"ما يزعجني ليس أنك كذبت علي، ولكن ما يزعجني هو أنه لا يمكن تصديقك بعد الآن" فريديريك نيتشه هناك صداقات تدخل في خانة العلاقات العائلية، صداقات تتكون في إطار العمل أو الحي أو غيرهما وصداقات تولد من رحم العلاقات الناتجة عن تقاسم مبادئ، قيم، أفكار، مواقف، برامج وأهداف سياسية، نقابية وجمعوية في ميدان المعركة السياسية والنضالية. في بعض الأحيان تتداخل كل هذه العلاقات لتوطد أواصر الأخوة والمحبة والصداقة بين فردين أو أكثر. بطبيعة الحال، هناك صداقات تستمر وأخرى تندثر مع الزمن، لأن سنة الحياة هي التغيير والتطور. فتتغير مواقفنا، وتصوراتنا. أما حين تتبدل مواقعنا الاجتماعية صعودا أو نزولا، فنجد أنفسنا ندافع عن مواقعنا الجديدة وننخرط في تعبيراتها السياسية. هذا في غالب الأحيان ما يقع، مع بعض الاستثناءات حتى لا نعمم في التحليل. لقد أصاب "ونستون تشرشل" حين تحدث عن عدم وجود "صداقات دائمة وعداوات دائمة إنما توجد مصالح مشتركة" في السياسة والحروب، على صعيد الأفراد، الهيئات والدول. أما الصداقة فلا تستمر إن كانت أفكار ومصالح الأفراد، الهيئات والدول متعارضة ومتناقضة. أما حين يكون الأشخاص ينتمون ولعقود لنفس التوجه ونفس الجهة، خاصة إن كانت هي الصف الوطني الديمقراطي بمختلف تعبيراته، بشعاراته الكبرى، تطبيق القانون، الحرية، التعددية، الكرامة والمساواة، العدالة، الحقيقة، الشفافية والوضوح، محاربة الفساد والمفسدين... ويفترقون لظروف ما، فلا بأس في ذلك إن كان الخلاف حول قضايا فكرية وسياسية، تكتيك واستراتيجية. أما إذا افترقوا لأن مصالح ذاتية، صفقات مشبوهة، واضحة وغير واضحة، مقابل التضحية بالماضي، بالمناضلين وبالقضايا الكبرى وراء ذلك، تتبعها ممارسات "مشكوك" فيها، فذاك ما لا يجب السكوت عنه أبدًا، أبدًا. لقد ساد نقاش قوي في الأوساط الشعبية منذ التسعينيات من القرن الماضي، لم يتبعه مع كامل الأسف تحليل أكاديمي، جامعي، يفكك الظاهرة، حول سؤال محوري: لماذا يتغير المناضل؟ أو بصيغة أكثر شعبية: لماذا يقبل المناضل "بيع" نفسه، تاريخه وشعاراته؟ إنه سؤال عريض، لا يصح تماما تعميمه بدون حجج دامغة ومقنعة. لقد قيل الكثير حول هذا الموضوع فيما يخص حفنة صغيرة من بعض القياديين والمناضلين من حزب اشتراكي، ويخشى المواطنون اليوم على قياديي ومناضلي حزب إسلامي. أؤكد أنني أتحدث عن فئة قليلة من القياديين والمناضلين عددهم جد محدود، لكن إشعاعهم السلبي كبير جدا، لا أتحدث عن الأحزاب كإطارات والتي ما زالت تحافظ إلى يومنا هذا على مصداقية وجاذبية، تاريخ ومستقبل. إنني لا أتحدث عن تصرفات ومواقف ناتجة عن ضرورات سياسية تتطلبها مواقع المسئولية الجديدة، حكومية أو إدارية، بل أتحدث عن المبادئ، القيم والأخلاق. في فرنسا البلد النموذجي للنخبة المغربية، السياسيون والفاعلون من اليمين والوسط واليسار، حين يلجون إلى مناصب الحكم والمسئولية يتعاملون بمنطق الدولة، بإكراهاتها، لكن لا يغيرون مائة في المائة قناعتهم أو أهدافهم، لكن الأكيد، عموما، أنهم لا يغيرون ما لا يتغير الجوهر، أي القيم والأخلاق. هكذا يحيون في المعارضة، في الحكم، عند العودة إلى المعارضة أو الاستفادة من التقاعد بنفس القيم والأخلاق. لماذا كل هذا المدخل؟ لسبب بسيط وهو أنني اليوم في وضع حرج تجاه أحد الأصدقاء الذي جمعتني به أيام وسنوات (منذ 1996 إلى سنة 2012) من النضال والمعارك وتقاسم الأفكار والشعارات الكبرى المحسوبة على الصف الوطني الديمقراطي في شقه العمالي النقابي، الحزبي الاشتراكي والجمعوي ومن ضمنها مؤخرا الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب. افترقنا منذ شهور قليلة، افترق طريقنا، فاتخذ كل واحد منا منهجه ودربه وموقعه. لقد اختلفنا. ليس عيب في ذلك، إن كان الاختلاف في الأفكار والأهداف. ليست المرة الأولى ولا الأخيرة يقع ذلك للناس. إنها سنة الحياة. لكن أن تصدر عنا ممارسات متعارضة ومناقضة للأخلاق والقيم والمثل التي حلمنا بها ودافعنا عنها، فذلك لا يجب أن يمر مر الكرام، بل يتطلب توضيح علني، صريح ومسئول، بعيدا عن التشخيص المجاني أو الذاتي، لسبب بسيط وهو أن الفرد لا يحب أن تحسب عليه أشياء هو بعيد عنها وغير مسئول عنها أيضا، وليعلم الأصدقاء المشتركون وهم بالمئات والمئات في مكان عملنا وفي الأحزاب والنقابات والجمعيات، أننا لم نعد شركاء في نفس السياسة، المواقف والتصرفات. لا، من الأحسن وضع حد لذلك مع توضيح الخلافات، طرح بصفة علنية للمعطيات المتوفرة والتخوفات القائمة، إصلاح ما يمكن إصلاحه وتقويمه، خاصة في بداية الطريق، حق الرد والإجابة عن الموضوع، دحض وتقديم كل ما من شأنه أن يبدد التساؤلات والتخوفات، بعيدا عن كل تشنج أو نرفزة، بحثا عن الحقيقة، لأنه كما جاء في المثل الشعبي الروسي "الحقيقة كالنور لا تخفى" ولا يجب علينا أن نخفيها. إني أعرف أن الثقافة السياسية في بلدنا لا تنحو إلى ما سأنحو إليه. نختلف و"نُصَفِّي" الحسابات في المقاهي وفي إطار المجموعات الصغيرة. لقد قررت الخروج للعلن لكون ما سأتناوله يهم المجال العمومي من جهة، ولكون، صديقي، أصبح شخصية عمومية تطل على المواطنين عبر التلفاز، المذياع، الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية. لقد كان هذا الصديق، حديث الخاص والعام خلال السنوات الأخيرة في صراع مرير وقوي حول مركز من مراكز الفساد. أتحدث عن عبدالمولى عبدالمومني، رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، إطار ومندوب الأجراء بنفس المؤسسة البنكية التي أشتغل بها، نائب الكاتب العام للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب. تعاطفنا السياسي والنقابي كان في إطار نفس التنظيمات السياسية والنقابية منذ 1996 ولسنوات عدة، أنا اليوم بدون انتماء سياسي محدد ببطاقة انخراط، أما هو فكان يصرح دائما تموقعه مع حزب سياسي اشتراكي عريق ومناضل. أتعهد أن أقول الحقيقة، كل الحقيقة، غير الحقيقة. هو أيضا ستكون له الفرصة للتعبير عن مواقفه من ما سيأتي. هذا بفضل حرية التعبير التي ننعم بها في بلدنا. أما القارئ فهو أيضا له كامل الحرية أن يستمر في القراءة وأن يدلي بدلوه حول الموضوع أو يضع جانبا هذه الورقة. هذه قناعتي. إنني أبحث عن الحقيقة، عن فهم ما يجري. عن كنه الأشياء. لكن أيضا أبحث عن الطمأنينة مستحضرا الآية الكريمة: "قال بلى ولكن ليطمئن قلبي". أريد أن أريح وأستريح. قبل تنزيل ملاحظتي، مواقفي، معطياتي حول الخلاف، ليسمح لي القارئ أن أضعه في الإطار العام لعلاقتي بصديقي عبد المولى عبدالمومني لمدة تفوق خمسة عشرة سنة. سأحاول أن لا أطيل في هذا الجانب، لكن أعتبر أن الرجوع إلى الماضي يوضح الكثير من أمور الحاضر، أحيانا يساعدنا على فهم عميق لما يقع اليوم. علاقتنا ناتجة عن تواجدنا بنفس المؤسسة البنكية. التحقت للعمل بهذا البنك قبل صديقي عبدالمولى عبدالمومني بسنوات عدة وبالضبط سنة 1984 بعد فترة للخدمة المدنية ببنك المغرب. رغم ماضي السياسي في القطاع الطلابي (التيار القاعدي ومن بعد التيار التروتسكي) والحزبي السري (المنظمة الشيوعية العالمية) والعلني (الاتحاد لاشتراكي للقوات الشعبية)، لم تكن لدي أية أنشطة نقابية تذكر بالبنك، لكن انتمائي الحزبي لم يكن خافيا على إدارة البنك، خاصة لما رشحني إخوتي في الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالقنيطرة لخوض غمار الانتخابات البلدية لسنة 1993. لم يكن، القرض الفلاحي، في تلك السنوات، ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، يتوفر على نقابات ذات تمثيلية واضحة، بل مكاتب تظهر وتختفي حسب الظروف، مكتب نقابي قديم للاتحاد المغربي للشغل، مكتب نقابي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب ومكتب نقابي تابع للنقابة الوطنية للفلاحة في إطار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وكان ضمنه عنصر واحد بارز هو بلمعلم التهامي الذي تعرض للاعتقال إثر أحداث الإضراب العام ل20 يونيو 1981. لم يشهد البنك أي إضراب منذ نشأته سنة 1962 إلى حدود 1996. جاءت سنة 1996، ظهرت قيادات نقابية شبابية في إطار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التحقت بهذا الإطار النقابي الذي كان قريب جدا من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، آتية من القطاع الطلابي وخاصة من صفوف الشبيبة الاتحادية، التنظيم الشبابي القوي، المبدع والخلاق آنذاك، بقادته المميزين أمثال عبدالهادي خيرات، ادريس لشكر، محمد بوبكري، محمد الجندالي، فجري الهاشمي، محمد الساسي واللائحة طويلة... من ضمن الأعضاء البارزين في التنظيم الشبابي الاتحادي الذين انخرطوا في تنظيم محمد نوبير الأموي، سيطفو على السطح اسم عبدالكريم بنعتيق في قطاع الأبناك. كان هذا القطاع وما يزال معقلا من معاقل الاتحاد المغربي للشغل وقطاعا متروكا بعيدا عن السياسة والسياسيين خاصة المعارضة الاتحادية في ذاك الزمان. دشن عبدالكريم بنعتيق عملا مميزا في البنك الذي كان ينتمي إليه وبدأ يستعد لتوسيع هذا التنظيم النقابي الفتي إلى مؤسسات بنكية أخرى، خاصة وعمومية. كنت تعرفت على بنعتيق، خلال فترة السنوات الأولى من التسعينيات من القرن الماضي، في صفوف الشبيبة الاتحادية بالرباط وهو ما زال طالبا وأنا إطارا بالبنك. التحق هو بفرنسا لاستكمال دراسته وافترقت بنا السبل إلى حدود سنة 1996. التقينا لننخرط في بناء لبنات عمل نقابي جديد بالقطاع البنكي والكنفدرالي. أربع سنوات من العطاء والابتكار والنضال كأنها عقد من الزمن، تتطلب لوحدها إن شاء الله مقال آخر لصبر أغوارها. هكذا التحقت، مع بنعتيق ورفاق الأموي في بناء الآداة النقابية بالقرض الفلاحي وبالقطاع البنكي. بدأ العمل على استقطاب العناصر التي ستشكل النواة الأولى لهذا العمل بالقرض الفلاحي. كان أولهم بطبيعة الحال، التهامي بلمعلم، الذي سبقني في هذا الميدان وكانت له تجربة ستفيد كثيرا في هذه البدايات. التحق بنا أيضا محمد المعاشي، الإطار ومندوب الأجراء بالقرض الفلاحي والذي كانت لي به سابق معرفة وهو الذي كان يشتغل بمديرية الموارد البشرية ورجل التنظيم والتفاوض والتأطير الميداني بامتياز. في هذا الخضم، تقدم عبدالمولى عبدالمومني بطلب لبلمعلم التهامي التوسط له للقائي وذلك للحديث حول المشروع النقابي الجديد وإمكانية انخراطه فيه. كان الصديق عبدالمولى عبدالمومني التحق بالبنك في مصلحة جديدة تتكفل بالصيد البحري تم توظيفه مع مجموعة من الأطر كانت تنتمي لإدارة الصيد البحري وكذا مهندسي تطبيق في الصيد الساحلي كان من ضمنهم عبدالمولى عبدالمومني. كانت البدايات الأولى للعمل النقابي البنكي الكنفدرالي صعبة للغاية بالقرض الفلاحي، حيث أتذكر جيدا أنه رغم تواجد نواة أولى ابتدأت الاشتغال حول المشروع، إذ بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل تعلن عن الإضراب العام سنة 1996. انخرط فيه ونفذه بكل القرض الفلاحي عنصران، بلمعلم التهامي وعبد ربه. مع بروز ملف الفساد بالقرض الفلاحي، أصبح الهاجس الاجتماعي الشغل الشاغل للأطر والمستخدمين وتخوفاتهم من تبعات سياسة إعادة الهيكلة للمؤسسة البنكية على حساب مناصب الشغل والمكاسب. إن حنكة القيادة النقابية الشابة المتمثلة في المجموعة المحيطة بعبدالكريم بنعتيق والدعم اللامحدود لمحمد نوبير الأموي الكاتب العام لك د ش، مكنت شغيلة القرض الفلاحي من خوض معارك بطولية ساعدت على اكتساح كلي للقرض الفلاحي والمساهمة في إنعاش مشروع تنظيم القطاع البنكي الخاص ولكن أساسا بالقطاع العمومي وشبه العمومي كالبنك الشعبي، صندوق الإيداع والتدبير، صندوق تمويل الجماعات المحلية وأخيرا بنك المغرب. برزت بالقرض الفلاحي عناصر قيادية مميزة كانت من ضمنها، صاحب المقال، محمد المعاشي وعبدالمولى عبدالمومني، وثلة من المناضلات والمناضلين من مختلف جهات المغرب، نذكر أساسا المرشحين لأول انتخابات لممثلي المستخدمين لسنة 1997، حيث فازت لائحة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بكل المقاعد، أذكر للتاريخ عبدالله لحبوقا، ميلود محسن، بن سالم القمار، زهرة الزائر (نعناعة)، عبدالعالي نعمان، نورالدين وفاء، المرحومين البرعي ومسرار وآخرين لا يسع المجال لذكرهم كلهم، منهم من التحق بالرفيق الأعلى – رحمة الله عليهم -، منهم متقاعدون ومنهم من يزاول عمله ونضاله وآخرون اختاروا مناهج ومواقع أخرى. لما غادرت القرض الفلاحي سنة 1999 لتبوأ مسئولية رئيس ديوان عبدالكريم بنعتيق، كاتب الدولة في الصناعة التقليدية، المقاولات الصغرى والمتوسطة والاقتصاد التضامني ومن بعد كاتب الدولة في التجارة الخارجية ضمن حكومة السيد عبدالرحمان اليوسفي الثانية، استمر الثنائي – محمد المعاشي وعبدالمولى عبدالمومني – في مواكبة العمل النقابي والتمثيلي بالقرض الفلاحي إلى أن افترقت بهم السبل مع بداية سنة 2012. لقد خضت معهم كل المعارك النضالية وكل المعارك الانتخابية من موقع قيادي من سنة 1996 إلى نهاية سنة 1999، ومن موقع فاعل ومساند لتجربة الثنائي المذكور منذ عودتي للقرض الفلاحي سنة 2002 إلى يوم الناس هذا. انخرطنا سويا في كل المعارك منذ سنة 1999، هم من موقع القيادة والتمثيلية والتفاوض، أنا من موقع المساند والداعم القوي لتجربتهم. نجحوا في كل المعارك الانتخابية المهنية لمندوب الأجراء وكان لهم دور لا يمكن أن ينكره جاحد في السلم الاجتماعي، الشراكة الاجتماعية البناءة، مكنت البنك من إعادة هيكلته وتطوير خدماته بفضل دور مسئوليه، سعيد الإبراهيمي وطارق السيجلماسي. خضت معهم كل المعارك، آخرها فوزهم الساحق في انتخابات مندوب الأجراء لسنة 2009، وفي نفس السنة الإعلان عن إضراب لمواجهة تخوفات الشغيلة من تقليص دور القرض الفلاحي لصالح أبناك مغربية خاصة ضمن "مخطط المغرب الأخضر"، حيث دار نقاش قانوني حول صلاحية مندوب الأجراء في غياب أي إطار نقابي الإعلان عن إضراب وطني. كان النقاش على أشده داخل البنك وخارجه، لدرجة أن "جهات ما" كانت تتسائل عن من يكونون الداعين عن خوض الإضراب، عن طموحاتهم، عن أهدافهم وسقف مطالبهم. الواقع هو أنه كنا "قيادة" محلية بالبنك ندافع عن مصالح شغيلة البنك بدون أية خلفيات أو طموح. كما خضت معهم معركة انتخاب ممثلي القرض الفلاحي بالتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية لنفس السنة. هناك حديث طريف حول طريقة التحاق عبدالمولى عبدالمومني بالعمل التعاضدي، يجب أن تحكى. مع انخراطنا سنة 1996 في العمل النقابي البنكي الكنفدرالي كان التوجه يربو إلى اكتساح كل المواقع الاجتماعية داخل المؤسسة البنكية وخارجها، رغم أن كل المجهود كان منصبا أساسا على معركة الحفاظ على البنك، كأداة وطنية فعالة في تمويل الفلاحة والعالم القروي وكذا الحفاظ على مناصب الشغل في مواجهة مخططات تفكيك وتقليص دور القرض الفلاحي. كانت التجربة المريرة لمكتب التسويق والتصدير مع فصل وطرد مستخدميه وأطره، خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، حاضرة بقوة في ذاكرة الشغيلة. هكذا ونحن في خضم الإعداد لمعارك ضارية، إضرابات واعتصامات، إذ يتم إخبارنا خلال شهر نونبر 1999، أنه ستجري انتخابات ممثلي القرض الفلاحي بالتعاضدية العامة. كان موضوعا هامشيا بالنسبة لنا في ذاك الزمان وبالنسبة للشغيلة بالقرض الفلاحي. وما زال الشهود أحياء ليومنا هذا للتأكيد على ما أقول. كانت هذه الانتخابات تهم فئة لا تتعدى عشرون نفرا يتم أصحابها الاستعانة بهم للتصويت عليهم في انتخابات التعاضدية. كان زمان مغاير لزمننا هذا. تقليص المشاركة المواطنة في المؤسسات، كيفما كان نوعها. لما نهي إلى علمنا هذا الأمر، قررنا عدم ترك هذا المجال، رغم محدوديته فيما ينتظرنا من مهام وآفاق نقابية، واقتحامه لفرض نوع من "الهيمنة" على كل الإطارات التمثيلية. وبتوجيه من القيادة النقابية البنكية، وعدم رغبة العديد من المناضلين، تقديم ترشيحهم، استقر الرأي على "الضغط" على الأخ عبدالمولى عبدالمومني، ممثل المستخدمين بالقرض الفلاحي كمستقل آنذاك، لخوض غمار هذه المعركة التي تجند لها كل التنظيم النقابي الفتي وتم ربح هذه المعركة وسقوط مرشحي الإدارة، أصحاب المصالح الخاصة. هكذا فاز عبدالمولى بأول مقعد داخل التعاضدية العامة ب185 صوت، حاز المرشح الثاني ب132 صوت وهو العضو السابق بنفس الهيأة والثالث حاز على 87 صوت. أما المرشح الرابع فحاز على صوت واحد لسبب بسيط هو كونه تنازل لصالح عبدالمولى لترجيح كفته. كان الأمر يتعلق بالصديق بلمعلم التهامي. هذه كانت بداية عبدالمولى عبدالمومني مع التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية. هذا التذكير لا يسعى إلى تقليص دوره ومكانته في هذا المدمار. لا، أبدا. إني أعترف هنا أن الصديق عبدالمولى عبدالمومني قاد مع لجنة التنسيق الوطنية لمندوبي التعاضدية العامة، معركة كبيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى داخل هذا القطاع المكلف بالتغطية الصحية لمئات الآلاف من الموظفين والمستخدمين والأطر. معركة ضد الفساد والإفساد، معركة من أجل تطبيق القانون، معركة من أجل جعل هذه المؤسسة في خدمة المنخرط. معركة، من وجهة نظري، فريدة من نوعها في بلادنا، معركة استطاع من خلالها الصديق عبدالمولى عبدالمومني ورفاقه، خلق كتلة تاريخية حقيقية نقابية وسياسية، برلمانية وإعلامية، جمعوية وشعبية، انضم إلى صفوفها، اليساري، الاشتراكي، الإسلامي، الحداثي، اليميني... ساهمت بتواضع في هذه المعركة، التي كنت أتمنى أن تستمر وتتطور إلى آفاق رحبة أخرى وتشمل مؤسسات تمثيلية كثيرة، لمحاربة الفساد ولجعل مؤسسات التغطية الصحية، التقاعد، الصحة، التعليم، الرياضة، الماء والكهرباء، شأن واهتمام كل الفاعلين بعيدا عن مواقعهم السياسية وأهدافهم الذاتية. هكذا وبفضل سنوات من النضال، سقط رمز من رموز الفساد. لقد كانت الجرأة والشجاعة لحكومة عباس الفاسي، خاصة وزرائه في المالية والشغل، تطبيق لأول مرة في تاريخ التعاضدية، الفصل 26 من ظهير 1963 المنظم للتعاضد، بإقالة رئيس وأعضاء المجلس الإداري للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، تعيين متصرفين من وزارات المالية والتشغيل وتنظيم انتخابات جديدة بالقطاع، استطاع عبدالمولى عبدالمومني ورفاقه من مختلف التنظيمات النقابية والتوجهات إحراز الأغلبية. لقد مكنت هذه المعركة التي خاضها عبدالمولى عبدالمومني ورفاقه لمدة ثمان سنوات بأيامها ولياليها من سطوع "نجمه" على الساحة الوطنية والإعلامية استطاع بخرجاته المتعددة والمدروسة أن يحتل إلى يومنا هذا صدارة الصحف الوطنية والمواقع الإلكترونية. آخر خرجاته، على سبيل المثال، في مواقع إلكترونية، عندما صرح كونه يواجه "تسونامي الفساد" ب "تسونامي القانون". يا له من تعبير رائع. أتمنى أن يكون واقعا حقيقيا وليس مجرد شعار للاستهلاك وللظهور بقناع ليس هو القناع الحقيقي للشخص كما قال عز وجل في كتابه الكريم: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" (سورة البقرة). لا نتسرع في الأحكام، ولنقدم ما بحوزتنا من ملاحظات، معطيات، تخمينات وشكوك. سأقدم بعض المعطيات، يمكن أن تبدو للبعض تافهة، غير ذي معنى، لكن أشير إلى كون ما سيأتي من إشارات لها دلالات عميقة بالنسبة لمن كانوا عصبة وكتلة واحدة لمدة تتجاوز الخمسة عشر سنة، الذين أصبحت تجمعهم صداقات رفاقية، عائلية، أخوية، نضالية ومهنية. حتى أصبحوا كجسم واحد. بقوة الاحتكاك اليومي لسنين عديدة، كان يكفي أن ترمش عين أحدهم أو يرفع يده أو ينبش بكلمة، ليعرف الآخر ما يريد قوله أو فعله أو التنبيه إليه. هذا كان حال الثلاثي، عبد ربه، محمد المعاشي وعبدالمولى عبدالمومني. أما الأخيرين فبقوة معاشرتهما بعضهما للبعض، كانا داخل القرض الفلاحي وخارجه، كجسم واحد لمدة 25 سنة. هذا تحليل بسيكولوجي سيفهمه العديد من الذين يعيشون أحداثا مماثلة. كانت بداية البدايات، مع انتخاب عبدالمولى عبدالمومني كرئيس جديد للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية سنة 2009. ارتأت إدارة القرض الفلاحي تنظيم حفل رمزي احتفاء بتبوء أحد أطر البنك رئاسة هذه المؤسسة التعاضدية الهامة. لقد حضر هذا اللقاء مسئولي البنك، أحد الوزراء، بعض الشخصيات العمومية وبعض المقربين من الرئيس الجديد، ضمنهم عبد ربه. كما حضر محمد المعاشي، مندوب الأجراء والناطق الرسمي باسم هيأة مندوب الأجراء المناضلين بالقرض الفلاحي. ولهذا اللقاء، قصة. سيحكيها لي محمد المعاشي، أياما بعد هذا اللقاء. جرت العادة أن كل اللقاءات داخل المؤسسة البنكية التي لها علاقة بمندوب الأجراء المناضلين يتكلف بترتيباتها محمد المعاشي، خاصة فيما يتعلق بحجم وتمثيلية مندوب الأجراء. أحيانا، يتم الاكتفاء بحضور الأعضاء الأربعة للجنة الحوار الاجتماعي، مرات أخرى، يكون الحضور مقتصرا على مندوب الأجراء المناضلين المتواجدين بالرباط، وأحيانا أخرى يتم الدعوة لكل مناديب الأجراء المناضلين على الصعيد الوطني. هذه الحيثيات كان المسئول عنها مند سنوات، محمد المعاشي لوحده أو بتنسيق مع عبدالمولى عبدالمومني. هكذا، إذ محمد المعاشي يقوم بهذه الترتيبات، يفاجئ بتراجع عبدالمولى عن اتفاقهم السابق المتعلق بحضور جميع مندوب الأجراء المناضلين. ولأول مرة يقدم عبدالمولى عبدالمومني بالاتصال بإدارة القرض الفلاحي لتحديد هو بنفسه من سيحضر في هذا الحفل عن هيأة مندوب الأجراء المناضلين. وكانت المفاجأة أنه أقصى كل المناديب المناضلين الذين ساهموا في كل المعارك النضالية في القرض الفلاحي منذ 1996 والذين كان لهم دور بارز في إنجاح لائحة عبدالمولى عبدالمومني لانتخابات ممثلي القرض الفلاحي داخل التعاضدية العامة. شيء غريب، لكن في اللحظة نفسها، يمكن أن لا يعير لها الإنسان الأهمية التي تستحقها. أما، محمد المعاشي، فرفض بأدب أخذ الكلمة باسم هيأة مندوب الأجراء بالقرض الفلاحي خلال هذا الحفل في غياب باقي المناديب. لقد شكل هذا الحادث، بداية تغيير في فكر وممارسة عبدالمولى عبدالمومني. لقد بدأت علامات "النخبوية" تطفو على السطح. مع انتخابه كرئيس للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية سيكون عبدالمولى عبدالمومني مضطرا للتفرغ لمهامه الجسيمة الجديدة وسيبتعد عن دور مندوب الأجراء بالقرض الفلاحي. كما سيتقلص حضوره بالقرض الفلاحي، وكذا لقاءاته مع أصدقاءه القدامى. حتى أصبحت نكتة القرض الفلاحي، هي كون أن أي أحد يستطيع التحدث هاتفيا مع الوزير الأول ولا يستطيع فعله مع عبدالمولى عبدالمومني لعدم رده على المكالمات أو لتواجده باستمرار في الاجتماعات والسفريات داخل وخارج الوطن. بدايات مفاجئة. في تلك الأيام، كنت برفقة عبدالمولى عبدالمومني، نتحدث عن تفعيل دور التعاضدية العامة على الصعيد الإفريقي والدولي لما فيه منفعة للمؤسسة وللمغرب، لأن أية تمثيلية مغربية في الخارج من شأنها الدفاع عن قضايا المغرب، التعريف بالبلد وبنهجه السياسي، الاقتصادي والاجتماعي. كان عبدالمولى مدعوا لأول لقاء له في إطار مهامه الجديدة في إحدى الدول الإفريقية. فحدثني عن اللقاء وأهميته وكذا ترتيبات السفر. فصرح لي، دون أن أطلب منه ذلك، أن أعضاء مكتب التعاضدية يتسائلون عن جدوى العمل الدولي في ضل الأزمة المالية الخانقة التي تعرفها التعاضدية، وأنه أحاطهم علما أنه سيتكفل شخصيا من ماله الخاص للقيام بهذه المهام الدولية. لم أعطي للموضوع حينها أي اهتمام، إذ قلت لنفسي، جهة ما ستمول هذه السفريات لأهميتها. هذا التصريح، تكفله من ماله الخاص للقيام بالمهام الدولية للتعاضدية، أدلى به لأصدقاء آخرين وفاعلين كانوا يساندون عبدالمولى عبدالمومني في تجربته الأولى لقيادة التعاضدية. تمر الأيام. ويكثر الحديث بالقرض الفلاحي حول سفريات عبدالمولى خارج الوطن خاصة وأنه يخبر بنفسه عن هذه السفريات بانتظام عبر البريد الإلكتروني الخاص بالبنك. يتمحور النقاش حول من يمول مصاريف التنقل عبر الطائرة والإقامة بالخارج المتعلقة بمهام عبدالمولى في إطار التعاضدية العامة. في حوار حول هذا الموضوع مع محمد المعاشي، حكيت له ما كان قد صرحه لي عبدالمولى من كونه يصرف من ماله الخاص على تنقلاته للخارج. لكن الحديث كان قد كثر بالقرض الفلاحي على كون مصاريف التنقل عبر الطائرة والإقامة المتعلقة بالمهام التعاضدية لعبدالمولى يتكفل بها القرض الفلاحي. كانت الدهشة كبيرة لأن مندوب الأجراء المناضلين كانوا يتعاملون بشفافية مطلقة فيما يخص كل معاملاتهم داخل البنك، لإبعاد الشبهات ولكي لا تستعمل الإدارة هاته الأمور ضد هيأة المناديب. كانت مقولة "الإنسان يبقى قويا حتى يطلب شيئا لنفسه" إحدى محددات اشتغال هيأة مندوب الأجراء المناضلين بالقرض الفلاحي. نفاجأ خلال شهر نونبر 2012، أن أحد أعضاء المجلس الإداري للتعاضدية العامة يراسل وزير العدل حول الوضعية الحالية لهذه المؤسسة ومن ضمن ما جاء في التقرير المرفق للرسالة، أنه يتساءل عن الجهة التي تمول سفريات رئيس التعاضدية للخارج. إنه من الواجب علينا طرح السؤال: لماذا هذا التستر؟ هل في القضية شيء ما معيب؟ في أي إطار يندرج الاتفاق ما بين عبدالمولى عبدالمومني وإدارة القرض الفلاحي؟ هل هذا التمويل شرعي؟ هل هناك مقابل ما؟ سنفهم ذلك فيما سيأتي من أحداث. لا دخان بدون نار. إلى حدود يومنا هذا لم يرى عبدالمولى عبدالمومني ضرورة تقديم أي توضيح عن هذه المسألة لهيأة مندوب الأجراء المناضلين ولبقية أصدقاءه الذين دعموه في تجربته الجديدة. مع تعيين عبدالمولى عبدالمومني ضمن أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي ممثلا للقطاع التعاضدي، ازدادت قطيعته مع كل أصدقائه القدامى ومع هيأة مندوب الأجراء المناضلين. قطيعة غير مفهومة وغريبة، لا لقاءات ولا رد على المكالمات الهاتفية لا في حينها ولا من بعد. محمد المعاشي كرئيس لهيأة مندوب الأجراء المناضلين بالقرض الفلاحي، كان في بعض الأحيان في حاجة ماسة للتشاور والاتفاق مع كل مناديب الأجراء المناضلين ومن ضمنهم عبدالمولى عبدالمومني حول قضايا طارئة لشغيلة القرض الفلاحي تتوجب اتخاذ ما يلزم من قرارات نضالية وإصدار بيانات وتحديد المواقف. كانت صعوبات جمة للتحدث مع عبدالمولى. لا يرد في الهاتف، يعتذر مرارا لانشغالاته الكثيرة، مما يعرقل السير العادي للعمل التمثيلي داخل القرض الفلاحي. بالموازاة مع ذلك، لوحظ باستغراب تغيير واضح في تعامل الإدارة مع مندوب الأجراء المناضلين ذو التمثيلية المطلقة، من سد باب الحوار والشراكة الاجتماعية، عدم الاكتراث بمطالب الشغيلة، الانفراد بالقرارات الاجتماعية. شيء ما كان يطبخ. مرة وبحضوري الشخصي، استطاع محمد المعاشي الانفراد بعبدالمولى عبدالمومني، ليحدثه عن هذه التغييرات المفاجئة لمديرية الموارد البشرية بالقرض الفلاحي وصدها لباب الحوار. خلال هذا اللقاء، ظهرت لأول مرة في واضحة النهار وجهات نظر متعارضة حول دور هذه المديرية، ما بين موقف محمد المعاشي حول محاولات الإدارة إنهاء تجربة الشراكة الاجتماعية وموقف عبدالمولى حول عدم تضخيم الأمور. بادر محمد المعاشي في لحظة من النقاش بطرح السؤال التالي على عبدالمولى: هل هناك حرج أو تعارض ما بين مهامك الجديدة على رأس التعاضدية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ودورك كمندوب الأجراء المناضلين بالقرض الفلاحي؟ كان سؤالا وجيها وفي الصميم لرفع أي حرج ولدراسة إمكانيات التعامل مع الوقائع الجديدة إن كانت موجودة. كان جواب عبدالمولى، ليس هناك تعارض وحين سيكون سأخبرك بذلك. لكن أجواء الحوار كانت تشي بكون شيء ما ليس على ما يرام. أغلق باب الحوار الاجتماعي بالقرض الفلاحي فجأة بدون سابق إنذار لأول مرة منذ أكثر من 15 سنة، وبدأت تطفو على السطح ممارسات تذهب في اتجاه تطويق عمل مندوب الأجراء المناضلين، انفراد مديرية الموارد البشرية بالقرارات الاجتماعية في غياب أي تشاور مع ممثيلي الشغيلة، اتخاذ قرارت عقابية في حق بعض مندوب الأجراء المناضلين، سن سياسية تضرب في الصميم حقوق ومكتسبات الشغيلة. لقد بلغ السيل الزبى. أمام هذا الوضع قرر مندوب الأجراء المناضلين العمل على إصدار بيان حول الوضع الاجتماعي، قوي اللهجة. اتصل محمد المعاشي بعبدالمولى لإخباره بمحتوى البيان. لم يرد على الهاتف ولم يعد الاتصال. حاول مرارا المعاشي حتى استطاع أن يتحدث إليه حول البيان. لمح عبدالمولى لمخاطبه أنه مريض (رغم أن الأخير ظهر اليوم التالي عبر شاشة التليفزيون ضمن أحد اجتماعات المجلس الاجتماعي والاقتصادي!!) ، فتحدثوا عن أهم نقط البيان. لم تكن هناك أية معارضة أو تعارض يذكر من طرف عبدالمولى. فصدر البيان. كان قوي في مضمونه وواضح في تحليله، يحمل مديرية الموارد البشرية مسئولية الاحتقان الاجتماعي بالقرض الفلاحي. وصلت أصداء عن انزعاج إدارة القرض الفلاحي من هذا البيان الذي لم تكن تنتظر صدور واحد على شاكلته. كانت الإدارة تعلم أشياء لا نعلمها ذاك الحين. أما المفاجأة الكبرى، فكانت مبادرة عبدالمولى، لأول مرة منذ العشرات من السنين، بالاتصال هاتفيا بالمعاشي ليقول له بلهجة غاضبة، أنه ليس متفقا على مضمون ولغة البيان وأنه بريء منه. بريء من من ماذا يا صديقي عبدالمولى، من مطالب الشغيلة، من هجوم الإدارة على مكاسب وحقوق الشغيلة، من غياب الحوار، من انفراد مديرية الموارد البشرية بالقرارات الاجتماعية. حاولت أن أفهم كلمات عبدالمولى، فعجزت. قلت مع نفسي، يمكن أن يكون هناك اختلاف في التحليل وفي تقييم الوضع العام، ستكون الفرصة مواتية لمناقشة ذلك مع عبدالمولى في أي فرصة تتاح. لم تتح أية فرصة. فوضع نفسه خارج إطار مناديب الأجراء المناضلين. استمرت هجمة إدارة القرض الفلاحي عبر مديرية الموارد البشرية ضد الشغيلة وممثليها الشرعيين. كانت النقطة التي أفاضت الكأس قرار البنك منح ترقيات وزيادات لفئة صغيرة من الأطر والمستخدمين في غياب أي إخبار للشغيلة وأية مساطير شفافة وعلنية، فعم الغضب كل فئات الشغيلة بالقرض الفلاحي على الصعيد الوطني، فما كان من ممثليهم الشرعيين تحت ضغط القاعدة سوى الاجتماع لمناقشة الوضعية الاجتماعية واتخاذ القرارات النضالية التي تفرضها اللحظة. من ضمنها مبدأ خوض إضراب وطني مع وقفة احتجاجية أمام مقر البنك بالرباط. في خضم هذه الأزمة الجديدة بدأت تتضح مواقف ومواقع كل الفاعلين بالقرض الفلاحي، من شغيلة، إدارة، مندوب الأجراء... وعبدالمولى عبدالمومني. هكذا، سارع عبدالمولى إلى إخبار المعاشي، عبر رسالة خطية، عن فك ارتباطه بالخط النضالي الذي رسموه منذ سنة 1996 إلى يومنا هذا، لم يساند قرار الإضراب، بدأ يصدر بيانات مضادة لتلك الصادرة عن مندوب الأجراء المناضلين، يمجد في الإدارة، يستقطب بعض مندوب الأجراء المناضلين لصفه. هنا كانت القطيعة، تامة ونهائية. لماذا هذا الهجوم على أصدقاء نضال الأمس؟ هل لاختلاف الرؤى والمواقف؟ أعتقد جازما أن المسألة متعلقة بصفقة ما، أن هناك مقابل ما لمواقف معينة. بدءا بتمويل القرض الفلاحي لسفريات عبدالمولى عبدالمومني، كرئيس للتعاضدية العامة في مهام خارج الوطن بكل من إفريقيا، أوروبا، البرازيل... مبالغ السفر بالطائرة ومصاريف الإقامة خيالية... هل كانت لوجه الله. هل لم تكن بداية صفقة ما في القرض الفلاحي ما بين مديرية الموارد البشرية ورئيس التعاضدية، العضو البارز منذ سنوات ضمن هيأة مندوب الأجراء المناضلين بالقرض الفلاحي. تلتها الأخبار الرائجة حول كون عبدالمولى نفسه استفاد من زيادة مهمة ضمن الفئة الصغيرة المحظوظة بالقرض الفلاحي، يتحدث البعض عن زيادة شهرية تفوق الراتب الذي يحصل عليه مدير الديوان في الوزارة، أي أكثر من خمسة عشر ألف درهم كزيادة شهرية في دفعة واحدة، حتى أصبح أجره يتعدى أجر رئيس الحكومة. كما استفاد كل من انحاز، وهم قلة قليلة، إلى جانبه من ممثلي القرض الفلاحي بالتعاضدية ومندوب الأجراء، وبعض الموقعين على بياناته، حازوا على زيادات (ما بين 3.000 و5.000 درهم شهريا) وترقيات هي حديث العام والخاص بالقرض الفلاحي. أصبح راتب صديقي عبدالمولى حديث العام والخاص بالمؤسسة البنكية على شاكلة راتب "غيريتس"، بحيث ضرب سياج من السرية حول حسابه. لقد كانت الزيادات في الأجر الممنوحة لأقلية من المحظوظين لحظة غضب عارم بالقرض الفلاحي أدى إلى توتر الجو بشكل كبير مما حذا بالإدارة إلى التدخل بقوة وعبر كل الوسائل لإخماد نار الغضب. حيث لجأت حينا الإدارة، لنفي الزيادة داخل أوساط الشغيلة (لحد الآن لم تعلن الإدارة عن وجود هذه الزيادات) وحينا عبر تصريح لصحيفة وطنية عن كون هذه الزيادة همت أولائك الذين حققوا الأهداف المسطرة لهم في عملهم اليومي ورفعوا معدلات الإنتاجية. هذا التصريح مردود لأن المستخدمين والأطر بالقرض الفلاحي على علم بالأشخاص المستفيدين والبعيدين عن الإنتاجية المفترى عليها. لكن ما يهمنا نحن هنا، هو كيف استطاع عبدالمولى الاستفادة من هذه الزيادة المزعومة والخيالية وهوالذي يقر بنفسه عبر الرسائل الإلكترونية والبلاغات الصحفية عن تواجده باستمرار في مهام متعلقة بالتعاضدية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. أية مردودية له بالقرض الفلاحي حتى يستفيد من الزيادة في الأجر؟ أم هناك تحت الجليد أمور أخرى؟ أما الطامة الكبرى فهي انفراد القرض الفلاحي وحده ضمن أكثر من 2.000 مؤسسة منخرطة في التعاضدية العامة بتطبيق يوم 22 فبراير 2012، نسبة ومراجعة وعاء الاشتراكات الجديدة لصالح التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية. لهذه القضية، قصة، يجب أن تحكى لفهم ما يجري ويدور. قرر جمع عام للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية خلال صيف 2011 اتخاذ قرار مراجعة نسبة الاقتطاع لمنخرطيه، بالزيادة في سومة الاقتطاع. سوف لن أناقش حيثيات هذا القرار، مشروعيته من عدمه. لكن سآتي إلى طريقة تمريره بالقرض الفلاحي. تتبعت عبر الجرائد الوطنية صعوبة تطبيق هذا القرار داخل المؤسسات المنخرطة بالتعاضدية العامة وخاصة بقطاع وزارة الداخلية والجماعات المحلية، حيث تم رفض الزيادة في الاقتطاع في غياب قرار وزاري حول الموضوع. إلا أنه فوجئنا بتطبيقه داخل القرض الفلاحي. فهمنا كون رئيس التعاضدية ارتأى تطبيقه على صعيد المؤسسة التي ينتمي إليها، لكن ما لم يُفْهَم هو تسرع مؤسسة القرض الفلاحي تطبيق هذا القرار على مستخدميها وأطرها دون التمعن في خلفيات وقانونية القرار وبدون استشارة مع لجنة الحوار الاجتماعي بالمؤسسة كما جرت العادة فيما يخص كل قرار يهم الشغيلة. كاد هذا الاقتطاع الجديد من الأجر في ظل الوضع الاجتماعي أن يدخل مؤسسة القرض الفلاحي في دوامة من التوتر الاجتماعي وتأزيم الوضع أكثر. أمام غضب شغيلة القرض الفلاحي وتأكد الإداراة من غياب أي مرسوم حكومي حول الموضوع، قررت التراجع عن هذا القرار بإرجاع المبالغ المقتطعة لأصحابها والكف نهائيا عن أي اقتطاع زائد جديد. لكن الكل تسائل داخل البنك عن مغزى تسرع مديرية الموارد البشرية في تنفيذ قرار الاقتطاع ولمصلحة من كان يصب هذا الإجراء الذي طبق في القرض الفلاحي ولم يطبق في باقي المؤسسات المنخرطة بالتعاضدية العامة والتي تتجاوز الألفين. نعود إلى موضوعنا الأم. هل تغيير موقف الصديق عبدالمولى عبدالمومني ناتج عن صفقة أو صفقات ما داخل مؤسسة القرض الفلاحي؟ في السياق ذاته، ليسمح لي الصديق عبدالمولى عبدالمومني، التوجه إليه مباشرة، لمعرفة وضعه المالي داخل مؤسسة القرض الفلاحي. وبالتحديد وضعية أجره بالموازاة مع انقطاعه عن العمل في مهمات داخل وخارج الوطن لصالح التعاضدية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. كم هي كثيرة سفرياته التي يخبرنا بها عبر وكالة الأخبار الرسمية والجرائد والمواقع الإلكترونية الوطنية وعبر بريده الإلكتروني. السؤال بسيط ويحتاج إلى جواب بسيط. نعلم كما أسلفنا أن القرض الفلاحي تكفل ببعض سفريات ومصاريف الإقامة لعبدالمولى عبدالمومني في مهام خارج الوطن تهم التعاضدية العامة. كما بلغ إلى علمنا أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي قرر منح تعويض لأعضائه عن حضورهم لأشغاله وكذا تعويض لأعضاء مكتب هذا المجلس الذي كان صديقي عضوا أيضا فيه. إنني أتسائل إن كان عبدالمولى عبدالمومني يتقاضى هذه التعويضات ويتقاضى في نفس الوقت أجره كاملا من البنك حتى لتلك الأيام التي يكون فيها مسافرا خارج الوطن أو متفرغا لعمله داخل التعاضدية العامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أقول قولي هذا وأنا أعلم أن بعض المستخدمين والأطر بالقرض الفلاحي أعضاء ورؤساء المجالس البلدية والقروية كان يتم الاقتطاع من أجرهم للأيام التي كانوا ينقطعون فيها عن العمل لحضور اجتماعات المجالس المنتخبة. إنها أسئلة عديدة ونقط استفهام كثيرة تتطلب توضيحا علنيا من طرف صديقي عبدالمولى عبدالمومني ليطمأن قلبي. إن ما سلف يلزم توضيح من طرف الهيئات المذكورة، القرض الفلاحي، التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. كذلك مطروح موقف واضح من الهيئات الجمعوية، خاصة الهيأة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، والهيئات السياسية والنقابية الداعمة لمواقف وسياسات صديقي رئيس التعاضدية. أما الصحافة الوطنية بمختلف تلاوينها والتي تخصص حيزا مهما من أخبارها لصديقي عبدالمولى مطالبة أيضا لعب دورها وفتح تحقيق شامل ومدقق حول كل ما ورد في هذا المقال. على الحقيقة أن تظهر. وليتحمل كل واحد مسئولياته. لنأتي إلى قضية شائكة أخرى تهم تفاعلات الصراع الاجتماعي بالقرض الفلاحي. أمام تأزم الوضع بالمؤسسة بادر مجموعة من المستخدمين والأطر تأسيس إطار نقابي جديد تحت اسم الجامعة الوطنية لمجموعة القرض الفلاحي المنضوي في إطار المركزية النقابية الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المقربة من حزب العدالة والتنمية. كان التأسيس يوم 21 أبريل 2012. رجعت النقابة للقرض الفلاحي بعد غياب دام أكثر من 12 سنة. على شاكلة أغنية المرحوم الشيخ إمام، "رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد ثاني". لقي هذا العود النقابي استحسانا من طرف شغيلة القرض الفلاحي وحربا ضروسا من طرف مديرية الموارد البشرية. لكن المفاجأة الكبرى أتت من موقف الصديق عبدالمولى عبدالمومني. اعتقدت أنه سيخطو خطوة إلى الأمام لتأسيس فرع للمركزية التي ينتمي إليها، لكن المفاجأة أتت لما قرر التحالف مع الإدارة وخلق عوض نقابة، جمعية حسب قانون الجمعيات لسنة 1958 تحت اسم "الجمعية الوطنية لمستخدمي ومتقاعدي القرض الفلاحي". ذكرتني الحكاية بجمعية السهول والوديان لزمن مضى. إني أتسائل وله أن يجيب. هل لم يستطع لم العدد الكافي من المنخرطين لتأسيس نقابته؟ هل هي صفقة أخرى مع إدارة القرض الفلاحي لطرد العمل النقابي الجاد من المؤسسة البنكية؟ أم الأمر يتجاوز كل هذا وينم عن مخطط وتوجيه عام لقطاع الأبناك اليوم، وكل المؤسسات والإدارات لاحقا لتفريغ إنزال محتوى الدستور الجديد الذي منح للفعل النقابي وضع خاص وذلك بتأسيس جمعيات السهول والوديان؟ كيف يمكن لصديقي أن يحلل شيئا محمودا بالنسبة إليه في التعاضدية العامة ويحرمه بمؤسسة كبرى كالقرض الفلاحي. لقد عودنا في كل تصريحاته عن مساندة النقابات المركزية الأكثر تمثيلية لعمله بالتعاضدية العامة والتي بوأته مقعد الرئيس. إن الإطارات المركزية المعنية مطالبة بتوضيح موقفها أيضا من هذه النازلة. إن تطاول جمعية على اختصاصات مندوب الأجراء والنقابات لن تمر مر الكرام وسيكون لهذا الموضوع داخل القرض الفلاحي وخارجه ما بعده. أما محاولات التلميع والمغالطات حول هذا الإطار الجمعوي الإداري المصلحي فحدث ولا حرج. لقد عودنا صديقي على التضخيم. هكذا تحدث عن حضور 350 شخص للجمع العام التأسيس لجمعيته (بالمناسبة أطلقت شغيلة القرض الفلاحي على الجمعية اسم "جمعية أصدقاء مديرية الموارد البشرية"). الواقع أن العدد لم يتعدى 120 فردا أغلبهم من المقربين للإدارة من ضمن أكثر من 3.300 مستخدم وإطار. وأهل الدار أدرى بشعابها. كما صدر بلاغ عن الجمعية يتحدث عن "سد الفراغ" و"تأطير النقاش" و"إنتاج الفكر" داخل القرض الفلاحي. والحقيقة أقول أن هذه الجمعية جاءت لمحاربة النقاش الواسع والإنتاج الفكري الضخم داخل صفوف الشغيلة بفضل نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب. اسألوا المستخدمين والأطر والأطر العليا. البيانات النقابية بالعشرات، وكل بيان يحتوي عل عشرات الصفحات، رغم ذلك هناك رغبة للمعرفة والقراءة والإطلاع. الحقيقة أن الإدارة منزعجة من هذا العمل التأطيري المبدع والخلاق لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب و"ابتدعت" الإدارة هذه الجمعية ليرجع "الفراغ" سيد نفسه داخل الحقل الاجتماعي بالقرض الفلاحي. أقولها بكل صراحة. كنت مترددا بين كتابة هذا المقال أو ترك الورقة بيضاء كما هي. متأرجحا بين الواجب من جهة (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وبين الخنوع للأمر الواقع (لم أرى لم أسمع لم أعلم) فإذا لن أتكلم. لقد اخترت الطريق الأول، سيرا على مقولة أبو جعفر المنصور (إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ** فإن فساد الرأي أن تترددا) ومستحضرا الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي اعتبر الحقيقة كقيمة أخلاقية وواجب بعيدا عن المصالح الخاصة والنتائج والظروف والدوافع، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي (وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت**فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا). إن حبل الكذب والمغالطات قصير، لذا أوافق رأي فريديريك نيتشه كون "ما يزعجني ليس أنك كذبت علي، ولكن ما يزعجني هو أنه لا يمكن تصديقك بعد الآن" من طرفي ومن الآخرين، رغم محاولات تلميع صورتك الإعلامية لأن المتتبعين والملاحظين المطلعين يعلمون أن "شعبيتك" بالقرض الفلاحي انتهت. وان العد العكسي ابتدأ. أتمنى أن أكون مخطئا في تحليلي واستنتاجاتي وأن أتحمل تبعات ذلك. لكن ما لا يمكن لي قبوله هو أن تحسب علي وأن أحسب عليك. لذا قررت الإتيان بهذه الشهادة حتى أبرئ ذمتي حاضرا ومستقبلا. اللهم إني قد بلغت.