الحركة الامازيغية والعلمانية يمكن اعتبار الحركة الامازيغية في مجملها حركة علمانية تضع من ضمن ادبياتها النضال من اجل فصل السياسة وامور الحكم عن الدين ، والموقف هذا يتماشى بكل تأكيد مع المشروع الحداثي الديموقراطي الذي تسعى الحركة الامازيغية الى بنائه والنضال من اجل اقراره , ومن الصعب ان نجد وثيقة واحدة لجمعية ثقافية امازيغية او لتنظيم طلابي امازيغي او للحزب الديموقراطي الامازيغي تعتبر عدوها في السماء أي تعادي الدين او تجعل من بين شروط الانخراط في الحركة الامازيغية معاداة الدين لأنها ببساطة شديدة تعتبر الدين ارثا ثقافيا وسوسيولوجيا مرتبط بتاريخ المجتمع المغربي وان مرجعية المواثيق الدولية لحقوق الانسان التي تعتبرها الحركة الامازيغية بوصلتها الموجهة تقر بحق التدين وحق الاعتقاد وعدمه ولا يجوز الحكم سلبا على انسان انطلاقا من معتقده , والحركة الامازيغية في ادبياتها وتوجهها المبدئي تعتبر ان المواثيق الدولية لحقوق الانسان هي الفيصل بين الافراد والشعوب وان التمييز لأي سبب كان مرفوض وهذا الموقف يتماشى والمادة الثامنة عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تقول بوضوح ” لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هدا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ، وحرية الأعراب عنهما بالتعليم والممارسة واقامة الشعائر ومراعاتها سواء كان ذلك سراأم مع الجماعة.” كما أن المادة الثلاثون من نفس الاعلان تأتي لتبرز أكثرأنه لامجال لأي تأويل محتمل للأي بند من بنود الاعلان لضرب أو هدم الحقوق الواردة فيه. ولكن مطلب ترسيم العلمانية لم يكن مطلب ملحا في بدايات تشكل الوعي المطلبي السياسي للحركة الامازيغية ولعل قراءة ميثاق اكادير لسنة 1991 يخلو من أي ذكر للعلمانية كما ان ادبيات الجمعيات الامازيغية حتى حدود 2000 لا تتضمن مطالبها المعلنة العلمانية رغم انه كان مطلبا دائم الحضور في النقاشات الداخلية والخاصة , ويمكن اعتبار احداث 11 سبتمبر الارهابية2001 هي المنعطف الرسمي لترسيم مطلب العلمانية في الخطاب الامازيغي حيث ان الشبكة الامازيغية من اجل المواطنة يمكن اعتبارها اول تنظيم امازيغي بل مغربي طالب في بيانه التأسيسي2002 بضرورة علمنة الدولة وفصل الدين عن السياسة وليس سرا ان تشبت الشبكة الامازيغية بهذا الموقف الجريء والمناضل جعلها عرضة للمنع والتضييق من طرف الدولة وبعض الفصائل السياسية الاخرى . وستعرف سنة 2004 صدور ميثاق المطالب في الوثيقة الدستورية والذي يطالب لأول مرة بصراحة بدسترة العلمانية باعتبارها تنسجم مع ضرورات الانتقال الديموقراطي الذي لايمكن بدونه تحقيق المشروع الحداثي الديموقراطي لذلك تنص مطالب الميثاق على : دسترة أمازيغية المغرب واعتبار المملكة المغربية جزءا من شمال إفريقيا بانتمائها المتوسطي وامتدادها الإفريقي. إقرار المساواة اللغوية بين الأمازيغية والعربية عبر الاعتراف برسميتهما وإلزام الدولة وفق ذات المبدأ على توفير سبل تطويرهما وإدراجهما في المناحي الرسمية للدولة المغربية. د سترة مبدأ العلمانية. إغناء الوثيقة الدستورية بمرجعية حقوق الإنسان بد سترة الحقوق الثقافية واللغوية والاعتراف بحقوق الشعوب إلى جانب حقوق الأفراد. اعتبار “الأعراف الأمازيغية” مصدرا من مصادر التشريع ومجالا للاستلهام بالنسبة للمشرع. التنصيص على سمو المعاهدة الدولية على القانون الوطني وعدم اشتراط نفاذها بتوقيع الدولة عليها، ومنح المواطن إمكانية الاحتجاج بمقتضياتها أمام القضاء. دسترة الجهوية الجغرافية عبر انتقال الدولة المغربية من دولة مركزية إلى “دولة الجهات” وفق مبدأ التوازن مع احترام الوحدة الترابية للدولة الذي يقتضي أي مساس به الرجوع إلى استفتاء الأمة. الحركة الامازيغية في نضالها التاريخي من اجل اقرار التنوع الثقافي واللغوي بالمغرب اجتازت مرحلة الخطاب التوافقي الذي يروم كسب اعتراف النخب السياسية التقليدية الى خطاب مبدئي يروج بكل وضوح وشفافية لمنطلقاته ومبادئه لكن هذه النقلة من- “التقية ” بلغة اهل الشيعة أي التوافقية البرغماتية الضرورية لتأصيل الخطاب وشرحه وتقديمه في قالب مقبول ومتوافق مع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الانسان –الى اعلان الاستفراد المبدئي ببعض المبادئ كالعلمانية لا يخلو من بعض التساؤلات الضرورية ملامستها لالسيما اذا اخذنا بعين الاعتبار التحالفات التي سترسمها الحركة الامازيغية في الحقل السوسيولوجي والسياسية لتحقيق اهدافها الاساسية كالترسيم في اطار دستور ديموقراطي يقر بالتعدد اللغوي والثقافي ويحدد بشكل علمي لا لبس فيه الانتماء المغاربي والافريقي والمتوسطي للمغرب كما يقر باللغة الامازيغية كلغة رسمية ضمن الدستور ، لذلك فمطالب من هذا النوع وبهذه القوة التحويلية للمجتمع بحاجة الى توافقات وطنية مسنودة بقوى شعبية كبيرة ومؤثرة ، ولايبدو على احسن تقدير ان القوى العلمانية اليسارية بالمغرب اليوم قادرة على مناصرة الحركة الامازيغية في مطالبها الدنيا فما بالنا اذا تعلق الامر بالعلمانية وامارة المؤمنيين وغيرها من القضايا المؤسسة للمشروع الديمقراطي الحداثي الذي لايمكن ان يستقيم ويتحقق الا باصطفاف والتحام مع عموم الشعب عن اقتناع وعن مسؤولية في تحقيق النقلة التاريخية المطلوبة في المغرب من مغرب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بكل تفاصيلها وعناوينها السياسية والثقافية والاجتماعية الى مغرب الحقوق والحريات ، لذلك يمكن القول وباستخلاص متواضع ان مطلب العلمانية بالمغرب لايمكن ان يختلف عليه التنويريون والحداثيون من الليبيراليين الحقيقيين ومن اليساريين الحقيقيين لكن هؤلاء في المغرب نخب معزولة وغير مؤثرة في صفوف المواطنيين .لذلك يفرض من جديد على الحركة الامازيغية وعلى نخبها التدقيق في الاولويات واجتراح السبل الكفيلة والتحالفات الموصلة للهدف المنشود.