وفي 8 مارس 1908، عادت عاملات النسيج للتظاهر من جديد، في شوارع مدينة نيويورك، مطالبات، هذه المرة، بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الاقتراع. ومنذ ذلك الحين، حيث بدأت معالم حركة نسوية تتشكل داخل الولاياتالمتحدة، تطورت المطالب لتشمل المساواة والإنصاف، ورفعت الشعارات تطالب بالحقوق السياسية، وعلى رأسها الحق في الانتخاب. غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا سنوات طويلة بعد ذلك، لأن منظمة الأممالمتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977، عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن. ومنذ تلك السنوات المبكرة، أصبح ليوم للمرأة بعده العالمي الجديد في الدول النامية والمتطورة على السواء. وساعد نمو حركة نسائية طلائعية في جعل هذا الاحتفال فرصة لحشد الدعم لحقوق المرأة، ولمشاركتها في المجالات السياسية والاقتصادية. الأممالمتحدة، هذه السنة، ترفع شعار الاحتفال لعام 2016 "الإعداد للمساواة بين الجنسين لتناصف الكوكب بحلول 2030". وبان كي مون يؤكد ضرورة "تكريس تمويل قوي لتحقيق المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، والدفاع بشجاعة عن هذا الهدف، والثبات على إرادة سياسية لا تتوانى. فإنه ليس من استثمار في مستقبلنا المشترك أعظم من هذا الاستثمار". الحركات النسائية، ومن بينها المغربية، تنخرط وتدعو إلى المزيد من الاجتهاد لتحقيق التغيير، وتحفيز الجهود الشجاعة التي تبذلها النساء، وما يضطلعن به من أدوار استثنائية في صنع تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن. لكن للرجال كلمة في حق هذا اليوم، وفي حق النساء اللواتي يقاسمن معهم ضنك العيش، وجهد التنمية، ومسؤولية تربية الأجيال الحاملة لمشعل تطور المجتمع وتقدمه. بعض هؤلاء الشخصيات حملوا لنا رأيهم بهذه المناسبة وتحدثوا عما يعنيه الثامن من مارس العالمي، بالنسبة إليهم. زهير التجاني، إعلامي: "شحذ الهمم في معركة النضال المشترك من أجل مجتمع العدل والمساواة" للتذكير، في 8 مارس 1908، انطلقت تظاهرات عارمة لعاملات النسيج بشوارع نيويورك رافعين قطع الخبز اليابس والورود، مطالبات بتحسين ظروف عملهن. وكانت هذه المسيرة استمرارا نوعيا للشرارة الأولى التي اندلعت بنفس المدينة قبل نصف قرن من ذلك التاريخ ووجهت بعنف. ولكن هذه المرة امتد لهيب الحركة النضالية النسائية إلى كل أوروبا، وما حلت سنة 1910، حتى كانت "السكرتارية الدولية للنساء الاشتراكيات" تتبنى اقتراح المناضلة الألمانية الأممية "كلارا زيتكين" بجعل يوم 8 مارس يوما عالميا للنضال النسائي. وخاضت النساء نضالات واسعة بكل الأشكال، حتى تصل سنة 1977، لتتبنى الأممالمتحدة هذا اليوم رسميا، يوما دوليا للمرأة. هذه الإحالة التاريخية أسوقها للفت الانتباه أن يوم 8 مارس، بالنسبة للحركة النسائية (مثلما فاتح ماي بالنسبة للحركة العمالية)، هو محطة نضالية لتجديد وتحيين الملفات والأسئلة، وما أكثرها في مغربنا الذي لا يحكمه الرجال كجنس، بل ثقافة ذكورية تستميت في إقصاء المرأة من دائرة الفعل وإدارة الشأن العام، بل وتعيق تفعيل ما ينص عليه الدستور حول تصفية كل مظاهر التمييز بين الجنسين... مغربنا حيث مازال تزويج القاصرات وتعنيف النساء من مظاهر الحياة "العادية"، التي لا يجرأ القانون على زجرها بما يكفي من حزم وصرامة. 8 مارس ليس فقط يوما لتبادل عبارات التقدير في حق المرأة، وتبادل القبل والورود (وإن كان هذا أمر محمود).. 8 مارس هو أكثر من ذلك، يوم لشحذ همم النساء والرجال في معركة النضال المشترك، لأجل مجتمع العدل والمساواة ادريس انفراص، أديب : "رمز لنضال المرأة للنهوض بالمجتمع والوطن" اليوم العالمي للمرأة هو إبراز لمكانة المرأة ودورها الفاعل في مجال التنمية في أبعادها المختلفة.. هو كذلك عيد أممي يرمز لنضال المرأة، ولما قدمته من تضحيات ومن أعمال للنهوض بالمجتمع وبالوطن... لذا هو فرصة ليس لتقييم إنجازات النساء، فحسب، بل والتفكير في القضايا الشائكة التي ما زلن يواجهنها، ويتخبطن فيها، وتقف حاجزا أمام تحقيق طموحاتهن وتحقيق ذواتهن، والتعبير عنها، بكل حرية، في مناخ اجتماعي وسياسي يوفر للمرأة كل الدعم وأسباب النجاح في مهامها وأعمالها... رمزية 8 مارس تتمثل في مكانة المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. هذه المكانة التي ما تزال عوائق تحول دون تحقيق المبتغى منها، لأسباب عديدة ومتعددة، ترتبط بمدى تفتح المجتمع ووعيه وثقافته، التي تحدد له رؤيته نحو مشاركة المرأة في النهوض بالبلاد، والسير به نحو التقدم. والمرأة المغربية حققت العديد من مطالبها، بفضل حضورها الواعي والناضج، ونضالها المستميت لتحقيق ذاتها في مجتمع ذكوري، ما يزال ينظر للمرأة نظرة ماضوية تتحكم فيها الكثير من الاعتبارات، منها الديني، والموروث الثقافي، الذي يتجلى في التنشئة الاجتماعية للفتاة على الطاعة والخضوع و"الحشومة"، التي لا تعني إلا انحناء الرأس وعدم طرح السؤال أمام الرجل/ الذكر، السيد، العارف، القائد والمفكر في كل شيء، بدءا بالأسرة إلى اتخاذ القرار على أعلى مستوى في المجتمع... إن النظرة الذكورية هي ما يحد، ليس فقط من نهضة اجتماعية وإقلاع اقتصادي، بل أيضا من السير بالبلد إلى الأمام، ومن التقدم، الذي تنشده المرأة، كما الرجل معا في المجتمع.. والعنف، الذي يمارس على المرأة في المجتمع، بمختلف أشكاله، هو تعبير عن النظرة الدونية للمرأة ..هذه النظرة التي تجعلها لا ترقى عن "الشيء"، الذي يجب أن يكون تحت تصرف الرجل/ الذكر كلما شاء، وأينما شاء... ويبقى 8 مارس يوما للتذكير، لمن لا يزالون يحتاجون للتذكير، بأن المرأة كاملة العضوية في المجتمع، وهي سند للرجل في الشغل وفي البيت، وفي كل مناحي الحياة، وبأن لا نهوض اجتماعي، اقتصادي، سياسي وثقافي، سيتحقق دون حضورها ومشاركتها الفعالين، وبأن لا بناء اجتماعي سيكون دون العمل على تنزيل القوانين، التي تخص النهوض بأوضاع المرأة والعمل على حماية وصيانة حقوقها العادلة والمشروعة. كم نتمنى أن يكون الثامن من مارس، الذي يزورنا مرة في السنة، "يوما" يحضر على مدى الأيام، كي يحثنا على الالتفات إلى أوضاع المرأة يوميا، والانتباه الى مكامن التقصير والخلل من لدن القائمين على الشأن العام في البلد. ولا يسعني، أخيرا، إلا أن أتمنى لكل نساء المعمور عيدا سعيدا، وكل 8 مارس وهن اللواتي يناضلن ويكافحن بصمود وقوة، لتحقيق مكانتهن المحترمة والرفيعة التي تليق بهن، وبإنسانيتهن. عبد الله بلعباس، شاعر وفنان تشكيلي: "الخطاب النسائي أضحى خطابا نخبويا لا يبارح الفضاء المؤسساتي التابع للمجتمع السياسي" ما الذي يعنيه لنا 8 مارس من كل سنة؟ أظن أنه فرصة للتفكير في وضعية المرأة، أو النساء بشكل أصح، في بلادنا، وتقييم ما تم إنجازه وما لم يتم بعد إنجازه، رغم كثرة الخطابات والشعارات المرفوعة منذ عقود، لأنه لا يكفي الحديث عن نصوص قانونية، رغم أهميتها الدستورية، مالم يتم تغيير عقلية غارقة في نظرة تمييزية تجعل من المرأة كائنا من درجة ثالثة، هذه النظرة التي أحيتها التيارات الرجعية والتقليدية في العقدين الأخيرين. فالمطلوب هو مصاحبة ما هو حقوقي وقانوني لاشتغال طويل النفس على المستوى الثقافي العام في كل المجالات، بدءا من المناهج المدرسية وعبر وسائل الإعلام، مع تنزيل برامج تنموية قريبة من النساء في وضعياتهن المختلفة، حتى لا ننتج تمييزا آخر بين نساء ونساء... لأن الخطاب النسائي الحقوقي، في شقه السياسي، أضحى خطابا نخبويا لا يبارح فضاء محدودا، وهو الفضاء المديني أو المؤسساتي التابع للمجتمع السياسي. العربي وافي، أستاذ وباحث جامعي: " تمكين النساء مسار طويل الأمد يتطلب تغييرا في العقليات والسلوكات والمواقف" ربما وجب الوقوف بدءاً عند بعض الوقائع المؤسسة، التي انبثقت كإرهاصات تاريخية تبشر بسياق جديد لوضع المرأة، مثل انعقاد المجلس العالمي للنساء، وهو أول منظمة نسوية دولية عرفت ميلادها سنة 1888. لقد دعت توصيات هذا المجلس إلى تخويل حق التصويت للمرأة، وسرعان ما سارت في ركبه منظمات أخرى في أوربا وأمريكا واليابان. كذلك ينبغي الوقوف عند حدث سيكون له شأن على المستوى الدولي، ويتعلق الأمر بالاحتفال بيوم 8 مارس كيوم عالمي للمرأة. ينبغي التذكير بأن أصول هذا الاحتفال تعود إلى حراك قادته النساء الأمريكيات في شهر فبراير سنة 1909 بقيادة اللجنة الوطنية للمرأة التابعة للحزب الاشتراكي الأمريكي. وقد تقرر خلال إحدى المظاهرات تخليد 8 مارس من كل سنة، وسيعرف هذا اليوم باسم Woman's Day. وسرعان ما ستحذو النساء الأوربيات حذو الأمريكيات بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي الثاني للنساء الاشتراكيات سنة 1910 في كوبنهاكن، الذي تقرر فيه تكريس ذلك الاحتفال في معظم دول أوربا، ثم سيتم فيما بعد تدويل هذه المناسبة على الصعيد العالمي، باسم اليوم العالمي للمرأة لتكون مناسبة للدعوة إلى تحسين وضعية المرأة والمطالبة ببعض الحقوق والتعبير عن التضامن مع النساء اللواتي يعانين الحروب وأصناف الحيف والاضطهاد المنتشرة في بقاع العالم. وسيؤدي هذا الزخم والعنفوان في نضال المجتمعات المدنية، في العالم، إلى تسجيل بعض الحقوق لصالح النساء. هكذا تم إقرار مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، والتنصيص عليه في ميثاق الأممالمتحدة سنة 1945، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948. كما سيعمل المنتظم الأممي على تأمين حماية أخلاقية واجتماعية لصالح النساء، إذ نصت مواثيق الأممالمتحدة على حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال الآخرين في الدعارة سنة 1949، وعلى اتفاقية المساواة في الأجور سنة 1951. كما أصدرت الأممالمتحدة ميثاق الحقوق السياسية للمرأة سنة 1952، وسيتوالى على المستوى الأممي مسلسل النضالات من أجل مزيد من الحقوق انعكس صداها على الحركة النسائية عبر العالم. ففي المغرب تبنى المجتمع المدني الناشئ، قضية المرأة كقضية جوهرية ما أدى به إلى التجند لبلورة وصياغة مطالب تتعلق بالحقوق الأساسية للنساء، والتعبئة لمناصرتها. كما خاضت الحركة النسائية نضالات مريرة لانتزاع بعض المكتسبات. ولعل هذا اليوم يمثل لحظة تأمل، ومراجعة للذات، لتقييم الرصيد النضالي للحركة النسائية، والقيام برسملة المكتسبات، والتطلع لأفق واعد بالمزيد. فلا شك أن تمكين النساء، وتخويلهن مزيداً من المشاركة في سلطة القرار، مسار طويل الأمد، يتطلب استواؤه تغييراً في العقليات والسلوكات والمواقف، لدى الرجال والنساء على حد سواء، كما يتطلب وعياً أكبر بقضايا النوع وانعكاساتها على أوضاع المجتمع، وهذا لا يتأتى إلا على المدى البعيد. بيد أنه لا يمكن الانتظار حتى تتم الاستجابة لكل هذه الشروط المثلى كاملة، فلربما وجب، على المدى القصير، إجلاء رؤيتنا للمستقبل وخلق الشروط الضرورية لإحقاق هذه الرؤية، وهذا يندرج ضمن جدول أعمال العدالة الاجتماعية التي يتوق إليها الكل. عبد الرحمن الغندور، فاعل جمعوي: "التراكمات إيجابية لكن ما زال أمامنا الكثير لبلوغ مستوى المجتمع العادل المنصف المتكافئ بين جنسيه" يكتسي الاحتفال باليوم العالمي للمرأة بعدا رمزيا فقط، بالنسبة لمجتمعنا. لأن قضية المرأة مطروحة على مدار الأيام، في كل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. صحيح أن مغربنا يعرف تراكمات إيجابية في معالجة مسألة المرأة، وما زال أمامه الكثير من الانتظارات والإنجازات لبلوغ مستوى المجتمع العادل، المنصف، المتكافئ بين جميع فئاته وطبقاته وجنسيه. لا تكفي الاجراءات والتدابير والتشريعات في المسألة النسائية، رغم ضرورتها وملحاحيتها، لبلوغ الغايات المنتظرة، لأنها في حاجة إلى استحضار قوي للبعد الثقافي في كل شموليته. لأن الثقافة السائدة تستبطن، بوعي ودون وعي، الهيمنة الذكورية "الباتريالكالية"، كمكون ثقافي لدى المرأة والرجل على السواء. فالكثير من النساء يفكرن، من حيث لا يشعرن، بعقلية الرجل، بنوع من الرضى و الاستسلام، معتبرين ذلك بأنه الحقيقة المقدسة لوجودهن، وهو نفس الأمر بالنسبة لغالبية الرجال. وحضور هذه الهيمنة الذكورية متجذر بين كل الشرائح الاجتماعية، سيما المحسوبين على الشريحة المتعلمة والمثقفة، وينعكس بجلاء في القناعات والقيم التي تحدد المسلكيات والأفعال وردود الأفعال. ويتلون هذا الحضور الذكوري المهيمن باحترام العادات والتقاليد، والتمسك بالدين، والانضباط للقواعد الأخلاقية... وهذا ما يجعل العديد من الإجراءات والتشريعات، العقلانية والحداثية، تصطدم بالعائق الثقافي السائد الذي يمانع ويعارض أثناء ممارستها وتطبيقها بنوع من المقاومة الباطنية أحيانا، والمعلنة أحيانا أخرى، لدى النساء والرجال على حد سواء. ولنا في مدونة الأسرة بما تحمله من إيجابيات أكبر مؤشر على أن التشريعات وحدها لا تكفي، حين نعاين الآثار الناجمة عن تطبيق هذه المدونة، التي لم تتقدم في تحقيق أهدافها، لا بسبب اختلالات في النصوص وتطبيقاتها، ولكن بسبب الممانعات الثقافية والقيمية المستبطنة في وعي ولا وعي الرجل والمرأة معا. لذلك أرى أن المسالة النسائية، في كل أبعادها، تحتاج إلى خلخلة أو ثورة ثقافية شاملة حتى تستطيع التدابير والإجراءات والتشريعات إيجاد طريقها للتطبيق، دون عوائق تشل التطور المنشود للمجتمع ككل، وهذا هو دور وسائل التحسيس والتفعيل والترسيخ لثقافة جديدة، كالإعلام، الذي ما زال يكرس دونية المرأة. وضرورة تكثيف اللقاءات التواصلية التوعوية، والعروض والندوات والمحاضرات ومحاربة الأمية، والتغلغل في البوادي والأرياف ببرامج تنموية حقيقية تربط بين تلبية الحاجات المادية وبناء وعي جديد، وهذه مسؤولية الدولة بكل مؤسساتها ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين والجمعويين.