بعد أن تناولنا في الحلقات الماضية (الجزء الأول والثاني) من هذه المقالة، التي افردنها لمناقشة أفكار وآراء الشيخ محمد الفزازي حول العلمانية والعلمانيين. المنشورة في جريدة هسبريس، ومواقع إخبارية أخرى، تحت عنوان " هذه هي العلمانية"، كما اشرنا إلى ذلك في الحلقات السابقة. سنواصل في هذا الجزء مناقشة ما تبقي لنا من الأفكار والمواقف التي شملها مقال الشيخ، المذكور أعلاه. لعل، أننا سنكشف بذلك زيف ما يدعيه السلفيون المغاربة عموما، والشيخ الفزازي خصوصا، حول موضوع العلمانية والعلمانيين. تعالوا إذن، نستعرض ما يقوله فضيلة الشيخ عن علاقة الدين بالسياسة أولا، وبعد ذلك نستعرض ما يقوله الشيخ أيضا عن دور العلمانيين في الحكم، طبعا داخل بلاد الإسلام وليس خارجها. لكن قبل هذا وذاك، نود أولا الإشارة هنا إلى أن مسألة التفكير في القضايا المذكورة في الأجزاء السابقة أو تلك التي سنذكرها في السطور الموالية، تسمح لنا بإعادة الحديث عن العلمانية، حيث لا يمكن فصلها ( = العلمانية ) عن المشروع السياسي الحداثي القائم – أساسا- على الديمقراطية، المواطنة، حقوق الإنسان، حرية التعبير والاختيار/ الانتماء . ما أريد أن أوضحه هنا، هو أن الحديث عن العلمانية، وفي الزمن المغربي الراهن بالذات، وربما أكثر من أي وقت مضى، لا يعنى أبدا أننا نسعى إلى استبعاد كلي للدين من المجتمع وإنما نسعى إلى إعادة النظر في علاقة الدين بالسياسية ، وبالتالي إعادة النظر في دور الفقهاء وإمارة المؤمنين في مجال الحياة العامة للمجتمع المغربي الأمازيغي. هذا من جانب، ومن جانب آخر نسعى إلى المساهمة قد الإمكان في إعادة النظر في الأسس النظرية / الفكرية والسياسية السائدة في المشهد السياسي المغربي عموما، وفي تصورات ومواقف الدولة تجاه قضايا الوطن والمواطنين خصوصا، حيث أن السؤال المطروح علينا جميعا في هذا السياق هو: هل نستطيع تحقيق المشروع السياسي الحداثي دون العلمانية؟. ثالثا: حول مسألة العلاقة بين الدين والسياسة: تعتبر علاقة الدين بالسياسية من أكثر القضايا غموضا والتباسا في الفكر الإسلامي المعاصر، حيث عادة ما يطرح السؤال التالي: هل الإسلام دين ودولة أم أنه عقيدة ودعوة؟. فالشيخ الفزازي الذي يعتبر من أبرز السلفيين المغاربة يقول بأن الإسلام دين ودولة، حيث جاء في مقاله المذكور سابقا ما يلي " من يجهل أن الإسلام دين ودولة، وحكم ودعوة، ولا يعلم أنه دين للحياة.. فهذا لا علم له بالإسلام...". هذه هي طبيعة وسلوك السلفيين، إما أن تفكر مثلهم أو انك " كافر" و" ملحد" ، أو انك في أحسن الأحوال " جاهل " لا تعرف حقيقة وجوهر الإسلام الذي يريدونه هم فقط، وليس الإسلام الذي تريده أنت. وبهذا التحليل يحاول الفزازي احتكار فهمه للإسلام، حيث يريد أن يقول لنا، إما أن تقولوا ما أقول وأما أنكم جاهلون بالإسلام !!. وبهذا المنطق والمنهج، الغريب والفاسد بكل المقاييس، يكون العشرات من العلماء والمفكرين الإسلاميين المتنورين عبر التاريخ الإسلامي ، الذين تركوا بصماتهم في التاريخ الإسلامي عموما، وفي الفقه الإسلامي خصوصا، في نظر الشيخ جاهلون ولا علم لهم بجوهر الإسلام. طيب، لنحلل الآمر بهدوء وعقل بعيدا عن وهم امتلاك الحقيقة الكاملة، فمن الأمور التي لا ينتبه إليها معظم السلفيين في تناولهم لمسألة علاقة الدين بالسياسة؛ هي مسألة اندلاع الصراع حول الحكم (= السلطة السياسية) مباشرة بعد وفاة الرسول (ص)، وتحديدا في ليلة وفاة النبي ، حيث أن السؤال المطروح في هذا السياق هو: هل كان سيندلع الصراع بين المسلمين حول الحكم ( = السلطة السياسة) لو كان الإسلام بالفعل دين ودولة ؟ وهل يعقل أن يكون الإسلام قد تناول جميع الأمور والقضايا التي تهم حياة الإنسان المسلم من العبادة والتجارة والسفر والنكاح والمعاملات وغيرها من الأمور كما يؤكد ذلك القرآن الكريم نفسه في العديد من السور والآيات، ومنها على سبيل المثال سورة الأنغام، الاية38 ، حيث يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (( ما فرطنا في الكتاب من شيء ))، ولا يتناول قضية من يتولى الحكم بعد رحيل النبي ؟. أو ليس مشكلة الخلافة هي أساس انقسام المسلمين إلى فرق ومذاهب عديدة لا تنتهي إلى يومنا هذا، فإذا كان الإسلام دين ودولة، فلماذا سيختلف المسلمون حول من سيخلفهم بعد انتقال الرسول (ص) إلى رفيقه الأعلى؟. لنفترض جدلا بأن الإسلام دين ودولة، فما هي طبيعة الدولة التي ينص عليها الإسلام؟ وكيف يتم اختيار رئيس الدولة وتنظيم الحياة العامة للمسلمين؟ وهل اختيار الخليفة ( = الرئيس) يكون بالاختيار أم بالنص؟ فإذا كان بالاختيار كما يقول أهل السنة والجماعة فهذا اعتراف ضمني منهم؛ أي من أهل السنة والجماعة، بأن الخلافة مسألة سياسية/ بشرية وليست دينية، وبالتالي فإن الإسلام ليس دين ودولة، حيث لا يعقل أن يكون الإسلام دين ودولة ولا ينص على كيفية اختيار الخليفة من جهة، ولا ينص على الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة من جهة ثانية. زيادة على هذا، ما هي دواعي وأسباب انعقاد مؤتمر السقيفة الطارئ إذا كان الإسلام دين ودولة؟. أما إذا كان بالنص كما يقول الشيعة ففي هذه الحالة يكون أبو بكر وعمر ومن بعدهما عثمان قد اغتصبوا السلطة من علي، وبالتالي لا يحق لهم أن يتولوا الخليفة بعد وفاة الرسول (ص) انطلاقا من الحجج التي يقدمها كل طرف، حيث إذا ما نظرنا إلى هذه الحجج بشكل موضوعي، يتضح لنا أن الحجج التي يعتمدها الطرف السني غير مقنعة ومنطقية بتاتا مقارنة مع الحجج التي يقدمها الطرف الشيعي. فهل يعقل على سبيل المثال إن يكون استخلاف الرسول (ص) في الصلاة هو الحجة والمبرر في تولي الخلافة كما حصل مع أبو بكر؟ هل هذه هي نظرية الإسلام في اختيار الخليفة؟. على أية حال، فبعض النظر عن صحة هذه الرواية من عدمها ؛ أي رواية استخلاف أبي بكر للرسول (ص) في الصلاة أثناء مرضه(= الرسول )، فإنه كان من المفروض منطقيا أن يتولى أسامة بن زيد بن حارثة الخلافة بعد وفاة الرسول (ص)؛ الذي عينه الرسول (ص) قائدا على الجيش ( سرايا فلسطين) آنذاك، ومن المعروف أن قائد الجيش هو من يصلي بالناس والجيش أثناء غياب الرسول (ص). ونشير في هذا الصدد أن أبى بكر وعمر وعثمان كانوا ضمن هذه الفرقة من الجيش التي قادها أسامة، لكنهم رفضوا الالتحاق بالجيش والانصياع إلى أوامر الرسول (ص)، فأين هؤلاء الصحابة من طاعة الرسول( ص) الواجبة دينيا أولا، وأخلاقيا ثانيا ؟. نضيف إلى هذا مسألة حصر الخلافة في العرب فقط دون غيرهم من المسلمين، بل وفي قريش تحديدا، لا ندري لماذا يجب أن يكون خليفة المسلمين من العرب، بل ومن قريش تحديدا؟ أين يوجد هذا في القرآن الكريم؟. ثم ألا يتناقض هذا من القرآن نفسه و مع كونية لإسلام ؟ أليست هذه عنصرية منظمة ؟. وعندما نقول هذا الكلام فإننا ندرك جيدا الحديث القائل { الأئمة من قريش}، التي صارت بعد ذلك من أبرز أسس الفكر السياسي الإسلامي عند أهل السنة والجماعة. ( انظر ابن الكثير " البداية والنهاية" المجلد الخامس 247 -الطبعة الخامسة – منشورات مكتبة المعارف بيروت). وفي نفس المضمار أورد الإمام البخاري في كتابه المعروف ب " صحيح البخاري" حديث نسب إلى الرسول (ص) تقول { لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش } (10). ومن الملاحظ أيضا أن المفاوضات التي خاضها أبو بكر وعمر مع الأنصار في اجتماع السقيفة ، ليلة وفاة الرسول (ص)، لم تكن مفاوضات دينية إطلاقا، وإنما كانت مفاوضات سياسية بامتياز، حيث لم يورد فيها أي نص ديني كما تشهد بذلك الكتابات التاريخية التي تناولت هذه الواقعة التاريخية، وهذا دليل آخر على أن الإسلام ليس دين ودولة. ونفس الشيء ينطبق أيضا على إبرام اتفاقية تأسيس الدولة الإسلامية بقيادة النبي محمد، المعروفة ب " الصحيفة "، حيث لم تشير هذه الوثيقة التاريخية الهامة إلى القرآن الكريم، أو إلى القيم والأحكام الإسلامية( = الحدود) (11). بالإضافة إلى ما سبق ذكره من المعطيات والحقائق الدينية والتاريخية، هناك مسألة أخرى في غاية الأهمية فيما نحن بصدد مناقشته هنا، وهي أن القرآن نفسه لم يتناول مسألة الحكم بمعنى تولى ممارسة السلطة السياسية؛ أي اتخاذ القرار السياسي وفرضه على الناس، وتنظيم الشؤون العامة للناس. فكل الآيات التي تتحدث عن { الحكم } في القرآن الكريم لا علاقة لها بالحكم بمفهومه السياسي الحديث ؛ أي المتداول حاليا في القاموس السياسي العربي المعاصر، بل لها علاقة بالقضاء؛ أي الفصل في المنازعات والخلافات التي تنشب بين الناس أو أنها تفيد الوعي والفكر والحكمة كما هو واضح من الآية التالية (( يا يحيى خذ الكتاب بقوة واتيناه الحكم صبيا )) حيث لا يمكن أن يتولى يحيى الحكم بالمفهوم المتداول حاليا وهو صبي، وإنما أعطاه الله الحكمة والبصيرة والقدرة على تمييز الحق من الباطل مند أن كان صغيرا حسب رأي وتفسير ابن كثير لهذه الآية. هذا فيما نجد أن القرآن الكريم يستعمل العبارات التالية في حديثه عن الحكم بالمفهوم السياسي المتداول حاليا: " الملك" و" العرش" ، كما هو واضح في الآية التالية (( وقتل داود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء )) أو الآية التالية ((واتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما )) أو (( إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم )). ومن الجدير بالإشارة هنا أن القرآن الكريم يصف النبي محمد بالأوصاف التالية: مبلغا، وبشيرا، ونذيرا، وداعيا إلى الله ولم يصفه بالزعيم أو الرئيس أو الملك أو الحاكم أو العسكري و..الخ، ومن هنا نفهم جيدا بأن الإسلام عقيدة ودعوة وليس دين ودولة. فالإسلام كدعوة وعقيدة ليس في حاجة إلى دولة على وجه الضرورة لأنه مسألة إيمان بالدرجة الأولى، والإيمان اقتناع شخصي لا يحتاج إلى الدولة لتفرضه على الناس بالقوة (12). وفي سعيه لقناع القراء بصواب رائيه وموقفه من طبيعة الإسلام؛ أي من علاقة السياسية بالدين في الإسلام، أضاف الشيخ الفزازي يقول " عليهم ( يقصد هنا العلمانيين) أن يدركوا أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان نبيا ورسولا ... وزاول مهمة الحكم بكل معاني الكلمة، فكان بأبي هو أمي – رئيس للدولة وقائدا أعلى للقوات المسلحة الإسلامية والقاضي الأعلى في الأمة والإمام الأكبر في المسجد..، وهكذا كان الخلفاء الراشدون من بعده رضي الله تعالى عنهم، فمن بعدهم من الخلفاء وأمراء المؤمنين إلى عهد سقوط الخلافة الإسلامية سنة 1924 ." انتهى كلام الشيخ. ونحن بدورنا نقول للشيخ الفزازاي بأن هذه هي قيمة الاستبداد و الدكتاتورية التي يناهضها العلمانيون الديمقراطيون. هذا من جانب، ومن جانب أخر إذا كان الرسول قد زاول كل هذه الوظائف والمهام جميعا نظرا لموقعه الاستثنائي كرسول، فلا يجب أن يستمر هذا الوضع إلى الأبد أو اتخاذ تجربته كنموذج للتطبيق الحرفي. هذا أولا، وثانيا أن ممارسة الرسول للحكم (= السلطة) لا يعنى بالضرورة أن الإسلام دين ودولة، وإنما الأمر يتعلق هنا – أساسا- بالتطورات الموضوعية التي رافقت عملية تأسيس الدولة من جهة، وتطور مسار الدعوة من جهة ثانية ، وخاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. وعلاوة على ما سبق تناوله في السطور السابقة من هذا الجزء ، نشير هنا إلى أمرين جوهريين وأساسيين في عملية فهم وتناول القرآن الكريم: يتعلق الأمر الأول بضرورة معرفة أسباب وسياقات نزول الآيات التي نستعملها كحجج وأدلة لثبات ما نقوله من الأحكام والمواقف الدينية. هذا أولا، وثانيا من الضروري كذلك معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم. بينما يتعلق الأمر الثاني بضرورة معرفة طبيعة الآيات التي تعالج مسألة التشريع، هل هي آيات عامة أم خاصة؟. الآيات العامة تكون غير مشروطة ومقيد بظروف وأسباب معينة؛ وهي موجهة لكافة الناس، بينما تكون الآيات الخاصة مقرونة بوجود أسباب وظروف معينة تستوجب نزول تلك الآية/ الآيات، وبالتالي فهي مرطبة بسياقات وظروف معينة ومحددة، بل وبحالات خاصة، وهي آيات موجهة إلى فئات معينة من الناس فقط، وليس إلى كافة الناس كما هو الأمر مع الآيات العامة. فالآية (( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون)) على سبيل المثال، تعتبر من الآيات الخاصة وليس من الآيات العامة، لهذا فان هذه الآية لا تفيد الحكم السياسي أو الخلافة ( بالمفهوم الديني)، وإنما تفيد التقاضي والحكم في المنازعات/ الخلافات والجرائم ، حيث تشير أسباب نزول هذه الآية إلى عدم تطبيق اليهود لحد الزنا المنصوص عليها في كتابهم. رابعا: حول مسألة حكم العلمانيين: يقول الشيخ الفزازي حول مسألة " حكم " العلمانيين ما يلي " لقد حكم العلمانيون أو ساعدوا على الحكم في بلاد الإسلام كلها، فماذا كانت النتيجة غير تطبيق املاءات الغرب وتعليماته في كل شيء. بما في ذلك التحكم في المجال الديني، بل وخصوصا التحكم في المجال الديني . من مكن للاستبداد واظهر الفساد وفرض أحكام الطوارئ وباع فلسطين لليهود ونصب المشانق لشرفاء الأمة وزج بالأبرياء في السجون على نحو ما فعل بنعلي ومبارك والقدافي ..." . مرة أخرى، يقدم لنا الشيخ كعادته أحكام قيمة لا علاقة لها بالواقع الموضوعي، فمن الخطأ اعتبار ووصف النظام القدافي ومبارك مثلا، بل حتى نظام بنعلي في تونس، من الأنظمة العلمانية، وبالتالي فإنه من الخطأ الفادح اعتبار هذه الأنظمة الاستبدادية كأمثلة ونماذج عن فشل العلمانية في الدول الإسلامية، ليس فقط لكون أن هذه الأنظمة ليست أنظمة علمانية كما سنوضح ذلك بعد حين، باستثناء تونس التي كانت تدعي رسميا بأنها دولة علمانية، لكنها لم تكن ديمقراطية كما هو الشأن في الغرب مثلا. كيف يقال بأن النظام المصري في عهد مبارك كان نظاما علمانيا، بينما المادة الثانية من الدستور المصري تنص على أن الإسلام دين الدولة وان مبادئ الشريعة الإسلامية تشكل المصدر الأساسي للحكم؟ وكيف يمكن اعتبار نظام القدافي هو أيضا نظاما علمانيا بينما كان شعار الرجل ( = القدافي) في حكمه هو " القرآن شريعة المجتمع " ؟. بل وأكثر من ذلك كان ( = القدافي) يعقد مؤتمرات ولقاءات دينية في ايطاليا وأفريقيا " لهداية " الناس إلى الإسلام وينفق من أجل ذلك ميزانية ضخمة؟. ومن جانب آخر، من السذاجة، بل إنها جريمة في حق التاريخ، أن يتم نسب الجرائم التي ارتكبتها هذه الأنظمة أو غيرها من الأنظمة الإسلامية الاستبدادية إلى العلمانية، فهل الجرائم التي ارتكبها النظام المغربي مثلا كانت بسبب العلمانية والعلمانيين؟ فهل النظام المغربي هو أيضا نظام علماني في نظر الشيخ ؟ وهل الجرائم التي ارتكبها النظام الإسلامي في السعودية والسودان كانت بسب العلمانية والعلمانيين؟ ومن إعلان حالة الطوارئ في السودان سنة 1984 ، هل أعلنها الإسلاميون أم العلمانيون ؟ ومن اعدم العشرات الألف ( هناك من يتحدث عن 30 ألف شخص) من أعضاء الحزب الشيوعي الإيراني خلال الثمانينيات القرن المنصرم، هل أعدمهم العلمانيون أم الإسلاميون يا فضيلة الشيخ؟. وهل من المعقول، ومن العدل، نسب الجرائم التي ارتكبها النظام المغربي ؛ ورئيس هذا النظام يعتبر أمير المؤمنين، في حق الشعب المغربي مند الاستقلال الشكلي للمغرب سنة 1956 إلى الإسلام ، أو الجرائم التي اقترفها النظام الإيراني والسعودي باعتبارهم دول إسلامية تطبق " الشريعة" ؟ انطلاقا من هذه الأسئلة والملاحظات، نعتقد ونقول، بأن انتشار الفساد، بكل أنواعه، في البلاد الإسلامية ليس هو نتيجة العلمانية والعلمانيين كما يحاول الشيخ الفزازي تأكيد ذلك في مقاله المذكور أعلاه، وإنما هي نتيجة وجود أنظمة غير وطنية وديمقراطية، هذا بصرف النظر عن مرجعيتها الفكرية والسياسية/ الإيديولوجية. فإذا كان انتشار الفساد والطوارئ في البلاد الإسلامية " العلمانية " هو نتيجة حكم العلمانيين في نظر الشيخ وأمثاله، فماذا نقول عن الأنظمة الإسلامية الغير العلمانية ومنها السعودية، وإيران، والسودان، والمغرب، والأردن، وغيرها من الدول الإسلامية التي تطبق النظام الإسلامي ( = الشريعة) ونحن نعرف جيدا تاريخ هذه الأنظمة في الفساد والاستبدادية؟. فإذا كانت أيضا الأنظمة العلمانية في بلاد الإسلام تطبق تعليمات واملاءات الغرب في كل شيء، بما في ذلك التحكم في المجال الديني، بل وخصوصا التحكم في المجال الديني كما قال الشيخ في مقاله، فمن ادخل جيوش الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط ، وتحديدا إلى السعودية والكويت والبحرين وقطر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية؟. علاوة على هذا كله، من كان ضحية هذه الأنظمة ؛ نقصد هنا الأنظمة العلمانية في بلاد الإسلام حسب رأي الشيخ، هل هم العلمانيون أولا أم الإسلاميون؟ ومن كان في خدمة هذه الأنظمة ( =العلمانية ) في بداية الأمر؟ (13). أما حول مسألة من باع فلسطين لليهود فيبدو أن الشيخ لا يقشع شيء في تاريخ فلسطين، لكن لا باس من تذكير بعض الحقائق والمعطيات التي لا يمكن تجاوزها والتغاضي عنها بسهولة. أولا: فلسطين لم يتم بيعها في المزاد العلني حتى يمكن لنا الحديث عن البيع، وإنما تم اغتصابها واحتلالها من طرف بريطانيا في بداية الأمر، وبعد ذلك من طرف الحركة الصهيونية التي كانت تسعى إلى تأسيس الدولة آنذاك. ثانيا: جميع الحروب التي خاضها العرب من أجل فلسطين خاضتها الأنظمة اليسارية " العلمانية " وليس الأنظمة الإسلامية؟ ومن حقنا أن تسائل هنا عن ماذا فعلت الدول الإسلامية لفلسطين، وخاصة إيران، والسودان، والسعودية، ودول الخليج؟. وفي نهاية هذا الرد المتواضع، على ما تفضل به الشيخ الفزازي من الأفكار/ الآراء والمواقف حول العلمانية والعلمانيين، كما قلنا في السطور السابقة، نود التأكيد هنا لفضيلة الشيخ، ولكافة القراء الكرام، أن الظروف التي نعيشها حاليا، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، تفرض علينا التعاون والعمل المشترك من أجل مصلحة الوطن والمواطن، وبالتالي فان منطق النفي، سواء كان من طرف العلمانيين أو الإسلاميين، لا يخدم مصلحة الوطن، الذي يجمعنا جميعا بعض النظر عن انتمائنا ومواقفنا. للتواصل : [email protected] بعض الهوامش المعتمدة في انجاز هذا الجزء: 10: انظر صحيح البخاري الجزء الثامن – باب كيف يبايع الناس الإمام من كتاب الأحكام. 11: انظر نص الوثيقة في الكتاب المذكور سابقا للدكتور سعيد العشماوي ص 140 12: انظر على سبيل المثال الآيات التالية: آية المائدة 99، الأعراف 188 ، يونس 41 ، هود 12 ،النحل 82 وغيرها من الآيات التي تؤكد ما نقوله في هذا الباب. 13 : انظر كتاب " جماعة العدل والإحسان: من العصيان المدني إلى التطرف " لحضر فراط - منشورات دار إيمازيغن بروكسيل – الطبعة الأولى 2006 .