مرة أخرى ينبه حكيم الحركة الإسلامية الأستاذ والمفكر الكبير عبد الفتاح مورو إلى خرم كبير ونقص فظيع في عقل وتكوين الإسلاميين اليوم ، وذلك من خلال تذكيره لهم باهتمامهم الفائق بالعلوم البحتة من طب وهندسة وعلوم رياضية في مقابل زهدهم بل استخفاف بعضهم أحيانا بالعلوم الإنسانية والإجتماعية ، والتي تُكون الأس والعمق الحقيقي للعقل والفكر الإنساني 1. ووعيا مني بخطورة هذا الخصاص الكبير الذي لمسته ويلمسه كل ملاحظ ومتتبع للحركة الإسلامية عن كثب وعن كتب فقد حاولت أن أذكر دائما بضرورة مراجعة هذا الأمر وإصلاحه عن طريق الإهتمام أكثر بالمسألة الفكرية والثقافية والأدبية والفنية ، وسجلت في مقال سابق أن " حصوننا مهددة من الداخل " قبل الخارج ، خصوصا على الجبهة العلمية الفقهية والفكرية والتي ليست مع الأسف من أولويات الدعوة والحركة الإسلامية ، وإن انشغال الدعوة" بالفتوحات" الحركية والإشعاعية في الداخل والخارج ، والتفريط في " الرسالة العلمية " الفكرية من تكوين و تأطير صحيح و متين لَيجعَل أبناء الدعوة وعموم المسلمين طُعمة سائغة للثقافة الداعشية المغلفة بالقاموس الشرعي والحماسة الدينية "2. وسجلت أيضا في مقال آخر أنه "جرت العادة أن يقتصر اهتمام الإسلاميين على الشأن السياسي والإقتصادي مع إهمال شبه كامل للعلوم الإنسانية مثل الفلسفة و الأدب والفنون والتاريخ والأنثروبولوجيا وغيرها من المجالات غير ذات النفع المباشر والسريع! ومن نتائج هذا الأمر أنك تلاحظ فراغا كبيرا في المجال الثقافي الأدبي الفني والذوقي داخل الحركة الإسلامية ، ونظرة عوراء إلى الكون واستعلاء على الآخر لجهلنا به وبنا ! وإن إطلالة سريعة على بعض البرامج التي تعتمدها الحركة الإسلامية ليؤكد هذا، فدرس السيرة النبوية على سبيل المثال يكاد يقدم لنا الجيل الأول كأنهم مجموعة من الغزاة لا ينتهون من غزوة إلا ليستعدوا للأخرى في تغييب شبه تام للجانب الإنساني العاطفي والإجتماعي لهم . وأعتقد أنه ينبغي القطع مع هذه العقلية التي لا تتحمس كثير إلى "المحادثة الفكرية والثقافية " وتعتبرها من عمل البطّالين ، بينما سيدنا عمر بن عبد العزيز مستعد ليشتري بألف دينار من مال بيت المسلمين المحادثة التي تلقح العقول بالحوار والمذاكرة كالمحاضرات والندوات ، وتروح القلب وتسرح الهم كالوعظ والأدب والفنون ، وتنقح الأدب أي تصلحه وتهذبه كالفنون والتربية الذوقية .