لما كان الأمر يتعلق بمصلحة أعلى اعتبارا مني، ومن كل المصالح الذاتية، أي مصلحة الجماهير، بقينا صامتين لأيام عديدة، ودافعنا بلا هوادة عن هذا المسار بكل ما فيه وما عليه بالرغم من كل المحاولات البائسة من بعيد ومن قريب من اجل ثنينا على هذا الدرب. ولكن يبدو أن الأمور أصبحت تتجه في مسارات غامضة، قد تكون ذات عواقب وخيمة،لذا أصبحنا بين أمرين أحلاهما مر: إما التكلم الآن أو الصمت للأبد..؟. غير أنني ما سأقوله فيه الكثير من رنين الصنوج وأنغام الطبول، فمن له عينان فليقرأ... !!!ومن له أذنان للسمع فليسمع.. !!!. إن بعض القضايا التي ستتضمنها هذه القراءة النقدية قد تثير دهشة القارئ، ذلك لأننا لم نألف بعد قراءة الأحداث بطريقة موضوعية، أو قل فيها الشيء الكثير من الموضوعية وتغيب عنها الذاتية الضيقة الأفق. ومع ذلك لا يجب على المرء أن يتوقع أن مهمة هذه الدراسة، تقتصر على مجرد ترديد الأفكار غير المصححة التي يتوارثها ويتداولها الناس، من غير أي سبق تحليلي أو حجاج دامغ وقوي، بل سأحاول أن أبين فيها أشياء على نحو مخالف لما تبدو عليها للعامة ذلك أن كل دراسة من الدراسات النقدية تهدف إلى الكشف عن بعض الحقائق، وإذا ما اكتشفت حقيقة ما تتعارض إلى حد كبير أو قليل مع الآراء التي يتناقلها الناس، وجب دحض الرأي الشائك العام الغير المبني على تصورات وقراءات علمية، وتبني الحقيقة المبنية على تحليلات موضوعية لمجريات الأحداث. ولأجل هذا كله، ارتأيت من الناحية المنهجية تقسيم هذه القراءة إلى أربعة أجزاء، وسأعمل على تقديمها للقارئ بشكل تدريجي من أجل الدقة في التفصيل والتحليل. وذلك سيكون على الشكل التالي: الحلقة الأولى: احتجاز المجلس البلدي وبداية مسلسل خلق النقيض الوهمي الحلقة الثانية: معركة الأسرة المشردة وأسطورة الأصالة والمعاصرة الحلقة الثالثة: الاعتصام من داخل المكتب الوطني للكهرباء: القشة التي ستكسر ظهر البعير الحلقة الرابعة: أحداث 08 مارس : تحقيق الغايات واندحار آمال البيادق أما تفصيل هذا وبيانه سيكون على الشكل التالي: الحلقة الأولى: احتجاز المجلس البلدي وبداية مسلسل خلق النقيض الوهمي لا أحد ينكر أن استجابة جماهير آيث بوعياش لنداء الخروج يوم 20 فبراير ، كانت تاريخية، لم تكن في حسبان المناضلين الذين سهروا على تأطير الجماهير آنذاك باسم اللجنة المركزية، من جهة، وأربكت حسابات النظام القائم بالمغرب من جهة أخرى، حيث في ذاك اليوم أجمعت كل ساكنة آيث بوعياش بجميع شرائحها وفئاتها على ضرورة التغيير، واستئصال بؤر الفساد، من اجل مغرب مشرق يصون الكرامة والحرية للإنسان. إلا انه ما يجب أن نقف عنده وقفة تأملية ليس هو الانبهار بالكم الهائل الذي خرج يوم 20فبراير، أو بطبيعة الشعارات المرفوعة في ذلك السياق، بل التحسب والترقب لكل الخطوات التي يمكن أن يتخذها الطرف النقيض من اجل تشتيت وحدة هذا الصف الجماهيري الهائل، الذي يمكن أن يشكل له في أية لحظة بؤرة لبداية مسلسل كبير يكون بطله قوة الجماهير الشعبية، خصوصا في ظل الشروط والسياقات الموضوعية التي كانت تتسم بها المرحلة داخليا وخارجيا. إذن فالانقضاض على وحدة الجماهير وتشتيتها شرط لازم من أجل ثبات القائم ومقاومة الممكن، وفي هذا الخصوص يجب ان نتساءل: ما هي الطرق التي استعملت من اجل تشتيت وحدة الجماهير ؟ هل من خيط ناظم بين بداية الأحداث وما وصلت إليه الآن؟ ماهي الادوات المستعملة من اجل بلوغ هذه الغايات؟ إن التعامل مع هذه الأسئلة يضعنا أمام مشكلة يتوقف حلها على اتباع منهجا واحدا يبدو لي أنه يستحق الاهتمام، وهو منهج دراسة الأحداث التي تلت الخروج التاريخي لجماهير آيث بوعياش يوم 20 فبراير، لأن هذا المنهج ببساطة يتضمن محاولة الكشف عن الآخرين الذين فكروا وتحدثوا عن تصورهم لوحدة الجماهير، بل أكثر من ذلك نظروا لكيفية صناعة قوى التغيير... !!! إن هذا الأمر يبدو لي شيئا هاما، لأنه يمثل جانبا مهما من التكتيكات المتبعة من أجل بلوغ الغايات المنشودة، فإذا جهلنا ما يفكر فيه غيرنا أو ما ينبغي أن يكونوا قد فكروا فيه في الماضي، فإننا سنجهل الخيط الناظم الذي يربط بين محطة وأخرى، وسيحكم علينا بأن نظل معلقين في السماء غير مدركين للإتجاهات التي ينبغي اتباعها من أجل بلوغ الهدف، وهو ما يعني أننا سنتحدث إلى أنفسنا عندئذ لا يمكن أن نبلغ نهاية للحديث. فدعونا وإياكم نضع اليد على الأحداث البارزة التي شهدتها مدينة آيث بوعياش، لنستخلص الماضي الحي في الحاضر. "في 31 مايو 2011 أقدمت الجماهير الشعبية ببني بوعياش_على حد تعبير بيان اللجنة المركزية_ باحتجاز أعضاء المجلس البلدي أثناء محاولتهم لمنع الجماهير من حضور أشغال الدورة العادية للمجلس التي يرومون من خلالها بيع أراضي السوق اليومي وتفويتها لصالح مستثمرين عقاريين.." ما هذا القول..؟ !! وما هي حججه..؟ !!، قبل أن نغوص في تحليل تداعيات ما حدث يوم 31 مايو دعوني وإياكم نسائل أعضاء اللجنة المركزية : _ من اين لكم بمثل هذه المعطيات وما مدى صدقيتها؟ _ هل من وثائق رسمية تؤكد ما تذهبون إليه؟ _ ماهي قصة المعارضة وما لف حولها من جمعيات في شأن هذا الحدث؟ _ وهل ان الجماهير الشعبية هي التي حقا كانت وراء احتجاز أعضاء المجلس البلدي؟ إننا نتساءل من اجل أن نبلغ اكبر قدر ممكن من الحقائق، ولكن منطق الكتابة يستدعي منا ان نتجنب الجواب عن هذه الاسئلة حاليا بشكل مباشر، حتى يتبدى لنا الخيط الناظم واضحا، آنذاك الكلمات ستجيب بنفسها بشكل غير مباشر. من المؤكد أننا سنرتكب خطأ كبيرا، لو صفقنا وهللنا لمثل هذه الأخطاء، بل مجرد الذهاب إلى حد تسمية مثل هذه الأخطاء العمياء أشكالا نضالية، فهو بمثابة المساهمة في توجيه الحراك في مساره المغلوط، وبالتالي في المسار الذي يخدم الطرف النقيض، بمعنى أدق أننا سنرتكب خطأ كبيرا إذا بالغنا في تثمين مثل هذه الهفوات، ولكن الغريب في الأمر أن المقدمين على مثل هذه الأخطاء، وجماعة من الناس الذين تم تضليلهم من أجل ذلك، نجدهم بنوع من البرودة واليقينية يتغنون بالانتصار ويتفننون في وصف المشهد الدرامي الذي حدث يوم 31 مايو، بل الأكثر من ذلك يذهبون إلى حد اعتباره انتصارا تاريخيا وشكلا نضاليا استثنائيا، مع العلم أنهم واعون أشد الوعي أن الأمور ستتخذ على الأرجح انعطافات قوية في المسار الاحتجاجي عاجلا أم آجلا . فإما أن يحدث شرخ واسع في صفوف النواة التنظيمية التي تسهر على تأطير احتجاجات الساكنة، وإما أن تكف الجماهير عن الالتحاق بركب النضال، وإما أن يتم خلق عدو هامشي لا موقع له في الصراع، من أجل تحويل الأنظار عن القضايا الحقيقية إلى قضايا وهمية، لا توجد إلا في مخيلة من يريدون ذلك؟( لعل كل هذا هو ما يريدونه ولكن دعونا لا نستبق الأحكام ولنتبع منطق الأحداث إلى ما ستقودنا). مما لا شك فيه أن الجزء الكبير من الساكنة، وعلى وجه الخصوص (النخبة المحلية)، كانت على دراية تامة بأن المسار الذي تتخذه الأحداث لا يمكن أن يحتفظ بقوته في حال استمراره على هذه الوتيرة، لمدة شهر أو شهرين، إلا أن إمكانية التدخل والتوجيه كانت مستحيلة نظرا للخيام التي نصبت على التفكير والفهم، بحيث أصبحا هذين الأخيرين، لا يتأتيان إلا من خلال التبجح والتطبيل لحسنات الأشكال العمياء، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا إلا عند من يدركون حسنات هذه الأشكال الخارقة... !!! ولكن في مقابل ذلك يوجد أطراف من داخل الميدان تنسب لهم مثل هذه الأشكال وتحسب عليهم، نظرا لانتماءهم لإطار اللجنة المركزية، ولكن في نفس الوقت نجدهم عمليا لا يتفقون مع مثل هذه الأشكال، معتبرين بذلك أن مصدرها هو التهور والاندفاعات الذاتية المقصودة من طرف بعض الأفراد، ولا يتم فيها الاعتماد على النقاش في إطار منظم من أجل دراسة كيفية تدبير قضايا الساكنة التي نصًبوا أنفسهم ممثلين لها في إطار اللجنة المركزية، وهو الأمر الذي سينعكس بشكل سريع على واقع هذا التنظيم الهش الذي ولد مثاليا، إذ سيبادر مجموعة من أعضاء اللجنة المركزية إلى تجميد عمل اللجنة تنظيميا وعمليا في أفق ابتداع أشكال نضالية أخرى لتدبير نضالات الساكنة . وإليكم نص البيان الذي صدر بهذا الخصوص من طرف بعض اللجنة المركزية: "بعد آخر شكل للجنة المركزية يوم 31 مايو وبعد اجتماعات بين أعضاء اللجنة تم سحب اسم اللجنة كإطار ممثل لمطالب الساكنة بآيث بوعياش لاعتبارات سننشرها لا حقا" إن أول سؤال يمكن طرحه على هذا البيان هو على الشكل التالي: ماهي الاعتبارات التي دفعتكم إلى حل هذا التنظيم؟؟ ولماذا لم تنشروا أسباب ذلك لحدود الساعة؟؟ إن أولى الأمور التي ينبغي أن ينبني عليها النضال هي الوضوح كل الوضوح مع الجماهير ، من اجل أن تظل هذه الأخيرة هي الدرع الحصين الدائم للمناضلين، وكذلك من أجل الحفاظ على وحدة الجماهير الشعبية، وبالتالي فمن الناحية العملية كان لزاما عليكم إخبار الجماهير بهاته الأسباب الغامضة التي دفعتكم إلى هذا القرار الحاسم ، وبذلك تكونون قد أوفيتم برسالتكم التاريخية، وساهمتم في فضح من يريد العبث بمسار وحدة الجماهير الشعبية. ولكن مالذي يدري؟ فقد يكون لهذا الصمت الممنهج سر كذلك؟؟. وهو الأمر الذي سنبحث عنه في حينه. أما ماحدث بعد فعل احتجاز المجلس البلدي، من مناوشات بين بعض المحتجين وعائلات بعض أعضاء المجلس البلدي، فهي من الناحية المنطقية يعتبر سلوكا بديهيا وطبيعيا جدا، لأنه يكفي أن تقوم بدراسة سوسيولوجية وثقافية لطبيعة العلاقات الأسرية بالمدينة، ليبدو لك أن أمثال تلك الردود طبيعية، وقد تنطبق على أي نموذج وحالة في المجتمع. ولكن الغريب في الأمر هو ما بعد هذا الحدث، بحيث سيعمد مجموعة من الأفراد محسوبين على رؤوس الأصابع، على تحويل الصراع بشكل مطلق من صبغته المطلبية الواضحة إلى صراع هامشي ، ليتخذ هذا الأخير الشكل الرئيسي للصراع . ففي هذا الإطار يجدر علينا أن نتساءل لماذا هذا التحويل الجذري للصراع، وما فائدة ذلك في مجال لم الصف الجماهيري ؟ بل الأكثر من ذلك لماذا تم التخلي عن متابعة الملف المطلبي للجنة المركزية التي كانت قد شقت طريقا طويلا في مجال تحقيقه؟ إن الأحداث الكبيرة والصغيرة مهما عضمت فهي لا تتخذ مسارها الصحيح إلا عندما توجه في إطار الفهم الصحيح، وهو الأمر الذي لم يتم اتباعه ما بعد 20 فبراير، بل على العكس من ذلك تماما نجد أن نتائج كل التحركات التي تلت أحدات 20 فبراير، كانت تهدف إلى تشتيت وحدة الجماهير وتفيتيت الذات المناضلة، إضافة إلى عزل النخبة المحلية التي دائما ما يكون لها دورا فعالا في الصراع ، عن واقع وهموم الجماهير . فمن خلال كل ما سبق يتضح أن الأدوات والآليات المستعملة في إطار تدبير الصراع ليست بأدوات الجماهير ولا في مصلحة الجماهير، بل على العكس من ذلك هي أدوات الطرف النقيض الذي يصارع الممكن من أجل تأبيد ما هو قائم. كيف ذلك وماهو الرابط في ذلك؟ هي الأسئلة التي ستجيبنا عنها باقي الحلقات. وفي الختام أود أن أشير إلا أن ما تلا أحداث 31 مايو من متابعات من اجل تدوين محاضر احتجاز أعضاء المجلس البلدي، لدى الضابطة القضائية ماهي إلا شكل من أشكال تفعيل الصراع الهامشي وتوهيم الجماهير بوجود نقيض غير السلطات المحلية الممثلة للنظام القائم بالمغرب بغية استكمال الأهداف المسطرة سلفا ، وسنفصل هذا في الحلقات القادمة بتفصيل ، خصوصا عندما ستستعيد الجماهير الشعبية وحدتها المعهودة في معركة الأسرة المشردة، حيث هناك سينكشف المستور وسيتضح جليا من يزكي الصراع الوهمي على الصراع الحقيقي أي من مع الممكن ومن مع القائم؟؟؟؟؟ دليل الريف : سليمان التجريني* *باحث في سلك الدكتوراه: القانون الدولي العام والعلوم السياسية