بمدينة بني بوعياش وما آل إليه بعد شهر من حادثة 31 مايو، والتي يمكن تلخيصها في ما يلي: _تعليق أعمال اللجنة المركزية عمليا وتنظيميا، وتباين الآراء في صفوف أعضائها. _عزوف الجماهير الشعبية عن الأشكال التي تخوضها حركة 20 فبراير. _متابعات الضابطة القضائية لبعض نشطاء اللجنة المركزية بدعوى احتجاز أعضاء المجلس البلدي، وإتلاف الملك العمومي. إذن، كانت النتيجة هي اتجاه مقاربة النقيض صوب تحقيق نجاحات عظيمة، من جهتين معا: تشتيت وحدة الصف الجماهيري ، حتى أصبحت الأشكال النضالية الأسبوعية لحركة 20 فبراير لا تتعدى 20 فردا، وبانسحاب شبه مطلق لكل الفئات الاجتماعية من صفوفها وحتى الذوات المناضلة، طبعا باستثناء المناضلين ذوي القناعات الراسخة والمؤمنين بالجماهير حتى النهاية..... !!!!،فهل هو يا ترى استمرار حتى بلوغ غاية الجماهير المنشودة، أم هو استمرار ضابط من أجل حماية الأهداف التي تم بلوغها؟؟؟ !!!.هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، تم تشتيت وحدة الذات المناضلة التي تسهر على التأطير اليومي للجماهير ، والتي كانت قدمت عملا جبارا في توحيد الصف الجماهيري، حيث انشطرت هذه الوحدة إلى طرفين ، طرف يدعو إلى ضرورة رص الصفوف وإعادة بناء اللجنة المركزية، من أجل استكمال الأشواط الكبيرة التي قطعتها اللجنة في مجال تحقيق ملفها المطلبي ، وطرف آخر توجه إلى الإعلام من اجل التفنن والتشدق بانتصارات اللجنة المركزية التي حققتها، والتي على ما أعتقد لا توجد إلا في مخيلتهم وأحلامهم... !!!!. أفلا يستحق هذا العمل الجبار في نظركم المكافأة..؟؟؟ ولكن كيف ذلك؟؟ !!! للإجابة، دعونا نفتح قوسا قد يبدو هامشيا غير مرتبط بالأحداث التي ستلي هذا الركود، ففي ظل هاته الشروط والأوضاع التي آل إليها واقع الاحتجاج بالبلدة، ستنسحب الذوات المناضلة والمسؤولة عن تفجير المعارك، من بلدة بني بوعياش، صوب مركز مدينة الحسيمة هذه المرة من اجل اعتصام مفتوح في داخل المجلس الجهوي ، في إطار التنسيق الإقليمي لفروع إقليمالحسيمة للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، ولقد دام هذا الاعتصام أزيد من 20 يوما، ليتم رفعه في آواخر يونيو بعدما تم انتزاع وعود تاريخية من جهات محسوبة عن تنظيمات حزبية ويتعلق الأمر هنا ، برئيس المجلس البلدي لإقليمالحسيمة، المحسوبة على حزب الأصالة والمعاصرة، إذ أقدمت على منح 120 منصب_سلم10_ كوعود للجمعية الوطنية، وجب الإسراع في تقديم الملفات بشانها، فسارع إلى ذلك كل المعطلين سواء الحاصلين على الإجازات وحتى ما دون ذلك...وهو الأمر الأشد غرابة... !!!، من أجل الاستفادة من هذه الدفعة التي كان المعطلون بحكم قوة معاركهم الموزونة والمنظمة يستحقون أكثر من ذلك، ولكن لولا النهاية الكارثية لهاته الوعود، وحتى لبعض الوعود التي_ ستأتي فيما بعد_ لكانت خير مكافأة لبعض المناضلين الشرفاء على مجهوداتهم النضالية التي ، نظرا للترابط العميق بين الأحداث التي تشهدها تلك المنطقة في شموليتها. وأنا على يقين مطلق بوجود الكثير من الأفراد من داخل بلدة آيث بوعياش يعون جيدا حجم هذا الترابط، بل يعرفون أشياء أخرى أكثر من التي سأقدمها بهذا الخصوص، لذا حذاري أن تفسد الغطرسة هذه الحقائق الأصيلة، لان نتائج ذلك ستتحملها أنت وأنا وكل الناس في آخر المطاف. ولكن فلندع كل هذا جانبا، كمعطى يمكن أن تنبني عليه بعض الخلاصات والاستنتاجات في أطوار هذه الحلقات ، وسنعود إليه كل ما كنا بحاجة لذلك. وعودة منا إلى موضوع هذه الحلقة التي كنت فيها شخصا بارزا، بل إن صح التعبير كان لي فيها الدور الرئيسي، فبعد محاولات كثيرة من اجل إعادة البناء التنظيمي، ومحاولة ترميم الصف الجماهيري ، عن طريق أشكال نضالية بدائية تنظيميا وجماهيريا(حلقات-حلقيات-مسيرات)، لا يمكن أن ننكر أنه كاد يصيبنا اليأس من شدة النفور الجماهيري من الأشكال النضالية، بالرغم من تجدد الخطاب ونوعية القضايا ، حيث حاولنا قدر المستطاع الابتعاد عن الشعارات العامة التي لا يصطدم بها المواطن في حياته اليومية من قبيل حل البرلمان، إسقاط الحكومة....رافعين بذلك شعارا مركزيا والمتمثل في الرحيل الفوري للمجلس البلدي المساهم الأساسي في تهميش المنطقة ، من أجل تقريب القضايا التي يتحسسها المواطن بشكل يومي. ولقد استطاع هذا التكتيك الجديد، أن يحقق بعض المزايا حيث التفت العديد من الجماهير حول هذا المطلب المركزي بل حتى بعض النخب المحلية ثمنت مثل هذه الخطوات، بالرغم من عدم استطاعتنا أن نصل إلى مستوى الاستئصال المطلق لليأس الذي أصاب الجماهير من الأشكال النضالية ، ولكن سرعان ما ستنقلب هاته المزايا ضدنا، بحيث بدأت القناعة شيئا فشيئا لدى الجماهير بامكانية الاستمرار في معركة رحيل المجلس البلدي، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتأتى بالاعتماد على أشكال تقليدية أسبوعية ، مما يستلزم ضررة البحث عن خطوات تصعيدية تفي بطموحات الجماهير وبوزن الشعار المركزي للمعركة. وفي ضوء ذاك الوضع كنا نفكر بشكل جدي وبتحضير قوي، من أجل أن نخوض المعركة الحاسمة ضد المجلس البلدي، عن طريق تنصيب الخيام في وسط الطريق الوطنية رقم2 ، وأمام بلدية بني بوعياش مرفوقا بشل البلدية والباشوية إلى غاية تحقيق هذا المكسب التاريخي، ولكن فجأة ستنقلب كل الخطط رأسا على عقب... !!!. لم يتبقى للفجر إلا الدقائق القليلة في شهر رمضان، وسيردني اتصال من ناشطين في الحركة الاحتجاجية، هم (عبد الحليم البقالي ومحمد أهباض)، طالبين مني ضرورة الحضور قبالة مركز الباشوية لأمر ضروري واستعجالي، فلما بلغت المكان المقصود ، كانت هناك تلك الأسرة المشردة تعاني من مشكلة مع امرأة عجوز ، تريد أن تتركها لدى السلطة المحلية من أجل أن تسافر إلى "قاسيطة"، نظرا لعدم توفرها على مأوى من داخل البلدة. لقد بدا الأمر في الأول بسيطا جدا حيث طلبت منها أن تننتظر حتى الصبح آنذاك ما عليها إلا أن تطلب من باشا المدينة أن يطلب أهل المرأة العجوز من أجل أخذها، آنذاك بإمكانك مغادرة المدينة صوب وجهتك المقصودة، وبعد تبادلنا أطراف الحديث في هذا الموضوع استأذنت الرفاق من أجل المغادرة...وفجأة نطق أحد الرفاق هناك مخرجا آخر، لما لا نطلب منها أن تطلب من الباشا أن يوفر لها السكن وفي حالة رفضه ما عليها إلا الاعتصام ، ونحن كمناضلين ما علينا إلا البدء في التعبئة لمعركة تحقيق السكن للأسرة المشردة، ونجعل من شعار رحيل المجلس البلدي شعارا استراتيجيا، الهدف منه فضح السماسرة وزعزعة نفوذهم من أجل دفعهم إلى مغادرة تدبير الشأن المحلي بشكل تدريجي..؟، هنااك بدأنا أطراف الحديث، وتلك المرأة بنوع من السكون والهدوء متخذة موق الاستماع تلتقط كل الحوار الذي يدور بيننا، فلم نصل إلى صيغة توافقية حول المسألة، في تلك اللحظة غادرت إلى حال سبيلي تاركا الوضع على ماهو، لنتفاجأ صباحا بوجود المرأة أمام باب الباشوية معتصمة تطالب بتحقيق مطالبها، ورفع الظلم عن ما لحقها من سب وشتم من طرف باشا المدينة، ومن هنا ستنطلق المعركة بالتفاصيل الأخرى التي تعرفونها لتتخذ مسارا آخر غير المسار المسطر سلفا، ولتتحول المطالب الآنية في بعدها الضيق، وما دون ذلك يبقى شعارات وفقط يستحيل ترجمتها لأرض الواقع. ففي هاته النقطة بالضبط ارتكبنا خطأ كبيرا ولا يمكن أن نتحسس نتائجه إلا بعد نهاية المعركة ، أجل نعترف في هذه النقطة أننا ارتكبنا أخطاء هائلة، ولكن ما الضير في ذلك فكل الكائنات ترتكب أخطاء بحيث تغدو غير قادرة أبدا أن تتنبأ بكل النتائج غير المقصودة لأفعالنا، ولكن الغريب في الأمر أننا وضعنا في مواقف أصبحنا نبرر فيها تلك النتائج الغير المقصودة لأفعالنا، أوليس النضال الشريف والنزيه منهجه دائما هو إصلاح الخطأ، فكيف يمكن أن يكون كذلك ونحن لم نتجرأ لحدود الساعة أن نصارح أنفسنا ونصارح من حولنا _أي الجماهير_ أننا أخطأنا كثيرا، أخطأنا في تحويل الشعار المركزي لمعركة الاعتصام من رحيل المجلس البلدي، إلى الاقتصار على ملف الأسرة المشردة ورحيل الباشا... !!!، طبعا ليس هذا بسؤال الأبرياء ونحن من بين الذي يؤمنون بان الخطأ في السياسة ليس خطأ عن غير قصد بل هي بواعث وأهداف وجب ترجمتها في شكل أخطاء... !!! . من حسنات هذه المعركة _هذا إذا استثنينا تحقيق كل المطالب المرتبطة بالأسرة المشردة_ أنها استطاعت أن تعيد توحيد الجماهير الشعبية ببلدة آيث بوعياش وان ترص صفوف حركة 20 فبراير، مع زيادة تدفق الذوات المناضلة من أجل تحمل المسؤولية والمضي في معركة إسقاط الفساد، بل الأكثر من ذلك أنها استطاعت أن توقظ نوعا من الشعور النضالي في كل القبائل المجاورة لبلدة آيث بوعياش، التي أصبحت هي بدورها تتوافد على البلدة من اجل الدعم وكذلك من اجل التعريف بملفهم المطلبي ...وفي ظل هذا التزايد الغير المنقطع النظير للوعي الاحتجاجي بالمنطقة، وقبل ظهور بوادر إمكانية الاستجابة للملف المطلبي للأسرة المشردة، ارتأينا ضرورة العودة إلى تحديد الأهداف الإستراتيجية للمعركة، وإدخال الشعار المركزي المتمثل في رحيل المجلس البلدي ضمن المطالب الرئيسية الواجب تحقيقها من أجل رفع المعتصم، ولقد تزامن هذا النقاش مع جلسة الحوار التي كانت ما بين اللجنة المكلفة بالحوار والطرف الثاني الذي كان يتكون من (قائد جماعة آيت يوسف أوعلي ومجموعة من رؤساء المجالس البلدية الذين أغلبهم كانوا محسوبين على الأصالة والمعاصرة)، ولقد لامسنا من خلال هذه الجلسة رغبة قوية في إنهاء الصراع من طرف الطرف المحاور، مما يعني أن الاستمرار في المعركة لا يخدم لا جهات حزبية كما لا يخدم أيضا السلطات المحلية والإقليمية، بل سيخدم بالدرجة الأولى مصلحة الجماهير التي كان بإمكانها أن تركع الكل في تلك الفترة من أجل أن تنتزع ما شاءت من المكاسب. إذن الأمر يستلزم ضرورة تحويل مسار المعركة. هنا بدأت تتعالى صيحات كثيرة من طرف مجموعة من "المناضلين"، ويصرخون بصوت عالي أن المعركة هي معركة الأسرة المشردة ولن نسمح لأحد بإضافة أي مطلب آخر، لأن ذلك يخدم وجهات حزبية معينة ...فبدأت أسطورة الأصالة والمعاصرة تلج الميدان النضالي من أجل أن تلعب دور الضابط للصراع وتفتيت وحدة الجماهبر الشعبية، آنذاك سيصبح من يناضل من أجل رحيل المجلس البلدي هو محسوب على تيار الأصالة والمعاصرة، ومن يناضل من أجل تحقيق ملف الأسرة المشردة وفقط ، فهو في خط الجماهير وفي صف المناضلين الجذريين، مع العلم أن مجرد التلفظ بمثل هذه الادعاءات في وسط الجماهير بإمكانه أن يجني على الحركة في كليتها ، ولكن الغريب في الأمر أن المخطط لمثل هذه الخدعة الشيطانية من جديد حاول أن يقف بعيدا من أجل درء الشبهات عنه، فدفع ببعض الطاقات الجديدة التي بدأت تندمج اجتماعيا بعدما ظلت لسنوات طويلة معزولة حتى كادت تغيب عنهم اللغة المجتمعية للإنسان. إذن، مرة أخرى عدو وهمي جديد، وصراع هامشي رئيسي جديد، ما الهدف من كل هذا؟ بالأمس القريب كان مطلب رحيل المجلس البلدي غاية ثورية، ولكن سرعان ما سيتحول إلى خط أحمر كل من يقترب من هناك يتذيل بالرجعية ووجب على المناضل أن يخوض معه حربا ضروسا بل قل حربا هي الحاسم في التغيير.... !!!!! . ولكن هذه المرة تم ضرب عصفورين بحجر واحد، أولا معاقبة كل المسؤولين عن عرقلة مكافأة بعض المناضلين عن أعمالهم الشاقة التي بذلوها من أجل تشتيت وحدة الصف الجماهيري ، عن طريق زجهم في الصراع وتحميلهم للمسؤولية في كل ما آلت إليه الأوضاع ، أما الثاني فالعودة إلى العادة القديمة والمتمثلة في إخفاء الصراع الحقيقي وإظهاره بشكل مزيف ما بين جهات لا تتحكم في دوائر الصراع كي يظل كل شيء معلق في السماء دون أهداف واضحة ، ولكن انتظروا، انتظروا إنها واضحة في مخيلة البعض... !!!!. أما قضية الأصالة والمعاصرة ودورها في هذه الأحداث، أعتقد أنني تحملت الشيء الكثير في هذا الخصوص، بحيث بادر الكثير من شذاذ الآفاق الاعتماد على هذه الكذبة من أجل بلوغ غاياتهم ، ولكن لا أنكركم الدور الكبير الذي قام به مجموعة من الأفراد محسوبين على الأصالة والمعاصرة، في مجال التسريع من وتيرة تحقيق مطالب الأسرة المشردة وعيا منهم بخطورة الأوضاع في حالة استمرارها على هاته الشاكلة، وباعتبارهم كذلك الوسيط الأساسي في الحوار ما بين لجنة الحوار وبين الطرف الثاني الممثل للسلطة الإقليمية، ولكن هذا أبدا ما كان يعني تدخلهم في الصراع، وإلا فماذا سنقول عن التدخل الأخير لأشخاص من ذات الحزب في أحداث 08 مارس من أجل إخمادها ؟؟؟؟؟؟ وهو الأمر الذي سنتطرق إليه بتفصيل في حينه. أما ما حدث في المدينة من تغيرات سريعة لم يدرك أهميتها، إلا القليلون فثمة خطوة واسعة إلى الأمام قد اتخذت ، لكننا نبدو وكأننا لا نعرف حجم هذا التقدم وأخشى أن أقول أن الكثيرين، في أيامنا لم يفهموا هذا تماما... !!!. نعم استطعنا أن نحقق مكاسب الأسرة المشردة، بأشكال نضالية متنوعة اعتمدنا على قطع فيها الطريق الوطنية رقم 2، ولكن بطريقة فيها الشيء الكثير من الحكمة والعقلانية، حتى أصبح المعتصم يبقى حيا لمدة يوم كامل ، طبعا مع السماح لحافلات نقل الراكبين والشاحنات الثقيلة بالعبور محافظين بذلك على كل الدعم الممكن للمعركة، ولكن فشلنا في الحفاظ على وحدتنا كمناضلين وكجماهير، لأسباب تكاد تبدو معروفة،، ولكن مازالت أسباب ذلك مجهولة فتيقنوا أن التبصر ومنطق البحث والأحداث سيقودنا إلى ذلك لا محال. ولكن لا يجب أن يفهم كلامنا بشكل خاطئ فنحن لا نبحث عن اتهام جهة معينة، بل نبحث عن خيط خاطئ يسري في مسار الحركة الاحتجاجية ويأتيها فاعلا سلبيا، فأنا أعتقد أن كل واحد له كامل الحق بأن يؤمن أنه باستطاعته أن يساهم في تغيير محيطه العام ، ولكن هذا لا يعني دا ئما أننا بإمكاننا أن نتنبأ بنتائج خططنا وأفعالنا، ولا يجب قبل كل شيء أن نضحي بأية حياة بشرية (إلا ربما بأرواحنا في أسوأ الضرورة)، لا ولا وليس لنا الحق في أن نحض الآخرين أو حتى نشجعهم على التضحية بأرواحهم من أجل فكرة أو نظرية لا توجد إلا في مخيلة فرد واحد، ربما بدون مبرر مقبول أو بسبب جهله. على أية حال أثناء البحث عن التغيير يلزم أن يتضمن هذا البحث واقعا لا يدفع فيه الآخرون من أجل فكرة خاطئة، أو لأسباب وقناعات ذاتية قد لا يمكن أن تتحقق إلا في الأحلام. إذن، فنتائج هذه المعركة هي الأخرى بالرغم من بعض الحسنات فيها ، إلا انها حافظت على نفس النسق في زرع التيئيس والتشتيت، ولكن هذه المرة بدأت الجماهير تستوعب أشكال جديدة من النضال فيها نوع من التريث والتفكير المسبق فقد يصعب على أنصار الأشكال العبثية مواكبتها، بالتالي كيف يمكن لمثل هذه الأشكال ان تسطع من جديد ؟ هذا السؤال سوف يجيبنا عنه الاعتصام من داخل المكتب الوطني للكهرباء، وحيثيات وملابسات اختطاف الرفيق عبد الحليم البقالي، وهو ما سنتطرق إليه في الحلقة الثالثة . وفي الختام أود أن أنهي هذه الحلقة بقناعة ذاتية أصبحت أؤمن بها في حياتي اليومية وهي: "أن النقد البناء المستند إلى تحليل موضوعي للمعطيات في حالة تقبله، والعمل في إطاره من أجل تجاوز الأخطاء التي تم كشفها، فهو بمثابة مرحلة انتقالية في تطوير الفعل النضالي، وبالتالي بزوغ مرحلة جديدة من التطور الثقافي ، إنها نتيجة حتمية ومتوقعة، فصياغة بيئة متطورة في منطقتنا ليست مجرد حلم بل هدف ممكن، بالرغم من كون الحلم شرط ضروري لها، فكل شيء بين أيدينا من أجل هذه الغاية."