أخنوش: صادرات قطاع الطيران تواصل مسارا تصاعديا بزيادة قدرها 20% مع نهاية شهر شتنبر الماضي    معدل نشاط السكان بجهة طنجة يتجاوز الوطني والبطالة تسجل أدنى المستويات    البحرية الملكية تُحرر سفينة شحن حاول "حراكة" تحويل وجهتها الى اسبانيا        أخنوش: التوازن التجاري يتحسن بالمغرب .. والواردات ضمن "مستويات معقولة"    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    في ظل بوادر انفراج الأزمة.. آباء طلبة الطب يدعون أبناءهم لقبول عرض الوزارة الجديد    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    مريم كرودي تنشر تجربتها في تأطير الأطفال شعراً    في مديح الرحيل وذمه أسمهان عمور تكتب «نكاية في الألم»    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.. تجسيد لأروع صور التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي لاستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    المحامون يواصلون شل المحاكم.. ومطالب للحكومة بفتح حوار ووقف ضياع حقوق المتقاضين    "أطباء القطاع" يضربون احتجاجا على مضامين مشروع قانون مالية 2025    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    الجيش المغربي يشارك في تمرين بحري متعدد الجنسيات بالساحل التونسي        متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    "العشرية السوداء" تتوج داود في فرنسا    أقدم استعمال طبي للأعشاب في العالم يكتشف بمغارة تافوغالت    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    "المعلم" تتخطى عتبة البليون مشاهدة    مدرب غلطة سراي يسقط زياش من قائمة الفريق ويبعده عن جميع المباريات    المنتخب المغربي يستعد لمواجهة الغابون ببعثة خاصة واستدعاء مفاجئ لحارس جديد    تقرير: سوق الشغل بالمغرب يسجل تراجعاً في معدل البطالة    مسار ‬تصاعدي ‬لعدد ‬السجناء ‬في ‬المغرب ‬ينذر ‬بأرقام ‬غير ‬مسبوقة ‬    مزور… الدورة الوزارية ال40 للجنة الكومسيك، مناسبة لتعزيز الاندماج الاقتصادي بين الدول الإسلامية    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    كيوسك الإثنين | "زبون سري" يرعب أصحاب الفنادق    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    ارتفاع أسعار النفط بعد تأجيل "أوبك بلس" زيادة الإنتاج    الباشكي وأيت التباع يتألقان في بلوازن    السعودية تعلن اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي    مظاهرات بمدن مغربية تطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية بغزة    الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر    تحقيق أمني بطنجة بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة في بنك المغرب    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    ابن تماسينت إبراهيم اليحياوي يناقش أطروحته للدكتوراه حول الحركات الاحتجاجية    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف " الهيئة الريفية " بين ثقل التاريخ والتباسات الزمن الراهن
نشر في شبكة دليل الريف يوم 21 - 03 - 2019


توضيح من أجل الحقيقة والتاريخ
بعد صدور كتاب " الهيئة الريفية " إبان فترة الحراك والاحتجاجات الشعبية بالريف، بمساهمة من مركز محمد بنسعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات المناضل والمقاوم الوطني الشريف والنزيه، كتب الأستاذ إسماعيل بلا وعلي في مجلة زمان عدد 53 صفحة 7 يقول : " ... أما محمد بنسعيد فينشر رصيدا ثمينا من الوثائق النادرة حول ملف ما يعرف ب "الهيئة الريفية"، من إعداد أحمد السليماني وعثمان المنصوري وعبد الرحمان زكري، وأن القارئ يستطيع إذن بفضل هذه المصادفة، تكوين صورة أكثر جلاء حول أطراف الصراع وعلاقاتها ورهاناتها، ولعل الأسئلة التي تطرح نفسها بهذا الصدد تتمحور حول موقع محمد بن عبد الكريم الخطابي من الصراع السياسيي آنئذ ؟ (= يقصد البدايات الأولى من فجر استقلال في بلادنا)، وما العلاقة بين جيش تحرير المغرب العربي الذي سعى لتكوينه قصد القتال ضد الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا، و"الهيئة الريفية" التي ينسب إليه التحريض على تشكيلها لمحاربة الفرنسيين والإسبان وحزب الاستقلال، في آن واحد؟ وهل تآمرت فعلا على العرش وخططت لإقامة جمهورية ؟ ... "
هنا تنتهي تساؤلات الأستاذ إسماعيل بلاوعلي، ومقالي الذي نشرته مجلة "الربيع" التي صدر منها العدد الأخير الثامن والتاسع في اليومين الأخيرين، دائما بإشراف ومساهمة من مركز محمد بنسعيد للأبحاث والدراسات، جاء أساسا من أجل التفاعل مع النقاش و محاولة استجلاء بعض نقط الظل العديدة وطرح " بياضات " الذاكرة ضمن مقاربة ليست شمولية بالطبع، باعتبار أن الذاكرة في كثير من الأحيان تكون انتقائية، وذلك من قبيل حقيقة وجود شيئ اسمه "الهيئة الريفية" على أرض الواقع، ومناقشة تصريحات وإفادات أحد المسؤولين الكبار في الدولة، والعامل المؤقت آنذاك على إقليم الحسيمة السيد محمد العربي الفحصي المنحدر من شمال المغرب، بخصوص أسماء الشخصيات الحقيقية المقدمة لمطالب أحداث الريف خلال سنتي 1958 / 1959 ، وكذلك كشفه باعتباره رجل مسؤول في الدولة عن أسماء من النخبة الريفية التي تم احتجازها مؤقتا خلال هذه الأحداث، وكذلك المسارات والمواقف الحقيقية لكل من - المقاوم والمناضل حدو أقشيش والزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي - من رموز السيادة الوطنية والأحزاب المغربية(= تحديدا حزب الاستقلال) ومؤسسة القوات المسلحة الملكية ... وغيرها من حقائق التاريخ التي أصبحت في عداد الماضي والتي نستحضرها في هذه العجالة المرتبطة بظرفية معينة، أملا في إنارة الحاضر وفهم موضوعي لطبيعة تلك الوقائع، وبما يخدم مصلحتنا المشتركة كمغاربة نتطلع نحو بناء مستقبل جديد قوامه التلاحم المفضي إلى مزيد من النماء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يكرس وحدتنا الوطنية ويرتقي بمصلحة ومصير شبابنا والأجيال الراهنة والقادمة .
ملف " الهيئة الريفية " بين ثقل التاريخ والتباسات الزمن الراهن
في زمن متساوق وفي موضوع حمل العديد من التقاسيم والمعالم المشتركة في جوهر مضمونه، صدر إلى المكتبات الطبعة الأولى من مذكرات المقاوم والمناضل السيد الهاشمي الطود، تحت عنوان : "خيار الكفاح المسلح – حوار سيرة ذاتية " وهو العمل الذي سهر على إعداده الأستاذ أسامة الزكاري منذ ما ينيف عن سنة من التاريخ الذي انتقل فيه إلى رحمة الله صاحب المذكرات الهاشمي الطود، وإثر هذه الخطوة العلمية المتميزة التي بالكاد تجاوزت الشهرين وأسابيع معدودة، وعلى نفس النهج والمنوال وشم البحث التاريخي في بلادنا بميسم متألق تمثل هذه المرة في الخطوة المعرفية الجريئة التي أقدم عليها مركز محمد بنسعيد آيت إيدر للأبحاث والدراسات بشأن اشتغاله وتهييئه لملف وثائقي شائك بالغ الحساسية تتعلق الحلقة الأولى من سلسلة إصداره بمؤلف " الهيئة الريفية " الذي وضع مقدمته المناضل محمد بنسعيد آيت يدر، وقام بإعداد الملف وتنسيق فقراته ومراجعة مضامينه كل من الباحثين المقتدرين والأساتذة الأجلاء : أحمد السليماني، عثمان المنصوري، وعبد الرحمان زكري .
1 – جدل بخصوص نشأة الهيئة الريفية وثنائية السياسي/ والمقاوم :
كتاب " الهيئة الريفية " من الحجم المتوسط، تتضمن محتوياته رسائل تاريخية، محاضر استنطاق وتقارير استخباراتية ومختلفات في الختام تتضمن شهادة لأحد الشخصيات من المسؤولين المغاربة على رأس عمالة إقليم الحسيمة مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956 ، وهي الشهادة التي تقتضي قواعد البحث التاريخي وآلياته الأكاديمية التوقف عندها بنوع من التمحيص والتدقيق خدمة للحقيقة وتمتينا لأسس البحث الموضوعي، نظرا لكون الكتاب يسلط الضوء بالخصوص على تاريخ الزمن الراهن والمعاصر الذي يعتبر تأسيسا جديدا في مجال البحث التاريخي، إذ ينكب على تدارس محطات بالغة التعقيد من تاريخ المغرب الذي تزامن مع المنتصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين المنصرم، في ارتباطه المتلاحم مع علائم فارقة من التحولات السياسية التي عرفتها بلادنا منذ مطلع التسعينيات تمثلت بالتحديد في الانفراج السياسي والحقوقي وإحداث كل من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة .
لذلك نجد أن كتاب " الهيئة الريفية " موضوع بحثنا في هذا المقال، يسرد من خلال مكوناته ويعدد أهم المنظمات التي كانت تابعة لحزب الشورى والاستقلال ليحصرها في كل من الهيئة الريفية، ومغرب الغد، وإخوان الصفى، صوت النار، والهلال الأسود، وقد ورد في وثيقة التقرير الذي صرح به إبراهيم بن عبد الله الوزاني والذي خطه بيده الإشارة الصريحة التي اقترح فيها إلغاء إسم " الهيئة الريفية "، لكون هذا الأخير لا يتفق مع المصلحة الوطنية ولا مع مصلحة الحزب، غير أنه وجد معارضة شديدة من طرف بعض أعضاء مكتب الهيئة مثل بن الفقيه وعبد الكريم الحاتمي إبن أخت محمد بن عبد الكريم الخطابي، وكانت حجتهم أن الهيئة لا يمكن إلغاؤها إلا بإذن خاص صادر عن الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال الأستاذ محمد الحسن الوزاني، باعتبار أن هذا الأخير هو الذي وافق على تأسيس الهيئة الريفية في إطار صراع حزبه العنيف والحاد مع حزب الاستقلال، وبما أن السيد الوزاني مجرد عضو أو مندوب فإنه على حد تعبيره لا يمتلك حق الالتجاء إلى حلها (1 ) .
بالإضافة إلى التناول المستفيض في الهيكلة التنظيمية للهيئة الريفية وفروعها المكتبية المنتشرة في مختلف جهات المغرب وبموازاة مع ذكر نماذج إسمية من قيادتها العليا التي تباشر تسيير أمورها، فإن وثائق المؤلف من جهة أخرى تطرح مسألة من الأهمية بمكان تتعلق بالمستوى الثقافي والدراسي لأعضاء الهيئة ومكانتهم الاجتماعية التي وصفت بكونها عادية جدا(2 )، إذ لم يكونوا ذا مركز اجتماعي يرقى بهم إلى مستوى أن يصبحوا فيه من أولي صيت ذائع في أوساطهم الاجتماعية، أو على الأقل ممن تمكنوا من الإحراز على قسط علمي يؤهلهم عن جدارة للخوض في الشؤون السياسية العامة بكل استحقاق، وهذا يحيلنا بالطبع على طبيعة النقاش الذي احتدم أواره آنذاك خلال تلك الفترة المبكرة التي رافقت استقلال المغرب، بحيث يتعلق الأمر بالعلاقة القائمة بين ثنائي المقاوم العادي والسياسي المثقف .
وبصيغة أخرى الامتدادات والتداخلات القائمة بين الفعل الثقافي السياسي وبين العمل المسلح بشمال المغرب(3)، خاصة وأن حزب الإصلاح الوطني الذي تأسس سنة 1936 بالمنطقة الخليفية بتطوان تحت قيادة الزعيم الوطني عبد الخالق الطريس الذي كان يعبر عن شريحة مهمة من النخبة المثقفة المغربية، قد لعب دورا أساسيا في العمل المسلح، كما أن عددا محدود جدا من هؤلاء المقاومين البسطاء ارتقوا اجتماعيا دون أن يسمح لهم ذلك بالمشاركة في المفاوضات السياسية الكبرى التي همت مصير البلد واستقلاله، وفي هذا تأكيد للدور التكاملي بين المقاوم والسياسي،وإن كانت الأفضلية تبقى دوما من نصيب هذا الأخير، ولعل مما يعزز من مسار هذا المنحى البعثة الطلابية الحسنية إلى مصر سنة 1938 ، والتي ضمت أربعين طالبا ينحدرون من مختلف جهات المنطقة الخليفية، ومعظمهم عاد إلى المغرب في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين وهم يحملون شهادات جامعية عليا أتاحت لهم إمكانية الاضطلاع بمهام التدريس في الثانويات التعليمية الموجودة بالحسيمة والعرائش وتطوان، بينما اتجهت نخبة مهمة منهم نحو تأسيس هيئة سياسية سميت ب " المغرب الحر " تدرجوا على ممارسة المهام السياسية في قياداتها ومكاتبها الفرعية (4 ).
2 – إضاءة حول مدى واقعية ووجود الهيئة الريفية من عدمها :
مهما يكن الأمر، وبغض النظر عن طبيعة الاتهامات المتبادلة والعلاقة المتوترة جدا في فجر الاستقلال والحرية بين الهيئة الريفية المنضوية في إطار حزب الشورى وبين حزب الاستقلال، بحيث يتعلق الأمر بتصوراتهم الاستراتيجية المتباينة في جملة من القضايا الوطنية المتعلقة بمصلحة البلد، فهناك من يجنح إلى القول بكون " الهيئة الريفية " موجودة فقط في الرواية الأمنية من خلال بعض وثائق الساتيام" بالدار البيضاء، ولم يسبق للشوريين تبنيها أوحتى الحديث عنها(5 )، في الوقت الذي تصر فيه أطراف أخرى على التأكيد أن "الهيئة الريفية" لم تكن مجرد اختراع تم اختلاقه في "الساتيام" بل كانت شبكة حقيقية في الواقع لها تنظيم وأسلحة ومناشير، والجدير بالذكر وجود من يعزز الطرح الأول من الباحثين من قبيل المرحوم الأستاذ محمد العربي المساري الذي أكد على أن اختفاء الحزبين الرئيسيين حزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة المغربية بشمال المغرب خلال هذه الفترة ترك فراغا ملحوظا وحقيقيا، أما الأشياء الأخرى فقد أنشأتها الإدارة لتحفيز الناس على القيام بأدوار قصد التموقع في المشهد السياسي وكذلك لتمييع العمل السياسي، ومن ذلك خلق تجمع سمي بحزب الريافة (= الهيئة الريفية )، أو حزب الإصلاح الديني، إن هي إلا أسماء سميتموها، أي تجمعات ليس لها مقابل في أرض الواقع(6 ) .
إن وجود مثل هذه الظلال المعتمة المسيجة بمساحات من اللبس والتفاعلات غير الواضحة هو الذي قاد فريق هيئة الإنصاف والمصالحة، أن يتريث في الخروج باستنتاجات حاسمة ونهائية، عن هذه المرحلة الهامة من تاريخ الريف بالخصوص المتموقع كركن أساسي ضمن الحلقات المبلورة لمسرح الأحداث بشمال المغرب، وأن يوصي في المقابل بإحداث معهد تاريخي مختص يضع على عاتقه التوجه مستقبلا نحو التعمق في دراسة تاريخ المنطقة، كما أن هناك من يطرح سؤالا كبيرا بشأن واقع تواري الحزبين الكبيرين يقوم بالأساس على فرضية الخوف من إمكانية وجود أحزاب جهوية لدينا غداة الاستقلال(7 )، وهي الإشكالية أو الفرضية التي تفندها قضية اندماج الأحزاب الصغرى في الكبرى، كاندماج حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال سنة 1956 وكذلك حزب المغرب الحر في حزب الشورى والاستقلال .
وذلك من جوهر موضوعي، منطلقه كون الحركة الوطنية في الشمال كانت حركة وطنية حقيقية وصادقة، عملت أساسا من أجل العرش، ومن أجل المغرب، ومن أجل وحدة المنطقة الخليفية مع المنطقة السلطانية وعدم القبول بأي استقلال مجزأ على حساب تلك الوحدة الوطنية الحقيقية والمكتملة، وتجسيدا لهذا الهدف الوطني الراسخ على أرض الواقع، فقد بادر الأعضاء المنتمون لحزب المغرب الحر ومعظمهم درس في القاهرة وتجمع أغلبهم علاقات مع محمد بن عبد الكريم الخطابي، بادروا إلى الاندماج في حزب الشورى والاستقلال، وهي الوحدة التي دعمها كل من الأستاذ الشيخ محمد المكي الناصري عبر حزب الوحدة المغربية، وحركة الأستاذ عبد الخالق الطريس وجماعته من النخبة التي قادت معه أسس الحركة الإصلاحية(8 )، إلى درجة أنه من الخصوصيات التي ميزت الحركة الوطنية في الشمال، ربط نضالها الذي كانت تقرن فيه تحقيق الاستقلال بشرط الوحدة واستكمال مسار السيادة الوطنية على جميع المناطق التي جزأها الاستعمار(9 ).
3 – الهيئة الريفية وحقيقة تأسيس جيش التحرير المغربي :
من جانب آخر، فإن مؤلف "الهيئة الريفية" يؤكد مسألة نشوء جيش التحرير بالشمال في ارتباطه الجدلي مع انطلاق وتجذر هذا الأخير في مناطق معينة من المغرب، وقد أكد واقع الأمر هذا المرحوم الهاشمي الطود في أكثر من مناسبة، فقد استعرض في أحد الندوات التي عقدها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب بعضا من حيثيات وظروف تأسيس جيش التحرير، محيطا تدخله هذا بحرصه الكبير على وضع الوقائع التاريخية في إطارها الحقيقي والطبيعي، ولذلك أفاد الحضور من الباحثين والمهتمين بأن جيش التحرير كانت المنطقة السلطانية هي أول من احتضن نشأته وليست المنطقة الخليفية، ذاكرا أهم القبائل المساهمة في نشأته داخل هذا المجال الجغرافي مثل كزناية، مطالسة، بني بويحي، بني وراين، ومغراوة، وعلى أيدي أشخاص معظمهم حارب مع محمد بن عبد الكريم الخطابي(10 ) .
ونجد التأكيد الكامل لهذا المنحى الذي رسمه معالمه الطود في كل من مذكرات عبد العزيز أقضاض الدوائري التي أعدها وقدم لها الأستاذ محمد لخواجة، وكذلك في مذكرات عبد الرحمان عبد الله الصنهاجي وغيرها من المذكرات الأخرى، لكن المرحوم الهاشمي الطود سرعان ما يعود في مذكراته " خيار الكفاح المسلح " التي صدرت مؤخرا خلال مطلع 2018، لينفي وجود أي جيش للتحرير، متحديا كل من يقول بعكس ذلك، إنه جيش التحرير الذي لم يطلق ولو رصاصة واحدة، أنشأته ثلة محدودة من اللاجئين بالمنطقة الإسبانية، كان هدفه الأساسي على حد تعبيره عرقلة عمل جيش التحرير "الآخر" والحقيقي الذي كان الخطابي يشرف على إطلاق عمله من مدينة القاهرة(11 ) .
في سياق استرسالنا حول مناقشة الموقع الذي يشغله جيش التحرير ضمن كتاب " الهيئة الريفية " مما يشكل سبرا لأغواره ووضعا لأهم مضامينه الجوهرية على المحك، يمكننا الوقوف عند بعض الدراسات الأجنبية التي تطرقت إلى المقاومة في المدن والبوادي، مقسمة قادة المقاومين إلى مجموعتين، إحداهما خاضعة للطبقة المثقفة من بورجوازية المدن " الانتلجنتسيا " مكلفة بالبحث عن الأسلحة والتمويل والدعم الخارجي، والثانية هيمنت عليها عناصر قروية، وهي مكلفة بتدريب فرق الفدائيين، وتنفيذ العمليات الفدائية والعسكرية(12 )، أو بصيغة أخرى مجموعة مدينة تطوان ومجموعة المركز العسكري بالناظور، وهي التسمية التي أطلقها المؤرخ زكي مبارك في كتابه القيم "محمد الخامس وابن عبد الكريم الخطابي وإشكالية استقلال المغرب"
وإن كان الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قد حاول أن يوازن في موقفه التاريخي ويعطي لكل ذي حق حقه، وذلك حينما عرج في أحد فصول مذكراته للحديث عن ما أسماه بمكونات جيش التحرير، جمع في تشكيلتها بين أعضاء وعناصر المقاومة الذين اكتشف أمرهم من طرف السلطات الفرنسية، والتحقوا بالشمال حتى لا يتعرضوا للاعتقال، وبين العناصر التي أشرف على استقطابها الأمير محمد بن عبد الكريم في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، والتي تم تكوينها عسكريا من طرف الجيوش العربية المصرية، العراقية والسورية، وكان هدف الزعيم الخطابي هو إنشاء جيش مغاربي لتحرير فلسطين، بموازاة مع العناصر الذين تم تدريبهم إما في جبال الأطلس أو الريف الذين أشرف على تكوينهم قيادة من جيش التحرير بمساعدة خبراء كانوا في الجيش الفرنسي أو الإسباني من بينهم المرحوم عبد القادر بوزار ...(13 ) .
4 – الاختفاء القسري بشمال المغرب على ضوء شذرات من ملف الهيئة الريفية :
أيضا عالجت نصوص " الهيئة الريفية " ملف حقوقي يتعلق بلائحة من المختطفين مجهولي المصير الذين تمت تصفيتهم جسديا أثناء البدايات الأولى للاستقلال، ويندرج هذا السلوك في عداد الاختفاء القسري الذي يعد من أخطر الجرائم الحقوقية، وعلى رأس هؤلاء ترد حالة المناضل حدو أقشيش، إذ للمرة الأولي تستفيض وثائق كتاب صادر عن مركز مغربي للأبحاث والدراسات في حديثها عن شخصية حدو عبد السلام محمد النولقاضي (أقشيش)، وعن دوره المحوري والحيوي في الوقت ذاته بمنطقة الشمال، وعن شبكة علاقاته وطبيعة تحركاته داخل بلده المغرب وخارجه، وكيف أنه لم يفوت أي مناسبة وإلا وقد اغتنمها كفرصة ليجهر أمام الملأ بضرورة طاعة شخصيتين وطنيتين الملك محمد الخامس والزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، كما نجد في تقارير ومحاضر المؤلف الوثائقية عرض دقيق لمناقب حدو أقشيش وحتى لبعض من مثالبه، وكيف أن عبد الكريم الحاتمي كان يود أن يخبر خاله عبد الكريم الخطابي بالقاهرة أن أقشيش يضره أكثر مما ينفعه بسبب جرأته الحادة التي تخرج أحيانا عما هو متواضع عليه لدى العموم(14 )، وكيف أن تلك الصفات القدحية التي تنتقص من شخصية أقشيش وأخلاقه القويمة تحفظ عليها أحد مجايليه من رجال التربية ممن عايش تلك الحقبة والذي لا يزال على قيد الحياة، ولم يزد ابن قريته الأصلية هذا على إقراره في شهادته أن الرجل بالفعل كان ذا جرأة نادرة .
باستثناء مسألة واحدة، فقد سكتت عنها الوثائق المرجعية للكتاب وهي المتعلقة بقضية اختطاف وتصفية حدو أقشيش، والتي حصل فيها تضارب واضح بين الرواية المحلية التي تؤكد واقعة الاختطاف بمسقط رأسه ب "تماسينت " المنضوية في إطار التقطيع الترابي لإقليم الحسيمة، وفي اختلاف صارخ عما أورده المرحوم الهاشمي الطود في مذكراته التي أكد فيها مسألة الاختطاف بمجرد أن وطأت قدماه التراب المغربي بمدينة طنجة بعد رجوعه من القاهرة، رفقة كل من المناضلين الجزائريين، محمد إبراهيم القاضي، شباطة تركي سعيد، وأحمد بربر(15 )، ومنذ حصول حادث الاختطاف هذا لم يظهر لهم أثر إلى اليوم، وقد نشرت في هذا الصدد الصحافة الوطنية على هامش انطلاق أشغال "هيئة الإنصاف والمصالحة" تفاصيل من التقرير الذي توصل به الزعيم الخطابي من الأستاذ محمد بن الحسن الوزني بشأن الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات التي عرفتها هذه المرحلة، والتي أصبحت متداولة، وفي حوزة معظم المشتغلين بالمجال الحقوقي في بلادنا .
5 – حول حقيقة بعض الرسائل والمواقف المنسوبة للخطابي :
يتضمن كتاب "الهيئة الريفية" أيضا إشارة ذكية وهامة إلى بعض التصريحات المختلقة، والمواقف التي تنسب تعسفا لشخص محمد بن عبد الكريم الخطابي، وبالضبط من خلال بعض رسائله المزورة(16 )، نموذج ذلك مثلا الواقعة التي اصطلح عليها تاريخيا ب " بيان الشعب المغربي"وهو عبارة عن منشور صدر في الثاني من يوليوز سنة 1956 ، والذي يتهجم في مضمونه على استقلال المغرب، ويزري فيه باللائمة المقذعة على حزب الاستقلال، وهو الأمر الذي استهجنه المقاوم الغالي العراقي واعتبره مجرد افتراء وادعاء يصعب أخذه على محمل الجد، قياسا إلى درجة الأخلاق الرفيعة المستوى التي كان ينهل من معينها الخطابي(17 )، والتربية المثلى التي درج على تشربها في مهيع صباه، وارتوى بقيمها المثلى في محيطه الأسري، وإثرها برحاب جامعة القرويين عندما اشتد طوقه وأصبح يافعا في مقتبل العمر ، فكيف يعقل والحالة هذه أن ينغمس في مستنقع من هذا القبيل، صحيح فهو يؤمن بحرية النقد والجدل القائم على مقارعة الفكرة ودحضها بنقيضها، ولكنه يترفع عن أساليب السب والشتم التي تسيطر على طبائع السفهاء، وعندما لا يرغب في استقبال شخص بمنزله يعتذر عن ذلك بأسلوب كيس لبق، فهو منزه عن سلوكات التجريح والقذف، ولا داعي للاستطراد في موضوع لن يأخذ منا أكثر مما يستحق .
6 – بصدد مناقشة شهادة هامة عن أحداث 58 / 59 ، أدلى بها مسؤول سابق في الدولة :
حري بنا، أن نتوقف في المقابل عند الشهادة التي تضمنتها وثائق الهيئة الريفية في خاتمة الكتاب، والتي تقدم بها السيد محمد العربي الفحصي العامل المؤقت السابق على إقليم الحسيمة خلال أحداث 1958 / 1959، وهو ينحدر من منطقة شمال المغرب، بيد أن شهادته تستلزم نوعا من التمعن والتنقيب الدقيق، باعتبارها تشكل وثيقة مستوحاة من عين المكان، صدرت عن رجل كان يتقلد زمام المسؤولية بالموقع المعني بهذه الأحداث، خاصة عندما أكد أن أعضاء الوفد المنتدبين لتقديم مطالب الانتفاضة بالرباط هم من تطوان وأعضاء بارزين في حزب الشورى والاستقلال، وذكر من الشخصيات المقترحة الأسماء التالية : العربي الخطابي، وأبو طاهر اليطصفي، وحسن المصمودي وغيرهم، وهي الأسماء التي رفضها آنذاك وزير الدفاع السيد اليزيدي على أساس أنهم ليسوا من المعنيين الذين اعتصموا بالجبل(18)
في المقابل نجد في الدراسة الميدانية والتاريخية التي أنجزها عن المنطقة الأنتروبولوجي الأمريكي "دايفيد هارت " الذي بدأ العيش بين أهالي المنطقة بالريف المغربي منذ مطلع الخمسينيات إلى غاية النصف الثاني من السبعينيات، نجد في مشروعه المعرفي والعلمي ذكر صريح لتقديم برنامج المطالب الريفية التي سلمت بشكل فعلي للمغفور له الملك محمد الخامس في الرباط يوم 11 نونبر1958 من طرف محمد ن ارحاج سلام أمزيان، رفقة ورياغليين آخرين هما عبد الصادق شراط الخطابي، ورشيد الخطابي نجل امحمد شقيق محمد بن عبد الكريم الخطابي، وإن كانت مشاركة هذين الأخيرين غير مؤكدة بناء على الإضافات التي وضعها على الهامش المترجمون لأعمال السوسيولوجي الأمريكي "دايفيد مونتكومري هارت"(19)، وهو نفس الاستنتاج الذي استخلصه الباحث المغربي مصطفى أعراب في أحد دراساته المعروفة عن الريف المغربي(20 )، مركزا على أن وثيقة المطالب الثمانية عشرة إنما قدمت إلى أعلى سلطة في البلاد حصرا بواسطة محمد الحاج سلام أمزيان، وهي المطالب التي تبدأ بالعمل على إجلاء جميع القوات الأجنبية عن المغرب، وتنتهي بإعادة فتح ثانوية أبي يعقوب البادسي بالحسيمة التي أغلقت بعد أحداث 58 / 59 .
جدير بالذكر أيضا أن الشهادة نفسها لمحمد العربي الفحصي تضمنت الإشارة إلى الأزمة المستفحلة في ذلك التاريخ، بمعنى ابتداء من سنة 1959، وهو التاريخ الذي يحيل أنه لم يكن قد تم بعد إدماج شمال المغرب في جنوبه، فكان في الشمال جيش خليفة السلطان، وفي الجنوب الجيش الملكي، لذلك تقرر إيفاد وحدتين من الجيش الملكي إلى نواحي الحسيمة(21 )، لتصل نسبة مشاركة الجيش في إخماد هذه الأحداث أكثر من الثلثين حسب ما أورده في إحدى دراساته الأستاذ الباحث محمد شقير(22 )، ونسجل في هذا السياق أن صاحب هذه الشهادة قد انتقد ما ورد في كتاب " البيان والبرهان " للأستاذ الغالي العراقي أحد مؤسسي جيش التحرير المغربي والعامل السابق بعد الاستقلال على جهة فاس، وبلهجة فيها نوع من عدم القبول والرضا بهذا الجزء من نتائج بحثه، وبالضبط في الصفحة 320 من مؤلف الغالي العراقي، وتحديدا في فقرة " طريقة تدخل الجيش لإخماد هذه الحوادث والآليات القمعية التي استعملها وما خلفه ذلك لدى المواطنين بالمنطقة من جروح عميقة لا تزال عالقة بالأذهان"، بالطبع هناك تنصيص من طرف باحث أجنبي، "بيير فيرموريين " حتى على عدد الضحايا من القتلى بالخصوص في هذه الأحداث(23 )، ولكنها تبقى مجرد إحصاءات متأسسة على تقديرات اقتضتها طبيعة الدراسة المنجزة، إذ لا مناص من الدولة، فهي الجهة الوحيدة المؤهلة للخوض في الموضوع والكشف عن الحقيقة بناء على ما يتوفر لديها من دور الأرشيف ولجن الحقيقة والتاريخ وحتى مؤسسات الوساطة ومعاهد للبحث في ثقافة وتاريخ المغرب، إضافة إلى مراكز وأجهزة أخرى .
معلوم أن تاريخنا الوطني المشترك تحفل صفحاته بالأمجاد المشرقة، ولكن هذا لا ينبغي أن ينسينا الوجه الآخر الذي يسم الذاكرة الجماعية المشتركة للمغاربة، فالصراع الحزبي السياسي وكذلك الصراع على مراكز المسؤولية في السلطة وعلى مشروعية المقاومة أفضى جميعه إلى تلك الأحداث الكبرى التي عرفتها بعض المناطق في المغرب، وفي نفس الوقت لنشأة المعتقلات السرية سواء القسم السابع (الساتيام) بالدار البيضاء أو ملحقته " دار بريشة " بتطوان، أما بالنسبة للمسؤولية فإنه من الصعوبة بمكان تحميلها لجهة معينة، ومن أجل الحقيقة حتى وإن كانت نسبية، نجد أن محمد العربي الفحصي باعتباره شغل مناصب هامة في وزارة الداخلية خلال عهد السيد حدو الشيكر سواء كعامل مدني بالحسيمة أو كعضو مسؤول في ديوان الداخلية بالرباط .
نلفيه يصرح في شهادته – أخذا بعين الاعتبار درجة مسؤوليته في الدولة في ذلك الحين- أن العامل العسكري السابق على إقليم الحسيمة محمد منصور قد احتجز في سجن أجدير السري بالحسيمة أربعة من شخصيات المنطقة، وهم القاضي والعالم السيد المسناوي، الشريف محمد العربي الوزاني، والشريف الإدريسي صاحب مكتبة بالحسيمة، ومحمد بودرة(24 )، وكان المحتجون في أحداث 58 / 59 يطالبون بضرورة إطلاق سراحهم، خلافا للباحث الفرنسي " ريمي لوفو Rémy Leveau " الذي لم يفلح إلا في تقديم اسم واحد من ضحايا هذه المرحلة المبكرة من تاريخ المغرب الحاضر الذي أعقب انتهاء عهد الحجر والحماية، متمثلا في سليل الزاوية الوزانية الشريف المرحوم السيد عبد العزيز الوزاني الذي كان ينتمي إلى جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (25 )، ومن هنا يتضح لنا مدى الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه الدولة وحدها نظرا للإمكانيات الكبيرة المتوفرة لديها في الكشف عن أهم تفاصيل وخيوط هذه المرحلة، وعن مدى حجم التداعيات المؤلمة المترتبة عنها، مع يطبع ذلك من التوجه إلى التطلع الدائم نحو المستقبل، وتوفير أجواء النزاهة والشفافية لإنجاح أشغال و أوراش تنمية حقيقية ومستدامة بالبلاد .
على سبيل الختم :
إن صدور كتاب " الهيئة الريفية " في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الريف المغربي في ظل أجواء مخلفات الحراك، لهو مدعاة لتطارح العديد من الأسئلة، وفي نفس الوقت التنويه بمؤلف يكشف عن مستجدات قلما تمت إثارتها أو الانتباه إليها، من قبيل أن عباس المسعدي اغتيل في الوقت الذي كان يستعد للالتحاق بصفوف القوات المسلحة الملكية، كما أن الزعيم الخطابي لم يمنع أحدا قط من الالتحاق بالجيش الملكي، والدليل على ذلك نموذج انتساب السيد الهاشمي الطود المقرب من الخطابي بالقاهرة، والقطب البارز في تأسيس جيش التحرير المغاربي، انتسابه الكامل إلى هذه القوات العتيدة التي تدرج في مراتب المسؤولية داخلها، فمن قاض للتحقيق بالمحكمة العسكرية، إلى درجة كومندار وأستاذا بالأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس التي كان لها الفضل في تخرج العديد من القيادات العسكرية السامية بالمغرب .
والوثائق التي تم اعتمادها في ثنايا الكتاب لتوضيح الكثير من الحقائق هي في أغلبها عبارة عن رسائل، شهادات، أو تقارير ومحاضر استنطاق قد تكون منتزعة وتم تدوين فقراتها تحت طائل من الإكراه، مما يجعلنا نعلق كبير الأمل في أن تكون عاكسة عن حق لطبيعة المرحلة، وناطقة بالموضوعية حتى وإن كانت نسبية، فالوثائق المكتوبة والمرموزة ذات الصلة بنشاط الهيآت الوطنية بشمال المملكة من سنة 1936 إلى سنة 1956 يفوق عددها 500000 وثيقة يوجد منها بخزانة آل بنونة نحو 10000 والباقي بحوزة عائلة المرحوم المؤرخ الأستاذ محمد بن عزوز حكيم بتطوان(26 )، مما يجعلنا نجزم بأن المنطقة الخليفية خلال الفترة المذكورة زاوجت بين العمل المسلح والعمل السياسي اللذان ساهما بشكل كبير في حصول المغرب على استقلاله .
وفي هذا تفنيد للمقولة المعروفة التي تجعل من حزب الاستقلال حزب السياسيين ومن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حزب القواعد المقاومة، في مقابل ثنائية حزب الإصلاح الوطني المقاوم وحزب الشورى والاستقلال المحتضن للسياسيين بشمال المغرب، مع أن الأدوار بينهما تكاملية في العمل الوطني وليس هناك من مبرر لترجيح كفة طرف عن الآخر فهما سيان في التضحية وفي افتدائهم للوطن، وكان من التبعات السلبية لتفضيل السياسيين اندلاع أحداث 1958 بالريف وانشقاق جناح حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال(27 ) .
وقطعا لدابر هذا الوضع الشائك فقد عالجت الدولة الأمر بحكمة رصينة خاصة بعد أحداث 3 مارس 1973 والتحولات التي عرفها حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قطع مع مسألة الازدواجية وتشبث بوضوح كامل بالنضال الديمقراطي وبآليات المؤسسات الدستورية، وكان من مخرجات هذا التدبير الحكيم إحداث المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير التي احتضنت جميع الاتجاهات والمشارب المساهمة في تحرير الوطن، وليس أدل من ذلك وجود أحد قادة جيوش تحرير المغرب العربي الأستاذ محمد حمادي العزيز داخل هذه المؤسسة الوطنية، والذي عمل كنائب إقليمي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى أن أحيل على التقاعد .
هوامش :
1- "الهيئة الريفية" منشورات مركز محمد بنسعيد آيت يدر للأبحاث والدراسات ملف وثائقي، إعداد وتنسيق ومراجعة: أحمد السليماني،عثمان المنصوري، عبد الرحمن زكري، الطبعة 1- 2018، أوميكا كرافيك ، ص: 63 .
2- "الهيئة الريفية" نفس المرجع، ص : 63 .
3- عبد الرحيم برادة"الحركة الوطنية في الشمال وتداعيات أزمة العرش" أعمال ندوة5 – 6 أبريل 2008 ،منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب،مطبعة المعارف الجديدة-الرباط،ط 1 سنة 2014 - ص : 11 .
4- الهاشمي الطود"منطقة الشمال المغربي ومشروع الثورة المغاربية" نفس المرجع، ص : 24 .
5- الحسين الصغير"لماذا تقاتل المغاربة بعد الاستقلال" مجلة"زمان" المغرب كما كان،عدد38 دجنبر2016 ، ص : 33 .
6- محمد العربي المساري،أعمال ندوة5- 6 أبريل 2008 "شمال المغرب إبان فترة الحماية وبداية عهد الاستقلال" مرجع سابق- ص : 175 .
7- محمد معروف الدفالي، نفس المرجع، ص : 36 .
8- محمد معروف الدفالي، نفس المرجع، ص : 36 .
9- بوبكر بوهادي"الحركة الوطنية بالشمال: خصوصية الوضع وأهمية الصلات" نفس المرحع،ص: 4 .
10 -الهاشمي الطود، أعمال ندوة 5 -6 أبريل 2008 ، مرجع سابق،ص ص 187 -188 .
11 – مذكرات الهاشمي الطود"خيار الكفاح المسلح" إعداد أسامة الزكاري،ط1 سنة2018 ،طباعة سليكي أخوين طنجة،ص: 287 .
12 – جون واتر بوري"أمير المؤنين،الملكية والنخبة السياسية المغربية"ترجمة عبد الغني أبو العزم،عبد الأحد السبتي،عبد اللطيف الفلق،ط3سنة2013 ،مؤسسة الغني،ص ص272 -273 .
13 – عبد الرحمان اليوسفي"أحاديث في ما جرى، شذرات من سيرتي كما رويتها لبودرقة"إعداد امبارك بودرقة، ط1 سنة2018 دار النشر المغربية عين السبع الدار البيضاء ص ص 69 – 70 .
14 – "الهيئة الريفية" ملف وثائقي، مرجع سابق، ص : 153 .
15 – مذكرات الهاشمي الطود"خيار الكفاح المسلح، حوار سيرة ذاتية" مرجع سابق،ص: 299.
16 – " الهيئة الريفية" مرجع سابق، ص : 130 .
17 – الغالي العراقي" أعمال ندوة 5-6 إبريل 2008 ، مرجع سابق،ص : 190 .
18 – "الهيئة الريفية" ملف وثائقي، مرجع سابق،ص : 239 .
19 – دايفيد مونتكومري هارت"أيت ورياغر،قبيلة من الريف المغربي"ترجمة تقديم وتعليق: محمد أونيا عبد المجيد العزوزي عبد الحميد الرايس،ج2 – ص ص: 818 – 819 .
20 – مصطفى أعراب"الريف:بين القصر،جيش التحري،وحزب الاستقلال"طبعة2 ، مطبعة كوثر،منشورات اختلاف 13، ص: 89 .
21 – "الهيئة الريفية" ملف وثائقي،مرجع سابق، ص : 239 .
22 – محمد شقير"المؤسسة العسكرية بالمغرب، من القبلية إلى العصرنة"أفريقيا الشرق المغرب 2008 ،ص : 209 .
23 – بييرفيرموريين"تاريخ المغرب منذ الاستقلال"ترجمة عبد الرحيم حزل، أفريقيا الشرق2010،ص: 55 .
24 – "الهيئة الريفية" ملف وثائقي، مرجع سابق: 237 .
25 – ريمي لوفو"الفلاح المغربي المدافع عن العرش"ترجمة محمد بن الشيخ،مراجعة عبد اللطيف حسني،ط1 سنة 2011 ، المؤسسة الوطنية للعلوم،منشورات وجهة نظر2،ص ص : 125 -126 .
26 – أبوبكر بنونة"المقاومة السياسية: الحركة الوطنية بشمال المملكة" أعمال ندوة5- 6 أبريل 2018 ، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، مرجع سابق، ص : 14 .
27 – محمد معروف الدفالي، أعمال ندوة 5 -6 أبريل2008 " شمال المغرب إبان فترة الحماية وبداية عهد الاستقلال"، مرجع سابق، ص: 181 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.