إلى أين يسير الريف بعد أن حدث ما حدث يوم 20 فبراير؟ ما مستقبل المنطقة التي لا زالت تتلاعب بها الأهواء السياسية الغير مستقرة والتي أصبحت في الآونة الأخيرة حلبة للصراع السياسي بين أحزاب عروبية متواجدة في المركز ؟ كيف يمكن الربط بين ما حدث عقب زلزال فبراير 2004 وما حدث يوم 20 فبراير؟ (تجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من المتتبعين سارعوا إلى اتهام سكان آيث بوعياش وإمزورن وتماسينت وغيرها من ضواحي مدينة الحسيمة بإحداث أعمال الشعب في المدينة يوم 20 فبراير، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات المقلقة حول الجهة أو الجهات التي تروج لمثل هذا الخطاب، علما أن حقيقة ما حدث يوم 20 فبراير لا زالت تراوح مكانها، فهل من المنطقي أن نتهم جهات معينة بالوقوف وراء أعمال الشغب والحقائق لا زالت مبتورة؟ من يمكنه أن يؤكد أو ينفي بأن ما حدث في الحسيمة دبرته جهات معادية للريف والريفيين لنظل دائما في عيون الآخر متمردين وغير متحضرين؟ .. .) ما هي أسباب احتقان المجتمع الريفي المهمش؟ (الريف لا زال لم يخرج بعد من مسلسل التهميش الذي فُرض عليها منذ بداية الإستقلال الشكلي) وكيف يمكن فهم التفاوتات العميقة بين مختلف مكونات البنية المجتمعية بالريف؟ ... يجيب العديد من المتتبعين والمهمتمين عن هذه الأسئلة، كل من الزاوية التي ينظر من خلالها إلى الأحداث المتسلسلة في المسافة الزمنية بين هذا وذاك، وهي في معظمها إجابات تتضمن معطيات متناقضة انعكاسا لميولات الهرولة من جهة، ولمحاولة الإقبار الكلي- النهائي لمقولة "المغرب النافع والمغرب غير النافع" وهي إجابات ساذجة إلى درجة الغباء لأنها تحاول أن تبين أن الريف "جنة فوق الأرض" إلا أن الواقع العنيد الذي لا يرتفع يؤكد شيئا آخر. وهذه الأجوبة التي تقال هنا وهناك لا تتضمن بعض المعطيات المهمة حول اشتغال المؤسسة الملكية بالريف عبر اعتمادها على ثقافة الأعيان التقليدين، وعلى رأسهم إلياس العماري، وبالتالي تبقى التساؤلات المحرقة حول ميكانيزمات النظام السياسي المغربي التي أوصلت الريفيين إلى هذه الحالة، تطرح نفسها بقوة، من قبيل: ما علاقة الهمة والعماري، وإذا تحدثنا عن هذين الإسمين نتحدث عن رأس النظام ونعني به محمد السادس، بالفساد الذي عاشته منطقة الريف في العشرية الأخيرة؟ وما طبيعة هذه العلاقة التي تجمع الأطراف المعنية؟ وما هو سبب رفض الريفيين للمبادرات المخزنية المركزية التي غالبا ما تأتي بدقة من مطرقة الملك؟... حاول النظام السياسي المغربي الذي يعتمد على ثقافة الأعيان التقليديين منذ ما سمي تجاوزا ب "العهد الجديد" تطويع المنطقة وتدجين أبناءها لبناء مجتمع على مُقاس المخزن الجديد، لأن هذا الأخير يعرف جيدا منطقة الريف من الناحية الأمنية، السياسية، الفكرية... ويعرف جيدا الشخصية الريفية، وبالتالي صنع بنفسه –أي المخزن- مجموعة من الصقور الذين سيشكلون "ركائز" النظام في الريف، لتنفيذ برنامج المخزن الرامي إلى تدجين منطقة الريف وأبنائها، وهو البرنامج الذي بدأ مع ما سمي بالمصالحة مع الماضي، التي تبلورت من منظور إقصائي أحادي الذي هو منظور المخزن، بهدف الطي الشكلي/الجزئي لسنوات الجمر والرصاص بالريف دون الإجابة عن السؤال المحوري لتهميش المنطقة، ودون الحديث عن الدين التاريخي مرورا بالمهرجانات التي دأبت على تنظيمها جمعية أريد (النواة الأولى لحزب الأصالة والمعاصرة بالريف) ، والأكثر من هذا هو التدبير الكارثي لما بعد زلزال فبراير 2004، وهي النقطة التي أفاضت الكأس، حيث تبين بالملموس مدى استمرارية الماضي في الحاضر، وتبين أن طبيعة العقلية المخزنية في تعاملها مع الريف، كمنطقة جغرافية وسكانية احتضنت أكبر حركة تحررية في العالم، لم تتغير من عهد الحسن الثاني إلى عهد محمد السادس، وهي النقطة التي جعلت مجموعة من الريفيين يسحبون ثقتهم من نظام محمد السادس بعد أن ظهرت بعض بوادرها مع بداية حكمه. فقد لاحظ القاصي والداني الإختلالات الخطيرة التي أدت إلى ما أدت إليه حيث لم يستفد المنكوبين إلا من نسب جد ضئيلة (لم تتجاوز 30000 درهم) لا تكفي لبناء الأساس المضاد للزلازل فما بالكم بالسكن المضاد للزلازل؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجموعة من منكوبي زلزال الحسيمة لا زالو في مساكن تشبه القبور ولا تحمل من "المنزل" إلا الإسم، ومهددة أكثر مما كانت عليه قبل 2004، ولاحظ الكل كيف تحولت الأموال التي خصصها المنتظم الدولي لإعادة إعمار الحسيمة إلى جهات أخرى، وكيف تحولت المساعدات الإنسانية الدولية إلى ركائز للإغتناء الفاحش والسريع لبعض أعيان المخزن الجديد بالريف، وهنا نشير إلى أن "سعيد شعو" أحد أعيان المخزن آنذاك قام بتخزين مجموعة من الإعانات الموجهة للمنكوبين، بهدف بيعها أو ربما استعمالها كورقة انتخابية (انتخابات 2007 التي حملت الرجل لأول مرة إلى قبة البرلمان)، وهذا موثق في تقارير صحفية وتحقيقات أعدتها آنذاك جريدة "الصحوة" مشكورة ...هذه التلاعبات الخطيرة بمسار المنطقة كانت ورائها أهداف خفية أيضا، حيث لاحظنا كيف تم تحويل الأموال المخصصة لإعادة الإعمار إلى بناء بعض البنى التحتية بهدف تلميع صورة الدولة المغربية في المنتظم الدولي. وكل هذا جرى أمام أعين العالم، وأمام أعين رأس النظام المخزني، محمد السادس، نفسه الذي نصب خيمته وسط المنكوبين -أو رعاياه الأوفياء كما سماهم الخطاب الرسمي آنذاك- وبالتالي يمكن القول بأن ما حدث كان خطة محبوكة من طرف أعلى سلطة في البلاد بهدف توجيه الريف والريفيين، لأنه لا يمكن أن نكذب على أنفسنا ونقول بأن المؤسسة الملكية قامت بواجبها اتجاه المنطقة عكس باقي المكونات المنضوية تحتها –أي المؤسسة الملكية- ، أليست هذه الأخيرة هي التي عينت بعض الأشخاص في مواقع مناسبة لتخريب المنطقة؟ أليس هذه الأخيرة هي التي نصبت إلياس العماري ناطقا رسميا بإسم الريف والريفيين دون علمنا نحن معشر الريفيين؟ ولهذا أرى أنه لا يجب أن نستمر في الكذب على أنفسنا، لأن المشكل ليس مرتبط فقط بشخص واحد أو بمجموعة من الأشخاص في مختلف دواليب الدولة الذين يخدمون مصالحهم الشخصية فقط، بل المشكل يكمن في النظام السياسي القائم حاليا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الجهات تحاول تحميل المسؤولية لبعض الأطراف دون الأخرى، وما حدث بالحسيمة في الصيف المنصرم خير دليل على ما أقول. عندما تم اعتقال العديد من المسؤولين بتهم مختلفة وعلى رأسها الرشوة، وهو ما يفتح الباب على مصراعية للتساؤلات المشروعة حول حقيقة "نية" النظام السياسي المغربي، فكيف يمكن أن نفهم ما حدث بالحسيمة فقط دون غيرها من المدن المغربية التي ينخرها الفساد، وفي الصيف الماضي فقط؟ لماذا لم تتحرك الجهات المعنية من قبل؟ هل كانت لا تعلم بوجود مفسدين؟ وإذا كان الأمر هكذا فما فائدة أجهزة الدولة؟ ولماذا لم تقم نفس الجهات المعنية بالعمل المماثل في باقي المدن المغربية علما أن الفساد يمشي بخيلاء أمام أعين الجميع في كل ربوع المغرب؟ هل يمكن أن نفهم بأن ما حدث هو فقط در للرماد في عيون الريفيين؟ ....لفهم ما حدث، يجب قراءة الوقائع في سياقها العام، وليس النظر إلى بعض الجزيئات دون المس بجوهر إشتغال النظام السياسي بالريف، ولا يجب أن تكون ذاكرتنا قصيرة، لنعد قليلا إلى الوراء ونلاحظ كيف بدأت طريقة اشتغال النظام المغربي في الريف منذ 1999. واليوم، حركة 20 فبراير خرجت بمطالب مشروعة وعلى رأسها تعديل الدستور الذي سيؤسس لملكية برلمانية ومبدأ فصل السلط وتقسيمها وبالتالي تمكين الشعب من تقرير مصيره السياسي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي في إطار من الحرية والكرامة ، ويختار الحاكم الذي يستطيع محاسبته، عبر تعاقد سياسي جديد بين مختلف الأطراف، لكن للأسف خرج الملك محمد السادس بخطابين متتاليين بعد تظاهرات 20 فبراير، ولم يشر قط إلى حركة 20 فبراير وهو ما يعني أننا نحن الشعب في واد والملك في واد آخر.وتظاهرات 20 فبراير بالريف طالبت بالمساواة وبالتغيير الحقيقي، أي الّإنتقال من دولة المخزن، الرعايا، الواحد، ..الخ إلى دولة الحداثةّ، المواطنة، الديموقراطية، الشعب...الخ، بمعنى القطع مع الإستمرارية التقليدانية التي يشتغل بها النظام السياسي المغربي الذي لا زال يتجاهل الريف والريفيين، بل صنع في المنطقة شخص واحد كناطق رسمي باسم النظام السياسي- في الريف، وناطق أيضا بإسم الريفيين لدى القصر، وهذا الثنائي هو المسؤول الأول والأخير عن كل الإختلالات البنيوية التي أدت إلى ما أدت إليه في الريف، أي أن المؤسسة الملكية مسؤولة بشكل أو بآخر عما حدث مؤخرا، أقول هذا وأسطر على ما أقول، لأن قراءتنا لمجموعة من الّأحداث، سواءا منها القريبة أو التي حدثت على مر البساط الزمني الممتد منذ الإستقلال الشكلي إلى اليوم تؤكد بما لا يترك أي مجال للشك مسؤولية النظام المخزني عن الإختلالات التي عصفت بأحلام أجيال متعاقبة. واليوم لا زال المخزن مستمرا في تطبيق سياسته ضد الريف وكأن أزيد من نصف قرن من الحصار لم يكفي للمخزن المركزي لرفع يده عن المنطقة. لنعرج عن المشهد الحزبي بالريف الذي لا هم له سوى تزيين واجهة النظام القروسطوي، والتطبيل والتغريد لبعض "الروتوشات" التي يسطرها المخزن في المنطقة، وهو مشهد متكون من أحزاب أكل عليها الدهر وشرب ولا تمثل لا الريف ولا الريفيين، وخير دليل على ما أقول هو مطالبة الجماهير الشعبية برحيل هذه الأحزاب التي لا تمثل إلا نفسها وحل البرلمان اللاشعبي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، كما كانت هناك مطالب قوية بإقالة عباس من منصبه، ليس لأنه عُين وفق ما تقتضيه المنهجية الديموقراطية وعليه فهو جزء من الحل، بل لأنه جزء من المشكلة، فهو لا يزال يجر وراءه فضيحة "النجاة" ولا يتمتع بأية مصداقية بعد نصبه على أزيد من 30000 مغربي ومغربية، ورغم ذلك عينه الملك وزيرا أولا بعد مهزلة الإنتخابات التشريعية سنة 2007، والأكثر من هذا، وزير أول استقلالي على كافة المناطق المغربية ومنها "الريف" وهذا الريف ترتبطه علاقة دموية مع حزب علال الفاسي الذي لا زالت أيديه ملطخة بدماء شهداء انتفاضة الريف المجيدة في بداية الإستقلال الشكلي. كما أن الريفيين يرفضون حزب الإستقلال وباقي الأحزاب العروبية كالعدالة والتنمية والإتحاد الإشتراكي ..الخ الذين يدعون بأن لديهم قاعدة جماهيرية في الريف، بالإضافة إلى الوافد الجديد الذي دخل المنطقة عن طريق شراء الذمم، ونواته الأولى هي جمعية أريد كما سبقت الإشارة. وقد جاء إلى الريف لإستكمال تدمير الهوية السياسية الريفية بعدما بدأت المهمة الأحزاب المخزنية السابقة، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا من طرف الريفيين الذين لا يقبلون كل الأحزاب المركزية، ولعل المشاركة الهزيلة في مسرحية الإنتخابات التشريعية 2007 خير دليل على هذا. بعد هذه المهزلة الإنتخابية تم تعيين عباس الفاسي كوزير أول وفق المنهجية كما قيل آنذاك، على اعتبار أن حزب علال الفاسي حصد أعلى نسبة في المقاعد البرلمانية في المغرب، ولكن أين؟ هل في الريف أيضا؟ الريفيون لا يقبلون حزب الإستقلال فهل من المنطقي أن يُفرض عليهم وزير استقلالي؟بعد هذا كله، تم تعيين وزير أول بعيد بعد الأرض عن السماء عن نبض المجتمع الريفي، والأكثر من هذا مُعادي للريف والريفيين والأمازيغيين بصفة عامة (العلاقة جد متوترة تاريخيا بين المنطقة وهذا الحزب)، ليأتي المخزن ويقول بأن ما حدث يوم 20 فبراير كان وراءه بعض المشاغبين فقط (تصريح وزير الداخلية ، الطيب الشرقاوي، يوم الإثنين 21 فبراير) فهل كل ما حدث من أحداث وشعارات سياسية هو عمل بعض المشاغبين فقط؟ ألا تعتبر عملية إحراق كل من مقر حزب الأصالة والمعاصرة، والإستقلال إشارات سياسية قوية من طرف الريفيين يجب أن يستوعبها المعنيون بالأمر قبل فوات الآوان؟ ألا يمكن القول بأن هذه إشارات من طرف الشعب الريفي مفادها : لسنا في حاجة إليكم؟ ألا يمكن القول بأن الشعب يعبر عن رأيه، عن سخطه على الأوضاع بمختلف الطرق؟ ألا يمكن القول أيضا بأن هذا انفجار من طرف الشعب الذي وجد كل الأبواب موصدة في وجهه؟ فالأحزاب مرفوضة من طرف الريفيين ومفروضة عليهم في نفس الوقت، وهوما يجعل الشعب يعبر عن رأيه بطريقة قد تعجب وقد لا تعجب النظام السياسي الذي ما فتئ يتغنى بالديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان دون أن يعمل على تطبيق شعاراته الفضفاضة الجوفاء. حيث لا زال بيننا وبين الديموقراطية طريق طويل، وهي الديموقراطية التي يتغنى بها النظام السياسي وبعض السابحين في فلكه اليوم، لا لشيء إلا لأن المغرب يتوفر على وزير أول ينتمي إلى الحزب الفائز في الإنتخابات التشريعية، وفق المنهجية الديموقراطية كما يقولون، وهذه المنهجية نتمناها ونطالب بها، لكن اليوم هي بمثابة "حق" يُراد به باطل، كيف؟أولا: الإنتخابات، التي حملت الفاسي وحكومته إلى مناصب المسؤولية، لم يشارك فيها سوى 20 % من الناخبين، فيما قاطعها 80 %. فماذا تمثل هذه الحكومة؟ ومن يمثل عباس الفاسي نفسه؟ثانيا: حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة لم يحصل سوى على 600 ألف صوت في بلاد يحق لأكثر من 18 مليون مغربي الإدلاء بأصواتهم. وهو ما يعني أن حزب الإستقلال ليست له أية قاعدة جماهيرية ولا يمثل إلا قلة قليلة من الأسر الفاسية. دعونا من الأرقام الآن، لنمر إلى السياسة... فإذا كانت حكومة الفاسي مشكلة بمقتضى المنهجية الديمقراطية، فماذا يفعل داخلها وزراء الداخلية والخارجية والأوقاف والدفاع والأمانة العامة للحكومة والعدل والتعليم... وماذا يفعل داخلها وزراء نصف حزبيين نزلوا بالمظلات في آخر ساعة، وصُبغوا بألوان حزبية إدارية، ودخلوا إلى الحكومة وصباغتهم مازالت طرية والجميع يعرف ولاءهم لمن...وحكومة عباس الفاسي أيضا، التي تقول أحزابها إنها وليدة المنهجية الديمقراطية، لا تتحكم في %90 من اقتصاد المملكة، ولا علاقة لها بالجيش ولا بالأمن ولا بالمخابرات ولا بتدبير الشؤون الدينية، ولا بتدبير شؤون العدل والسجون، ولا بالإعلام ولا بالدبلوماسية، ولا بالضرائب ولا بالجمارك ولا بالمؤسسات العمومية الكثيرة التي يقترح شخصان أو ثلاثة من المربع الملكي أسماءها على سلطة التعيين. فما فائدة هذه الحكومة المشكلة بمقتضى المنهجية الديموقراطية إذن؟ ألا يعتبر هذا استهتار واستخفاف بذكاء الشعب المغربي؟عندما نقول بأن الحكومة لا تتوفر على أي شيء، فإننا أوتوماتيكيا نقول بأن المؤسسة الملكية هي التي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في البلاد، وبالتالي فهي المسؤولة –أي المؤسسة الملكية- عن كل ما يحدث بالمغرب من رشوة ومحسوبية وفساد إداري، مؤسساتي، سياسي، مالي...، التدهور الخطير في مؤشرات التعليم والصحة والتنمية...الخ، ولهذا أرى أنه من الضروري أن نخاطب وننتقد المسؤولين مباشرة وليس فقط ظلالهم الشاحبة المتمثلة في الحكومة والبرلمان وباقي الموظفين في دواليب الدولة، فإذا استمرنا في مخاطبة وانتقاد "الظلال" و "الباراتشوكات" لا يمكن أن نصل إلى الإجابات الشافية عن الأسئلة التي طرحناها في البداية وعلى رأسها "أين يسير الريف؟". بعد هذا كله، ياتي الخطاب الملكي ليوم الأربعاء 09 مارس، ليتحدث عن مجموعة من النطاق بشكل "غامض"، ومن بينها "الجهوية"، وهي من بين مطالب الحركات الديموقراطية بالمغرب منذ وقت ليس بالقصير، وهي حجر الزاوية في البناء الحداثي الديموقراطي، لكن نريدها أن تكون كما نريد نحن وليس كما يريدها المخزن المركزي، فإذا تركنا الجهة بين أيدي السلطة المركزية وبالتالي تبقى كديكور خارجي للنظام السلطوي المغربي الشديد التمركز في الرباط سنكون قد خطونا أكثر من خطوة إلى الوراء. وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا، فالحل يكمن في نظرنا في نظام فيدرالي، أو حكم ذاتي، للريف ولباقي الجهات التاريخية بالمغرب لتتمكن من تقرير مصيرها السياسي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي في إطار وحدة الدولة المتعددة.والغريب في الأمر أن يتحدث الملك عن إطلاق مشروع الجهوية في هذا الوقت بالذات، فيقول : " لقد اقترحت اللجنة،في نطاق التدرج،إمكانية إقامة الجهوية المتقدمة بقانون،في الإطار المؤسسي الحالي،وذلك في أفق إنضاج ظروف دسترتها." يعني أن الجهوية سيتم إطلاقها في إطار الدستور الحالي، فكيف ستكون هذه الجهوية المُبشر بها ديموقراطية والدستور الذي يؤطرها غير ديموقراطي، بل هو أحد عراقيل الديموقراطية؟ فالجهوية لا يمكن أن تكون ناجحة دون الأحزاب السياسية الجهوية التي يمنعها القانون المغربي، ولا يمكن أن تكون دون مؤسسات جهوية منتخبة قوية تخضع للمراقبة الشعبية ، كما لا يمكن أن ينجح المشروع الجهوي دون أن يكون هناك نوع من التوازن بين الجهات لإفراز نوع من الإنسجام داخل مختلف مكونات الجهة الواحدة عكس التقسيم الحالي الذي تحكمت فيه مقاربات أمنية بالدرجة الأولى أنتجت جهات غير غير منسجمة، ولا زلنا نعاني إلى اليوم من تبعات التقسيم الفاشل. ولنمر إلى مطلب آخر من مطالب حركة 20 فبراير، وهو تعديل الدستور، والملك قال في خطابه : "وقد ارتأينا الأخذ بهذا الخيار المقدام،حرصا على انبثاق الجهوية الموسعة،من الإرادة الشعبية المباشرة، المعبر عنها باستفتاء دستوري"، فكيف يمكن أن ننجز استفتاء حول الجهوية والرأي العام المغربي مُوجه؟ وهو ما يجعلنا نخاف من تكرار التجارب الماضية، وكلام الملك في نفس الخطاب يلمح إلى إعادة تكرار نفس الدساتير الممنوحة، يقول محمد السادس : " ولنا في قدسية ثوابتنا،التي هي محط إجماع وطني،وهي الإسلام كدين للدولة،الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية،وإمارة المؤمنين، والنظام الملكي، والوحدة الوطنية والترابية،والخيار الديمقراطي،الضمان القوي،والأساس المتين، لتوافق تاريخي،يشكل ميثاقا جديدا بين العرش والشعب." فقدسية الثوابت هنا هي الطقوس المخزنية التقليدية التي تتعارض على طول الخط مع شعارات الحداثة، و"الإسلام كدين الدولة" لا يعني الدين الإسلامي بشموليته، بل الإسلام السني فقط، وليس أي سني، بل المذهب المالكي دون غيره، أي إعادة نفس التحكم في نبض المجتمع المغربي عبر استغلال الدين كورقة رابحة تحت يافظة "أمير المؤمنين" التي يقول عنها الملك بأنها "ثابتة مقدسة" وهو ما يعني أننا نعود إلى سنوات السبعينات عندما استغل الحسن الثاني الإسلام كسلاح ضد معارضي الإتحاد الإشتراكي حين اتهمهم ب "الخروج عن جماعة المسلمين" بعدما رفضوا لباس الجلباب والطربوش المخزني. وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن الملك لا يعترف بالإختلاف الموجود في المجتمع المغربي اليوم، وبالتالي فإننا نبتعد أكثر عن الديموقراطية كما هي متعارف عليها كونيا، التي من قيمها التعدد، الإختلاف، النسبية...الخ. تأكيد الملك على قدسية الثوابت المخزنية المتمثلة في النظام الملكي وإمارة المؤمنين يعطي الإنطباع بأن لا جديد تحت الشمس، أي أن الملك يقوم بالتغيير من أجل اللاتغيير. وبالتالي يبقى الملك هو كل شيء في البلاد وتبقى باقي المكونات السياسية (الحزبية والغير حزبية) والنقابية والجمعوية مجرد ديكورات خارجية لتزيين واجهة النظام لا أقل ولا أكثر. أي أن الملك يحاول امتصاص الغضب الشعبي عبر بعض "الروتوشات" الإصلاحية دون المساس بجوهر النظام، وبالتالي تفادي ثورة دموية محتملة.لا يمكن أن نتحدث عن الخطاب الملكي الذي لمح خلاله الملك إلى مشروع جهوي ديموقراطي دون استحضار وضعية الريف كمنطقة جغرافية وسكانية في ذات المشروع، أي ما موقع الريف في النظام الجهوي الذي تبلور من منظور أحادي هومنظور السلطة المركزية؟ وما هي القيمة التي سيضيفها النموذج الجهوي المغربي لمنطقة الريف التي تربطها علاقة جد متشنجة تاريخيا مع المركز؟ إذا كانت الجهوية، سواءا في الإطار الدستوري الحالي أو في الإطار الدستوري المرتقب، في ظل الملكية التنفيذية، وفي ظل ثوابت المخزن التقليدية ومنها الإسلام كدين وإمارة المؤمنين كما قال الملك في خطابه، وستكون المؤسسات الجهوية خاضعة لوصاية وزارة الداخلية فلا يمكن الحديث عن الجهوية إلا إذا أردنا الضحك على ذقوننا لأننا نعرف جيدا طبيعة النظام السياسي المغربي وطبيعة الدولة المخزنية وميكانيزمات اشتغالها منذ وقت ليس بالقصير، وبالتالي يبقى التهليل بالتغيير هو في الحقيقة خطة من أجل اللا تغيير. وأعتقد جازما بأنه ما دام في مجتمعنا من يفكر على شاكلة "القطيع" الغير مستعد للتغيير، أي، مؤيد لكل ما يأتي من الفوق دون مناقشته، وللأسف الشديد نجد مجموعة من الريفيين على هذه الشاكلة، وهو الأمر الذي ساعد بعض اللوبيات على بسط سيطرتها على منطقة الريف لتخريبها، (ما دام الأمر هكذا) فإنه علينا أن نناضل أكثر وأكثر من أجل تحقيق دولة المواطنين لا دولة الرعايا أي الإنتقال من مجتمع الدولة إلى دولة المجتمع.نتمنى أن يتسع الوعي السياسي في التركيبة المجتمعية في هذا الريف لنصل إلى هدفنا الأسمى حتى لا يبقى الإنسان الريفي مقهور، صوته غير مسموع، مقموع، ليس لديه أي دخل في تدبير شؤون منطقته السياسية، الثقافية، الإجتماعية، الإقتصادية..، أي أن الحل يكمن في تقرير مصير الريف من طرف الريفيين دون التبعية المفرطة للمركز الذي أعادنا قرونا إلى الوراء، فقد كنا رياديين، سواء مع تجربة مولاي موحند 1921 التي لو استمرت لكنا اليوم في قمة التقدم والإزدهار وليس في الحضيض الذي نحن فيه اليوم. أو في باقي التجارب السياسية المحلية (كونفدرالية القبائل الريفية مثلا...) وفي الختام أشكر جزيل الشكر "أكراو ن أريف" (التجمع الديموقراطي للريف) ببروكسيل الذي فتح أمامنا باب النقاش حول قضايانا المصيرية، من نحن؟ ماذا نريد؟ وإلى أين نسير؟... شكرا، تنمرت. (*)نص المداخلة التي ألقيتها في الندوة التي نظمها "اكراو ن أريف" (التجمع الديموقراطي للريف) ببروكسيل يوم 11 مارس تحت عنوان "الريف وحركة 20 فبراير". [email protected] www.fikrielazrak.tk