تعيش العائلة الوزانية حراكا غير مسبوق ، جاء نتيجة التدهور الكبير الذي عرفته كل مؤسسات الزاوية و العائلة على حد سواء ، التدهور الذي كان بفعل تدخل جهات رسمية بشكل سافر في تدبير الشأن الداخلي للزاوية ، أسفر بالخصوص عن وضع وزارة الأوقاف يدها على ممتلكات الزاوية و رموزها و معالمها ، مستغلة خلافات داخلية بينية ، من هنا تعالت أصوات من داخل البيت الوزاني الشريف مطالبة بوقف النزيف و بإعادة العجلة إلى سكتها الحقيقية ، و موازاة مع هذه الصحوة قام المترامون على ممتلكات الزاوية من جديد و ضاعفوا محاولاتهم الخطيرة إلى الترامي و الاستحواذ على ما تبقى خارج إمرتهم ، مما تسبب في استياء عارم لدى عامة الأشراف الوزانيين في الداخل و الخارج ، في حين تساءل مهتمون بالشأن الديني المغربي ، "هل فعلا هناك لوبي و جهة حاقدة على الوزانيين تريد تدمير كل ما له صلة بالزاوية الوزانية سلبا و نهبا و تخريبا ؟" ، أم أن الأمر يتجاوز تلك الجهة الحاقدة وصولا إلى جهة رسمية عليا ؟ فيما يلي نبذة من تاريخ الزاوية الوزانية . " هذه قصة تفوق وتراجع الزاوية الوزانية " === الجزء الأول === شهدت الزاوية الوزانية عدة فترات وأطوار تقوى فيها وتضعف، فهناك زمن البداية المواكب للمؤسس مولاي عبد الله الشريف، هو زمن يتميز في إرساء الأسس والدعائم لهذه المؤسسة الدينية. وهناك زمن التأصيل، وشيوخ الزاوية يومئذ هم سيدي محمد، ومولاي التهامي، ومولاي الطيب. ويتسم عهدهم بتعميق التصوف في نفوس المريدين، وتوسيع دائرة نفوذ الزاوية داخل المغرب وخارجه، والعمل على تنشيط الحركة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وهناك زمن القمة والتتويج، المواكب للشيخ سيدي أحمد، وسيدي علي، وسيدي الحاج العربي، وسيدي الحاج عبد السلام، وحققت فيه الزاوية نفوذا سياسيا وتفوقا ثقافيا ورخاءا اقتصاديا، مما جعلها في مصاف الزوايا المهمة في تاريخ المغرب. وهناك زمن الخفوت الذي انكمشت فيه الزاوية الوزانية، هذه المرحلة هي من آخر المرحلة السالفة الذكر إلى يومنا هذا، وشيوخ هذه المرحلة هم سيدي العربي، ومولاي الطيب، ومولاي التهامي، وسيدي محمد، ومولاي أحمد . الأدوار: = تتميز أدوار الزاوية الوزانية بالغنى والتعدد، بحكم المهام التاريخية الجسيمة التي اضطلعت بها في عصور متطاولة في الحقب على كافة المستويات الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وكانت لها المساهمة الفعالة في ذلك. وتأسيسا على أدوارها هاته فقد اتسمت ب " دار الضمانة "، والضمان المشار إليه يحمل في طياته معاني غيبية ذات بعد صوفي مستوحى من الشرط الذي فرضته فاطمة بنت مولاي عبد السلام بن مشيش على عمها مولاي يملح بن مشيش لما خطبها لولده محمد على أن الزواج لا يتم إلا إذا ضمن لها عمها المذكور السر لها ولأولادها إلى يوم القيامة. كما يحمل في طياته معاني دنيوية تتضمن الضمان الدفاعي والاجتماعي والأمني لكل من التجأ إلى الزاوية واحتمى بحماها. ففي المجال الديني تعج مواعظ ووصايا وأقوال الشيوخ بالتوجيهات الصوفية التي تحث على مكارم الأخلاق، وتقوى الله، والتمسك بحبل السنة النبوية الشريفة، والتجرد للعبادة والتعامل الطيب مع الناس، ونبذ الدنيا، والإقبال على الله، وتصفية النفس من الشوائب والأغيار، وملازمة الشيخ، والنزوع نحو الصدق والوفاء والكرم والإحسان، وترك المعاصي، واجتناب النواهي، وممارسة الذكر، ومواصلة قراءة الأحزاب والأوراد، والحض على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أناء الليل وأطراف النهار. وفي المجال الاجتماعي أضحت الزاوية الوزانية مؤسسة إحسانية مجانية بكل ما في الكلمة من معنى، فقد نهضت بإطعام الطعام للمسافرين والمحتاجين، فمولاي عبد الله الشريف أطعم في ليلة واحدة أربعة عشر ألفا من الزائرين. وعملت الزاوية على إنقاذ الناس من الجوع في الكوارث الطبيعية وحلول المجاعة والجفاف. فهذا الشيخ سيدي محمد بن عبد الله الشريف لما انحبس المطر وحلت المسغبة باع حلي عياله واشترى بثمنها زرعا فرقه على سكان المدينة، وفيما يتعلق بكساء الفقراء والمحتاجين فإن الشيخ سيدي محمد بن عبد الله الشريف كان يشتري من فاس حياكا وقشاشيب وجلاليب يفرقها في الشتاء على المساكين والأرامل. وعندما يحل الجفاف يهرع الناس إلى شيوخ الزاوية لطلب الاستسقاء التماسا لبركتهم، فلما أصاب الناس القحط، صلى مولاي عبد الله الشريف بهم صلاة الاستسقاء فسقوا فورا. وساهمت الزاوية في الاستقرار الاجتماعي بالتدخل في الصلح بين قبيلتي مكناسة وغياثة. كما أن دور الزاوية الوزانية كان مهما في الجهاد في سبيل الله ومدافعة الاعتداءات الأجنبية عن المغرب، وبذل الأموال الطائلة من أجل ذلك، فهذا الشيخ مولاي عبد الله الشريف قاتل بنفسه وشارك بفعالية ونجاعة في البريجة وأزمور والمهدية والعرائش وطنجة، كما أن الشيخ سيدي محمد بن عبد الله الشريف قام بزيارة إلى ثغر سبتة قصد الجهاد وتفقد أحوال المجاهدين ... يتبع...