تعليق على قرار المجلس الدستوري رقم 912/13 في فاتح يناير 2013، أصدر المجلس الدستوري قراره رقم 912/13، ردا على طلب 107 من أعضاء مجلس النواب الرامي إلى التصريح بعدم دستورية بعض مقتضيات قانون المالية رقم 12.115 للسنة المالية 2013، وصرح المجلس الدستوري في منطوق قراره بعدم قبول الإحالة الرامية إلى التصريح بعدم مطابقة بعض مقتضيات قانون المالية للسنة المالية 2013. ولقد جاءت في حيثيات قراره من أجل تبرير منطوق الحكم ما يلي: "حيث إن طلب التصريح بعدم مطابقة بعض مقتضيات قانون المالية للسنة المالية 2013 للدستور، إن كان قدم إلى المجلس الدستوري بموجب رسالة إحالة موقعة من قبل 107 أعضاء بمجلس النواب مما يجعله مستوفيا للنصاب المطلوب بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، فإن هذا الطلب لم يرد على المجلس الدستوري إلا يوم 31 ديسمبر 2012، في حين أن قانون المالية لسنة 2013 صدر الأمر بتنفيذه بتاريخ 28 ديسمبر 2012 بموجب الظهير الشريف رقم 1.12.57 وفق أحكام الفصل 50 من الدستور" قد يبدو من حيث الظاهر أن قرار المجلس الدستور سليم في منطوقه وحيثياته، نظرا لكون الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري لا يسندان له صلاحية البت في القانون بعد إصدار الأمر بتنفيذه من طرف جلالة الملك إعمالا للفصل 50 من الدستور، الذي يسند للملك صلاحية إصدار الأمر بتنفيذ القانون من داخل اجل الثلاثين يوما التالية لإحالته على الحكومة بعد تمام الموافقة عليه. ولما كانت للملك صلاحية مطلقة في تقدير الوقت المناسب من داخل اجل الثلاثين يوما لإصدار الأمر بالتنفيذ، فإنه يكون من الناحية الدستورية إصدار الأمر بالتنفيذ سليما من طرف صاحب الجلالة ، فبمجرد توصله بالقانون من طرف رئيس الحكومة يكون لدى الملك مطلق الصلاحية في تقدير الوقت المناسب لإصدار الأمر بالتنفيذ، ولكن السؤال الذي يطرح في هذا الخصوص هو: هل يحق لرئيس الحكومة إحالة القانون الموافق عليه من طرف البرلمان على انظار صاحب الجلالة في نفس اليوم الذي تمت فيه الموافقة النهائية عليه من طرف مجلس النواب؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب منا قراءة متأنية لمضمون الفقرة الأولى من الفصل 50 من الدستور، والتي تنص على مايلي: "يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه" إعمالا لقواعد المنهج اللغوي في التحليل، سنجد أن النص جاء واضحا في تحديد لحظة بداية احتساب أجل الثلاثين يوما التي في نطاقها يمكن للمك إصدار الأمر بتنفيذ القانون، فعبارة "خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته على الحكومة..." تفيد أن الأجل يبتدئ من اليوم الذي يلي تاريخ توصل رئيس الحكومة بالقانون من طرف البرلمان، وهو ما يعني أن رئيس الحكومة ملزم بانتظار يوم واحد على الأقل من اجل إحالة القانون على أنظار صاحب الجلالة من اجل إصدار الأمر بالتنفيذ. ولما كان مجلس النواب قد وافق على مشروع قانون المالية بأغلبية 118 صوتا ومعارضة 48 صوتا بتاريخ 28 دجنبر 2012، وأحاله السيد رئيس مجلس النواب في نفس اليوم على أنظار رئيس الحكومة، فإن لحظة بداية أمد الثلاثين يوما التي يجب خلالها إصدار الأمر بالتنفيذ تبتدئ من 29 دجنبر 2012، وهو ما يعني أن إحالة القانون في نفس تاريخ الموافقة البرلمانية عليه، على أنظار الملك من اجل إصدار الأمر بالتنفيذ فيه نوع من الاعتداء على روح الدستور، لأنه إعمالا لمقتضيات الفصل 50 كان على رئيس الحكومة انتظار يوم على الأقل من اجل إحالته إلى الملك. ولأجل هذا كله، ولما كانت قرارات المجلس الدستوري تصدر باسم جلالة الملك وطبقا للقانون، كان عليه أن يفصل بتدقيق في الفترات المسطرية التي تفصل مرحلة الموافقة البرلمانية عن مرحلة إصدار الأمر بالتنفيذ، لأنه من شان هذا التداخل أن يضيق من مساحات الصلاحيات الرقابية الممنوحة للبرلمان في مجال إحالة القوانين على المجلس الدستوري، وهو الأمر الذي سيسمح للحكومة بالاستعمال الغير السليم لفصول الدستور من اجل تمرير قوانين قد تكون مشوبة بعدم الدستورية وهذا من شأنه أن يحدث خللا في الترسانة القانونية التي سيطغى عليها نوع من التضارب والتداخل بسبب وجود مقتضيات غير دستورية. فالمجلس الدستوري كان عليه أن يقضي بعدم دستورية المسطرة المعتمدة من طرف رئيس الحكومة في إحالة القانون المالي على أنظار جلالة الملك في نفس يوم الموافقة البرلمانية، قبل أن يقوم برفض الطلب وهو الأمر الذي كان بإمكانه أن يفتح المجال أمام المجلس الدستوري لفحص دستورية مقتضيات القانون المالي، ولكن درءا منه للنتائج السياسية التي يمكن أن تعود بها على فرق الأغلبية، فإنه عمد إلى منطق الملائمة السياسية عوض التقيد بمنطوق وروح الدستور.