نظم فرع اتحاد كتاب المغرب بتمارة بشراكة مع مع عمالة الصخيرات - تمارة، يوم الخميس 31 مارس الفارط، ندوة حول «الإبداع والتنوير» ، وهي الندوة التي عرفت مشاركة الأساتذة: حسن أوريد، مبارك ربيع، عثمان أشقرا، محمد برادة ، عبد الله ساعف وسعيد بنسعيد العلوي. وقد تقدم الباحث أنور المرتجي، مدير الندوة بأرضية ندرجها في الورقة التالية، على أن نعود لتغطية فعاليات الندوة في عدد مقبل, في مقال شهير للفيلسوف كانط بعنوان (ما التنوير؟) يعرف معنى التنوير بأنه خروج الانسان من حالة القصور إلى وضع الراشد ) نتيجة لحالة العجز عن استخدام الفكر(.حيث لم يعد الفن والأدب منذ تلك المرحلة محاكاتيا أو تعليميا ، ليصبح ابداعا خياليا ومصباحا يضئ ظلمة المجهول، لقد قدم كانط صنافة لمعايير الجمال الذي يمثل بجانب الحق والخير مقولات أولية من مقولات الفكر الانساني تجعل من تعبيرات الفنون والآداب بحثا عن الجميل والمتسامي والجليل، ارتبط مصطلح الإبداع سواء في الثقافة العربية والغربية بما يترادف مع معنى الخلق من عدم ، لهذا من الضروري العمل على تنقيحه وتشذيبه من الاسقاطات الميتولوجية والدينية التي صاحبته تاريخيا، ففي الثقافة العربية الاسلامية اقترن مصطلح الإبداع بالبدعة التي تؤدي إلى الضلالة،نظرا للاشتقاق اللغوي الذي يجمع بينهما ليحيل إلى الخطيئة الأولى التي تجعل المبدع يتماهى مع الخالق الذي ينفخ الروح في شخوصه التخييلية وحتى في الثقافة الغربية فإن مصطلح الخلق الذي ينتمي إلى سجل الحركة الرومانطيقية كان يقدم المبدع على أنه شخص له طاقات ابداعية خارقة وأسطورية هي ملهمة المبدع كما هو الشأن في الثقافة الإغريقية، أما في الدراسات الثقافية المعاصرة فقد تم تنزيل إشغال القيمة الأدبية للنصوص إلى مقاربة تاريخية وتزامنية تعتبر أن الإبداع الأدبي مجرد قراءة لنصوص سابقة أو معاصرة للنص الموضوع وأن هذه المقاربة الطرسية هي تأكيد على أن الكتابة لا يصنعها سوى الكتابة، لهذا استعملت الباحثة جوليا كريستيفا مصطلح (الانتاجية النصية) (لكي تزيل عن الأدب كل معيارية قيمية أو نزعة تقديسية لكي تساوي ماديا وديمقراطيا بين أشكال التعبير الفنية سواء كانت مكتوبة أو تنتمي إلى أنساق جمالية مغايرة كالسينما والرقص مثلا، لقد تم التعاطي دائما مع التخييل وكأنه يوجد في درجة أدنى لا يأوي إليه إلا الحالمون الواقفون على) قفا نبكي( من حبيب، بينما يعتبر المفكرون والفلاسفة أنهم أصحاب الأطاريح العليا التي تعلو ولا يعلى عليها،أما افلاطون فقد منع الشعراء من الولوج إلى جمهوريته لأن الشعر يمثل خطرا و ضررا على ألآخرين، لأن الشعر عندما يقرأه الناس قد يجعلهم غير راضين عن الحياة، في بحثه عن برتوكولات القراءة قدم جاك دريدا في الفصل المخصص) لموت الكتاب وبداية الكتابة) قلبا منهجيا لعلاقة الفكر بالخيال أو الفلسفة بالأدب،معتبرا أن النصوص الفنية والجمالية كأعمال فان كوخ وجيرار أرتسوس و النصوص الأدبية عند أرتو و ملارميه وبلانشو هي نصوص متساوية في عطاءاتها ولذلك يكسر دريدا التقسيم التقليدي الذي يقوم على التعارضات الفوقية بين الفكر والأدب أو ما بين ماهو حقيقي ومجازي، في هذا السياق، يعارض جاك دريدا موقف البنيويين القائل إن الأدب مجرد انزياح عن اللغة الطبيعية معتبرا أن الخطابات الفكرية الجادة هي تنويعات مختلقة وعدول عن الأعمال الأدبية والتخييلية. لقد ارتفعت في العقود الأخيرة دعوات تطالب بمهننة الصناعات الابداعية لأن زمن المبدع الموهوب قد ولى، مع كسوفه انتهى العهد الذي كان يتملص فيه المسؤولون عن واجبهم بالقول إن وزارة الثقافة لا تصنع مثقفين أو مبدعين، لكن الرهان المستقبلي أمام اكراهات العولمة التنافسية الباهظة الثمن التي صارت تتطلبها الصناعات الابداعية في زمن مجتمع المعرفة تقتضي أن تقوم وزارة الثقافة المعنية بالشأن الثقافي وأن تسهرمع بقية الوزارات المجاورة) كالإعلام والتعليم (على وضع برامج تكوينية للناشئة الصاعدة وأن تشرف وزارة الثقافة على إنجاز ورشات ومحترفات ابداعية تتوج أشغالها بمسابقات حفزية للبحث عن) أيدول (النبوغ المغربي) أو (الصنايعية ) المبدعين حسب التعبير المغربي، علينا أن لا نكثر الاحتفاء بجنس أدبي واحد كالراوية مثلا، على حساب بقية الأجناس الأدبية الأخرى، حيث نلاحظ أن الخطاب النقدي تراجع دوره بعد تضخم الخطابات ذات المرجعية (البنيوية) التي تحولت إلى مجرد تمرينات (تقنوية ) على جثت النصوص الأدبية الباردة، إننا نسعى إلى دمقرطة العلاقة التواصلية بين الأنواع الأدبية بعيدا عن المركزية المطلقة لنوع أدبي يستقل لوحده يالحظوة والدلال المبالغ فيه وذلك برد الاعتبار للأدب أو كما يقول تودروف الذي يطالب) بتحرير الأدب من الألعاب الشكلانية التي كادت تقتله( لأن الخطر المحدق بالأدب كما يقول تودروف )أن نفرغ الأدب من محتواه الإنساني والاقتصار على ربطه بألاعيب شكلانية ( ومن مصادفة التاريخ أن هذه النتيجة التي انتهى إليها تودروف، هي البداية التأسيسية التي دشنها الناقد ادوارد سعيد في كتابه الأول) بدايات، القصد و المنهج ( حتى كتابه الأخير، ) الأنسية والنقد الديمقراطي)، من مهام الابداع عموما والأدب تحديدا، أن يتوجه الآن في زمن صعود تيارات الغلو والتطرف في العالم وظهور حركات السيبة الطائفية إلى التقاط (الأحداث المفزعة) كما يقول الفيلسوف هابرماس وأن لا ينساق نقادنا مع الأطروحات النهيلية التي تكبح طاقات التمرد الكامنة في التنوير والعقل والحداثة الفائقة، بدأت بوادر الوعي التنويري في الثقافة العربية منذ عصر النهضة وتصاعد توهجه على المستوى الابداعي بعد مرحلة الاستقلالات السياسية مع الانبعاث الإصلاحي في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لقد مثل الفعل الإبداعي مكونا مستقلا بجوار المكونات الأخرى كالنشاط الفكري والسياسي، بل إن أشكال التعبير الأدبية ممثلة في الشعر الحر والرواية والمسرح والقصة والسينما التي تجسدت من خلال بعض النصوص الإبداعية الوازنة عند كبار المبدعين العرب، كانت أكثر فاعلية نقدية في تعرية ما تمارسه الأدلجات وأجهزة السلطة الحاكمة من أشكال القمع والتزييف والاستلاب، لم يكن الإبداع في محاورته للعقل التنويري مجرد ترجمة مستنسخة لشعارات سياسية أو أطروحات فكرية، بل، استطاعت أصناف التعبير الفني أن تجعل من الفن حدثا اجتماعيا وإنتاجا مستقلا، وبذلك تتحول وظيفة الفن إلى أداة لمناهضة جمود الفكر المحافظ وآلية لحشد الهمم من أجل مناصرة القضايا العادلة عربيا وعالميا. لقد تعددت بطرق متفاوتة «هيمنة» بعض الأجناس الأدبية في تلك المرحلة بين الشعر والمسرح والرواية ليخلو الجو كليا مع مطلع الألفية الثالثة للفن الروائي الذي سيعرف فورة كمية وسطوة على حساب بقية الأجناس الأدبية كالشعر مثلا الذي كان يتصدر المشهد الثقافي، حيث قام كثير من الشعراء بهجرة جماعية بعد أن تخلوا عن «مجدهم» الشعري ليلتحقوا بمغامرة الكتابة الروائية في رحلة ذهاب بدون عودة، كما أن نشاط الفكر النقدي التنويري وحركية الباحثين المختصين في العلوم الإنسانية عرفا تراجعا في التأليف وإنتاج الأطاريح الفكرية، تضاءل معه منسوب المعنى وتداول النظريات الكبرى فنتج عن ذلك ظاهرة مفارقة تتمثل في انتقال كثير من الباحثين من الاشتغال على قضايا المعنى والحقيقة إلى مجازات السرد والتخييل الذاتي. انطلاقا مما تقدم، نغتنم فرصة انعقاد هذا اللقاء الأكاديمي لنتدارس معا الأسئلة التالية : - ماذا يستطيع الأدب تحديدا والإبداع عموما، في مواجهة التحولات التي عرفها العالم العربي منذ لحظات التطلع الأولى وبزوغ النهضة مع مفتتح القرن العشرين وصولا إلى موجات الارتداد النكوصي الذي دشنته أحداث سبتمبر الأسود وحروب الطوائف الدينية تحت راية العنف المقدس باعتبارها أحد الخيبات التراجيدية التي أفرزها الحراك العربي.، - كيف يمكن حشد كل الفنون وأدوات التعبير الجمالية (الأغنية – الفن التشكيلي- المسرح- الشعر- السينما) لكي تتسع أكثر مساحات النور وتختفي العوائق التي تكبح كل مسعى يهدف إلى النهوض الحضاري، - ما هي أسباب هذه الجاذبية السحرية لفن الرواية الذي صار وحده يمثل كينونة وماهية الأدب مستوعبا مختلف الأجناس الأدبية التي صارت آيلة للانقراض، - هذه مجرد وجهة نظر، نترك لكم مطلق الحرية في مقاربة موضوع الندوة، مع خالص المودة.