أعلن نحو 80 عالما ومفكرا مسلما أن مشروع الديمقراطية والإصلاح في العالم الإسلامي أصبح ضروريا شريطة أن يأتي من الداخل وألا يكون مفروضا من الخارج، ويتناسب مع خصوصيات المجتمعات الإسلامية. كما شددوا على ضرورة تصفية بؤر التوتر داخل المجتمعات الإسلامية وتصحيح العلاقة بين السلطة والمواطن، وتجديد الفكر الإسلامي لإخراج الأمة من "حالة التيه والضياع". جاء ذلك في البيان الختامي الإثنين 23-8-2004 للمؤتمر الثالث عشر الذي أقامته مؤسسة "آل البيت" بالعاصمة الأردنية عمان تحت عنوان "نظام الحكم الإسلامي والديمقراطية.. الفروق وإمكانية التعايش" وبحث فيه المشاركون على مدى 3 أيام أكثر من 31 بحثا تقدم بها نخبة من العلماء والمفكرين المسلمين من نحو 40 دولة حول الشورى والديمقراطية ونقاط الالتقاء والاختلاف بينهما. وقال المشاركون: إن الإسلام هو أول من وضع تصورا لقانون دستوري لا يتغير بتغير المشرعين، وإن الدولة الإسلامية وليدة القانون ولا مكان فيها للسلطة الاستبدادية. وفي البيان الختامي الذي نشرت أبرز نقاطه صحيفة "الرأي" الأردنية الثلاثاء 24-8-2004 أوضح المشاركون أن أهم ما يجب أن يتجه إليه الإصلاح في العالم الإسلامي هو تصحيح العلاقة بين السلطة والمواطن، والحد من ظاهرة التطرف بإزالة الأسباب المؤدية إليها. وأشار البيان إلى أن من بين الخصائص التي يتميز بها نظام الحكم في الإسلام عن غيره من أنظمة الحكم أن السيادة فيه للشريعة، وأن السلطان فيه للأمة وهدف وجود الحاكم تحقيق العدل في المجتمع الإنساني، ونشر الرحمة بين الناس ورعاية مصالحهم، وأن للإمام على الناس حق الطاعة بالمعروف. وقال: إن الدولة الإسلامية مبنية على القانون، ولا مكان فيها للسلطة الاستبدادية، كما أن الجميع فيها -حكاما وشعوبا- معرضون للمساءلة، ولا تمنح أحدا أية حصانة، وحقوق الإنسان غير قابلة للانتهاك بوصفها مواثيق مقدسة من الله تعالى. وبينت التوصيات أن الشريعة الإسلامية فيها قواعد ثابتة لا تخضع للاجتهاد أو الشورى، لكن الأحكام الشرعية قابلة للتغيير لقيامها على أساس مراعاة المصالح ودرء المفاسد، وهي مجال مفتوح للاجتهاد من خلال الأفراد والمؤسسات على حد سواء. تعريف نظام الحكم كما تطرق البيان لنظام الحكم الذي يدير شؤون الأمة أو الجماعة حسب المبادئ الأساسية للإسلام، وعرفه أنه "أي نظام حكم يتمسك بتعاليم الإسلام حول المساواة والعدالة والشورى وحقوق الناس وحرياتهم الأساسية، ويكافح من أجل خيرهم ورفاهيتهم، ويلتزم بالأخلاقيات الإسلامية، ويسمح لأتباع الأديان الأخرى بممارسة شعائرهم الدينية، وممارسة قوانينهم وتقاليدهم بدون تدخل". وأوضح البيان أن التعددية الدينية في الإسلام تقوم على الاعتزاز بالدين والسماحة، وأن المسلمين لم يجبروا غيرهم -في أي وقت- على الدخول في الإسلام. وأشار إلى أن تشكيل الأحزاب السياسية لا يخالف الشريعة الإسلامية، و"خلافات الرأي داخل الأمة هي إحدى النعم الأهلية التي تساعدها على إبراز طاقات أبنائها وتداول السلطة داخلها بشكل سلمي". التيه والحل ورأى البيان أن "العالم الإسلامي في حالة تيه؛ وذلك لأن القضايا المعلقة التي لم تحسم ما زالت كثيرة، وأهمها الخلاف المحتدم داخل الأمة حول دور الدين في إدارة المجتمع وقضية الحرية والمرأة والشورى والديمقراطية". وأوضح أنه للخروج من حالة التيه هذه "لا بد من تصفية بؤر التوتر داخل المجتمعات الإسلامية، واجتثاث فكر التشدد والعزلة، وتجديد الفكر الإسلامي قبل الفقه؛ لأن المعرفة في الإسلام تقوم على العقل وهو نعمة من الله، وعلى النقل وهو رحمة من الله، ومن المستحيل أن تصطدم رحمة الله مع نعمته تعالى". ومؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي منظمة علمية بحثية تأسست عام 1980، وهي من أبرز المنظمات الدينية الفكرية في العالم الإسلامي، ويرأسها الأمير حمزة بن الحسين ولي العهد الأردني. وتضم المؤسسة 129 عضوا من 44 دولة، يتم اختيارهم من بين علماء المسلمين المعروفين بدراساتهم وبحوثهم وآرائهم العلمية في ميادين المعرفة الخاصة بالحضارة الإسلامية. أبرز نقاط البيان الختامي فيما يلي أبرز النقاط التي وردت مساء الإثنين 23-8-2004 في البيان الختامي لأعمال الدورة الثالثة عشرة للمؤتمر العام لمؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بعنوان "نظام الحكم الإسلامي والديمقراطية: الفروق وإمكانية التعايش"، وفقا لجريدة الرأي الأردنية الثلاثاء 24-8-2004: * كان الإسلام أول حضارة وضعت تصورا لقانون دستوري لا يتغير بتغير رغبات المشرعين مهما بلغ حجم الأكثرية التي يتمتعون بها، وألزم التشريعات الأخرى أن تتوافق معه. ويمكن كتابة دستور إسلامي بصياغة حديثة، يحدد نظام الدولة والحقوق الأساسية للمواطنين، وصلاحيات رئيس الدولة وسلطاتها الثلاث. * إن السلطة البشرية التي تستند إلى العقل وحده لا يمكن أن تقيم ميزان العدل بين البشر مهما اجتهدت في حفظ مصالح الناس في الحياة الدنيا، ولهذا تحتاج البشرية إلى السياسة الشرعية التي تتميز بالخيرية والدعوة إلى الأخلاق، والتزام الحق ونصرته والوفاء بالعهود والعقود، وهي المبادئ التي يتضمنها الإسلام في رؤيته للحكم والسلطة. * تقوم الدولة الإسلامية على ثلاث دعائم هي: مدنية نظام الحكم، ووعي المنافع العمومي، وإقامة التنظيمات الكفيلة بتنظيم الشأن العام وحماية الأمة وتحقيق تقدمها. * من الخصائص التي يتميز بها نظام الحكم في الإسلام عن غيره من أنظمة الحكم أن السيادة فيه للشريعة، وأن السلطان فيه للأمة، وأن هدفه تحقيق العدل في المجتمع الإنساني، ونشر الرحمة بين الناس ورعاية مصالحهم، وأن للإمام على الناس حق الطاعة بالمعروف. * إن الشريعة الإسلامية، بل وسائر الشرائع، إنما أنزلت رعاية وصونا لمصالح العباد الضرورية، التي تنحصر في خمس: حق النفس، وحق الدين، وحق العقل، وحق النسل، وحق التملك، أما التفاصيل داخل تلك الحقوق، فتندرج من ضروري إلى حاجي إلى تحسيني، وما دام الإنسان ومصالحه هما مقصد الشريعة وهدفها، فلا يهم من أين تأخذ الأدوات لاعتبار تلك المصالح وإنفاذها. * إن الدولة الإسلامية، وليدة القانون، ولا مكان فيها للسلطة الاستبدادية، والحكام -كغيرهم- معرضون للمساءلة، ولا تمنح أحدا أية حصانة، وحقوق الإنسان فيها غير قابلة للانتهاك بوصفها مواثيق مقدسة من الله تعالى، أما الفرد فيتمتع بالاحترام، وهو مسئول -أخلاقيا وأدبيا- عن جميع خياراته وأعماله في الدنيا وفي الدار الآخرة. * في الشريعة الإسلامية قواعد ثابتة لا تخضع للاجتهاد أو الشورى، وأحكام شرعية قابلة للتغيير لقيامها على أساس مراعاة المصالح ودرء المفاسد، وهي مجال مفتوح للاجتهاد من خلال الأفراد والمؤسسات على حد سواء. * رغم وجود بعض أشكال التجاوز في تجربة الحكم الإسلامي، فإن أحدا لم يجرؤ على تحدي الشرع أو القيام بدور المشرعين، إلا ضمن إطار القواعد الشرعية للقرآن والسنة، وفي مجالات تُركت مفتوحة باعتبارها في حكم المباح. * هناك اتفاق عام على ضرورة وجود نظام حكم يدير شؤون الأمة أو الجماعة حسب المبادئ الأساسية للإسلام، ولكن لا توجد أدلة قاطعة حول ماهية الشكل والبنية التي يجب أن يتصف بها هذا النظام، ولهذا فإن نظام الحكم الإسلامي هو أي نظام حكم يتمسك بتعاليم الإسلام حول المساواة والعدالة والشورى وحقوق الناس وحرياتهم الأساسية، ويكافح من أجل خيرهم ورفاهيتهم، ويلتزم بالأخلاقيات الإسلامية، ويسمح لأتباع الأديان الأخرى بممارسة شعائرهم الدينية، وممارسة قوانينهم وتقاليدهم بدون تدخل. * إن نظام الحكم في الإسلام ليس نظاما ثيوقراطيا يقوم على "حكم رجال الدين"، كما أنه ليس نظاما علمانيا يعزل الدين عن الحياة والمجتمع، ولكنه مدني يستند إلى قواعد الشريعة الإسلامية التي تتناول شؤون الحكم وقضايا العدل والحقوق والحريات في إطار فقه "المعاملات"، ويسعى إلى إسعاد البشرية وتمكينها من بناء مجتمعاتها الإنسانية على أسس من العدالة والحرية والمساواة. * الشورى هي إحدى دعامات الحكم الإسلامي، وهي ضرورة اجتماعية، تحول دون الاستبداد بالرأي والحكم، وتساعد في تمتين أواصر المحبة بين الحاكم والأمة، وتشعرهما بأنهما شركاء في اتخاذ القرار وتحمل مسؤولياته. ولكن المسلمين لم يلزموا بعدد معين لأهل الشورى أو بكيفية محددة لها، وإنما ترك ذلك مفتوحا للاجتهاد، لكي يستفيدوا من الوسائل الحديثة في تنظيم الشورى أو من أساليب الديمقراطيات المعاصرة. * إن الإسلام لا يفرض صيغة محددة للشورى، ولا نظاما معينا للحكم، وعلى كل مجتمع أن يختار الصيغة والشكل اللذين يناسبان ظروفه وأحواله وخصوصياته، بشرط أن تحقق الشورى الضمانات الكافية لاحترام إرادة الأمة، وتتوافر فيها الضوابط السليمة لتؤدي أهدافها في اتخاذ قرارات سليمة وتوزيع عادل للثروات، ومسارات حقيقية في الحقوق والواجبات، دون التقيد بالتطبيقات العملية التي مارسها الخلفاء والحكام في أزمانهم، لأنها كانت مناسبة لعصورهم وليست أمورا دينية مقدسة. * إن من حق الأمم والشعوب والحضارات إن تتمايز وتختلف في خياراتها السياسية ونماذجها الحضارية، فهذا منطق الليبرالية الغربية والتعددية الإسلامية، لكن المهم هو وفاء كل نموذج للمقاصد الإنسانية التي تحددها رؤية الإنسان للكون في كل حضارة من الحضارات، وجدارة كل نموذج بتفجير طاقات الخلق والإبداع في هذا الإنسان. * إن نظام الحكم في الإسلام ليس نظاما سياسيا -فقط- مثل الديمقراطية، بل هو نظام شامل للسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، ومع أن الشورى والبيعة يشكلان دعامتين أساسيتين له، إلا أنه يشمل كافة أنظمة الحياة وشؤون المجتمع الأخرى. * هناك قضايا كثيرة تتعلق بالفكر السياسي والقانون الدستوري الإسلامي، ما تزال محاطة بالغموض، وذلك لأن هذه الموضوعات ظلت -وما تزال- من أقل مجالات الفقه تطورا، ويمكن العثور على جهود العلماء حولها في المؤلفات الأدبية والسياسية أكثر من مؤلفات الفقهاء التي لم يحظ النظام الإسلامي للحكم فيها إلا بالنزر اليسير من المناقشة والاهتمام. * يقوم التصور الإسلامي للوجود على حقيقتين أساسيتين، هما: وحدانية الخالق، وتعددية الخلق، وإذا كان التوحيد في الإسلام هو جوهر الدين وروحه، فان تعددية الخلق العرقية واللسانية والدينية والثقافية والحزبية هي الحقيقة الكبرى التي أقرها الإسلام منذ اللحظة الأولى لنزول الرسالة على النبي الكريم. * تقوم التعددية الدينية في الإسلام على الاعتزاز بالدين والسماحة في الوقت ذاته، والمسلمون لم يجبروا غيرهم -في أي وقت- على الدخول في الإسلام. وقد عاش غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية كأهل ذمة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وترك لهم أن يمارسوا شعائرهم بحرية. * أبرزت التجربة الإسلامية المعاصرة في الحكم منظومة من التوازنات، منها: التوازن بين السلطة الدينية والاختيار الشعبي، والتوازن بين السلطات: انفصالا واتصالا، والتوازن في الإشراف المتبادل بين الأجهزة الحاكمة، والتوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين ضمان الحقوق الفردية وتأمين الحقوق الاجتماعية، وبين المصلحة الوطنية والمصلحة الإسلامية، وبين مدى تأثير السلطات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في صياغة القرار. - إن تشكيل الأحزاب السياسية لا يخالف الشريعة الإسلامية، وخلافات الرأي داخل الأمة هي إحدى النعم الأهلية التي تساعدها على إبراز طاقات أبنائها وتداول السلطة داخلها بشكل سلمي. - اختلفت ردود الفعل في العالم العربي والإسلامي على مشروع الديمقراطية والإصلاح، ولكن الكثيرين يرون أن هذا المشروع أصبح ضروريا، بشرط أن يأتي من الداخل ويتناسب مع خصوصيات مجتمعنا ويحافظ على هويته وقيمه وثقافته، وألا يكون مستوردا أو مفروضا من الخارج. * إن أهم ما يجب أن يتجه إليه الإصلاح هو تصحيح العلاقة بين السلطة والمواطن عن طريق إقرار آليات سليمة للتعبير عن إرادة الأمة، واحترام حقوق الإنسان التي أقرها الإسلام ونصت عليها المواثيق الدولية، ومعالجة الفقر والجهل والأمية من خلال إقرار قوانين اجتماعية عادلة، والحد من ظاهرة التطرف بإزالة الأسباب المؤدية إليها، وتحرير القرارات السياسية من أية تدخلات خارجية. * إن أساس مشروعية السلطة السياسية هو رضا الرعية، ولتحقيق النهضة والإصلاح لا بد أن نتناول قضية القيم الحافظة والمتحركة، وأن نجيب على السؤال المتمثل فيما الذي يريده الإسلام من المسلم، سواء لتعمير الكون وتنميته، أو لهداية الإنسان المسلم من خلال تحسين علاقته بأخويه في الدين والخلق. * يمكن للأقليات الإسلامية في البلاد الغربية أن تعزز حضورها السياسي بالمشاركة في الأحزاب القائمة هناك، وبالتركيز على العمل الاجتماعي، وأن تلتزم بممارسة الحرية التعددية داخل مؤسساتها لتبرز النموذج الإسلامي وتكسب احترام الآخرين لها. * إن الديمقراطية كما تطورت في سياق الحضارة الغربية ونظامها السياسي ليست مفهوما موحدا، وإنما هي ظاهرة متعددة الوجوه، سواء على المستوى المفهومي أو العملي، ولذلك فمن غير المقبول فكريا الافتراض بأن نموذجا معينا من الديمقراطية يجب أن يكون نموذجا مثاليا للنظام السياسي للبشرية كافة، وللمسلمين الذين لهم هويتهم الأخلاقية والعقيدية وشخصيتهم التاريخية الخاصة بهم. * إن التعامل مع الديمقراطية لا يقتصر على اقتباس الآليات العملية وتعديلها، كالانتخابات وفصل السلطات وتنظيم الأحزاب، بل يتطلب فهما خلاقا ونقديا للأيديولوجية التي قام على أساسها النمط الديمقراطي الأصلي في العصر الحديث، خاصة أن هنالك أخلاقيات للديمقراطية لا بد من الالتزام بها إلى جانب الالتزام بالإجراءات السياسية. * إن الديمقراطية -باعتبارها واقعا سياسيا- لا تتحقق إن لم تتوافر شروطها في بناء الشخصية وفي العادات والتقاليد التي تشكل خلاصة قيم المجتمع -أي مجتمع- وثقافته وعلاقة الإنسان بذاته وبالآخر. * إن المهم عند المقارنة بين نظام الحكم الإسلامي والديمقراطية، هو الإبقاء على التأصيل لكل تجربة، مع الانفتاح على تجارب الآخرين، فهنالك قاسم مشترك بين تجارب الشعوب بالإضافة إلى تعدد النماذج، ويمكن للنظم السياسية أن تتعايش فيما بينها بسبب هذا القاسم المشترك. * تلتقي الديمقراطية التي تقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب في بعض خصائصها الدستورية مع نظام الشورى في الإسلام؛ لأن من خصائص الحكومة الديمقراطية أنها حكومة حرة هدفها وضع النظام الذي يحقق حرية الأفراد السياسية، وهو ما يتفق مع الإسلام، مع فارق إن السيادة في الديمقراطية للشعب، وفي الإسلام للشريعة والأمة معا. على الرغم من امتداد تجربة الاستبداد التي يعاني منها عالمنا الإسلامي والتي هي في الأصل جزء من تراث غريب ومفروض عليه بالقوة، سواء من خلال التغريب أو العلمنة اللذين يشكلان إحدى إفرازات الاستبداد والاستعمار الأجنبي. * إن وضع "الإسلام" في مواجهة "الديمقراطية" على اعتبار إن الأول مجهول والآخر معلوم يعبر عن موقف نفسي تحكمه الآراء المسبقة و يغيب عنه الحياد، فالإسلام دين وحضارة وثقافة ونظم ومؤسسات ومذاهب، ونظام ا لحكم فيه جزء منه، أما الديمقراطية فهي إحدى النظريات السياسية في الثقافة الغربية وهي لا تشير إلى المسيحية كما يشار للإسلام في الطرف الأول، كما إن لكل منهما فلسفته وظروفه الاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها، ومراحله التاريخية التي يعبر عنها. * يمكن للنظام الديمقراطي أن يكون رافدا لنظام الحكم الإسلامي، لا بديلا عنه، ومؤثرا إيجابيا فيه لا ملغيا له، وهذا يعتمد على قدرة المسلمين على الحفاظ على ثوابت شريعتهم وهويتهم والاستفادة من الأنظمة الحضارية الأخرى، بما يساعدهم على التفاعل مع العالم المعاصر وإبراز خصوصيتهم الحضارية في آن معا. * لا يتعارض المضمون السياسي والاجتماعي للديمقراطية مع المفهوم الإسلامي للنظام السياسي للحكم، فكلاهما يعتبر الحرية القيمة الأساس والأعلى، ويدعو إلى السيادة الحقيقية للشعوب بحيث تحكم نفسها بنفسها، كما أنهما يقومان على احترام حقوق الفكر والتنظيم وحرية التعبير للجميع. * إن هنالك بعض الذهنيات التي تشكلت بعيدا عن المناخ الإسلامي الأصيل، وتأثرت بمنهجية التفكير الغربي، ما تزال تتبنى مفاهيمه ومقولاته دون أن تنتبه إلى أن هذه المفاهيم وليدة تجربة خاصة بالغرب، وانعكاس لمكونات شخصيته وتطورها التاريخي، والديمقراطية إحدى هذه المفاهيم التي تريد بعض هذه الذهنيات نقلها -كما هي- لمجتمعنا دون مراعاة لخصوصياتنا ومقوماتنا الحضارية. * إن علاقة المسلمين بالغرب قائمة على الغلبة. وعلة هذه الغلبة التقدم الغربي وتخلف المسلمين والسبيل لتعديل الموازين هو التعلم منهم ومنافستهم في مجال تجديد المشروع الاجتماعي/ السياسي والمشروع الديني؛ إذ لا تناقض بين الإسلام والمدينة أو التقدم، بل إن ذلك هو مقتضى الإسلام ومقصد الشريعة، والمسلمون هم المقصرون لا الإسلام. * إن العزلة عن العالم لم تعد ممكنة ولا جائزة، وإن أكثر صور البلوى التي تعم أمتنا سببها أن العالم يتواصل ونحن ننغلق ويتحرك ونجمد، ويتكلم ونصمت، ويبتسم ونتجهم. * إن الأمة لا تنبني على أكتاف الحزانى والمتجهمين، من الذين أفرزتهم موجة التدين الانسحابي أو المغلوط، وواجب الدعاة أن ينشروا ثقافة التبشير والبهجة لتصبح الأمة سعيدة لا مكدودة، وليتمكن المسلمون من الإبداع وتحمل عبء المهمة الثقيلة الملقاة على كاهلهم. * إن أي تشريع يسن لتحقيق المجتمع الأفضل، لا يمكن أن يكون مخالفا للشريعة، وعلى الحكومة الإسلامية أن تجد الموارد والوسائل المناسبة لرفع المستوى الاقتصادي والعيش للناس؛ لأن الشورى أو الديمقراطية لا يمكن أن تحقق أهدافها في ظل التخلف الاقتصادي. * إن العالم الإسلامي في حالة تيه، وذلك لأن القضايا المعلقة التي لم تحسم ما تزال كثيرة، وأهمها الخلاف المحتدم داخل الأمة حول دور الدين في إدارة المجتمع، وغياب فقه الاختلاف وتصدع وحدة الأمة، وقضية الحرية والمرأة والشورى والديمقراطية، ولإخراج الأمة من حالة التيه لا بد من تصفية بؤر التوتر داخل المجتمعات الإسلامية، واجتثاث فكر التشدد والعزلة، وتجديد الفكر الإسلامي قبل الفقه؛ لأن المعرفة في الإسلام تقوم على العقل وهو نعمة من الله، وعلى النقل وهو رحمة من الله، ومن المستحيل أن تصطدم رحمة الله مع نعمته تعالى. وفي الختام أعرب المشاركون من أعضاء المؤسسة وضيوفها عن مشاعر الشكر والامتنان لصاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين على تفضله برعاية هذه الدورة وعلى ما حظوا به من عناية واهتمام لدى استقبال جلالته لهم في قصر بسمان العامر، ولصاحب السمو الملكي الأمير حمزة بن الحسين نائب جلالة الملك ولي العهد الرئيس الأعلى للمؤسسة على تفضله بافتتاح الدورة، وعلى عنايته الموصولة بالمشاركين من الأعضاء في الدورة وبضيوفها، وسجل المشاركون تقديرهم للضيافة الهاشمية الكريمة التي حظوا بها في رحاب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال وللرعاية والعناية الفائقتين اللتين أحاطهم بهما صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد رئيس مجلس أمناء المؤسسة، وأثنوا على جهود لجنة الصياغة في إعداد هذا التقرير الختامي، وعلى ما قامت به اللجنة المنظمة للدورة من جهد مشكور في الإعداد والتنظيم المحكمين لهذه الدورة. إسلام أون لاين