بعد أن استعرضنا في الحلقة السابقة (الجزء الأول) موقف وتصور الشيخ الفزازي من العلمانية، سنحاول في هذه الحلقة مناقشة بعض القضايا التي تناولها الشيخ في معرض حديثه عن العلمانية والعلمانيين. أولا: حول مسألة الشريعة: يقول فضيلة الشيخ بأن مصائب الغرب تنحصر في خضوعه للكنيسة الظالمة، بينما تنحصر مصائب المسلمين في الابتعاد عن شريعة الله، حيث قال بالحرف " لقد كانت مصائب الغرب في خضوع الناس لكنيسة ظالمة وكانت مصائبنا في الانفصال عن شريعة ربنا العادلة..". فهل هذا صحيح من وجهة نظر التاريخ؟. وتجدر الإشارة هنا أن فضيلة الشيخ يتحدث في مقاله، المذكور في الجزء الأول ؛ عن الشريعة في معناها التشريعي والقانوني ؛ أي تطبيق الحدود (= القوانين) المنصوص عليها في الإسلام؛ سواء في النص / القرآن أو السنة، وبالتالي فإنه لا يقصد الشريعة في معناها التنظيمي؛ أي تنظيم المجتمع وفق مجموعة من قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومنها العدالة الاجتماعية والمساواة و...الخ، حيث أن الشريعة لا تعنى فقط الأحكام والقوانين( = الحدود) المنصوص عليها في الإسلام، كما هو شائع لدى أغلبية الناس، وإنما تعنى أيضا المنهج والطريق أو السبيل، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (( لكل جعلنا منكم شريعة ومنهاجا( سورة المائدة47)و ((جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها)) وهناك آيات أخرى تفيد نفس المعنى. انطلاقا من هذه الخلفية تكون رسالة الإسلام هي رسالة الرحمة أولا، ورسالة الأخلاق ثانيا، وليست رسالة تشريع كما يروج السلفيون. فنبي الإسلام نفسه قال { أنا نبي الرحمة} ثم قال أيضا { بعثت لأتمم مكارم الأخلاق}، وهذا ما تؤكده سورة النحل أيضا (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)) . فأين الإسلاميون من شريعة الرحمة والعدل والمساواة...، وليس فقط شريعة المنع والتحريم وتقطيع الأيادي والرجم ..الخ؟. فإذا استطعنا تحقيق الشريعة بمفهومها التنظيمي؛ أي سيادة العدل الاجتماعي (توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل ومتساوي بين المواطنين) والمساواة الكاملة بين المواطنين على أساس الحرية والمواطنة التي تعتبر من أبرز القيم والمبادئ التي يحث عليها الإسلام، وليس على أساس الدين والانتماء المذهبي، كما هو سائد الآن في معظم الدول الإسلامية، فآنذاك لا داعي، في اعتقادنا، لتنفيذ الشطر الثاني من الشريعة الخاص بالعقوبات، لكون أن هذه الظواهر ستندثر من تلقاء نفسها أو على الأقل سيختفي الجزء الأكبر منها. فلا يعقل مثلا أن يقطع يد السارق وهو لا يتوفر على ما يأكل!!. فالجريمة لا تحارب بالجريمة، حيث أن قطع يد السارق مثلا، وهو لا يتوفر على شغل أو مدخل مالي قار يضمن له الشروط الضرورية للعيش الكريم والمحترم يعتبر في نظرنا جريمة في حق الإنسان. يضاف إلى هذا أن الشريعة بمعناها الشائع بين الناس؛ وهي تطبيق الحدود، لم يتم تطبيقها يوما ما بالشكل الكامل على امتداد التاريخ الإسلامي. وذلك لكونها ليست وصفة ثابت وجاهزة لتطبيق في كل مكان وزمان، بل إنها في تطور و تحول مستمر مع تطور وتحول المجتمع " الإسلامي"، خاصة إذا كنا نعتبر أن الإسلام صالح لكل مكان وزمان. علاوة على هذا فإن تطبيق أحكام الشريعة مرهون بتوفر مجموعة من الشروط الضرورية لتطبيقها؛ وهي شروط ضرورية وإلزامية بإجماع علماء الأمة على مدى التاريخ الإسلامي، هذا بالإضافة إلى ضرورة سيادة المناخ والظروف المناسبة لتطبيق أحكام الشريعة ، ومنها المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. إذن، على هذا الأساس لا يمكن لنا الحديث عن انفصال المسلمين عن الشريعة، كما جاء على لسان الشيخ. ومن جانب آخر، لا ندري عن أية شريعة يتحدث عنها فضيلة الشيخ؟ لا ندري هل يتحدث عن الشريعة التي كانت موجودة زمن وجود الرسول (ص) أم أنه يتحدث عن شريعة الخلفاء الراشدين أو ربما عن شريعة الأمويين والعباسيين، أم هناك ربما شريعة أخرى لا نعرفها نحن عموم الجماهير؟. فعلى سبيل المثال، لكي يتم تطبيق حد (= عقوبة) " الزنا " المنصوص عليها في القرآن الكريم؛ وهي الجلد ( سورة النور / الآية 24)، يستلزم مجموعة من الشروط ، ومنها أربعة شهود يرون الفعل ( = الزنا) رأي العين من أوله إلى منتهاه بحيث لا يمر الخيط بين الرجل والمرأة وهو أمر لم يحدث أبدا على مدى التاريخ الإسلامي حسب معرفتنا، فكيف سنحقق هذا الشرط في الوقت الراهن مع وجود الفنادق وشقق للكراء والهواتف والانترنت و.. الخ ؟. وكيف سنطبق عقوبة السرقة؛ وهي تقطيع اليد، بينما أن الأغلبية الساحقة من المسلمين يموتون جوعا أو إنهم على حافة الموت جوعا ( الصومال، بنغلاديش، السودان المغرب، مصر، الجزائر.. الخ)؟ فهل يحق في نظر الشيخ تطبيق أحكام الشريعة المنصوص عليها في القرآن في ظل غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية؟ وما هي عقوبة اختلاس ونهب أموال العام والتهرب من الضرائب والرشوة وغيرها من الأمور التي لم تشملها أحكام الشريعة المنصوص عليها في القرآن الكريم؟ ولماذا لا يتم الحديث عن أموال رؤساء مؤسسة إمارة المؤمنين في البلدان " العربية " التي يدافع عنها الشيخ ولو بالكذب والافتراء على الناس والتاريخ؟ من أين لهم بتلك الأموال الهائلة والقصور الفاخرة، بينما أن معظم المسلمين يموتون بالجوع والمرضى، بل ومنهم من يموت في أعماق البحار طمعا في الهجرة إلى بلدان الملحدين والعلمانيين ؟ أم أن الشريعة تطبق فقط على الفقراء والضعفاء من المسلمين في نظر الشيخ ؟. بناءا على ما سبق توضيحه نقول للشيخ الفزازي، وأمثاله من الشيوخ، بأن مصائب المسلمين لا تكمن في انفصالهم عن الشريعة ، وإنما تكمن أساسا في طبيعة الأنظمة الحاكمة في البلدان الإسلامية عموما، وفي البلدان التي تسمى تعسفا بالبلدان العربية، التي هي أنظمة رجعية استبدادية. الأنظمة التي تستغل الدين لأغراض سياسية من أجل حماية مصالحها وضمان استمرارها، فلقد سمعنا وشهدنا كيف تم استغلال الدين خلال الربيع " العربي" الذي يجتاح شمال إفريقيا والشرق الأوسط، من طرف الأنظمة الحاكمة لوقف زحف المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، حتى المظاهرات تم تحريمها !!، فماذا تركتم للشعب ؟. تكمن مصائب المسلمين عموما، ومصائب العرب المسلمين الذين يعيشون في ظل الأنظمة العربية خصوصا، في أمرين أساسيين وجوهريين، أولهما يتعلق بعقلية العرب. وثانيها تتعلق بتحويل الإسلام من مجرد دين؛ أي أنه عقيدة ودعوة، إلى دين ودولة. فالسؤال الذي يجب أن يطرح الآن ليس هو ذلك السؤال التقليدي الذي كان يطرحه رواد النهضة العربية حول لماذا تقدم الآخر(= الغرب) وتأخرنا نحن ( = المسلمين) وإنما هو السؤال التالي: لماذا تقدمت الدول الإسلامية الغير العربية ( تركيا وإيران وماليزيا واندونيسيا ..) وتأخرت الدول العربية الإسلامية؟. فعلاوة على أن الشريعة لم تطبق يوما ما بالكامل على امتداد التاريخ الإسلامي، كما أسلفنا القول، فإنها تطبق في جميع الدول " العربية " ولم يتم إلغائها بشكل نهائي كما يدعى خطاب السلفيين، خاصة في مجال الأحوال الشخصية والمواريث وغيرها من الأمور، بل إنها تطبق حتى في الدول التي تعتبر نفسها " علمانية " كتونس وسوريا مثلا. هناك فقط اختلاف في اجتهادات تطبيقها؛ أي حول كيفية تطبيقها. فالشريعة التي يطبقها النظام الإسلامي الدكتاتوري في السودان والسعودية وإيران تختلف كليا عن الشريعة التي يطبقها النظام المغربي والأردني والمصري مثلا، والمسألة هنا تتعلق أساسا بالكيفية وليس بالمبدأ. فالأول يطبق أحكام الشريعة كما هي موجودة حرفيا في النصوص القرآنية مند أزيد من أربعة عشر قرنا، كان التاريخ لم يتحرك بعد. والثاني يجتهد في تطويرها وتكيفها مع ظروف العصر وتحولاته. ففي السودان والسعودية على سبيل التمثيل فقط يتم تطبيق عقوبة السرقة؛ وهي قطع اليد، المنصوص عليه في سورة المائدة /الآية 48 ، بينما في المغرب مثلا ( وفي دول إسلامية أخرى) يتم تطبيق عقوبة السجن، ونفس الشيء ينطبق على الظواهر الاجتماعية الأخرى، فما الضرر في هذا يا شيخ؟ الم يوقف عمر بن الخطاب وما أدراك ما عمر العمل بعقوبة السرقة عام الرماد المنصوص عليه في القرآن ؟ أليس هذا اجتهادا من عمر في تعريفه وتطبيقه للشريعة أم أن شيوخ الفضائيات يعرفون الإسلام أفضل من عمر؟. فإذا كان من حق عمر أن يجتهد في تطبيق الشريعة فمن حق الآخرين أن يجتهدون أيضا. ثانيا: حول التاريخ الإسلامي: حاول الشيخ في مقاله تنظيف التاريخ الإسلامي، الذي هو تاريخ دموي بامتياز، من الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها المسلمون تحت ذريعة نشر وتطبيق الإسلام، وبالتالي فإنه حاول تبرئة المسلمين من ارتكابهم لجرائم بشعة في حق الناس باسم الدين وتطبيق شريعة الله في الأرض، وهذه واحدة من أكثر المغالطات التاريخية التي يحاول الإسلاميون تمريرها، حيث قال فضيلة الشيخ ما يلي " هل عرفت امتنا الإسلامية صراعا علميا بين المسجد وإمارة المؤمنين ؟ " ثم أضاف يقول أيضا " هل قاوم علماء الإسلام عبر التاريخ كله اجتهادات العلماء في مجالات البحث في الفلك والطب والصيدلية والطاقة و..الخ؟ أم العكس هو الذي كان ولازال وسيظل ..؟". طيب، لنعود إلى التاريخ، ولو قليلا، لمعرفة هل ما يقوله الشيح صحيح أم خطأ؟. وعودتنا هذه ستكون في أمهات الكتب الإسلامية وليس في كتب المستشرقين، ومنها " مقدمة " ابن خلدون، وكتاب البداية والنهاية لابن الكثير، وكتابات محمود شاكر، وعبد الله العروي، ومحمود اسماعيل، ومحمد شفيق، والصافي علي مومن وغيرهم من الباحثين والمؤرخين المسلمين. فالكتب الإسلامية التاريخية، سواء التقليدية منها أو الحديثة، تؤكد لنا أن عملية نشر الإسلام، وخاصة بعد الهجرة، أو ما يمسى في التراث الإسلامي بالإسلام المدني( نسبة إلى المدينة وليس المدنية)، كان في أغلبيته المطلقة عن طريق الغزو، كما تؤكد لنا هذه الكتب أيضا وقوع صراعات دموية بين المسلمين أنفسهم حول الخلافة. ولهذا، نقول لفضيلة الشيخ اتق الله ، فالتاريخ الإسلامي كله جرائم ومصائب، وربما أكثر بكثير من تاريخ الكنيسة نفسها. عموما، يبدو أن الشيخ ، كباقي السلفيين، لا يستسيغ حقيقة التاريخ الإسلامي. لقد اشرنا في معرض الحديث عن الشريعة أعلاه، إلى نقطة أساسية في تناولنا وتصورنا لمفهوم الشريعة؛ وهي أن الشريعة في تطور وتحول مستمر، بمعنى أنها تساير التحولات والمتغيرات التي يشدها " المجتمع الإسلامي " في كل مرحلة من مراحله. وبمعنى أدق، أن مبدأ التطور هو السائد في مسألة التشريع الإسلامي وليس الجمود، تماما على خلاف ما هو شائع لدى عموم الناس، وكذلك لدى بعض تيارات الإسلام السياسي، حيث يعتقدون أن كل ما جاء في الشريعة إبان ظهورها للوهلة الأولى، وخاصة بعد هجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة، حيث سيدخل الإسلام مرحلة جديدة في تاريخه؛ وهي مرحلة التشريع؛ بمعنى تنظيم المجتمع كما قلنا سابقا، قلنا يعتقدون بأن الشريعة شيء ثابت ومقدس وبالتالي لا يجوز تغييرها أو تبديلها حتى ولو اقتضت ظروف العصر ذلك. ومن هذا المنطلق نفهم جيدا كيف بدا الإسلام يشرع القتال (= الحرب) ( هناك العديد من الآيات والأحاديث في هذا الصدد) نتيجة ظروف موضوعية؛ ظروف اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى، سادة آنذاك في المجتمع الإسلامي الحديث النشأة، ومنها ضرورة انتشار وتوسع الإسلام خارج الجزيرة العربية، لا ننسى أن الإسلام دين عالمي. هذا أولا، وثانيا كسب المال والغنائم، وبالتالي توفير مصادر العيش لفئات واسعة من المسلمين. لهذا فإننا لا ندري كيف تغاضى الشيخ عن مبدأ تشريع القتال والحرب في الإسلام وهو المبدأ الذي سينتج عنه حروب وصراعات دموية بين المسلمين أنفسهم (= الفتنة الكبرى مثلا)، وضد الآخرين كذلك( غزو شمال افريقيا ، والشام وفارس والأندلس..)؟، حيث بهذا التغاضي ينفي الشيخ ما تؤكده جميع الكتب الإسلامية دون استثناء ( هناك اختلاف في التفاصيل والتأويلات والمبررات فقط ) من حدوث جرائم حربية من طرف الجيوش العربية الإسلامية. ففي كتاب البداية والنهاية لابن كثير على سبيل المثال نقرأ ما يلي { أمر عثمان عبد الله بن أبي سرح أن يغزو افريقية فإن فتها الله عليه فله خمس الخمس من الغنيمة فسار إليها وافتتح سهلها وجبالها وقتل خلقا عظيما...}. ومن خلال هذه الفقرة نستنتج ثلاث ملاحظات أساسية ومهمة جدا لمعرفة التاريخ الذي يصفه الشيخ " بالمشرق " : الملاحظة الأول: وهي أن الحرب كانت تقوم باسم الله؛ أي بذريعة نشر الإسلام(5). الملاحظة الثانية: وهي سرقة ونهب خيرات المناطق التي غزتها الجيوش العربية الإسلامية(6). الملاحظة الثانية: وهي حصول عملية القتل. فهل يستطيع فضيلة الشيخ، أو غيره من السلفيين، أن ينفي حصول وحدوث مثل هذه الجرائم في التاريخ العربي الإسلامي؟. على أية حال سنحاول تذكير الشيخ، ولو بإيجاز شديد، ببعض الوقائع والأحداث التاريخية الأخرى، التي لا يمكن لنا القفز عنها وتجاوزها. وذلك حتى يعرف القارئ الكريم حقيقة التاريخ الإسلامي من جهة، ومعرفة خطاب السلفيين حول التاريخ الإسلامي من جهة ثانية. ولكن قبل ذلك نشير هنا أننا نتحدث عن التاريخ الإسلامي وليس عن الدين / الإسلام نفسه. نعود الآن إلى صلب الموضوع، ونقول، إذا كان الوضع في " العالم الإسلامي" يختلف عن الوضع في الغرب، سواء قديما أو حديثا، لكون أن مؤسسة المسجد وإمارة المؤمنين لا تناهض العلم والعلماء في نظر فضيلة الشيخ، فكيف نفسر الجرائم التي ارتكبتها الجيوش العربية الإسلامية باسم نشر الإسلام وتطبيق الشريعة في كل من الشام وفارس ومصر وشمال افريقيا والأندلس؟ أليس ما اقترفه خالد بن الوليد ضد بني يربوع، وكيف أعدم حرقا كل من أياس بن الفجاءة وشجاع بن ورقاء بأمر من الخلفية الأول أبو بكر جريمة؟.(7) وهل نسى الشيخ حروب " الردة " التي شنها أبو بكر ضد المرتدين عن سلطته؛ أي الرافضين لسلطته السياسية، وليسوا مرتدين عن الدين كما يشاع(8). وبالإضافة إلى هذا، كيف يمكن لنا اعتبار ما حدث للإمام أبا حنيفة النعمان وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس من الضرب والتعذيب في ظل إمارة المؤمنين وليس في ظل الكنيسة التي تعادي العلم والعلماء في نظر الشيخ؟ وإذا كان الإسلام / لا يناهض العلم والعلماء فلماذا تم ضرب وتعذيب هؤلاء العلماء ؟ بل وكيف نعتبر ما حدث مع ابن رشد وكتبه؟ وهل من يدافع عن العلم والعلماء يحرق المكتبات (مكتبة الإسكندرية مثلا) ؟ وهل نسي الشيخ كيف أهدر الملك بن مروان حرمة مكة حينما ضربها بالمنجنيق مرتين؟(9). وكيف قتل الخلفاء الراشدين والفتنة الكبرى ؟ أما عن جرائم المسلمين إبان غزوهم لشمال أفريقيا فهي لا توصف. زيادة على ما سبق، إذا كان الإسلام يدعو إلى العلم ويحترم العلماء فلماذا قتل عمر بنجلون وفرج فوده وحسن مروة وغيرهم كثيرون من العلماء والمفكرين في عصرنا الحديث؟ وإذا كانت المسجد وإمارة المؤمنين لا تناهض العلم والعلماء فكيف يفسر الشيخ طرد علي عبد رزاق من الأزهر وطه حسين من الجامعة، وتطليق كذلك الدكتورة نوال السعداوي من زوجها بتهمة الكفر، ونصر ابوزيد عن زوجته بنفس التهمة كذلك؟ وكيف يفسر الشيخ كذلك الجرائم التي ارتكبها النظام الإسلامي في السوداني في حق أزيد من 300 ألف مواطن سوداني؟. هكذا تتوالي الأمثلة ولا تنتهي، وكلها ضد ما يريد الشيخ إثباته من الاختلاف بين التاريخ الإسلامي الذي يصفه " بالمشرق" وتاريخ الكنيسة في الغرب. يحاول الشيخ أن ينفي، ولو بالكذب والافتراء على التاريخ، وقوع جرائم وصراعات بين العلماء وإمارة المؤمنين ، وذلك لكي يبرهن لنا بأن شروط وظروف بروز العلمانية في الغرب غير موجودة في العالم الإسلامي نظرا لطبيعة الإسلام الذي يخترن العلم والعلماء في نظره(= الشيخ) ، وبالتالي لا داعي للمطالبة بالعلمانية في البلدان الإسلامية. إلى هنا نأتي على نهاية هذا الجزء على أمل أن نلتقي بك عزيزي القارئ في الجزء الثالث والأخير من هذا الرد المتواضع على فضيلة الشيخ الفزازي، وفي الجزء الثالث سنحاول مناقشة موقف الشيخ من طبيعة الإسلام: هل هو دين ودولة أم عقيدة ودعوة؟ كما سنناقش أيضا موقفه من العلمانيين. للتواصل: [email protected] هوامش الجزء الثاني: 5: انظر كتاب " الخطاب التاريخي " للدكتور علي أومليل – ص 116 ، المركز الثقافي العربي 6: انظر كتاب " النص المؤسس ومجتمعه " للدكتور خليل عبد الكريم – الجزء الثاني - دار مصر المحروسة 7: انظر كتاب " في السياسية الإسلامية" للمرحوم هادي العلوي - ص 48 - عن دار صحارى للصحافة والنشر 8: انظر كتاب " تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية" - ص 94 - تأليف عمر فروخ . 8 : انظر كتاب " الخلافة الإسلامية " للمستشار محمد سعيد العشماوي ، عن مؤسسة الانتشار العربي.