تعود سوسن المعذبة، كاتبة "ذكريات جامعية عاهرة"، إلى متتبعيها الأعزاء على موقع "شعب بريس"، لكن هذه المرة ليس لتكمل قصتها، بل لتخوض في موضوع جدير بالاهتمام، لكونه يمس شريحة كبيرة في مجتمعنا، بالرغم من المحاولات التي تبذل من أجل السكوت عنه، إما نفاقا أو خوفا عن سمعة البلاد وفي أحيان أخرى نظرا لارتباطه بموضوع الجنس ك"طابو" يمنع الحديث عنه صراحة في مجتمع تسود فيه قيم المحافظة والتقليد و"الحشومة"، إنه عالم العهارة، الذي تحاول سوسن ملامسته، ليس كباحثة أو سوسيولوجية بل كصاحبة تجربة في الميدان تريد أن تفصح وتسلط الضوء على بعض الزوايا المظلمة في هذا العالم المليء بالآلام والمعانات وغرائب الأمور والأشياء... متابعة شهية ومرحبا بسوسن مرة أخرى.
توصف الدعارة بأقدم مهنة في التاريخ، وبما هي كذلك فلابد أنها مرت من عدة مراحل تدريجية حتى وصلت إلى مهنة منظمة، لها قوانينها ونقاباتها في مجتمعات تدعي العراقة في الديمقراطية وحرية الإنسان في تملك جسده، كالدول الأوروبية والأمريكية على الخصوص، حيث، وأنت تتجول في شوارع معلومة، تجد أمامك واجهات زجاجية كاشفة تماما كالتي نعاينها عادة على مداخل محلات بيع الملابس، بمجسمات على شكل دميات، يلبسن ملابس داخلية شفافة، لكن هنا لن تجد دميات من البلاستيك بل من دم ولحم، فتيات فاتنات من كل الأعمار والأشكال، يعرضن لحمهن الغض، بإشارات وغمزات تحفيزية، وبسعر مقنن من طرف مشرعي الدولة الحاضنة لها، ولكل عاهرة الحق في امتهانها لأقدم مهنة، إلا أن تكون قاصرة ... فهل يمكننا أن نسميها بدعارة راقية؟ لا وألف كلا، بل هي دعارة مقننة مرت بمراحل عدة.
أسباب الدعارة في بلادنا، هي اجتماعية بالمقام الأول، وأسبابها عدة تبدأ بالتفكك الأسري، لتنتهي بحالات الاغتصاب مرورا بالعوز المادي والحرمان الجنسي لدى من فاتهن قطار الارتباط الأسري.
فالتفكك الأسري يولد في غالبيته التشريد بالنسبة للأطفال، وما دام العهر ينسب للفتاة بالدرجة الأولى، فدعوني أخصها بالقول أنها هي الضحية الأولى من هذا التفكك. أول من يستقبلها وهي في الشارع هو ذلك الرجل المسمى بالذئب البشري، أو تلك المرأة المسماة في عالم العهر بالوسيطة أو( القوادة )، وفي كلا الحالتين فالفتاة مرغمة على الاستجابة وهي على تلك الحالة البئيسة، لتغير مهنتها من ( بنت دارهوم) إلى عاهرة، وفي أحسن الأحوال يتلقفها شخص يجعل منها خادمة مطيعة لزوجة شرسة تعاملها بالدونية والعنف الجسدي، لتضطر في النهاية إلى ولوج المهنة إياها.
تنقسم الدعارة إلى ثلاث فئات: أولا العهارة المنحطة، وسببها الرئيسي الفقر المدقع لممتهنها، وهي تلك المرأة التي تجدها تصطاد زبائنها في الشوارع المظلمة، ومكان ممارستها مداخل العمارات على مرأى ومسمع المارة، وهذه لا تحتاج لمن يسيرها، فبمجرد حلول الظلام تخرج المعنية إلى مواقع معينة لعرض منتوجها. ويكفي لراغب المتعة أن يكون معه مبلغا بسيطا من المال لا يتعدى دريهمات في أغلب الأحيان، وأن يستحمل برودة الطقس وهو يروي غريزته واقفا.
ثانيا، العهارة العادية، ولها بيوتها المختصة تحت إمرة الوسيطة التي تديرها وتستغل أجساد الفتيات، لتستحوذ على مجمل دخلهن جراء ممارستهن الجنس مع زبنائهن. ثالثا، العهارة الراقية، وهذه بيت القصيد في هذا المقال، العهارة الراقية موجودة بيننا نحن الشعوب السائرة في طريق النمو "الهعري"، هذا النمو الذي مافتئ يظهر على صفحات جرائدنا الخاصة منها والمستقلة، وكذا المواقع الالكترونية، فالدعارة الراقية يسيرها أشخاص مختصون وبآليات متطورة، ينتمون لشركة دولية يكون مقرها أحدى العواصم الأوروبية أو الأمريكية الكبرى، لها فروع في مختلف مدن العالم، ومن مهامها الرئيسية تنظيم الرحلات الجنسية أو ما يسمى عندنا بالسياحة الجنسية، كما تنشط في تهريب اللحوم البيضاء إلى مختلف الدول الأوروبية منها والخليجية على وجه الخصوص. وبالنسبة لبلدنا فقد أثير الموضوع منذ مدة طويلة وصل إلى مناقشته تحت قبة البرلمان بغرفتيه، ولا يختلف اثنان عن كوننا نوجد في المراتب المتقدمة من بين الدول التي تستقبل هذا النوع من السياحة، وكذلك تصدير مثل هذه اللحوم البشرية.
قبل سردي لبعض الوقائع المتعلقة بالموضوع، أود التذكير بأنني لست كاتبة محترفة أكتب خواطر أو رؤى خاصة، بل لكوني عشتها على أرض الواقع، ولمزيد من التوضيح فأنا لست سوى سوسن الكاتبة ل (ذكريات جامعية عاهرة) على هذا الموقع الالكتروني.
في مختلف مدننا وقرانا، توجد وكالات للأسفار تنظم رحلات سياحية إلى مختلف بلدان العالم، تماما كما تنظم السفر إلى الديار المقدسة، مقابل أثمنة تختلف حسب نوعية الرحلة وجودة المعروض، من فنادق راقية توازيها رحلات إلى مآثر تاريخية أو سياحية يتعهد بها العارض المحتضن. وفي الضفة الأخرى توجد وكالات أرقى، سميت بوكالات السياحة الجنسية مهمتها الأساسية تنظيم رحلات سياحية لعشاق السهرات الماجنة والليالي الحمراء، وجهتها دول تمتاز بفائض اللحوم الطرية إضافة إلى مآثرها الخلابة كحال بلدنا.
تبتدئ الرحلة بالتنسيق بين الوكالة الأم وفروعها الجاهزة في مختلف مدننا، هذه الفروع التي توفر للزائر كل ما يشتهيه من وسائل الراحة ومن بينها طبعا فتيات فاتنات من مختلف الأعمار والألوان، ويتوفرون على فيديوهات مصورة بعناية فائقة تظهر مفاتنهن بأوضاع مختلفة، فما على الزبون سوى ألمحص و الاختيار حسب ميولاته الجنسية، وما على السمسار سوى الاتصال بالمحظوظة لتوجيهها إلى مكان وزمان السهرة من فنادق ورياضات راقية. أما الأثمان فتحدد حسب السن والجمال للفتاة، بل وتشمل أحيانا الفتيات العذراوات، و يبتدئ السعر بألف درهم لليلة الواحدة ليرتفع حسب يسر وثراء الزبون.
ترتبط السياحة الجنسية عندنا بأهل الخليج، حيث كثر الحديث عن فحولتهم الجنسية وكذا سخاءهم المادي، إضافة لطقوس خاصة يستعملونها ضمن سهراتهم الماجنة، تبدأ بتسخين العقول والأجساد معا لتنتهي فوق السرائر الوثيرة فرادى أو جماعات. حالات التسخين تبتدئ بجلسات الشمبانيا تتخللها رقصات بملابس رقص شفافة متوفرة من طرف السمسار القواد غالبا ما يتم الاستغناء عنها، بطلب من الزبون الذي يتلذذ وهو يسكب الخمر على الجسد العاري الممتد أمامه كما خرج إلى الكون، ويقوم ببعثرة الأوراق المالية فوقه، وكل ورقة مالية تلتصق به فهو حتما لصاحبته. أما السياح الأوروبيون فهم في غالبيتهم شواذ أو مثليون، وطقوسهم تختلف عن المشارقة شكلا ومضمونا، سأحاول وصفها في مقال قادم.