ليس من الصدف أن يكون هذا اليوم هو يوم للاحتفاء بالمرأة والتذكير بدورها في التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي كما التذكير بمختلف انواع الاضطهاد المادي والمعنوي. انه ليوم لم يتوان فيه الملايين من الناس عن زف آيات التبريكات والتحايا لما للجنس الانثوي من دور في التنشئة الاجتماعية! في الواقع فإن هذه المناسبة ليست استثنائية الا لكونها تشكل رمزا دلاليا مرجعيا للتأثيث للمزيد من النضالات تجاه معاناة المرأة كعضو في المجتمع بصفة عامة وتجاه علاقتها بالرجل بصفة خاصة، وإن كان هذا الامر يدل على حقيقة ظاهرة فإن هذا الامر يخفي وراءه الكثير من الوهم في جوهر المسألة. ان البروز التاريخي للنضال النسوي قد حقق الكثير من المكاسب لهن في إطار نضالهن الجذري ضد مؤسسات النظام الاجتماعي والسياسي والتقليدي والحديث، ما جعلهن يشكلن قوة ضاغطة لتغيير السياسات والقوانين التي تتخذها مؤسسات النظام الديمقراطي الليبرالي والتي لا تشكل في مضمونها سوى استجابة طفيفة في منظومة التشريعات الوضعية لتصحيح الحيف ومراعاة وضعيتهن لاعتبارات تتعلق بفوارق طبيعية بينهن وبين الجنس الذكوري وفي بعض الحالات لتصحيح وضعية عدم المساواة في الواقع، وهي التي ظلت حبيسة المستوى السياسي المتسم بالانتقائية. بيد ان هذا وان كان يشكل تراكما ايجابيا محمودا فإنه في الواقع لا يشكل إجابة على معضلة اجتماعية متأصلة بنيوية. خصوصا عندما ينظر إلى المرأة من زاوية التمييز الايجابي، والذي في حقيقته لا يشكل سوى حجابا للجهل المركب الملتبس بالمساواة بين الرجل والمرأة. الامر الذي يشكل في حقيقته اعترافا بعدم المساواة ويزيد من الاعتراف بالتمييز. بيد ان النظرة الى المرأة كجزء من النظام الاجتماعي السائد لا تتمثل في قضية علاقتها بالرجل وان كان الامر يبرز افضليات لصالح هذا الأخير، وإنما هي علاقة الإنسان بالانسان ودورهما في إطار تقسيم العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، علاقة الإنسان بالانسان في ظل محاربة الفوارق المتأصلة عموديا وافقيا، علاقة الانسان بالانسان ليس في إطار المناصفة وانما في إطار العدالة التوزيعة والاجتماعية. اننا وبهذه المناسبة يجب الا نكتفي بالتذكير بما تراكم لصالح النساء عموما وان كان هذا الامر غير مشروط، وانما بوضع ما تراكم على محك الاختبار والامتحان والتقييم، سيما وان مخرجاته لم تؤد الا الى نوع من الوهم الذي لبَّس حقيقة القضية الاجتماعية الاساسية المتعلقة بتقرير مصير الانسان السياسي والاقتصادي، في ظل نظام تسوده المساواة الحقيقية، إن ما قد يبدو في الظاهر حقيقة للعيان هي حقيقة وهمية طالما وضعية الانسان ككل وضعية تستدعي التصحيح ان لم نقل التغيير طبعا. فتحرر المرأة في المجتمع لا تنفصل عن قضية تحرر الإنسان ككل. وهذا في التحديات اكثر صعوبة، لا سيما وأن هذه المعركة معركة مزدوجة، فهي معركة ضد النظم السياسية السلطوية، الهدف منها تغيير طبيعة النظام السياسي القائم على الريع، امام غياب مشاريع لدى الطبقة السياسية التي تدعي انها الناطقة باسم الشعب، وضدا على النظام التمثيلي الذي لا يعكس في الحقيقة سوى إرادة طبقة وفئة معينة تسعى لكسب مصالحهااو الارتقاء الاجتماعي وتأبيد الوضع الاجتماعي المتفاوت. وهي معركة ثقافية تستهدف انماط الوعي السائد الذي يكرس هيمنة الثقافة الذكورية المبررة بمختلف انماط المعتقدات والتقاليد التي تجاوزها العصر والزمن، والتي ترجع أشكالالتفاوت بين الجنسين الى عوامل طبيعية او خلقية، في حين تهميشالعامل السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يشكل المحور الاساسي للتغيير في انماط السلوك المتداولة. وهذا ما يجعلنا في الواقع نعبر عن كون الدفاع عن قضايا المرأة اليوم فيها من الوهم والالتباس اكثر مما فيها من الحقيقة! د.جابر لبوع – باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية