بداية : لماذا المسألة الانتروبولوجية؟ : يعرف الكثيرون أن الانتروبولوجيا مادة علمية لها تاريخ يمتد إل عهد فلاسفة الإغريق, كما يعرفون أن الفلاسفة استعملوا هذا المصطلح في عدة معان ,وخاصة ما يتعلق بالعلاقات الانسانية ضمن السيرورة التاريخية , مع أن الاهتمام الأكبر كان من نصيب الإنتروبولوجية الاجتماعية , والإنتوبولوجية الحضارية والثقافية , حتى أن هناك من المؤرخين من جمع بين الإنتروبوجيا والتاريخ كما فعل هيردوتس . ولكون هذا العلم يعالج مما يعالج المقاربة الحضارية للإنسان , فإنه من العلوم القربية جدا من التاريخ , و يمكن تحديدالفرق بين علم الإنتروبوجيا وعلم التاريخ فيما يلي : : 1 التاريخ يبحث السيميترية الزمنية بينما الانتروبولوجيا تبحث النسق العلائقي داخل تلك السيميترية . 2 التاريخ يبحث السيرورة والتحولات الاجتماعية والانسانية بوجه عام , بينها الانتروبولجيا تبحث مجال تلك التحولات . 3 التاريخ يبحث الأحداث وأسبابها الظاهرة بينما الانتروبولوجيا تبحث العلية الخفية لتلك الأحداث , وهي المتمثلة في العلاقات الانسانية الخارجة عن الماديات كالأخلاق والكرامة الانسانية , وكل شيء له علاقة بالمساوات وإحقاق الحق وطرد الباطل . وأنا في في هدا الموضوع المتواضع , لا أسرد الأحداث بقدر ما أتناول النسق العلائقي الذي أنتج تلك الأحداث في ربط ذلك النسق بالأخلاق والكرامة الانسانية . الربيع العربي والمسألة الإنتروبولوجية: إذا كانت التغيرات الايجابة التي قد يعرفها مجتمع ما أو أمة ما, تدفع بالحراك الفكري والنشاط العلمي نحو الازدهار , فإن الحاجة إلى التغيير في هذه الأمة أو ذلك المجتمع تفرض نفسه كل ما مر بها ما يؤذيها أو يؤلمها , وتزداد تلك الحاجة كلما أصبحت الفطرة(1) مهددة وخاصة جانب الحرية منها .وهذا ما يشكل ضغطا قويا على المجتمعات للدفع بها نحو تغيير الحال , إيذانا بنضج شروط الثورة . والثورة إذا نضجت شروطها أصبح إخمادها مستحبلا و على أي نظام, ولعل هذا ما يقصده هينري كيسنجر الملقب ب: ميترنيخ أمريكا بقولته المشهورة " الثورة مرض قاتل ", وهي بالفعل كذلك , لأنها لادواء لها , إذا ما اشتعلت إلا استئصال الداء المتسبب في المرض . أهم شروط الثورة وأهم شروط الثورة هي : 1 سيادة الظلم الإداري والاقتصادي وذلك بإهدار الطاقات المادية والبشرية مع سيادة سوء التنظيم وسوء توزيع السلطة وسوء استعمالها, كما يسود فساد الأخلاق والدين والمعتقد بصفة عامة مع غياب المفهوم الصحيح والسليم للأدب والفن ولعلم والثقافة , و تهيش كامل للفكر التنويري ,وإهمال التعليم الذي هو العصب الأساسي في التنمية . 2 وجود نضج كامل للفكر النقيض الذي ينقض الفكر السائد وينتقده بأيديولوجية واضحة ومفهومة تقف ضد الأيديولوجية السائدة (( لايمكن أن تقوم ثورة ......... , إلا في المجتمع الذي يجري فيه النقاش المتناقض بين الأطراف المتنازعة على أعلى مستوى ..........في حقول الاقتصاد والسياسة والعلوم والإدارة والتقنية والثقافة والإنتاج والإعلام والأخلاق والأدب.........)) (2) 3 وجود شخصية رمزية تقود الثورة وترعاها وتمثلها سياسيا وإعلاميا , والقيادة يمكن أن تكون جماعة أو أوشريحة أومنظمة أو حتى فردا, وذلك بحسب النظام النقيض المجابه وبحسب طبيعة المجتمع الذي يتوق إلى التغيير . 4 الوعي بطبيعة المهمة المتعلقة بالثوار , حتى لاينزلقوا إلى أخطاء في المهمات وتصبح الثورة ضد الثائرين وذلك بحماية المؤسسات من التخريب , وحماية الثورة من تدخل الفاسدين الذين قد تقحمهم الأنظمة في تجمعات الثائرين ليقوموا بأعمال تخريبية الهدف منها إفساد سمعة الثوار , وإيجاد المبرر لتدخل النظام السائد بالبوليس بذريعة حماية ممتلكات الشعوب , وهذا لايسقط الثورة ولكنه يؤخر تحقيق الأهداف , وقد يحول مسارها من ثورة صحيحة إلى ثورة مصطنعة تحمل في طياتها أسباب فسادها , وبذلك يكون الثوار قد قدموا خدمة ممتازة للأنظمة الفاسدة . تلك هي شروط الثورة التي قال فيها هنري كسنجر قولته تلك , والتي ألمح إليها , حسب رأيي, شبنغلر بقوله" تلد الثقافة في لحظة استيقاض روحا كبيرة وتموت الثقافة حين تحقق الروح لامكاناتها " (3). وهذا يعني أن حياة الشعوب لاتموت إلا بموت ثقافتها (= ذاكرتها)واستيقاظ الثقافة يعني يقظة الهمم ,وهذه ايضا من ضمن شروط نضوج الثورة بل ومن أكبر أسبابها . وفي صدد الحديث عن الربيع العربي نتوخى الحديث عن أهم حيثيات الثورة العربية المرتبطة بالأخلاق والكرامة . الربيع العربي وإشكالية القهر. من أهم أسباب التي ولدت الربيع العربي , اعتقاد أنظمة الدول العربية أنها تتقن شكل القتال ضد ذاكرة الشعوب , وتطور هذا الاعتقاد إلى اختزال مفهوم الحرية و تقزيمه إلى مجرد علاقات بين الفرد والسلطة , وصار كل من اقترب من السلطة بالتمجيد والتحميد ,صار هو منها و من الأحرار , حسب رأيها , وكل من سولت له نغسه إحياء الفطرة فهو إما كافر من زمن القطبين (= القطبالاشتراكي + القطب الرأسمالي) , أو إرهابي من زمن أحادي القطب (= القطب الأمريكي ) , وإلا فهو فاقد للأهلية بسبب حبوب الهلوسة . هذا النمط من التعامل القاهر مع الوضع البشري في الدول العربية , يعتبر سببا غير مباش في اندلاع الاحتجاجات , أما الأسباب المباشرة والضاغطة فهي الوضعيات الاحتقانية التي عرفتها فئات كبيرة من المجتمع العربي وهي : الوضعية الإجتماعية الوضعية السياسية الوضعية الاقتصادية . 1 الوضعية الاجتماعية : تكثر الاحتقانات الاجتماعية وتتشعب , فمنها ما يرتبط بالاقتصاد , ومنها ماهو اجتماعي محض , لكن الأهم منه ما يتعلق بالوضعية الاقتصادية /الاجتماعية والتي هي مولدات أساسية للمشاكل الاجتماعية البحتة , فالحاجة إاى رغيف الخبز تقهر الفرد وتشكل له قنوات ضغط متعددة تبلور , مع وجود الشروط المذكورة آنفا , البساط الأخظر الذي بأذن ببداية الربيع . تقول جان فرنسوى ريبيل " إن شرط الثورة في دول العالم الثالث هو أن تجد هذه الدول علاجا شريفا للتخلف الاقتصادي , ولكن وحتى من تملك من يبنها موارد تتيح لها ذلك لا تنجح في إجاد هذا العلاج ...........الأمر الذي يؤدي حتما إلى التسلسل التالي : عدم الكفاءة دكتاتورية فساد ......إزدياد التخلف , كما أن جميع دول العالم الثالث , تقريبا غرقة في ثقافة الماضي "(4). ومع أن هذا الكلام أورده كاتبه تحت موضوع جانبي " الثورة في العالم الثالث لن تحدث " إلا أن موضوعا في سياق مسألة أنتروبولجية تعالج ما له علاقة بالاجتماعي والساسي كالذي يبن أيدينا , يستدعي وروده , وخاصة لأنه يشير بقوة إلى العلاقة ذاتها التي أسست للربيع العربي , والتي تفيد أن التخلف الاقتصادي يجر حتما إلى التخلف الاجتماعي والسياسي ويشير إلى كون هذه المجتمعات " غارقة في ثقافة الماضي" والذي يقصد به الثقافة الدينية . في الحقيقة أنه من بين الاشكللات الانتروبولوجية المصاحبة للسيرورة التاريخية العربية , إشكالية تطبيق الشريعة الاسلامية القديمة/ الحديثة (= ابتداء من عصر النهضة العربية ) التي انطلفت من عصر جمال الدين الأفغاني,واستمرارا مع الحركة الاحيائية الاسلا مية الحديثة المختلفة , وحيث يمثل مشروع الأفغاني " الحاكمية " ويمثل مشروع الجماعات الاسلامية غير المعتدلة "الاستئصالية" والكل ينشد الحرية في معالجة الوضع العربي الاسلامي , ومن داخل كلا المشروعين برزت فكرة الاصلاح ضاغطة وفارضة نفسها بطرح الاشكالات الآتية : هل هناك علاقة بين الاصلاح الديني والاصلاح السياسي ؟ ها الاصلاح السياسي مفيد للإصلاح الديني ؟ وهل العكس صحيح ؟ ويبدأ الجواب مع محمد عبده الذي يرى أن الاصلاح الاجتماعي , وضمنه الاصلاح الديني, يؤدي إلى الاصلاح السياسي , يقول محمد عبده " ما يتحقق بالعقل في الغرب (= الأمور السياسية ) لايتحقق في الشرق إلا بالدين " (5) . ويستمر الجواب مع سيد قطب (= راجع كتابه : معالم في الطريق ) ....... ومع أن ألكثيرين لم يظنوا أن الحركات الاسلامية التي تشارك بفعالية في الربيع العربي ستحصد مقاعد انتخابية مهمة , و يظهر أسلوب نسكي لم يعهد من قبل ومنذ فجر الاسلام وهو إطلاق الآذان في قبة البرلمان (=نموذج مصر) , وظهور وزراء في برامج تلفزيونية تعالج الأمور بمفاهيم الشريعة الاسلامية السمحة (6). وكذا ظهور فئة متطرفة في ليبيا تقوم بهدم بنايات أقيمت على مقابر , يعتبرها السكان مقابر للأولياء . في الحقيقة أن ما تبلورت نتائج انتخابات ما بعد " الثورات " تجعل المرء يعتقد أن أغلب فئات الشارع العربي كانت تحركه, إلى جانب الاحتقانات السابق ذكرها , الأفكار الدينية "المعتدل" منها و"المتطرف" والكل بها يرنوا إلى السلطة بقصد تطبيق الشريعة والعدالة , كما يصرح دائما . لكن الكل ينضوي تحت إسم واحد " حركة 17 فبراير" " حركة 25يناير" أو............ وما يدل على الصبغة الدينية لحركة الربيع العربي , خصوصا في الشرق (= مصر اليمن سوريا ......) هو توظيف يوم الجمعة لبث نفس جديد في الثورة (= الربيع العربي) حيث تنطلق المظاهرات من المساجد بعد أداء صلاة الجمعة , وكل جمعة بإسم جديد ( = جمعة الحرية جمعة التضامن مع كذا .......إلخ.) . ويدل على ذلك أيض تنائج الانتخابات التي أتت بعد الثورة , وبينت بوضوح , أن الشارع العربي جزء كبير منه يميل إلى الشريعة الاسلامية , لكن هذا وحسب رأيي مظهر من مظاهر اقتراح الحلول المتعلفة بالمبدإ , ومن ورائها رغبة في تحقبق العدل الا جتماعي , فالمسأبة التي حركت الربيع العربي هي الظلم الاجتماعي وصعوبة الحصول على رغيف الخبز . ولما كان الاسلام دين عدل , حسب ما تعارف عليه المسلمون , تم العمل على بلورة هذه التجربة . وثورة الربيع العربي , هي أيضا , ثورة في سياق التغيير العالمي , الذي يظهر في أي منطقة من العالم كلما نضجت شروطه , والفرق بين الربيع العربي والربيع الغربي السابق , وربما اللاحق أيضا , هو أن الثورات العربية أكثر مرجعياتها هو ما أشرت إليه سابقا من السلفية الدينية , بينما الثورات العالمية الأخرى مرجعياتها ثقافة مادية برجماتية : اقتصادية واجتماعية وسياسية , لكن هذا لايجعل الربيع العربي فريدا إلى حد اعتباره خارج نظام الثورة العالمي , فالعالم أصبح قرية الآن . خصوصا وأن الحلول المتوصل إليها والمتمثل في وصول أحزاب إسلامية إلى الحكم , هي حلول غير واضحة المعالم , ولا النتائج , وقد يحدث فجأة صراع بين الجماعات الاسلامية نفسها , (= راجع مشاكل الطالبان بعد سقوط كابول/ عاصمة أفغانستان, والمشاكل الخطيرة التي استبدت بهم بعد نجاح ثورتهم) , ولا ننسى أن هناك شرائح اجتماعية لايستهان بها , ليست إسلامية كالمسيحية أو ليست دينية كالمرجعيات الشيوعية والعلمانية , ساهمت أيضا في تحريك عجلة التغيير . لهذا أقول أن حركة الربيع العربي يجب ألا تنسب إلى إلى حركة فكرية دينية محظة فريدة من نوعها , فليس لرغيف الخبز دين ولا مذهب آخر , فهو شئ طبيعي لايتعلق بأي مبدأ إلا مبدأ العدالة الاجتماعية , فإنسان الجزيرة العربية يحتاج إلى الخبز كإنسان أمريكا تماما , ولا يفرق بين هذا وذاك إلا الخلفيات الاجتماعية السياسية المنضوية تحت نمط اجتماعي مختلف . 2 الوضعية السياسية : ليس من السهل إدعاء المعرفة بواطن الأمور السياسية التي ولدت الربيع العربي , لكن يمكن القول أن لاشيء يطأ أرض الواقع العربي إلا وكان الهدف دائما هو التغيير, ولا يكون التغيير إلا بتأطير الجماهير سياسيا لأن " الجماهير غير المؤطرة سياسيا لايتاح لها التعامل مع الواقع انطلاقا من الوعي بجدليته وموضوعيته " (7) , وهكذا يجتمع التأطير والتنظيم إلى ضغط شروط الثورة فيحدث انفجار هائل يتوخى الكثيرون أن يقف حيث وصل , لكن ليس للرغبات أن تعمل على وقف البركان ولا على تهدئة العاصفة بل يجب العمل على جعل الاصلاحات الشاملة بديل الرغبات بل وبديل مقابلة الشباب بالقنابل الدخلنية والنارية , فكلما كانت الثقافة السياسية واقعية وعلمية زادت قدرتها على امتصاص الغضب , وكلما كانت متحجرة قلت قدرتها على ذلك ف" ثمت ارتباط بين طبيعة الثقافة السياسية السائدة في مجتمع ما وطبيعة النظام السياسي القائم في هذا المجتمع فضلا من تأثيرها في الاستقرار السياسي " (8) , وكل من ينظر في الفكر السياسي الذي يسير الأنظمة العربية يلاحظ نوعا من الفوضى فلا هي أي(= الأنظمة العربية) تنتهج النهج الميكيافيلي القديم في تسيير الأمور ,ولا هي تنحى منحى الفكر الديمقراطي الحداثي , ولا هي تتخذ مبدأ الحاكمية الربابية الاسلامية مسلكا بل يرى الناظر أن هناك نوعا من الفوضى , والسبب راجع في كثير من الأسباب إلى توزيع المناصب الحساسة في الدول العربية بناء على التزوير أو الولاءات لاعلى الاستحقاق أو الكفاءات . وقد اخترقت هذه الفوضى كل الميادين , وأخطرها النظام التربوي , والنتيجة أن لاجامعة واحدة في الوطن اتلعربي مرتبة ترتيبا دوليا , ونفس الشيء يقال في الصحة والبيئة بل أحيانا يتعدى إلى تدبير النظام التعبدي تدبيرا سياسيا , وكأن إمام المسجد يؤدي عمله ابتغاء رضى السلطة أو يخاف عقابها ، وليس حبا في أداء شعيرة من شعائر الله , ناسيا أو متناسيا أن " الله يستطيع أن يمنعه من يزيد , لكن يزيدا لايستطيع أن يمنعه من الله" , حتى أن هناك من يرى تجنب قراءة بعض آيات من كتاب الله تبركا بآراء الغرب المتعصب لدينه سياسيا حتى الثمالة . الربيع العربي والسياق الدولي : إذا كانت حركة الشارع العربي خطوة في سياق الحركات الشعبية العالمية كما أشرت سابقا , وكون العالم أصبح قرية , فإن فإنه لايمكن الحديث عن الربيع العربي بمعزل عن المواقف والسياسات الدولية التي واكبت تهذه التحركات, بدءا من مواقف الدول العربية نفسها , واستمرارا مع المواقف الجران والدول الكبيرة . فسياسيا تحركت الجامعة العربية أحيانا لصالح ثورة الشباب العربي , والمحرك فيه لم يكن من أجل المصلحة الاقتصادية بل المسألة الأخلاقية والعلائقية التي تربط زعيم النظام بباقي زعماء الدول العربية (=نموذج ليبيا ) أو التدخل بضغط كثرة الوفيات (= نموذج سوريا ) . و من ضمن هذا المحيط تدخل إيران لتحاول جعل الثورة العربية امتدادا لثورتها , ويصرح رجل دولة بمستوى "خامينائي " أمام وسائل الاعلام أن الربيع العربي امتداد للثورنيةالإيرانية اعتبارا لنتائج الانتخابات فيه الت إلى الإسلاميين , وكأن الأحزاب الأخرى منتميها ليسوا مسلمين , وبل وكأن تلك الأحزاب بنجاحها ستنقذ بلدانها من قانون روما , ومن علمانية السياسة والاقتصاد اللذان يسيطران سيطرة شبه كاملة على السياسات المتبعة في بلدان هذا الربيع , فالدول الغربية أو المجتمع الدولي , كما يحلو لأهل الغرب أم يسموا أنفسهم .لها موقف مما يجري , فهو موقف فيه حياد مرة (=نمذج تونس ) , وفيه انحياز ظاهر (= نموذج مصر ) وموقف فيه فوضى غير واضحة (= نموذج سوريا ) , والمتتبع لهذه المواقف يرى بوضوح أن الغرب يتماشى مع هذه التحكات حسب القاعدة المعروفة, وهي مذهب البرجماتيةالنفعية التي ترى أن الثورة حق إنساني مرة وهي مرض قاتل مرة أخرى , وهي حق وديمقراطية وسلوك حسن حينما ترى مصالحها . والوسائل المسخرة متنوعة تبدأ بعملاء في بلدان الثورة وتنتهي بالإعلام الذي يؤثر تأثيرا بالغا باعتماد أساليب الإقناع التضليلي , والنتيجة هي سقوط الشعوب في الوعي المعلب الذي يظهر الصورة على غير حقيقتها , يقول هاربرت .أ . شيللر " إن التضليل الإعلامب يقتفي واقعا زائفا هو الانكار المستمر لوجوده أصلا " (9). وعند الحديث عن دول الغرب لانستهين بدور دول الشرق , وخاصة الكبرى منها كروسيا والصين , فهاتين الدولتين لهما أياد خفية وأخرى ظاهرة في تحريك دولاب الربيع العربي إلى الخلف تارة وإلى الأمام تارة أخرى , وبحسب مصالحها . فالعلاقة الدولية إذن في تفاعلها مع الربيع العربي هي علاقة لا أخلاقية ولا مبدئية , هي فقط علاقة مصلحة صرفة هي بالضبط الديمقراطية التي نظر لها البشر, فلا صديق فيها دائم ولا عدو دائم , فقط المصلحة هي الدائمة في منطق الفكر الديمقراطي الوضعي , ولا نغتر بالمعونات الاقتصادية التي تقدمها أمريكا لللأنظمة العربية فهي سم في دسم . 3 الوضعية الاقتصادية : هنا وبحكم إطار المقال لا أتحدث عن وسائل الإنتاج بل سيكون حديثي عن العلاقات الانتاجية التب تربط أفراد المجتمع ببعضهم البعض . إن الإشكالية الأساسية التي تؤزم العلاقات الاقتصادية في دول الربيع العربي هي علاقة أنظمتها بدول الغرب , فليس للأنظمة العربية علاقة إقتصادية حقيقية تربطها بشعوبها , بل أحيانا تتخذ الشعوب رهائن بسبب اقتراضات دولية ذهبت إى جيوب المفسدين , ونفس الشيء يحدث مع المساعدات المقدمة للدول العربية من أجل رعاية مصالحها المتمثلة أصلا في تدجين الشعوب , فتكون الأنظمة العربية بذلك تستقيد كأفراد وعائلات وذوي الولاءات الزائفة , في حين ما يستفيده الغرب يذهب لصالح شعوبها . كما أن الأنظمة العربية ترتبط ببعض الأفراد والعائلات ارتباطا اقتصاديا يكون الشعب هو المتضرر فيها, ومنهم مالكي الشركات التي تملك الدولة بعض الأسهم فيها , وتحافظ هذه الأنظمة على بقائها بشتى السبل , وتقول بالديمقراطية لكن بوجود أحزاب تابعة , و لا تسمح بالديمقراطية الاقتصادية التي تضمن توزيع الثروات توزيعا سليما , وهكذا ساد التخلف وزاد القهر والضغط على الشعوب , فكان كالهشيم الذي ينتظر قبسا من النار , فاشتعل الوعزيزى في سيدي بوزيد , واشتعلت معه الحناجر الداعية إلى التغيير . الهوامش 1 الفطرة هي الحالة التي بولد عليه الانسان و من أهم ما فيها الحرية في الاختيار . رياح التغير الجديدة . تعريب : فؤاد مويساتي . Jean François Revel 2 3 سيمون دي بوبوار / واقع الفكر اليميني / تعريب جورج طرابيشي / ص 48 رياح التغير الجديدة . تعريب : فؤاد مويساتي . Jean François Revel4 5 محمد عبده / رسالة التوحيد / ص : 455 6 وزيرالشؤون الدينية التونسي في برنامج الشريعة والحباة /قناة الجزيرة/ الأحد 26/02/2012 7 مصطفى حجازي / التخلف الاجتماعي سيكولوجية الانسان المقهور . 8 عبد السلام نوير/ أساذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط / سلسبة : عالم المعرفة / عدد 40 9 هاربت شيللر/ المتلاعبون بالعقول / تعريب : عبد السلام رضوان / ص 16