هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيوخ الفتنة يأكلون الغلة ويسبون الملة ..الدكتور رشيد نافع نموذجا 1/ 2

1: توضيح لابد منه: في مقالات سابقة نشرناها على صفحات المواقع الإلكترونية تحدثنا فيها، وبالتفصيل، على طبيعة وحقيقة الخطاب الإسلامي بشكل عام ، و خطاب الإسلام السياسي بشكل خاص؛ وهو الخطاب الذي يتميز - إجمالا – بالافتراء والتدليس في تناوله لقضايا الخلاف والصراع السياسي والفكري في بلادنا، سواء من حيث كيفية تعاطيه مع الأحداث والمعطيات التي يعرضها بهدف النقد والمناقشة، حيث عادة ما يتم تحريفها وتحويرها وفق ما تمليه مصالحه الظرفية والإستراتيجية، أو من حيث توظيفه كذلك للنص الديني ( = القرآن والسنة) خارج إطاره وسياقه التاريخي والاجتماعي ؛ أي خارج أسباب نزوله. علما أن " الإسلام لا يجيز بأي شكل من أشكال التدليس أو التمويه أو إعطاء معلومات محورة أو ناقصة، مما يمكن أن يؤدي إلى فعل قمعي رمزي يحاول أن يصل بالإنسان، بطريقة ماكرة، إلى تغيير اقتناعاته بأسلوب مغشوش " .(1)
وفي نفس المنحى ؛ أي منحى نقد وفضح الخطاب الإسلامي، الذي هو خطاب طائفي واستئصالي بامتياز، سنحاول في هذه الورقة – المتواضعة – تسليط الضوء على بعض الترهات المخالفة للعقل والواقع التي يمارسها إمام مسجد السنة بلاهاي ( هولندا) الشيخ الدكتور رشيد نافع من خلال خطبه ومقالاته معتمدا على ذلك اللغة القطعية والأحكام الجاهزة، بوصفها ((حقائق))مطلقة لا تحتمل الخطأ. لكن، قبل أن أمضي في طريقي إلى حيث أريد أود أن اعترف لك – أيها القاري الكريم - بشعوري الخاص تجاه الإسلام في ظل تنامي الخطاب التكفيري خلال الآونة الأخيرة، وهذا الشعور هو: أنني كلما قراءة لهؤلاء الشيوخ المتطرفين أمثال: رشيد نافع، عبد الله النهاري، عبد الحق الزروالي، عبد الحميد أبو النعيم، محمد الفزازي، يحيى المدغري، عمر الحدوشي، أبو حفص، محمد الزغبي، محمود شعبان، أبو سلامة، عمر بكري وآخرون، إلا وتفاقمت شكوكي تجاه الإسلام أكثر فأكثر، وتحديدا تجاه موقف الإسلام من الآخر؛ أي من الآخر المختلف عنا دينيا، ومذهبيا وسياسيا، وفكريا..الخ.
هذا أولا، وثانيا كلما تعمقت في قراءة ما يكتبه هؤلاء السلفيون إلا وزادت قناعاتي بخصوص دور الإسلام ككل، والإسلام السياسي بالذات ؛أي دمج الدين بالسياسة والسياسة بالدين، في تكريس واقع التخلف والاستبداد الذي يهيمن على واقع المسلمين الآن، وبالتالي فالإسلام السياسي يقف حائلا أمام تقدم المسلمين في شتى المجالات. واضح إذن أن الإسلام السياسي يعتبر من أبرز أسباب تخلف المسلمين على كافة المستويات، بل ويعتبر أيضا من أبرز أسباب مناهضة الغرب للإسلام و المسلمين في تقديرنا الخاص. وبالتالي فإشكالية تخلفنا؛ أي المسلمين، لا تكمن أطلاقا في ابتعادنا عن الإسلام وتطبيق شرع الله كما يروج الشيخ نافع و أمثاله من السلفيين المتشددين، وإنما يكمن – أساسا – في عدم الفصل بين العمل السياسي والعمل الديني، وعندما نقول الفصل، ونؤكد على ما نقول، لا نعنى بذلك – إطلاقا - إلغاء الدين من المجتمع، وبالتالي منع الناس من ممارسة شعائرهم الدينية كما يصرح بذلك الشيخ نافع مرارا في خطبه ومحاضراته دون أدنى مراعاته للحقيقة الموضوعية ولا لذكاء قرائه ومستمعيه من المهتمين والمريدين،(2) بقدر ما نعنى بذلك الحياد الايجابي للدولة تجاه الدين؛ أي دين، والتجربة الهولندية في هذا المجال تعتبر رائدة ونموذجية.
وفي مقابل هذا أقول - وبكل صراحة - لولا قراءتي لمفكرين إسلاميين متنورين وحداثيين أمثال: فهمي هويدي، محمد عمارة، منير شفيق، حسن حنفي، حسن الترابي، إبراهيم عدنان، رشيد الغنوشي ، محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، محمد سعيد البوطي، محمد أركون، محمد عابد الجابري، هشام جعوط، ناصر حامد أبوزيد، سعيد العشماوي خليل عبد الكريم، سيد محمود القمني، محمد شحرور، الصادق النيهوم وغيرهم ، لربما كنت الآن مسيحيا أو ملحدا بسبب الخطاب التكفيري والطائفي الذي يقدمه بعض الأصوليين المتشددين حيث " مازال بيننا من يكفر الذين لا يقولون بقوله حتى في الأحكام الفرعية. ومن ينكر على العقل قدرته على النظر واكتشاف الحقيقة. ومن يعتبر المخالفة في الرأي تستوجب الجهاد أو تكفير المجتمع ". (3)
وقد يعترض احد السلفيين (الإسلاميين) ويقول: إن الفصل بين السياسي والديني ثقافة " غربية " تستهدف الإسلام من الداخل عبر " أبناء جلدتنا " على حد قول الشيخ نافع، وهو اعتراض لا أساس له من الصحة لسبب بسيط جدا؛ وهو أننا عندما نستعمل التكنولوجيا الحديثة في مجال من المجالات المتعددة لا ننظر و لا نساءل بتاتا عن دين وثقافة من صنعها وابتكرها، بقدر ما ننظر فقط إلى مدى أهميتها وفائدتها ، وبالتالي فالضرورة والحاجة هي التي تحدد لنا هل نستعملها أم لا ؟ لهذا فالشيخ نافع لا يعترض مثلا على استعماله: الفايسبوك، والإيمايل، والهاتف في تواصله مع العالم، بل وفي نشره كذلك لأفكاره وقناعاته الدينية والسياسية بكل حرية.(4) ولعل المفارقة المثيرة في هذا الشأن هو أن نافع يدرك جيدا أن هذه الوسائل من اختراع " الكفار " والعلمانيين ورغم ذلك يستعملها بكل وقاحة. بل أن الطامة الكبرى تكمن في أن الرجل يتقاضى راتبه الشهري من ضرائب " الكفار " والعلمانيين " أعداء" الله ورسوله وفق تعبيره (5)، لكن رغم ذلك فالرجل لا شغل له إلا السب والشتم في المخالفين له في الرأي والانتماء المذهبي والفكري، وخاصة في العلمانيين والحداثيين، بالله عليكم، أليست هذه قمة الانتهازية؟ وهنا يطرح سؤال جوهري ، وعميق، حول ماهية الإسلام، أو بمعنى أدق، هل الإسلام عقيدة وشريعة فقط أم أنه سلوك وأخلاق أيضا؟ وإذا كان الإسلام سلوك وأخلاق – كما يقال عادة - فأين ذلك من ممارسة فضيلة الشيخ نافع فيما ذكرناه من السلوكيات المتناقضة للمنطق الإسلامي ؟
على أية حال، نعتقد، أن هذا المنطق؛ أي منطق الضرورة والحاجة، هو المنطق الصائب والفعال في التعامل مع العلمانية باعتبارها من أبرز الحلول الواقعية والممكنة في سياق الشروط والظروف التي نعيشها الآن على جميع المستويات، بل أنها من أقوى وأنجع الحلول الممكنة على الإطلاق. وتأكيدا لهذه القناعة سنصوغ هنا حالتين موضوعيتين قد تفيدنا في فهم الموضوع بشكل أفضل:
* الحالة الأولى: وهي أن جميع الدول المتطورة والمتقدمة في العالم ( سياسيا، قانونيا، اجتماعيا، معرفيا،اقتصاديا، حقوقيا، بيئيا وأخلاقيا..الخ) هي دول علمانية بامتياز، بينما نجد أن الدول التي مازالت تعتمد في تدبيرها للشأن العام على الدين والقبيلة هي دول متخلفة، وبامتياز أيضا. وهي دول مازالت تعاني من التخلف والاضطهاد السياسي والديني والثقافي والعرقي ( السعودية، السودان، إيران، المغرب...الخ )، بل وأحيانا تعاني أيضا من حروب أهلية طاحنة ( لبنان، العراق، الجزائر سابقا، اليمن، سوريا، اندونيسيا، رواندا، الصومال ...الخ). وفي هذا السياق ادعوك – أيها القارئ الكريم – إلى التمعن جيدا في الوضعية السائدة بالسعودية التي تطبق الشريعة بحذافيرها(6) مع الوضعية السائدة في النرويج مثلا ، وذلك من أجل معرفة أين يكمن الخلل بالذات ؟ هل يكمن في عدم تطبيق الشريعة أم في عدم الفصل بين السياسي والديني وبالتالي في كيفية تدبير كل بلد من هذين البلدين للشأن العام؟ هذا مع العلم أن المملكة النرويجية هي أيضا دولة دينية/ مسيحية ، ومع العلم أيضا أن السعودية لا يحكمها العلمانيون ولا الحداثيون، ولا تعيش أية أزمة مالية يمكن أن يبرر عجزها في التطور والتقدم على شتى المستويات.
* الحالة الثانية: وهي أننا في ظل الاستبداد السياسي والديني الذي تمارسه الدولة باسم الشرعية التاريخية تارة، وباسم " إمارة المؤمنين " تارة أخرى ، وفي ظل كذلك عجز جماعات الإسلام السياسي بالمغرب وخارجه ( نستثني هنا جماعات الإسلام السياسي في تركيا وتونس إلى حد ما ) على تقديم إجابات واضحة ومحددة للقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية والاقتصادية مع اخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والديني والعرقي للمجتمع المغربي، و " الإسلامي " بشكل عام، ومنها مسألة الديمقراطية، الحريات الفردية، المساواة بين الرجل والمرأة، التعدد الثقافي والديني واللغوي والجنسي ..الخ. وحينما نقول هذا الكلام فأننا نقصد، ونريد، برامج واضحة ومحددة في جميع القطاعات والمجالات التي تهم الإنسان في حياته اليومية، ولا نريد خطابا عاما وفضفاضا كالعادة، أي أننا لا نريد خطابا عاطفيا يدغدغ المشاعر فقط ، وإنما نريد حلول واضحة ومفصلة، خاصة أن المسلمين يتوفرون على إجابات وحلول جاهزة لكل المشاكل التي تعترض الإنسانية وفق تعبير الشيخ نافع ، وبالتالي فلا نريد سماع الكلام القديم والجديد من قبيل : قال الله و قال الرسول(ص) ، أو قال أبي بكر، أو عمر ين الخطاب، أو ابن تيمية، أو السيوطي، أو ابن كثير، أو ابن الجوزي..، بعبارة أخرى لا نريد سماع قال " السلف الصالح"، حيث أن هذه الكلام سمعناه وقرأناه مئات المرات ، ونحن هنا لا نريد كلاما عاما تبريريا، بقدر ما نريد حلا عمليا للأمراض المستعصية في عصرنا ( كالسرطان مثلا) ، نريد حلا عمليا لظاهرة البطالة والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم، نريد حلا شاملا لازمة التعليم والمستشفيات، والقضاء ..الخ. بصيغة أخرى لا نريد خطاب التجييش والتعبئة الموجه – أساسا - لفئة محددة من الجماهير ولهدف محدد ومعين؛ وهو استقطاب الناس وأصواتهم الانتخابية، وإنما نريد خطابا علميا موجها للوطن والمواطنين؛ أي خطابا يقدم حلولا علمية ملموسة لمشاكل المواطنين المغاربة بصرف النظر عن دينهم ولغتهم وجنسهم وعرقهم. فهل يستطيع فضيلة الشيخ نافع أن يقدم لنا (مثلا) حلا عمليا ومنطقيا لمشاكل الشباب المغربي بهولندا وهو القائل بأن الإسلام والمسلمين يملكان إجابات لجميع المشاكل والمعضلات التي تعيشها البشرية ؟ نؤكد مرة أخرى أننا نريد حلولا علمية وملموسة ولا نريد كلاما فاضيا لا علاقة له بالواقع ومشاكله من قبيل القول أن الشباب في عهد الرسول (ص) كانوا يفعلون كذا وكذا .. الخ، ونحن نقول بدورنا نعم الشباب في عهد الرسول (ص) كانوا يفعلون ما تقولونه لكن ذلك كان عهد وهذا عهد آخر، فلكل عصر خصوصياته ومميزاته، وبالتالي فلكل عصر مشاكله ومعضلاته. ففي عهد الرسول(ص) لم تكون هناك المخدرات الصلبة( الكوكايين، القرقوبي)، الأفلام الإباحية، الايفون، الفيسبوك، الانترنت، السينما، التلفزيون، الطائرات، السيارات الفاخرة، البوارج الحربية، ولم تكون هناك البراصا التي أبهرت الشيوخ والنساء وليس الشباب فقط، فانا متيقن إلى حدود 100% أنه لو اجري الآن استطلاع بين الشباب المسلم بهولندا ( وخارجها) حول من هو المعروف والمشهور بينهم: هل هو ميسي أم أبي بكر مثلا أو عمر بن الخطاب ستكون النتيجة دون شكك لصالح ميسي وليس أبي بكر ولا عمر ، مع العلم أن معظم هؤلاء الشباب متدينون؛ أي أنهم ملتزمون دينيا. على أية حال نتمنى ونرجو من الشيخ الكريم ( رشيد نافع) أن يتفضل بتقديم إجاباته وحلوله للمشاكل التي يعيشها الشباب المغربي برمته، والشباب المغربي بهولندا بالذات، إذا كان صادقا ومسئولا على كلامه. ومن الضروري التمييز هنا بين قدرة تيار الإسلام السياسي على التعبئة وحشد الجماهير، حيث أن نضاله وعمله هو قاعدي جماهيري وليس نخبوي ومؤسساتي كما هو عليه الأمر مع التيار العلماني، وبين فقدانه القدرة على انجاز مشروع سياسي واجتماعي متكامل؛ أي مشروع يجيب على الحاجيات المادية للمواطنين وليس فقط الحاجيات الروحية . قلنا، في ظل هذه الحقيقة الموضوعية فأننا لا نرى أي بديل عن العلمانية كحل منطقي وإنساني في الوقت الراهن ، شرط أن تكون ديمقراطية؛ أي أن العلمانية الديمقراطية هي الحل الممكن في سياق الظروف الراهنة.
علاوة على هذا، ينبغي على الإسلاميين أن يأخذوا بعين الاعتبار ثلاثة أمور أساسية في تعاطيهم مع قضايا المجتمع المغربي، سواء كانت سياسية أو فكرية، أولهما هو أننا لم نعد نعيش في مجتمع الجماعة؛ أي جماعة الرسول(ص) وأصحابه، كما كان عليه الأمر إبان ظهور الإسلام، وإنما نعيش في مجتمع المواطنة، وبالتالي فالناس متساوون في الحقوق والواجبات، ومن ثم عليهم ؛ أي الإسلاميون، أن يفهموا جيدا أن الذين يعارضونهم في الآراء والانتماء المذهبي والسياسي هم أيضا مواطنون مغاربة ينتمون إلى هذا الوطن ( المغرب) ويؤدون نفس الضرائب التي يؤديها الجميع، وبالتالي لا يمكن تهجيرهم إلى خارج الوطن، ولا يمكن إسكاتهم وقمعهم باسم الدفاع عن الإسلام وبيان شرع الله أو تحت أي شعار آخر. ثانيهما هو أن منهجية التشدد والغلو في تفسير وتأويل النص الديني لا تخدم مصلحة الإسلام والمسلمين بتاتا ، فالكثير من التهم والانتقادات التي يتعرض لها الإسلام ، خاصة من قبل الغربيين، تجد مبرراتها الموضوعية في سلوك وتصرفات المسلمين. بل أن الكثير من المرتدين من أبناء المسلمين( ومنهم عدد هائل من المغاربة)، خاصة المتعلمين والمثقفين، كان بسبب هذا الأسلوب المتشدد والمتطرف في تأويل وتفسير النص الديني الذي لا يوافق تطورات العصر وخصائصه ومميزاته. فالعقل البشري المتشبع بالفكر العقلاني والمطلع على العلوم الإنسانية لا يستطيع أن يقبل مثلا بجلد النساء في الأماكن العمومية كما يحدث في السودان وأفغانستان أيام حكم حركة طالبان تحت مظلة " تطبيق " شرع الله، ولا يستطيع أيضا أن يقبل بتقطيع الرؤؤس والأيادي كما يحدث في السودان والسعودية بحجة تطبيق شرع الله أيضا، لكن الغريب والمثير حقا أن هذا الشرع يطبق فقط على الفقراء والمساكين ولا يطبق على جميع الناس حيث لم نسمع يوما ما أن مسئولا سعوديا أو سودانيا نفذ في حقه شرع الله !!، فهل شرع الله موجه فقط للفقراء والمساكين؟
ومن الأمور الشائعة في تصرفات وسلوك المسلمين التي لها انعكاسات سلبية على صورة الإسلام هو ممارستهم( = المسلمين) للنفاق الاجتماعي بشكل عادي وطبيعي جدا حتى أصبح الأمر جزءا من ثقافتهم وسلوكهم، والأدلة على ذلك كثيرة وربما يضيق البحث عن حصرها جميعا، ولذلك فنحن نقتصر على بعض الأدلة التي تؤكد وجهة نظرنا؛ أي تؤكد ما نقوله هنا. فالمغاربة المتدينون في معظمهم ( نقصد هنا المغاربة الملتزمين بممارسة الشعائر الدينية بانتظام) على سبيل المثال يصلون و يزنون في نفس الوقت، يصلون ويؤدون الزكاة من المال الحرام ( المال الذي يحصلون عليه من التعويضات الاجتماعية مثلا، أو عن طريق الغش في التجارة، أو الرشوة ، أو المخدرات .. الخ) ، يصلون ويحجون إلى بيت الله الحرام لكنهم يكذبون وينافقون باستمرار ..، يصلون و يخرجون في سبيل الله ( الدعوة) ولكن أولادهم من كبار المجرمين ..، وهكذا. ولكن عندما يطالب أحد المغاربة مثلا بتعديل قانون مدونة الأسرة أو نظام الإرث في الإسلام تماشيا مع شروط وظروف العصر ومتطلباته يشهر في وجهه بطاقة التكفير والتخوين لمجرد أنه يدعو إلى الاجتهاد وتطوير الفهم البشري للنص الديني بما يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين، أليس الإسلام دين كل زمان ومكان ؟ فكيف سيكون الإسلام دين كل زمان ومكان في ظل سيادة منع الاجتهاد؟ وثالثهما هو أن " أفكار التيار الإسلامي ليست وحيا يستوجب الإصغاء والتقديس. إنها مجرد آراء واجتهادات قابلة للأخذ والرد؛ وناقدها ليس في زمرة الكفرة اللجوجين والجاحدين، بل صاحب رأي أسوة بالإسلاميين " . (7)
2: شيوخ الفتنة و مسألة العلمانية:
عندما ندعو إلى العلمانية الديمقراطية ونحث عليها ، فأننا ندعو بذلك إلى جوهر وعمق الإسلام كمشروع حضاري، الذي يدعوا في عمقه إلى العدالة الاجتماعية، والحرية بشكل عام والحرية الدينية بشكل خاص، والى المساواة والتعايش وغيرها من القيم والمبادئ التي لا تتعارض نهائيا مع أهداف وغايات الفكر العلماني. أما من يعمل على حصر الهدف الأسمى للعلمانية في تحقيق " الانحلال الأخلاقي والديني " كما هو الأمر مع ضيف حلقتنا، فذالك شأنه، وبالتالي فالأمر لا يعنينا من قريب ولا من بعيد ، لكنه من الضروري أن يعرف الإنسان أن مثل هذا التعريف والتحليل الساذج للعلمانية هو محض كذب وافتراء لا علاقة له نهائيا بالأهداف الحقيقية للعلمانية، ومن ثم فهو موقف سياسي تحريضي أكثر منه موقفا علميا وموضوعيا. فالواقع العملي للمسلمين في كل مكان، وعبر تاريخهم أيضا، يؤكد وجود ظواهر اجتماعية أو ما يسميه الشيخ نافع وأمثاله ب " الانحلال الأخلاقي "، فهل يستطيع (نافع) أن ينفي مثلا انتشار ظاهرة البغاء والخمر في المجتمع السعودي بالرغم أن النظام السعودي هو نظام إسلامي بامتياز وليس نظاما علمانيا ؟ وهل يستطيع أيضا أن ينفى انتشار الخمر و الرقص والبغاء واللواط وغيرها من الأمور التي يمكن صنفها ضمن قائمة " الانحلال الأخلاقي " في ظل ازدهار الدولة الإسلامية، خاصة في ظل الأمويين والعباسيين؟( 8)
ففي العصر الأموي على سبيل المثال " شرب الخمر والتشبيب بالنساء حتى في موسم الحج، واللهو واللعب، والغناء والرقص، والتخنث واللواط. وامتلأت مكة والمدينة – ارض الحرمين – بالمغنيين والمغنيات ". (9) هذا ما تخبرنا به المادة التاريخية، فهل كان هذا بفعل العلمانيين والحداثيين أيضا؟ وهل يستطيع نافع أن ينفي هذه الأفعال( = الظواهر) الانحلالية كما نفى انتشار الإسلام بالسيف رغم أن كتب التاريخ مليئة بسردها للجرائم التي ارتكبها المسلمون نحت شعار " نشر الإسلام " ؟ (10) وهل يستطيع أن ينفي أيضا أن ضريبة الخمور بالمغرب تدير ميزانية مهمة جدا على خزانة الدولة المغربية التي هي دولة إسلامية ورئيسها " أمير المؤمنين" وفق الدستور، وبالتالي فالعديد من المساجد، خاصة مساجد الدولة، وكليات الشريعة بنيت من المال الحرام ( أو جزء منه على الأقل) ؟ صراحة لا ندري لماذا هذا التدليس والتحايل على الواقع والتاريخ باسم الدفاع عن الإسلام ؟
عندما نطرح هذه الأسئلة الاستفسارية لا نطرحها من باب الدفاع عن الظواهر الاجتماعية المنتشرة في المجتمعات العلمانية، خاصة في المجتمع الغربي، وإنما نطرحها من أجل التأكيد على أمرين أساسيين في الموضوع الذي نحن بصدده؛ أي موضوع اتهام العلمانيين والحداثيين بسعيهم إلى نشر " الإباحية " و "الانحلال الأخلاقي " حسب رشيد نافع. فالرجل يقول بدون استحياء ولا مسؤولية أخلافية ولا فكرية، ولا أدنى مراعاة للحقيقة الموضوعية التي يتبجح بها ليلا ونهارا، وهو بعيدا عنها كبعد السماء عن الأرض أن العلمانيين والحداثيين المغاربة " يدعون النساء إلى الزنا والبغاء حتى ولو كانت متزوجة ". الرجل يطلق الكلام على عواهنه دون أن يستحى من الله ولا من البشر، ولا حتى من نفسه أيضا، رغم حديثه المتكرر عن أخلاق المسلم.
ربما أن جميع الناس يكذبون أحيانا، ولو مرة في حياتهم،لكن أن يكذب الإنسان وهو يعتلى منبر رسول الله وباسم الدفاع عن شرع الله فهذا شيء آخر. و يعود سبب اتهامنا للرجل بالكذب والافتراء إلى طريقة معالجته ومناقشته للموضوع، فالرجل أولا يتهم جميع العلمانيين والحداثيين بدون استثناء( يتحدث عنهم بصيغة الجمع) بالسعي إلى " الإباحية" ، وثانيا لم يذكر لنا من هم هؤلاء العلمانيين والحداثيين المغاربة الذي يدعون " النساء إلى الزنا والبغاء حتى ولو كانت متزوجة ". وثالثا لم يذكر لنا ما هي المصادر والمراجع التي استند عليها في تأكيد كلامه السالف الذكر. فالرجل عادة ما يؤكد على أن ما يقوله في حق العلمانيين والحداثيين المغاربة موجود وموثوق لديه ؛ أي أن الرجل له الحجج والأدلة التي تثبت كلامه ( تهمه) بخصوص العلمانيين والحداثيين المغاربة ، ولكنه لا يذكر لنا أية حجة أو دليل يمكن العودة إليه من اجل التأكد والاطلاع على مضمونه. ونحن نقول له( ولغيره) ، طيب، آتوا ببرهانكم أن كنتم صادقين !!.
ومن غير المبرر على الإطلاق وفق المعايير العلمية والمنهجية إهمال أو تحاشي ذكر المصادر والمراجع المتعلقة بموضوع وقضية البحث. وهذا الأمر يعرفه الشيخ نافع تمام المعرفة لكونه أكاديميا ( أستاذ التعليم العالي سابقا) مطلعا على قواعد وأصول البحث العلمي الذي يدعيه!!. وهذه واحدة من السخافات التي يكررها الرجل دون استحياء ؛ فهو يدعوا إلى الحوار والنقاش العلمي، ومقارعة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، ولكنه في نفس الوقت لا يقدم لنا أي دليل مادي يثبت كلامه ماعدا استعراضه للأحاديث " النبوية " التي يوظفها وفق أهوائه ومراميه. لنعود الآن إلى الأمرين الأساسيين فيما نحن بصدد الحديث عنهما في هذا المقام، وهما:
* الأمر الأول: هو أن جميع الظواهر الاجتماعية التي يركز عليها الإسلاميين في مناقشتهم للعلمانية، حيث يعزون انتشارها إلى الفكر العلماني والحداثي، مثل ظاهرة الزنا، الخمر، المخدرات ..الخ، هي ظواهر إنسانية عالمية تخص كافة المجتمعات البشرية دون استثناء، وبالتالي فأنها لا تخص المجتمعات العلمانية وحدها، ولا تخص أيضا فكر معين كما يتوهم ويتصور الإسلاميون؛ وهي ظواهر موجودة مند أن وجد الإنسان على هذه البسيطة، ومسألة التعاطي معها تختلف من مجتمع إلى آخر، وكذلك فيما يتعلق بمدى انتشارها وتغلغلها داخل كل مجتمع، فانتشار الكيف مثلا( الحشيش) بالمغرب، وفي الريف تحديدا، لا علاقة له بالنظام والفكر العلماني والحداثي وإنما مرتبط بعوامل أخرى لا يسمح لنا المجال بالتفصيل فيها، وكذلك انتشار ظاهرة الدعارة في البحرين مثلا، حيث احتلت المرتبة الثامنة على المستوى العالمي ، والأولى عربيا وإسلاميا، بالرغم أن البحرين دولة إسلامية تطبق الشريعة ، وبالتالي فهي دولة يحكمها المؤمنون وليس العلمانيون " الاباحيون " وفق التحليل الذي يقدمه نافع؛ وهو تحليل يجانب الصواب ويتنافى مع الحقيقة الموضوعية بكل المقاييس.
* الأمر الثاني: هو لماذا يركز السلفيون على الجوانب السلبية فقط في النظام العلماني والفكر الحداثي مع العلم أنهم يعرفون جيدا الجوانب الايجابية لهذا النظام و هذا الفكر؟ دعونا نأخذ بعض الأمثلة التوضيحية البسيطة حتى نفهم الموضوع أكثر، ودعونا نظل أيضا في الجانب الأخلاقي في الثقافة الغربية المتشبعة بالعلمانية والحداثة. ومن الأمثلة البسيطة جدا هو احترام الوقت والالتزام به، فالإنسان الغربي إذا تواعد مع أحد ما حضر إلى الموعد في وقته المحدد بينما نجد أن المسلمين في أغلبيتهم الساحقة لا يهتمون بالوقت نهائيا ، كما أن الإنسان الغربي ملتزم بحقوقه وواجباته تجاه الدولة والمجتمع ، وبالتالي فانه يشارك بحماسة في تطوير دولته ومجتمعه عبر مشاركته المكثفة في العمل/ الشغل، الدراسة و السياسة( الانتخاب) ، بينما نجد أن معظم المسلمين يهتمون فقط بالحقوق. وهناك العديد من القيم والمبادئ الأخلاقية في الثقافة الغربية التي يتغاضى عنها الإسلاميون في تناولهم لمسالة العلمانية والحداثة التي يستمتعون بخيراتها المتنوعة والمتعددة، ومنها قيم الصدق والإخلاص في العمل التي لا نجدها - مع الأسف - لدى المسلمين إلا في حالات ناذرة ومحدودة جدا. (11)
ومن الأمور التي ينبغي علينا معرفتها، هي أن العلمانية في جوهرها تحمى الدين من الاستغلال السياسي ( وهذا ما يزعج الإسلاميين في موضوع العلمانية كما يزعجهم التاريخ الاجتماعي والسياسي للإسلام ) و الاضطهاد الديني والطائفي. فعلى سبيل المثال: هل كان بإمكان الشيخ نافع أن يكون إماما بهولندا لولا العلمانية التي دافعت عنه ومكنته من هذا الحق؟ هل كانت هولندا ستسمح له بتنظيم مؤتمر دولي حول النبي محمد تحت شعار " رحمة للعالمين" لو كانت هولندا دولة مسيحية تطبق شريعة المسيح؟ يبدو أن المسلمين لم يستفيدوا شيء من دروس وعبر التاريخ، وخاصة من تاريخ الأندلس، وما ارتكبه المسيحيون من الجرائم باسم تطبيق شرع الله ؛ أي تطبيق الشريعة المسيحية. (12)
لنعود إلى بعض المشاهد التاريخية من تاريخ أوربا المسيحية لنرى كيف كانت أوربا تتعامل مع الاختلاف الديني في ظل هيمنة الكنيسة على المجال السياسي والديني بأوربا القرون الوسطى، لعله يعرف، ويقتنع، المنتقدين للعلمانية ، وعلى رئسهما نافع، بدور وأهمية العلمانية في الدفاع عن الدين، وعلى الإسلام بالذات. ففي كتاب الباحثة الدكتورة مريم ايث أحمد " جدلية الحوار / قراءة في الخطاب الإسلامي المعاصر " نقرأ ما يلي " وفي القرون الوسطى منعت المسيحية الغربية حرية الفكر والدين منها جر خلفه أرقاما هائلة من الضحايا الذين قتلوا وذبحوا وعذبوا على أيدي الملوك والرهبان، فالملك شارلمان(742 -818) فرض المسيحية على المسكونييين بحد السيف. وفي جنوب النرويج نكل الملك ترايجفون بالقتل والإبادة والتعذيب ببتر الأعضاء وسمل الأعين لكل من امتنع عن اعتناق دين النصرانية .." (ص 76). أما في الدنمارك فتقول الدكتورة مريم أن الملك كونت استأصل " الديانات غير المسيحية من بلاده بالإكراه والعنف، وفي روسيا فرض فلاديمير عام 988 المسيحية على كل الروس بالقهر، ومنع تعدد الأديان، وفي عام 1304 أرغم ملك المجر شارل روبرت غير المسيحيين بالتنصر أو النفي خارج البلاد .." ( نفس الصفحة 76). هذا هو تاريخ أوربا الدينية فمتى سيستفيد المسلمون من التاريخ؟ ومتى سيعترفون بفضل العلمانية في حمايتهم، خاصة المسلمين القاطنين بأوربا والغرب عموما؟
وحتى لا نكرر تلك الاسطوانة القديمة والجديدة حول عدم تشابه الوضع بين الإسلام والمسيحية ( بين المسلمين والمسيحيين)، وبالتالي حول التسامح الديني في الإسلام، سنذكر هنا بمجموعة من الخروقات والجرائم التي ارتكبها المسلمون باسم الإسلام؛ وهي الخروقات والجرائم التي تناولتها الدكتورة مريم في كتابها السابق الذكر ، حيث تقول : " ووصل الأمر في عهد الدولة الأموية إلى أبقاء الجزية على من أسلم منهم. فقد أمر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ( 720 – 717 ) بطرد النصارى من وظائف الدولة. كما فرض إجراءات صارمة تتعلق بالملابس وحلق لرؤوس وارتداء أحزمة من الجلد وركوب الحيوانات بلا سرج، بهدف تمييزهم عن المسلمين. كما منعهم من بناء الكنائس ورفع أصواتهم في الصلاة .." ( ص93)
ملحوظة: للحديث تتمة في الجزء الثاني من هذه الورقة، وإلى ذالك الحين نتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة، كما نتمنى أن يكون اعتراضكم ونقدكم في المستوى حتى نصحح معلوماتنا، وربما أخطائنا إذا وجدت؟ فنحن مجرد بشر نسعى إلى تطوير معارفنا ومداركنا العلمية، و المساهمة الصادقة في نشر ثقافة الحوار والاختلاف أولا، ونشر الثقافة النقدية ثانيا، وذلك عبر طرح الأسئلة النقدية التي تشكل مدخلا - أساسا - للبحث والتنقيب عن الحقيقة ولو في بعدها النسبي.
محمود بلحاج، لاهاي/ هولندا
للتواصل:[email protected]
بعض الهوامش:
1: انظر مقال الدكتور أبوزيد المقرئ الإدريسي " موقف القرآن الكريم من العنف " المنشور ضمن كتاب " الديانات السماوية وموقفها من العنف " منشورات الزمن – ص 78 – تقديم محمد سبيلا – الطبعة الثانية.
2: للاطلاع على مقالات وخطب الشيخ نافع يرجى فقط كتابة اسمه على محرك البحث في غوغل للاطلاع عليها كاملة، وكذلك بالنسبة لخطبه المنشورة على اليوتوب. فعلى سبيل المثال فقط يمكن مراجعة مثلا المقال التالي " بالحجة والبرهان الجهل مصدر بني غلمان" ، أما بالنسبة لخطبه المنشورة فيرجى مراجعة الروابط التالية:
http://www.youtube.com/watch?v=nBcOZ8LuF-w
http://www.youtube.com/watch?v=BZPAm-3LwBQ
http://www.youtube.com/watch?v=XRmVlThc7mY
http://www.youtube.com/watch?v=fWbP5I4suKE
http://www.youtube.com/watch?v=fsDFIgEdn7I
http://www.youtube.com/watch?v=4ADlxwBFZRc
3: هذا الكلام هو للدكتور محمد الكتاني المنشور ضمن كتابه " الإسلام وقيم العقلانية والحوار " منشورات المجلس العلمي المحلي بالدار البيضاء – ص 47 .
4: يتمتع الأئمة بهولندا بحرية تامة في عملهم، للمزيد من المعلومات يرجى مراجعة مقال السيد محمد أجوار تحت عنوان " وضعية الإمام في مكيال القانون الهولندي" المنشور على الموقع الإلكتروني هسبريس
5: من الضروري الإشارة هنا إلى أن رواتب الأئمة بهولندا تدفعها (( الجماعة)) وليس الدولة الهولندية، وبالتالي فالأئمة هم موظفون لدى الجماعة/ المسجد ، لكن السؤال المطروح هنا هو : ما هي مصادر التمويل الأساسية لدى المساجد بهولندا؟ وهذا السؤال نتركه للشيخ نافع للبحث فيه قصد معرفة من يدفع له راتبه الشهري وهو يعلم جيدا أن معظم المشتركين وأعضاء مسجد السنة يتقاضون التعويضات الاجتماعية، كما أن معظمهم يتقاضونها بطرق غير قانونية.
6: نشير هنا أن التعليمات الأساسية في القانون السعودي الصادر سنة 1926 ، تنص في المادة الثانية على أن " الدولة العربية الحجازية دولة ملكية شورية إسلامية " ، بينما تنص في مادتها السادسة على أن " الأحكام تكون دوما في المملكة الحجازية منطبقة على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام – وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح ". للمزيد يرجى مراجعة مثلا المقال التالي " الخريطة الدستورية للدول الإسلامية " المنشور على الموقع التالي:www.alukah.net
7: انظر كتاب " الإسلام والسياسة " للباحث والكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز ، منشورات المركز العربي – الطبعة الثانية 2008 – ص
8: انظر كتاب " الخمر والنبيذ في الإسلام " للكاتب علي المقري منشورات رياض الريس للكتب والنشر – الطبعة الأولي – من ص 95 إلى 125
9: المرجع السابق علي المقري ص 95
10: يرجى مراجعة في هذا الصدد كتاب " حروب دولة الرسول " للكاتب والمفكر المصري سيد محمود القمنى، منشورات مدبولى الصغير – الطبعة الثانية.
11: نشير هنا أن الإنسان الغربي ينظر إلى واقع المسلمين؛ أي إلى تصرفاتهم وسلوكهم ولا ينظر إلى النصوص الدينية( القرآن والسنة)، بل أن هذا الأمر لا يهمه أصلا.
12: يشير المرحوم خليل عبد الكريم في كتابه " الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية إلى وجود " نصوص صريحة وقاطعة في الكتب المقدسة السماوية أو السامية أو الإبراهيمية تقطع بأن كل شريعة منها تملك دون غبرها الحقيقة المطلقة والكلمة المنقولة عن الرب جل جلاله، وهذا ما يؤمن يه أتباع كب منها إيمانا مطلقا، ويسلم به تسليما دون نقاش " الجزء الأول – ص 35 – الناشر دار مصر المحروسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.