الإسلام والعلمانية مرة أخرى .. تعقيب وقراءة في مقال الأستاذ مرزوق الحقوني : الجزء الأول يستمد الحديث عن الإسلام والعلمانية راهنيته من الأحداث التي تعيشها منطقة شمال إفريقيا والمشرق العربي خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد بروز ما يسمى بالربيع العربي أولا. وثانيا فوز الإسلاميين في الانتخابات التي عرفتها المنطقة، حيث كان فوز التيار الإسلامي المتحالف مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة (1)، أمرا طبيعيا في سياق الظروف والمتغيرات السائدة حاليا على المستوى المنطقة وعلى المستوى الدولي كذلك، ومنها بالخصوص غياب الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من جهة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية. هذا بالإضافة إلى تأزم الأوضاع في الشرق الأوسط عموما، والوضع الفلسطيني خصوصا (وقف مفاوضات السلام والحرب على عزة و..الخ)، والحرب الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب الدولي(العراق وأفغانستان..) ، والأزمة الاقتصادية العالمية من جهة أخرى. إذن، في ظل هذه الأوضاع احتدم الصراع الفكري والسياسي بين العلمانيين والإسلاميين في بلادنا (هناك طبعا أطراف أخرى تساهم في هذا الصراع)، حيث يبدو هذا الجدل كما لو كان جدلا فكريا حول العقيدة، بينما أن الصراع في جوهره يحتدم بين مشروعين مختلفين تماما، أو بصيغة أدق يدور بين أطروحتين شديدتي الاختلاف (2)، حيث تسعى الأولى إلى علمنة الدولة، فيما تذهب الثانية إلى أسلمة الدولة وتطبيق الشريعة(3). انطلاقا من هذا التصور يمكن القول أن الخلاف والنزاع القائم بين الإسلاميين والعلمانيين يصوغ نفسه أيديولوجيا في الخلاف القائم بين منهجية العقل ومنهجية النقل. ففي الوقت الذي يسعى فيه التيار العلماني إلى فصل العمل السياسي عن العمل الديني، باعتباره المدخل الأساسي لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وبالتالي الانتقال بالعباد والبلاد من طور الدكتاتورية والاستبداد إلى طور الديمقراطية والحداثة والمواطنة. نجد أن التيار الإسلامي يسعى، وبكل الوسائل المتاحة لديه، بما فيه العنف الجسدي والمعنوي(4)، إلى تكريس الواقع السائد عبر تمجيده " للسلف الصالح " وتعظيمه للتراث الإسلامي كما هو كائن ومدون في المجلدات التراثية، سواء القديمة/ التقليدية منها أو الحديثة، دون أجراء تنقيب وتفحيص عقلاني يجعله ( = التراث الإسلامي) يساير ظروف العصر ، والمشروع الإسلامي هو مشروع سياسي يهدف إلى تأسيس دولة ثيوقراطية إسلامية، الشيء الذي يعنى هيمنة وسيادة الدين في شتى المجالات الحياتية للإنسان. ففي خضم هذا الجدل الصاخب نشرنا في الفترة السابقة عدة ردود ومقالات فكرية حول موضوع الإسلام والعلمانية(5)، واستمرارا في هذا النهج، الحواري والتنويري، يسعى هذا المقال إلى مساءلة مقال الأستاذ الحقوني " الإسلام بين العلمانية والحكم المسبق قراءة في ردود محمود بلحاج على الشيخ الفزازي"، المنشور في الموقع الإخباري الرائد دليل الريف. أولا: سؤال العلمانية: لكن قبل ملامسة محتويات المقال، الأنف الذكر، نرى من الضروري، رفعا لكل التباس وتجنبا لسوء الفهم، توضيح نقطتين أساسيتين في ما نريد تبليغه وقوله من الأفكار والآراء التي نعتقد بأنها صائبة وصحيحة. * أما النقطة الأولى فتتعلق بإشكالية المفهوم؛ أي مفهوم العلمانية، التي تعتبر من أكثر المفاهيم التباسا وغموضا في بلادنا. وبدون الدخول في إشكالية المفهوم، وبصرف النظر كذلك عن ظروف وسياق بروز العلمانية كحركة فكرية اجتماعية في أوربا الغربية إبان عصر الأنوار/ النهضة من ناحية(6)، وما قد تطرحه أيضا مسألة الترجمة من إشكالات معرفية ودلالية من ناحية أخرى، حيث يعتبر هذا الموضوع متجاوزا في اعتقادنا (7)، يمكن القول بأن العلمانية في مفهومها العام، وفي معناها الشامل، هي فصل الدين عن السياسة كما هو الأمر في النموذج البريطاني والنرويجي مثلا ، بل وتعنى أيضا فصل الدين عن الدولة كما هو الأمر في النموذج الفرنسي على سبيل المثال. والعلمانية بهذا المفهوم هي تصور أو توجه حيادي تجاه الأديان، و بهذا المعنى والمنطق فان العلمانية لا تنفي الدين ولا تعاديه، لهذا فإن العلمانية لا تتناقض مع جوهر ومبادئ الإسلام ، الذي يقر صراحة حق الاختلاف والتنوع من جهة، ويدعو بشكل صريح وواضح إلى الحرية والعدالة والمساواة من جهة ثانية( راجع كتاب " حقيقة الإسلام " للمرحوم الدكتور احمد أبو طالب). وعلاوة على هذا لا نجد أدنى تناقضا وتعارضا بين العلمانية وسياسة الخلفاء الراشدين والأمويين، إذا ما دققنا النظر في التاريخ الإسلامي بشكل عقلاني، حيث يمكن اعتبارهم ( الخلفاء الراشدين والأمويين..) من الأوائل الذين مارسوا فصل الدين عن السياسية؛ أي إنهم مارسوا العلمانية في شكلها البريطاني، وبالتالي فإن إدراج تجربة الخلفاء الراشدين في الحكم / السلطة، التي تميزت بالعدل حسب رأي الأستاذ الحقوني، وخاصة تجربة العمرين ( = عمر ابن الخطاب وعمر عبد العزيز) ضمن هذا المنحى والسياق؛ أي ضمن سياق فصل الدين عن السياسة. كما يمكن اعتبار هذا المعطى من أبرز العوامل الموضوعية التي أدت إلى بروز وازدهار الفكر والحضارة الإسلاميين، وبالتالي فإن تطور وتقدم ما سار يعرف لدينا ب " الحضارة الإسلامية " والفقه/ الفكر الإسلامي تم في أحضان العلمانية (= فصل الدين عن السياسة) وليس في أحضان التزمت والتشدد في تطبيق الشريعة. وهنا يطرح سؤال مهم للغاية، وهو السؤال التالي: هل كل ما يعيشه المسلمون الآن من الانحطاط والتخلف الفكري/ العلمي والحضاري ناتج بالضرورة عن " عدم " تطبيقهم للشريعة كما يقول الإسلاميون أم أن الأمر يتعلق بأسباب أخرى لا علاقة لها بالموضوع ؟. فإذا كان جوابك عزيزي القارئ سيكون بنعم ، أو بعبارة أخرى أن كنت تعتقد بالفعل أن كل المشاكل والمصائب التي يعيشها المسلمون في الوقت الراهن هي نتيجة حتمية لابتعادهم وتخليهم عن تطبيق شرع الله حسب الدكتور يوسف القرضاوي ( راجع كتابه " الحلول المستوردة " ص 18)، قلنا لك مهلا يا عزيزي لا تتسرع في الإجابة، فالأمر ليس كذلك، وإنما الأمر يتعلق هنا – أساسا- بالسياسات المتبعة في الدول الإسلامية، وإذا شئنا الدقة قلنا أن المشكل الأساسي يكمن في طبيعة الأنظمة السياسية القائمة في الدول الإسلامية وليس في عدم تطبيق الشريعة، حيث أن الواقع العملي يؤكد عكس ما قد تظنه وتعتقده تجاه الموضوع. فالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي للمسلمين ( من الرباط إلى جاكرتا) يؤكد لنا أن الإشكال الحقيقي يكمن في طبيعة الأنظمة السائدة لدينا في العالم الإسلامي ، ومنها " البلدان العربية " على وجه الخصوص، وليس في تطبيق أو عدم تطبيق الشريعة. فعلى سبيل المقارنة فقط، وحتى نقيس مدى صحة موقفنا وتحليلنا هذا ندعوك عزيزي القارئ إلى التمعن جيدا في ما حققته مثلا السعودية والسودان من التقدم والازدهار السياسي والاقتصادي والثقافي/ الحضاري والرخاء الاجتماعي بفعل تطبيقها الفوري للشريعة كما كانت في أصولها الأولى لظهور الإسلام، حيث إنها تطبق الحدود (= القوانين) كما هي منصوص عليها في القرآن والسنة دون اجتهاد أو تأويل، وندعوك في نفس الوقت إلى التمعن جيدا في ما حققته تركيا من الانجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية خلال العقدين الأخيرين من تاريخها السياسي المعاصر بفعل الإصلاحات التي أنجزتها على نظامها السياسي؛ التي تتمثل– أساسا - في انتقالها من العلمانية الدكتاتورية إلى العلمانية الديمقراطية. ونشير هنا إلى أن تحرير السياسة من الدين أو ما يمكن تسميته بعلمنة السياسة؛ أي ممارسة السياسة دون تدخل رجال الدين ومؤسساته(8)، يودى بنا إلى تحقيق ثلاثة أمور أساسية، وهي على الشكل التالي: أولا: تحقيق العدالة والحرية، التي تقدونا أولا إلى تحقيق التكافؤ الاجتماعي على مستوى الشغل والتعليم والصحة والسكن وغيرها من الأمور الأساسية في حياتنا اليومية، وثانيا تقودنا إلى تحقيق حرية التعبير / الصحافة وتطوير الإبداع حيث، لا إبداع في ظل القمع. ثانيا: تحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين على أساس المواطنة والمجتمع المشترك وليس على أساس الإخوة الدينية/ العقيدة(9). ونؤكد في هذا الإطار أننا نتحدث هنا عن المجتمع وليس عن الجماعة( جماعة المسلمين/ المؤمنين) التي تأسس عليها المشروع الإسلامي / الدولة الإسلامية، فالمجتمع شيء والجماعة شيء آخر(10)، وبالتالي فالتمييز بينهما أمر ضروري. فالمجتمع المغربي على سبيل المثال ليس مجتمعا خاص بالمسلمين ، وإنما هو أيضا مجتمعا لليهود والمسيحيين والملحدين وغيرهم من الأقوام والأديان. لهذا فعندما نتحدث عن المجتمع المغربي فإننا نتحدث عن مجتمع متعدد ومتنوع في تشكيلاته البشرية والدينية واللغوية و..الخ، ولا نتحدث عن مجتمع متجانس وموحد تقطنه جماعة من المسلمين (11). فالإسلام حسب محمد قطب هو" نظام عملي قائم على عقيدة، ومجتمع قائم على هذا النظام وأوامره " (12). ولعل هذا ما جعل الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب) يطرد أهل الكتاب ( = أهل الذمة) من اليهود والنصارى من شبه الجزيرة العربية ( من خيبر ونجران تحديدا) إلى الشام حتى يتسن له بناء وتأسيس المجتمع الإسلامي الخاص بالمسلمين(13). لكن الغريب في الأمر هو وجود من يدافع عن هذه السياسة المخالفة للقيم والمبادئ الدينية، بل وأكثر من ذلك تعتبر فترة تولى عمر بن الخطاب الحكم/ الخلافة أفضل فترة في تاريخ الدولة الإسلامية على الإطلاق، وخاصة على مستوى تحقيق العدل وتطبيق الشريعة(14). صراحة، لا ندري كيف يقولون هذا الكلام وهم يعرفون جيدا بشاعة الأخطاء والانتهاكات الجسيمة التي اقترفها الخليفة (= عمر بن الخطاب) في حق فئات واسعة من المواطنين. فالأستاذ الحقوني هو أيضا يعتبر تجربة عمر بن الخطاب نموذجا في تحقيق العدل في ظل سيادة وحكم الإسلام ، حيث قال ما يلي (( ومع ذلك حققت نجاحا باهرا في العدل، فعهد عمر بن الخطاب يضرب به المثل لحد الآن ..)) . لا ندري كيف يقول الأستاذ الحقوني هذا الكلام وهو يعلم علم اليقين أن عمر بن الخطاب قد نهج سياسة التمييز والتهجير الجماعي ضد فئات واسعة من المواطنين، الذين كانوا يعتقدون بديانة أخرى غير الإسلام، يعتقدون باليهودية والمسيحية تحديدا، بل ومنهم حتى الذين كانوا يعتقدون بديانة الإسلام مثل شيعة بن هاشم (هجرهم من المدينة إلى الكوفة)، كما أن مجلس الشورى في عهده لم يتضمن أي شخص من غير قريش، وهو الأمر الذي ستكون له انعكاسات خطيرة في ما بعد، بل، وهناك قرارات أخرى اتخذها الخليفة (= عمر بن الخطاب) أيام حكمه، التي تتنافى مع الدين والسنة، لكن، مع الأسف، لا يتسع لنا المجال هنا لتناولها جميعا بالتفصيل. وهذه القرارات والتصرفات السياسية هي تصرفات منافية لقيم ومبادئ الإسلام في التعايش والعدل والمساواة، فهل يتفضل الأستاذ الحقوني، وهو مشكورا، ( طبعا في حالة إذا ما تفضل بالرد على هذه المقالة المتواضعة) بتوضيح وتحديد المقاييس التي اعتمدها في اختياره/ اعتباره تجربة عمر بن الخطاب من أفضل التجارب الإسلامية في تحقيق العدل؟. ثالثا: مراقبة الحاكم ( السلطة) وإزالته من الحكم في حالة عدم التزامه بالوعود التي قدمها للمواطنين، باعتباره حاكم يستمد شرعيته من الناس وليس من السماء (15). أما في حالة إذا كان جوابك عزيزي القارئ بالنفي؛ أي انك لا تعتقد بالرأي القائل بان "عدم " تطبيق الشريعة هو السبب في تخلفنا الحضاري، فسوف ندعوك إلى مواصلة الاجتهاد والبحث فأنت على الطريق الصحيح. وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، هو أننا نتكلم هنا عن مسألة تطبيق الحدود وليس عن تطبيق الشريعة ، حيث أن الشريعة هي أوسع بكثير من مسألة تطبيق الحدود ولا يمكن بتاتا حصرها في هذا المجال الضيق جدا، كما أننا نتلكم أيضا عن فصل السياسة عن الدين ، وليس فصل الدين عن الدولة (16). * وأما النقطة الثانية التي نريد توضيحها قبل ملامسة مقال الأستاذ الحقوني، المذكور سابقا، فتتعلق بالطريقة التي اعتمدها الكاتب في الرد على مقالنا السابق عن الشيخ محمد الفزازي، حيث استعمل الكاتب العديد من أشكال الغموض والتعميم. لكن غموضه هذا يتخذ شكلا سجاليا محددا، فهو يحاول نقد مواقفنا وآرائنا، ومن خلاله يحاول محاكمة طريقة عرضنا للأفكار والآراء التي تضمنها ردنا السابق على الشيح محمد الفزازي. فإلى جانب تقديمه لمجموعة من المواقف والآراء المعروفة والمتداولة في كتابات الإسلاميين ، لم يتطرق الكاتب ، مع الأسف، إلى جوهر الخلاف الدائر بين العلمانيين والإسلاميين؛ وهو الخلاف/ الصراع الذي يمكن اختزاله في موضوع علاقة الدين بالسياسة، حيث لم يتطرق الأستاذ إلى الأسئلة الاستفسارية التي طرحناها حول طبيعة الدولة الإسلامية التي ينشدها الإسلاميون، وهي الأسئلة التي تختزل في نظرنا جوهر الخلاف والصراع الدائر بين الإسلاميين والعلمانيين(17)، خصوصا أن الكاتب قد تناول في مقاله القيم رغم اختلافنا معه في العديد من الأمور التي تناولها، مسألة الشورى باعتبارها تشكل المرجعية الفكرية والسياسية والتنظيمية ( تشاور/ انتخاب) للمسلمين في حياتهم الخاصة والعامة، وهو الأمر الذي يعني أن الكاتب يرفض الديمقراطية، التي تعتبر من أنجع وأفضل الوسائل والطرق الحديثة في تسيير شؤون الناس وفي التداول على السلطة. وبالإضافة إلى مسألة الشورى أو " الديمقراطية الإسلامية " حسب تعبير الكاتب والمفكر الامأزيغي احمد عصيد ( راجع كتابه " الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي " صفحة 58)، التي تطرح أكثر من سؤال، بل وإشكالية، تناول الكاتب أيضا عدة قضايا أخرى (انظر الجزء الثاني من مقالنا هذا )، التي لا تقل أهمية عن مسألة الشورى، ومن بينها مسألة تحقيق المشروع السياسي والحداثي للمسلمين، حيث يرى الكاتب انه من الممكن تحقيق هذا المشروع دون العلمانية. والسيد الحقوني ينطلق في كلامه هذا من التصور القائل بأن ما حققته الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين من العدل، وخاصة في عهد العمرين( = عمر بن الخطاب وعمر عبد العزيز)، كان في ظل سيادة وحكم الإسلام وليس في ظل العلمانية، حيث قال (( لذا فتحقيق المشروع السياسي والحداثي دون العلمانية أمر ممكن، فالدول الإسلامية في عهد ازدهارها حيث العدل وإحقاق الحق لم تكن دولة علمانية ومع ذلك حققت نجاحا باهرا في العدل ..)). فبصرف النظر عن صحة هذا الكلام من عدمه، وإذا افترضنا جدلا، أن الأستاذ الحقوني على حق، وبالتالي فإن كلامه صائب وصحيح ، فكيف سنحقق هذا المشروع في الوقت الحاضر حيث الظروف والسياقات تختلف كليا ؟. كيف سنحقق هذا المشروع إذا ما اعتمدنا الشورى في اختيار الحاكم / الخليفة؟ وما موقع المواطنين الغير المسلمين في هذا المشروع، فهل يحق لهم " الترشح" للخلافة مثلا أو على الأقل أن يكونوا أعضاء في مجلس الشورى ؟ وماذا سنفعل بالأحاديث التي تنص على أن الخليفة يجب أن يكون من قريش؟ على أية حال، هناك أسئلة كثيرة تطرح حول هذا الموضوع، الذي سنعود إليه في الجزء الثاني من هذه المقالة، فعلى مستوى الجزء الأول من كلام الأستاذ الحقوني هذا ( لذا فتحقيق المشروع السياسي والحداثي دون العلمانية أمر ممكن ..)، هو كلام غامض للغاية، فإلى جانب صعوبة تحقيق المشروع السياسي والحداثي دون اعتماد النظام الديمقراطي ، القائم - أساسا - على العلمانية والمساواة ( احترام حقوق الإنسان) وحرية التعبير، لا ندري عن أية حداثة يتحدث عنها الأستاذ؟. أما على مستوى الجزء الثاني، فهو كلام صائب وصحيح إذا ما نظرنا إلى الموضوع من زاوية واحدة؛ وهي من زاوية أن العلمانية تعنى فصل الدين عن الدولة فقط، ولا تعنى كذلك فصل الدين عن السياسة، حيث لم يفصل المسلمين الأوائل الدين عن الدولة. لكن هذه الحقيقة لا تنفي وجود حقيقة أخرى وهي ممارسة الخلفاء الراشدين لعملية فصل الدين عن السياسة، كما اشرنا مرات إلى ذلك ، فإذا كان الأستاذ الحقوني يرى عكس ما نؤكد عليه هنا، فإننا لا ندري كيف سيفسر لنا القرارات السياسية التي اتخذها أبي بكر تجاه حركة الردة، التي هي ردة سياسية واقتصادية وليست ردة دينية حسب العديد من الباحثين والمفكرين(18)، ولا كيف يفسر لنا أيضا القرارات التي اتخذها عمر بن الخطاب سواء تجاه مسألة عدم تطبيقه حد السرقة المنصوص عليها في القرآن ، أو تجاه المؤلفة قلوبهم أيضا، وهي كلها قرارات تختلف وتتناقض مع القرآن والسنة، ولا ندري كذلك كيف يفسر لنا موقف عثمان من عدم تنفيذه القصاص المنصوص عليه في القرآن في حق ابن عمر الخطاب الذي قتل شخصين بغير حق؟. لا نعتقد أن السيد الحقوني سيكفر هؤلاء الخلفاء المبشرين بالجنة ( أبي بكر وعمر وعثمان ) لكونهم لم يطبقوا ما انزله الله من القوانين والتشريعات في كتابه الحكيم، ولا نعتقد أنه سيبرر ذلك بموضوع الاجتهاد ؛ أي أن ما قام به الخلفاء الراشدين يدخل ضمن الاجتهاد المسموح به دينيا، حيث " لا اجتهاد مع وجود النص" وهذا الأمر يعرفه الأستاذ جيدا. لكن السؤال المهم والأساسي في هذا الصدد هو كيف يطالب الإسلاميون بالتطبيق الفوري للشريعة إذا كان الخلفاء الراشدين لم يطبقوها وينفذونها؟. بالإضافة إلى ما سبق ذكره، اعتمد الأستاذ الحقوني هو أيضا، مع الأسف، طريقة الاتهام، حيث اتهمنا بإصدار أحكام مسبقة على الإسلام، وهو الشيء الذي جعله يمارس خطابا نضاليا أكثر مما يمارس خطابا علميا، وبالتالي فانه يمارس الإيديولوجية أكثر مما يمارس العلم/ الفكر والنقد الموضوعي. لهذا ما كان له أن يضع العنوان التالي لمقاله " الإسلام بين العلمانية والحكم المسبق .." كان من الأفضل أن يضع عنوان آخر غير هذا، فلا أنا ولا غيري من العلمانيين حسب معلوماتي، نصدر أحكام مسبقة على الإسلام أطلاقا، وإنما نحاول نقد تجربة الدولة الإسلامية في الحكم، وهي تجربة بشرية محضة، وهي التجربة التي استمرت لأزيد من 12 قرنا، وبالتالي فإننا نناقش تجربة سياسية تاريخية كان، ومازال، لها تأثير كبير على حياتنا الفكرية والسياسية والعملية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحن نناقش تجربة بشرية نجحت في العديد من الأمور وأخفقت في أمور أخرى، ولا نناقش الدين بعينه وإنما نناقش تعاطي الناس مع الدين في المجال السياسي، لهذا فاتهامنا بإصدار أحكام مسبقة على الإسلام اتهام باطل ومرفوض شكلا ومضمونا. وحول هذا الموضوع بالذات يقول المفكر الإسلامي المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه المعروف " الإسلام السياسي" ما يلي { عند اختبار التاريخ الإسلامي واستعراضه للحكم عليه، فإننا نجد تناقضا غريبا. فعلى الرغم من النماذج النبيلة، وعلى الرغم من التعالم الراقية والأخلاقيات السامية والأقوال الرفيعة؛ فلقد كانت السلطة السياسية عموما ضد الناس ومعارضة لروح الإسلام ومناقضة لنص القرآن.. صفحة 91}. فعلى العاقل أن يفكر في هذا الكلام بالعقل وليس بالعاطفة. ثانيا: الخلفاء الراشدين والعلمانية: نعم، قد نختلف اشد الاختلاف في الإجابة عن السؤال السابق حول أسباب تخلف المسلمين: هل يكمن هذا في عدم تطبيق الشريعة أم هنالك أسباب أخرى؟، أو حول غيره من الأسئلة الشائكة والمحيرة حول واقعنا العملي الراهن، كما يمكن أن نختلف كذلك حول شروط وأسباب تطور وتقدم المسلمين أيام زمان، فهذا الأمر صراحة لا يهمنا كثيرا في هذا المقام، بقدر ما يهمنا لماذا نختلف؟ هل نختلف من أجل إيجاد حلول لمعضلاتنا المتعددة والمتفاقمة، أي بمعنى إننا نختلف من اجل التفاهم ، وبالتالي البناء والتطور، أم إننا نختلف من أجل تكريس الجمود وتعميق الفوارق في ما بيننا؟. فإذا كان جوابك عزيزي القارئ هو إننا نختلف من أجل التفاهم والبناء ، فدعني أقول لك ، وبكل صراحة وتواضع ، أن أكبر مشكلة تواجه المسلمين في هذا العصر، ربما أكثر من أي عصر آخر؛ الذي هو عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان بامتياز، هي طريقة قراءتنا ونظرتنا للتراث والتاريخ الإسلاميين، وبالتالي فالإشكال لا يكمن في مسألة " عدم" تطبيق الشريعة أو في العلمانية أو الديمقراطية. لهذا نعتقد أن إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بشكل عقلاني سيفيدنا كثيرا في فهم واستيعاب واقعنا العملي الراهن( فلا مستقبل بدون ماضي)، فعلى سبيل المثال ، كثيرا، وعادة، ما يناهض الإسلاميون مسألة العلمانية باعتبارها " بضاعة " غربية تتناقض مع الإسلام، وهذا الموقف فيه الكثير من الإجحاف والقصور المعرفي، ويتجلى هذا- أساسا - في عدم فهم واستيعاب معظم المسلمين لتاريخهم الإسلامي عموما ، وتاريخ الدولة الإسلامية خصوصا. وهذا الموقف يضعنا ؛ أي الموقف القائل بأن العلمانية هي " بضاعة" غربية تتناقض مع الإسلام وبالتالي لا يجب اعتمادها إسلاميا، بل وهناك من يتشدد أكثر ويضع العلمانية في مقابل الإلحاد والكفر، قلنا يضعنا هذا الموقف في وضعية محرجة أمام قراءة أحداث التاريخ الإسلامي بعقلانية، حيث إذا ما قرئنا التاريخ الإسلامي، وخاصة التاريخ السياسي للدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، قراءة عقلانية بعيدا عن العاطفة ومنطق التقديس، نصل إلى خلاصتين أساسيتين ، وهما: الخلاصة الأولى تقودنا إلى القول بان المسلمين – تاريخيا – كانوا سباقين إلى ممارسة فصل الدين عن السياسة، أي ما نسميه الآن بالعلمانية ( راجع في هذا الصدد كتاب " الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي " للدكتور احمد عصيد صفحة 61)، وفي هذا الإطار يمكن إدراج القرارات السياسية التي اتخذها أبي بكر بعد توليه الخلافة، سواء تلك القرارات المتعلقة بالحروب الاستعمارية التوسعية (غزو الشام) أو تلك المتعلقة بحروب " الردة". وفي نفس الاتجاه يمكن إدراج أيضا سياسة عمر بن الخطاب (الخليفة الثاني) ؛ أي إدراجها ضمن سياق فصل الدين عن السياسة، حيث اعتمد هذا الرجل (= عمر بن الخطاب) ، وفي حالات عديدة، سياسة متناقضة مع الإسلام، إذا ما نظرنا إليها من المنظور الديني من جهة، ومن المنظور السلفي/ الإسلامي تحديدا من جهة ثانية، وخاصة في ما يتعلق بالتطبيق الفوري للشريعة (= الحدود)، حيث الغي العمل ب " المؤلفة قلوبهم" رغم وجود نص واضح وصريح في القرآن الكريم حول هذا الموضوع (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم )) ، كما رفض أيضا تطبيق حد السرقة رغم وجود أيضا نص صريح وواضح في القرآن حول عقوبة السرقة، وفي سياق نفس الأسلوب ؛ أي أسلوب الوقف والإلغاء، تعامل عمر مع زواج المتعة رغم وجود كذلك نص صريح وواضح في الموضوع(( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن))، وهناك العديد من القرارات والمواقف التي اتخذها عمر بن الخطاب خلال فترة توليه للخلافة، التي لا يسمح لنا المجال لذكرها ومناقشتها بالتفصيل، كما قلنا سابقا، وهي قرارات ومواقف لا يمكن فهمها واستيعابها ، بشكل صحيح، إلا في سياق فصل الدين عن السياسة، أما مناقشتها خارج هذا السياق فسيضعنا في مأزق كبير وكبير جدا كما سنرى ذلك بعد حين. قياسا على سياسة الخليفة الأول والثاني سار أيضا الخليفة الثالث ( عثمان)، حيث رفض هو أيضا تطبيق الشريعة بالمفهوم والتصور السلفي للشريعة، ويتعلق الأمر هنا برفضه لتطبيق حد القصاص في ابن الخليفة الثاني، الذي قتل شخصين بغير حق انتقاما لمقتل أبيه. ومن خلال هذه النماذج الثلاثة التي قدمناها، باختصار شديد، عن حكم الخلفاء الراشدين، نلاحظ حجم الهوة والفرق القائم بين طريقة تعامل الخلفاء الراشدين، الذين كان لهم دورا رئيسيا ومركزيا في نشر الدعوة وإقامة الدولة الإسلامية، تجاه موضوع الدين والدولة، وبالتالي في طريقة فهمهم وتأويلهم للنصوص القرآنية وتنفيذهم للشريعة الإلهية وفق شروط ومعطيات زمنهم، وطريقة تعامل الإسلاميين مع النصوص القرآنية عموما، ومع موضوع الدين والدولة في الإسلام خصوصا. فإذا اعتمدنا منطق الإسلاميين في تناولهم وتعاملهم مع موضوع الحكم وتطبيق الشريعة في مناقشة/ محاكمة الاجتهادات التي اعتمدها كل من أبي بكر وعمر وعثمان في اتخاذ مواقفهم السياسة المذكورة سابقا، سنقع في مأزق كبير وكبير جدا، مأزق قد يؤدي بنا إلى إعادة النظر في العديد من الأمور المتعلقة بالدين، وربما إعادة النظر في الدين برمته، فلا يعقل أن يكون أبي بكر وعمر وعثمان قد رفضوا الانصياع إلى أوامر الله (تطبيق الشريعة وفق تصور السلفيين/ الإسلاميين) ويبشرون في نفس الوقت بالجنة (19) ؟ فأي منطق هذا؟. فإذا اعتمدنا منطق السلفيين/ الإسلاميين في تناولهم لموضوع علاقة الدين بالسياسة سيكون الخلفاء الثلاث، المذكورين سابقا، من الكافرين بالله ورسوله، والعياذ بالله. وهذا الكلام ليس لنا بطبيعة الحال، فنحن لا نكفر أحدا ، وإنما نحاول فقط التعليق على خطاب السلفيين/ الإسلاميين الذين يكفرون كل من لا يحكم بما انزل الله (20)، وبالتالي فان الخلفاء الثلاثة هم كافرون حسب منطق السلفيين/ الإسلاميين وليس حسب منطقنا نحن، واليك الحجة والدليل القاطع عزيزي القارئ. يعتمد الإسلاميون على بعض الآيات التي تتضمن لفظ " الحكم" على أساس إنها تفيد الحكم في مفهومه الحالي؛ أي ممارسة السلطة السياسة، لتأكيد على أن الإسلام دين ودولة، ومنها الآية التالية (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) سورة المائدة/ الآية 54 . هذا ما يقوله الإسلاميون، أما نحن معشر العلمانيين فإننا نقول أن الآيات التي تحوى على كلمة الحكم في القرآن هي آيات تتعلق بالقضاء وليس بالحكم المتداول حاليا ( الحكم = السلطة)، وبالتالي فإن الخلفاء الثلاث ليسوا كافرين وإنما اجتهدوا في تطبيق الشريعة وفق ظروف ومعطيات عصرهم، حيث أن أحكام التشريع بتعبير المستشار محمد سعيد العشماوي ليست نظرية، ولا هي مجردة، ولا هي مطلقة، لكنها أحكام تتعلق بواقعات بذاتها أثيرت لسبب أو آخر (21). لكن بفعل الاستغلال السياسي للدين ، إلى جانب سيادة فقه السلطة طيلة القرون الماضية، لأسباب تاريخية وسياسية، وهي أسباب تتمثل - أساسا - في دعم الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية لهذا التوجه، مقابل تهميش وحصار التوجه التقدمي المتمثل - أساسا – في حركة المعتزلة والشيعة والخوارج والقرامطة و ..الخ، أدى إلى سيادة وسيطرة الإسلام الرجعي المحافظ والمتحالف مع الغرب الامبريالي، وهو الأمر الذي أدى إلى اعتبار السياسة (= الإمامة / الخلافة) جزء من الدين ، بل هناك من يعتبرها ركن من أركان الدين ( الشيعة مثلا)، وبالتالي فإن الإسلام يعتبر في نظرهم دين وسياسة/ دين ودولة، وهنا يكمن جوهر الخلاف والاختلاف بين التصور الإسلامي والتصور العلماني لعلاقة الدين بالسياسة، حيث يعتبر العلمانيون الإسلام عقيدة ودعوة، وليس دين ودولة كما يقول الإسلاميون، وبالتالي فإن تأسيس الدولة العربية الإسلامية لم تكن ضرورة دينية وإنما هي ضرورة اجتماعية وسياسية بامتياز، اقتضتها صيرورة تطور المجتمع العربي آنذاك عموما، وصيرورة تطور الدعوة ثانيا(22). واعتبارا لما تقدم، نرى أن اجتهاد أبي بكر وعمر وعثمان في تطبيق الشريعة رغم وجود نصوص قرآنية صريحة وواضحة في القضايا التي اجتهدوا فيها، يعبر عن أمرين أساسيين لا ثالث بينهم، أولهما هو أن الإسلام ليس دين ودولة وإنما هو عقيدة ودعوة، فلا يعقل أن يرفض هؤلاء الصحابة المبشرين بالجنة تنفيذ أحكام الله في حالة إدراكهم بأن الإسلام دين ودولة، ولكن بما أن الأمور الدنيوية، ومنها السياسة، متروكة للبشر فاجتهدوا في تسيير شؤون الناس وفق معطيات المرحلة ومصالح الدولة والأمة، وهذا الاجتهاد يستدعى بالضرورة فصل الدين عن السياسة، حيث أن عدم الفصل بين الأمرين؛ الأمر السياسي والأمر الديني، قد يضعهم في مواجهة مباشرة مع تعليمات ومواقف الدين في العديد من القضايا، وهو الأمر الذي لا يخدم مصلحتهم، ولا مصلحة الدين والدولة التي يحكمونها. فإذا أخدنا على سبيل المثال مسألة الحروب التوسعية التي خاضتها الدولة الإسلامية خارج حدودها الجغرافية ( في الشام وإيران ومصر وشمال إفريقيا والأندلس..) ونظرنا إليها من المنظور القرآني ، سنجد تناقض فادح وخطير بين ما ينص عليه الإسلام في مسألة تبليغ ونشر الرسالة وما قامت به الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الثلاثة( وحتى بعدهم) من قتل ودمار واغتصاب وتهجير في حق الناس بذريعة نشر الإسلام!! الم يخالف المسلمون الأوائل ( أبي بكر وعمر..) تعليمات القرآن في هذا المجال؟. وحول هذا الموضوع يقول الدكتور محمد سعيد طالب " لقد افرز الصراع على الخلافة، والوسائل البربرية غير شرعية، التي استخدمها المتصارعون، للوصول إلى السلطة منتهكين التعاليم الدينية أو الأخلاقية الإسلامية، متجاوزين الشريعة وأحكامها. افرز، مجال السياسية، وميزه عن المجال الديني ..".(23 ) وكذلك، إذا ما نظرنا أيضا إلى ولاية عمر بن الخطاب للخلافة بعد وفاة الخليفة الأول (= أبي بكر)، حيث نجد أن ولاية هذا الرجل المعروف بالعدل والتقوى لدى جماعة " أهل السنة والجماعة" غير شرعية/ قانونية نهائيا، لكونه قد استلم الحكم من أبي بكر دون أن يتم انتخابه من طرف مجلس الشورى، وبالتالي فإننا لا نفهم من هذه الواقعة التاريخية بأن ولاية عمر بن الخطاب للخلافة كانت ولاية غير شرعية فقط، من الناحية الدينية، حيث تمت بطريقة مخالفة لشرع الله إذا ما اعتبرنا أن الإسلام دين ودولة، والشورى كما هو معروف تعتبر من مستلزمات الشريعة(24)،وإنما نتوصل إلى حقيقة أخرى وهي أن أبي بكر قد خالف شرع الله في مسألة اختيار الخليفة، والسؤال المطروح هنا هو: إذا كان الإسلام دين ودولة كما يرى الإسلاميون فلماذا لم ينفذ أبي بكر أمر الله في اختيار الخليفة الثاني؟ وما حكم الإسلام على هذا التصرف/ السلوك المنافي لأحد ابرز أوامر الله، وهي تطبيق الشريعة؟. ومن جانب آخر عندما نقول أن الإسلام دين ودولة، فهذا يفترض من الناحية المنطقية وجود نصوص ثابتة وواضحة في القرآن والسنة تنص صراحة على أن الإسلام دين ودولة، أو بعبارة أخرى عندما نقول أن الإسلام دين ودولة، فهذا يعنى وجود نصوص واضحة وصريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية تتناول كيفية الحكم وطبيعة الدولة وشروط توليه الخلافة وغيرها من الأمور المتعلقة بالسلطة السياسة. فليس من المعقول أن يتناول القرآن والسنة كل ما يتعلق بحياة المسلم ومجتمعه ولا يتناول مسألة مهمة للغاية في حجم الخلافة/ السلطة السياسة. وعندما نقول هذا الكلام فإننا لا نقوله من وحى تفكيرنا وإنما نقوله من وحى الدين نفسه، الذي يؤكد لنا في غير مكان بأنه شامل وجامع لكل ما يحتاج إليه الإنسان المسلم في حياته اليومية، وبالتالي فإن نتساءل الأخ الحقوني حول إذا ما كنت أريد أن يتكلم القرآن أيضا عن " الربيع العربي " باعتباره( = القرآن ) لا يفرط في شيء، هو سؤال ساذج نوع ما، وذلك لسببين موضوعين: * السب الأول: هو أن الأستاذ الحقوني قد وضع ما يسمى بالربيع العربي في مرتبة ومستوى موضوع الدين والسياسة في الإسلام ، وهذا الأمر غير ممكن نهائيا، سواء من الناحية الدينية أو من الناحية الأخلاقية. فعندما يقال أن الإسلام دين ودولة فهذا معناه أن تأسيس وتنظيم الدولة( الدولة الإسلامية بطبيعة الحال) هو جزء من الوحي الإلهي وليس من اختيار البشر، بينما أن " الربيع العربي" هو فعل واختيار بشري بامتياز( اختيار طريق الثورة والاحتجاج)، وفي هذه الحالة لا يمكن التساوي بين الأمرين. * السبب الثاني: هو أن سؤال الأستاذ الحقوني لا علاقة له بسياق النص / الموضوع، فانا شخصيا عندما طرحت سؤالي : لماذا لم يتناول الإسلام مسألة الحكم/السلطة إذا كان الإسلام دين ودولة (انظر ردنا على الشيخ الفزازي المنشور في دليل الريف ومواقع ريفية أخرى)؟ طرحته من المنطق الديني نفسه وليس خارجه. ومن المفروض كذلك، منطقيا وأخلاقيا، عندما يقال بأن الإسلام دين ودولة أن يتوفر القائلين لهذا الكلام/ الموقف على تصور وبرنامج إسلامي محض( مشروع سياسي اجتماعي) يعالج القضايا المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والسكن والتعليم والرياضة والبيئة والصحة والطرف والمياه والصحافة والعلاقات الدولية والجيش وغيرها من القضايا التي تهم الدولة والمجتمع من المنظور الديني ولا يجب اقتباس برامج الأحزاب الأخرى (25). وثانيهما هو أن المسلمون وفق التحليل الذي قدمناه أعلاه هم اسبق إلى ممارسة وتطبيق العلمانية كما قلنا أكثر من مرة، وبالتالي فلا داعي للخوف من العلمانية ومناهضتها على أساس إنها " بضاعة " غربية. الخلاصة الثانية تقودنا مباشرة في حالة رفضنا للتحليل الذي اعتمدناه سابقا، إلى القول بان الخلفاء الراشدين، وخاصة أبي بكر وعمر وعثمان، قد كفروا بالدين نظرا لعدم تطبيقهم الحرفي للشريعة، وبالتالي فلا معنى للاستشهاد بالخلافة الإسلامية كلها، ولا بعهد عمر كما فعل الأستاذ الحقوني في المقال الذي بين أيدينا. نكتفي بهذا القدر من الحديث على أمل أن نستمر حديثنا معكم في الجزء الثاني من هذا المقال أن شاء الله، للتواصل: [email protected] بعض الهوامش: 1: انظر في هذا الصدد كتاب " الإسلاميون المغاربة " للدكتور محمد ضريف منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي. 2: انظر كتاب الدكتور محمد ضريف " جماعة العدل والإحسان – قراءة في المسارات " منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي - 1995 3: انظر كتاب " السلطة والمعارضة – المجال السياسي العربي المعاصر " لدكتور عبد الإله بلقزيز – منشورات المركز الثقافي العربي – طبعة 2007 – ص 87 -88 . 4: انظر كتاب عبد الإله بلقزيز " العنف والديمقراطية " منشورات جريدة الزمن، وانظر كذلك كتاب " مواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين بالمغرب" منشورات دفاتر وجهة نظر. 5: يمكن مراجعة المقالات التالية " الشيخ الفزازي ومسألة العلمانية والعلمانيين.. " و" حركة عشرين فبراير: رد على السيدة مايسة سلامة الناجي" و" لكن التيار الإسلامي هو أيضا لا يمثلنا.." وغيره من المقالات التي نشرناها في الفترات السابقة وهي مقالات جميع منشورة على موقع دليل الريف ومواقع ريفية أخرى. 6: كثيرا ما يردد الإسلاميين بان العلمانية ظهرت في الغرب / أوربا ، بينما أن الحقيقة هي أن العلمانية ظهرت في شمال أفريقيا وليس في العرب ومارسها المسلمون قبل الأوربيين. انظر في هذا الصدد دراسة الدكتور عبد السلام بن ميس " مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة الأمازيغية القديمة" الطبعة الأولى 2005 – ص 28 . 7: كثيرا ما يركز الإسلاميين في كتاباتهم عن أصل كلمة " العلمانية " واشتقاقاتها اللغوية وذلك من اجل تبرير عدم وجود علاقة ما بين العلم والعلمانية، بينما أن الأمر في اعتقادنا يتعلق بمدى قدرة وجاهزية الإسلاميين لقبول العلمانية كفكر وكنظام سياسي واجتماعي. 8: انظر كتاب " وجهة نظر: نحو إعادة قضايا الفكر العربي المعاصر " للمرحوم الدكتور محمد عابد الجابري – الطبعة الأولى 1992 – منشورات المركز الثقافي العربي. 9: انظر كتاب " ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده " للدكتور يرسف القرضاوي – منشورات الرسالة – الطبعة الأولى 2001 10: انظر كتاب " حروب دولة الرسول" للدكتور سيد محمود القمنى، منشورات مدبولي الصغير – الطبعة الثانية 1996 . 11: انظر حوار مع الدكتور حسن الترابي منشور في كتاب تحت عنوان " حوارات في الإسلام الديمقراطية، الدولة/ الغرب" منشورات دار الجديد – الطبعة الأولى 1995 . 12: انظر كتاب الإنسان بين المادية والإسلام " للدكتور محمد قطب – دار الشروق 13: انظر كتاب " تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية : تأليف الدكتور عمر فروخ – الطبعة التاسعة ، منشورات دار العلم للملايين. 14: المرجع محمد قطب 15: انظر كتاب " الملكية والإسلام السياسي في المغرب" للدكتور محمد الطوزي – ترجمة محمد حاتمي وخالد شكراوي ، منشورات الفنك 16:المرجع السابق محمد الجابري 17: هناك بطبيعة قضايا خلافية أخرى بين الإسلاميين والعلمانيين، انظر المرجع السابق مواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين بالمغرب 18: المرجع السابق عمر فروخ. 19: حول المبشرين بالجنة انظر كتاب " شرح العقيدة الطحاوية " تأليف ابن أبي العز الحنفي مراجعة محمد ناصر الدين الألباني ، منشورات الدار الإسلامي – عمان – الادرن، الطبعة الأولى 1997 ص 357 . 20: انظر كتاب " مواجهات بين الإسلاميين والعلمانيين بالمغرب " منشورات دفاتر وجهة نظر، انظر كذلك كتاب " الإسلام السياسي" للمستشار محمد سعيد العشماوي – منشورات سينا للنشر – الطبعة الثانية 1992 . 21: : انظر كتاب " معالم الإسلام " للدكتور المستشار محمد سعيد العشماوي / المطبعة الأولى 1997 ، منشورات سنا للنشر – ص 120 . 22: انظر حسين مروة " النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية " المجلد الأولى – منشورات دار الفارابي – الطبعة الأولى 2002 23: انظر كتاب " الدولة العربية الإسلامية - الدولة والدين " للدكتور محمد سعيد طالب – منشورات الأهالي –الطبعة الأولى 1998 – صفحة 316 24: المرجع السابق محمد قطب