يتذكر الجميع أن ما يسمى اليوم بالحركة الثقافية الأمازيغية لما بدأت تفصح عن مطالبها وتخرج بها إلى العلن، خصوصا في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، بدأت بلبس رداء ثقافي بريء من كل توظيف سياسي أو إيديولوجي يدعو إلى التفرقة والشتات في المجتمع المغربي. ولا يحتاج تفسير هذا الأمر إلى تفكير أو ذكاء خارق كي يفهم المتتبع أن اليسار المغربي، والجناح المتطرف منه على الخصوص، كان لا بد له من قضية يحيا عليها وينفث عبر تبنيها أطروحاته العلمانية والتغريبية بعدما فقد المعسكر الشرقي بريقه الشيوعي والاشتراكي بسقوط الاتحاد السوفياتي والأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية. كما يتذكر طلاب تلك الفترة كيف أن التيار القاعدي سارع إلى تبني الدعوة إلى ما كان يسميه الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وكيف أن الكثير من الجمعيات الأمازيغية التي تناسلت في عقد التسعينات كانت لا تفتأ تُذكّر في كل مناسبة برفضها تسييس المسألة الأمازيغية وتؤكد أنها تدعو فقط إلى إحياء التراث والثقافة الأمازيغيين، وحينما كانت تواجه بإشكالية الجدلية وعلاقة التأثير والتأثر القائمة بين ما هو ثقافي وما هو سياسي، كان مناضلوها يجدون لذلك أكثر من مخرج ومُنْفَلَت، لكن التيار الماركسي المتطرف لم يستطع أن يتنكر كثيرا وراء الرداء الثقافي الأمازيغي الأملس، وكانت تنفلت منه في بعض الأحيان بعض الهفوات التي تكشف عن م5راميه الحقيقية، ثم كشف بالواضح في بداية الألفية الثالثة عن مشروعه السياسي والإيديولوجي من وراء الركوب على حصان الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بانقلاب الكثيرين ممن كانوا يعلنون رفض تسييس المطالب الأمازيغية إلى دعاة لتأسيس حزب سياسي أمازيغي، وخلق حركة سياسية واسعة ينتقل إليها دور رفع المطالب التي كانت تسوق ثقافيا في العقدين الماضيين، وتمر من مرحلة ما يسمونه النضال الثقافي إلى ما يطلقون عليه النضال السياسي. ورغم أن في الحركة الثقافية الأمازيغية تيارا معتدلا يرفض التصادم مع الهوية والأصالة المغربية، إلا أنه لم يستطع في الحقيقة مواجهة الموجة التغريبية والشيوعية المتدثرة بدثار الأمازيغية، رغم ما يصدر عن بعض رموزه من تصريحات تؤكد عدم قبوله بمنطق الدعوة إلى إلغاء المقومات العربية والإسلامية من الهوية المغربية، لكن هذه التصريحات وعمل هذا التيار لم يفلح بعد في الارتقاء إلى مستوى فعل نضالي يتجاوز الاكتفاء باحترام الهوية الإسلامية للمغرب والمقوم العربي فيها إلى درجة اكتساب الجرأة للدفاع عن هذه الهوية وهذا المقوم، والوقوف بقوة في وجه أعداء الهوية الإسلامية للمغرب من المنتسبين إلى حقل الحركة الثقافية الأمازيغية. ثلاثة منزلقات إن التيار الأمازيغي العلماني المتطرف يبني أطروحته على ثلاثة محاور كبيرة تعتبر أعمدة ومفاصل أي خطاب يصدر عن رموزه أو هيآته الجمعوية، ولا يخلو أي تصريح أو بيان له في هذا الصدد من أحد هذه المحاور، إن لم تكن مجتمعة فيه، وهي الدعوة إلى العلمانية واستبعاد الهوية الإسلامية للمغرب، والعداء للعرب والتعريب وكل ما له صلة باللغة العربية، ثم الدعوة إلى ما يسمونه إعادة كتابة تاريخ المغرب، وسنحاول في ما يلي بسط نماذج من تصريحات لرموز ومقتطفات من بيانات تنظيمات من الحركة الثقافية الأمازيغية ينعكس فيها جليا العداء للعربية، الذي يحاول عبثا نفيه الكثيرون من المنتسبين إلى هذه التنظيمات، بينما تنطق به تصريحاتهم ومواقفهم وبياناتهم نطقا صريحا وواضحا لا غبار عليه، بالإضافة إلى مقاطع أخرى تدعو إلى إلغاء البعد الإسلامي في الهوية المغربية، ناهيك عن الدعوة إلى العلمانية التي يجتهدون في تفسيرها على غير معناها الحقيقي وهو اللادينية ، كما نحاول كشف اللثام عن المرامي الحقيقية والخفية لتبني التيار الأمازيغي الدعوة إلى إعادة قراءة وكتابة تاريخ المغرب والتركيز على مرحلة ما قبل إسلام الأمازيغ. عداء مسعور للغة العربية لا يكاد يخلو تصريح أو بيان من بيانات الكثير من تنظيمات الحركة الثقافية الأمازيغية من عداء للغة العربية وللعروبة والعرب، الذين يلصق بهم التيار الأمازيغي المتطرف كل أشكال النعوت القدحية كتعابير الشوفينية والعنصرية والتخلف والديكتاتورية...، وبلغ الحد ببعضهم إلى اعتبار العرب غزاة للمغرب واعتبار العربية لغة أجنبية وغازية ومدمرة للكيان المغربي، فهذا أحمد الدغيرني، الذي أسس مع آخرين حزبا سياسيا أطلقوا عليه وصف الأمازيغي الديموقراطي، يقول إن الانزلاق نحو التطرف يمثله ببلادنا هؤلاء الوزراء والشعراء والمثقفون والسياسيون الذين يعلنون بدون حياء أن المغرب بلد عربي، فإلى متى سنتحمل نحن الأمازيغ سياسة هؤلاء الحكام العرب؟ فوزارة الخارجية قد خصصت قسما كبيرا منها للعرب، وليس في هذه الوزارة سوى برامج تتعلق بالأمة العربية وتحاول بعناد ضم المغرب إلى الجامعة العربية وإلى السوق العربية للتبادل الحر، وهي تصرف أموال الأمازيغ على عروبة موظفيها ووزيرها، فمتى سنرى في المغرب وزيرا للخارجية يعلن أنه أمازيغي (من حوار له مع جريدة الأحداث المغربية انظر كتاب حوارات حول المسألة الأمازيغية، منشورات الأحداث المغربية، الطبعة الأولى شتنبر ,2004 ص 153). كما أن محمد بودهان، مدير جريدة تاويزا الشهرية التي تصدر من الناظور شمال المغرب وتوزع في جميع أنحاء المغرب، وأحد الأعضاء السبعة المنسحبين من المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ سنة، معروف بأنه من أشد المناوئين للغة العربية بالمغرب، ويندر أن تتصفح عددا من أعداد الجريدة التي يصدرها ولا تجد فيه قدحا في حق العرب أو العربية أو التعريب، وهذه الجريدة نفسها هي التي نشرت سنة 2000 رسما كاريكاتوريا يظهر فيه حرف من حروف تيفيناغ يتبول على حرف الضاد العربي، ونسوق في ما يلي نموذجا واحدا من بين نماذج كثيرة مما يكتبه بودهان ضد العرب والعربية، التي يرى فيها عدوة الأمازيغية ويطالب برحيلها عن المغرب، فقد كتب في عدد شهر دجنبر 2004 مثلا مقالا في الصفحتين 11 و12 جاء فيه: ما الفائدة من إنشاء معهد للأمازيغية إذا لم يوضع حد لانتماء المغرب إلى العرب والعروبة وتفانيه في خدمة هذا الانتماء والدفاع عنه من خلال خدمة قضايا العرب والدفاع عنها... من يحكم المغرب؟ العرب أم المغاربة؟ المغرب بلد أمازيغي إفريقي أم بلد عربي مشرقي؟، فلاحظ إذن هذا الإلغاء التام للمكون العربي من هوية المغرب، بل ومن هوية إفريقيا كلها، وللقارئ أن يستنتج مرامي ذلك وما يستتبعه. وفي عدد دجنبر لسنة 2002 من الجريدة نفسها، الصفحة ,12 وفي سياق الحديث عن ضرورة محاربة العربية والتعريب بالمغرب، نُشر ما يلي: إن الأمازيغي لا يفعل في حقيقة الأمر إلا نزع الجسم الغريب (يعني اللغة العربية) من تربة المغرب وكذا الأعشاب والطفيليات التي تستنزفها. وفي مقال بجريدة أكراو أمازيغ عدد 128 ص 7 بتاريخ 2 يوليوز ,2004 تحت عنوان العربية الرسمية رمز لأبارتايد لغوي مقيتة، اعتبر موحى مخلص أن اللغة العربية بافتقادها إلى كل شرعية سوسيولغوية، وبعدم ارتباطها بالواقع تعيش كسمكة خارج المياه، معلقا: (ألم تولد في الصحراء؟)، ومضيفا أن الصراع في بلدنا يدور بين ما هو معاش وبين ما هو يوتوبية ممأسسة، العربية ليست لغة أي أحد، وتعلمها يمر عبر الإكراه المدرسي، ووضعها الرسمي هو مجرد افتراض سياسي.، أليس هؤلاء إذن يصطنعون بل ويسعون إلى اندلاع صراع بين الأمازيغية والعربية في بلد انصهر فيه هذان المكونان مع مكونات أخرى إلى الحد الذي يستحيل معه لأي مغربي أن يثبت أنه عربي خالص أو أمازيغي قح أو غير ذلك من الأجناس والأعراق؟، ولكي تتضح هذه الرغبة في خلق التصادم بين العربية والأمازيغية، لنتأمل مقطعا آخر من المقال نفسه، حيث يقول كاتبه: الأمازيغية مصدر للانسجام وعامل للوحدة، أما العربية فلا علاقة لها بالواقع، إنها مصدر الانقسامات والصراعات. وأما البيان الختامي للمؤتمر الوطني الرابع لموقعي البيان الأمازيغي (28 يوليوز 2002)، فقد طالب بسحب المغرب لعضويته مما يسمى بالالجامعة العربية وتغيير ما يسمى بالمغرب العربي باسم المغرب الكبير، وهو مطلب يكرره خطاب الحركة الثقافية الأمازيغية في كل وقت وحين، ويدعو إلى محو مكون العروبة في هوية شعوب المغرب العربي الكبير، واستبدال ذلك ببعد ما يسمونه وطن تيموزغا أو تمازغا الذي يمتد في نظرهم من مصر إلى النيجر ومالي. حرف الكتابة يكشف تغرب العلمانيين وقد جاءت محطة ما اصطلح عليه بمعركة حرف كتابة وتدريس الأمازيغية سنة ,2003 عقب النقاش والجدل الذي نشأ حول الحرف الأنسب لكتابة الأمازيغية، لتكشف عن جانب آخر من أطروحة التغريب والإلحاق التي تشربها قسم كبير من المنتسبين إلى الحركة الثقافية الأمازيغية، حيث دعوا إلى تبني الحرف اللاتيني، مفضلين الاستعمار اللاتيني على ما يسمونه الغزو العربي، ولكم برع الكثيرون منهم آنذاك في تجميل هذا الاختيار وتنزيهه عن أية حمولة إيديولوجية أو سياسية، لكن أحمد عصيد، أحد الداعين إلى هذا الاختيار، كان واضحا وكتب في جريدة الأحداث المغربية (ص ,11 عدد 25 يناير 2003) ما يلي: إن هذه الخيارات الثلاثة تمثل في حقيقتها ثلاثة نماذج حضارية، ففي الوقت الذي يمثل فيه حرف تفيناغ نموذجا حضاريا يرتبط بالجذور والعراقة التاريخية، ويرمز إلى الشخصية الأمازيغية المرتبطة بالأرض، والمناضلة من أجل الحرية، يرمز الحرف العربي إلى النموذج الحضاري الإسلامي الذي يحتل فيه الدين مكانة المركز، ويحتوي كل أشكال التفكير والوعي والسلوك، ولكن في نفس الوقت يرمز هذا الحرف أيضا إلى هيمنة المنظومة الثقافية العربية، فتحت غطاء الدين تم تكريس أشعار العرب وأيامهم وأنسابهم وأخبارهم كثقافة رسمية، وعلوم اللغة من نحو وبيان وبلاغة عربية كعلوم مساعدة للعلوم الشرعية ذاتها كالتفسير والفقه، ولأن معركة الدفاع عن أمازيغية المغرب قد عرفت الكثير من المد والجزر على مدى العقود الأربعة الأخيرة، فقد كانت جميع أشكال المقاومة للخطاب الأمازيغي ولمطالبه تعتمد ثوابت الثقافة الرسمية العربية الإسلامية التي بدت بوضوح بأنها ثوابت إقصائية لا تقبل التعدد الثقافي واللغوي ولا تعترف بالتنوع الذي يوشح كل تفاصيل الحياة المغربية، وبعد هذا القدح والتنقيص في حق الحرف العربي وحمولته الحضارية الإسلامية، وبعدما غاظ دعاةَ هذا التيار أن يحتل الدين مكانة المركز في النموذج الحضاري الإسلامي، وبعد أن لم يستسيغوا أن يتشبث المغاربة بالعلوم الشرعية من تفسير وسيرة وفقه... وبالعلوم المساعدة على فهم هذه العلوم الشرعية من نحو وبيان وبلاغة وغيرها، يمضي أحمد عصيد في شرح مزايا اختيار الحرف اللاتيني بالقول: أما الخيار الاستراتيجي الذي يمثله الحرف اللاتيني، فيمثل نموذجا حضاريا عصريا وحداثيا، يرتبط بثقافة تتعولم يوما عن يوم، ليس ثقافة أمريكا أو الغرب، بل ثقافة إنسانية قوامها مبادئ كونية أدى إليها تطور كل الحضارات الإنسانية، وساهمت فيها البشرية جمعاء، ولهذا تسمي الحركة الأمازيغيية هذا الحرف بالحرف الكوني، نظرا من جهة لتواجده على المستوى البصري في جميع مناطق العالم بدون استثناء، ولا يحتاج مثل هذا الكلام إلى كثير من التأمل ليفهم منه أن التيار العلماني يريد أن يفصل بين الأمازيغ وبين العلوم الشرعية والعلوم اللغوية العربية المساعدة على فهمها، ثم في خطوة ثانية يسعى إلى الزج بالأمازيغية في أحضان الحرف اللاتيني، الذي يقول عصيد نفسه إنه يمثل نموذجا حضاريا، رغم أنه حاول الالتفاف بالقول إنه ليس نموذجا غربيا وإنما كونيا، لكن أبسط متتبع لموجة العولمة وقيمها يفهم بسرعة وسهولة أن النموذج الذي تسوق له العولمة ويردده العلمانيون الأمازيغيون المغاربة هو نموذج الحضارة الغربيةالأمريكية على الخصوص، ومن ثم فدعاة الحرف اللاتيني انغمسوا بوعي أو بغير وعي في التسويق لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبشر به الإدارة الأمريكية، وحتى يكون عصيد أكثر وضوحا وجرأة، فقد اعترف في المقال نفسه أن الملفت للانتباه أن التيارين معا داخل الحركة الأمازيغية (يقصد الداعين إلى حرف تفيناغ والداعين إلى الحرف اللاتيني، لا يبدوان منشغلين بأي صراع داخلي بينهما، بقدر ما يوحد بينهما رفض اعتماد الحرف العربي كحرف رسمي وحيد لكتابة وتدريس الأمازيغية، وربما لذلك لا نجد التيار الأمازيغي في المغرب يكن العداء للفرنسية والفرنكفونية والتغريب بصفة عامة، في الوقت الذي يحارب فيه العربية بشراسة، لأنه يتقاطع في مصالحه وأهدافه مع ما يدعو إليه النموذج الغربي، وتوحدت جهودهما لمحاربة العدو المشترك. وهو توحد في الجهود يعضده استقواء بالمنظمات والمعاهدات والإعلانات الدولية، مثل الإعلان الأممي حول حقوق الشعوب الأصلية والاتفاقية 169 المتعلقة بحقوق الشعوب الأصلية والقبلية داخل البلدان المستقلة وإعلان برلين حول حقوق الشعوب الأصلية وحقوق الأقليات، وهو ما ورط أطرافا في الحركة الثقافية الأمازيغية في ابتداع تعبير ينم عن التفرقة والشتات بالحديث عما تسميه الشعب الأمازيغي وليس الشعب المغربي ، وهو تعبير لا يقل خطورة وحمولة عن تعبير الشعب الصحراوي الذي يروج له انفصاليو البوليزاريو، وهذا الاستقواء بالمنظمات الدولية على غرار ما وقع في خطة إدماج المرأة في التنمية التي بالمناسبة ساندها دعاة هذا الطرح الأمازيغي المتطرف هو استقواء يعترف به أحمد عصيد نفسه في مقال له بموقع الجزيرة نت عن التنظيمات الأمازيغية بالمغرب، حيث يقول: قام مجلس التنسيق الوطني بالمغرب بإرسال لجنة منتدبة إلى الندوة الدولية لحقوق الإنسان المنظمة سنة ,1993 والتي تبلورت عنها فكرة تأسيس كونغرس عالمي أمازيغي، ثم تحدث كذلك عن توجه ( في الحركة الثقافية الأمازيغية) يميل إلى تدويل القضية الأمازيغية عبر الاشتغال في لجان الأممالمتحدة والمشاركة في المؤتمرات الدولية لحقوق الإنسان من أجل إسماع صوت الأمازيغية في الخارج، وقال أيضا: في هذا السياق المتوتر وبتأثير أحداث مجاورة كانتفاضة القبائل بالجزائر، وضغط المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، وانتقال العرش بعد وفاة الملك الحسن الثاني، جاء خطاب العرش يوليو/ تموز ,2001 الذي نصّ لأول مرة على قرار إحداث معهد ملكي للثقافة الأمازيغية تكون مهامه إعداد وتهيئة الأمازيغية لإدماجها في التعليم والإعلام والمجالات الاجتماعية الأخرى. الدعوة إلى العلمانية وإقصاء الإسلام عن الحياة العامة لا يتورع كثيرون من المنتسبين إلى الحركة الثقافية الأمازيغية في التصريح بأن الإسلام ليس من مكونات الهوية الأمازيغية، معتبرين الأمازيغ علمانيين بطبعهم، ومنهم من اعتبر الفاتحين المسلمين غزاة دمروا الأمازيغية والأمازيغيين، ومنهم من ادعى أن الأمازيغيين غير معنيين بأي دين سماوي. فأحمد الدغيرني صرح في برنامج لقناة الجزيرة بأن الإسلام سيرحل عن المغرب، وأعاد الكلام نفسه في حوار مع أسبوعية الأيام المغربية (عدد 214 من 16 إلى 22 يناير ,2006 ص 10 11)، واعتبر في الحوار نفسه أن ملايين المغاربة الذين تظاهروا في شوارع المدن المغربية تضامنا مع فلسطين والعراق لا يفهمون شيئا، حيث قال: ليس الدافع عندي هو إرضاء هذا الجمهور الذي لا يفهم شيئا، وربما لا يتعمق في المشاكل، ولا تهمني مواقف الغوغاء...، أما أحمد عصيد فاعتبر في حوار مع جريدة التجديد (عدد 1241 ص 5 بتاريخ 16 18 شتنبر 2005) أن الأمازيغية ليست لغة أي كتاب سماوي وليس لها رصيد مكتوب، وهي إشارة ماكرة إلى أن الأمازيغ لا تهمهم الأديان، بما فيها الإسلام، مادامت لم تنزل بلغتهم، ومضى يجتهد كعادته في كل حواراته وتصريحاته وكتاباته في أن يؤصل للمنظومة العلمانية من داخل العادات والأعراف الأمازيغية، غير أنه إن كان عصيد ورفاقه يدعون في البيئة الأمازيغية إلى العلمانية التي لا تعني شيئا آخر غير اللادينية كما عرّفها مخترعوها ومنظروها الأوائل فإننا نسوق لهم هنا مقطعا من كتاب للدكتور عمر أمرير، الذييعمل باحثا في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهو أحد أكبر الباحثين المغاربة الأمازيغ العارفين بالعادات والتقاليد والتعابير الأدبية الأمازيغية، حيث يقول في كتابه رموز الشعر الأمازيغي وتأثرها بالإسلام: إن مجموع ما قمنا بسرده من المترجمات ومن المؤلفات الأمازيغية ليس إلا قليلا من كثير مما ألفه السوسيون في هذا الصدد (يقصد مؤلفات العلماء السوسيين في السنة النبوية والفقه والعقيدة والتصوف وغيرها...). وإن مجموع ذلك من المترجم ومن المؤلف الإسلامي هيأ له الناس عادات تجعل حضوره يأخذ مكانته التي أرادها له الأمازيغيون، كما اتخذوا عاداتهم العريقة روافد كيفوها مع متطلبات الإسلام فاندمجت إلى درجة الانصهار التعاليم الإسلامية مع العادات الأمازيغية، فزاد الدين رسوخا في كل مجالات الحياة، إذ لم يقتصر على الانتقال بالترجمة من الكتب العربية إلى الأمازيغية وحسب، بل أُدمج في العادات، وبها تهيأ لإغناء المعجم الرمزي، ف...الأمازيغ لم يفهموا الإسلام بكيفية عميقة إلا عن طريق الترجمة من العربية، كما أنهم يتخذون أنواع العادات والفنون والاحتفالات وسائل للتلقين والاستيعاب... إننا بحق أمام ما يجب أن يسمى روافد التأثير الإسلامي إلى الأمازيغية، ومن أهم ذلك العادات التعليمية نذكر: التعليم الليلي وعرس القرآن وبخاري رمضان والمولد النبوي ثم أدوال بنوعيه: النزه والسياحات، ولا نجد أبلغ من هذا الكلام في الرد على من يفتري على الأمازيغيين ليلصق بهم العلمانية ويدعي أنهم يرفضون أن يتدخل الدين في شؤونهم العامة. ويجدر بنا هنا أن نشير إلى أن العداء للعربية والدعوة إلى إلغاء الإسلام من الحياة العامة للأمازيغ هما وجهان لعملة واحدة، وهو ما يبينه بجلاء ما كتبه محمد بودهان في جريدة تاويزا عدد دجنبر 2004 ص ,10 حيث قال: لماذا إذن تدعو الحركة الأمازيغية إلى ضرورة فصل الدين عن الحكم؟ لأن هذا الفصل يستتبع مباشرة، وبالضرورة، الفصل كذلك بين العروبة والحكم الذي بنى شرعيته على الإسلام والنسب العربي الشريف، أما حسن إيد بلقاسم، وهو من مؤسسي ومسيري جمعية تاماينوت وعضو في المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فقد صرح ليومية الأحداث المغربية أن المغرب تبنى لمدة تتجاوز الأربعين سنة سياسة استيعابية لبناء شخصية عربية إسلامية، ولم يكن أي مكان للأمازيغية في هذه السياسة لكون كل مظاهر الأمازيغية تثير إشكالا للإيديولوجية العربية الإسلامية التي هيمنت ولا تزال تهيمن على أغلب المؤسسات في المغرب (انظر كتاب حوارات حول المسألة الأمازيغية، ص ,82 منشورات الأحداث المغربية، الطبعة الأولى شتنبر 2004)، وهو بهذا يعلن أنه لا يريد للإسلام أن يحكم أو ينظم الحياة العامة للأمازيغ، ويضع الأمازيغية في تقابل وتعارض مع العربية والإسلام، أو ما يسميه الإيديولوجية العربية الإسلامية. وفي ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف من أجل دسترة الأمازيغية، الذي أصدر في يوليوز 2004 ونشر في جريدة العالم الأمازيغي (عدد 48 ص 2 غشت 2004) نقرأ ما يلي: إن الطبيعة السوسيوثقافية للمغرب لا تتلاءم مع هذا النموذج، مع النموذج اليعقوبي المستورد، والذي أصبح في يد النخب السياسية المغربية الحاكمة من أجل سحق كل الغنى والتعدد اللغوي والثقافي في المغرب، وقد سنح هذا الأمر تعريب نسب كبيرة من الأمازيغيين في ظرف وجيز لم يتم عندما كانت الدولة المغربية دولة تقليدية خلال قرون، كما أن إرثا أمازيغيا ثقافيا وحضاريا مهما تمت مصادرته فأصبحت الهوية الأمازيغية مستهدفة من قبل كل الإيديولوجيات السائدة في المغرب والمستوردة من الشرق أو الغرب، والتي انعكست سلبا على الإنسان الأمازيغي في المغرب وجعلته يعيش اضطرابا واستلابا في وجوده، فالنموذج العربي الإسلامي في المغرب إذن هو نموذج مستورد حسب الميثاق، كما أن التعبير القائل في البيان: إن إرثا أمازيغيا ثقافيا وحضاريا مهما تمت مصادرته هو إشارة مبطنة إلى ضرورة العودة للاعتزاز بتاريخ ما قبل الإسلام عند الأمازيغ وإحيائه والاحتفاء به، وهو ما يتكامل مع ما طالب به الميثاق في موضع لاحق، فبالإضافة إلى التنصيص على اللغة الأمازيغية كلغة وطنية وإقرارها كلغة رسمية ضمن دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا، يدعو إلى التنصيص على الهوية الأمازيغية والانتماء الإفريقي والمتوسطي في ديباجة الدستور، وعلى اعتماد العرف الأمازيغي مصدرا للتشريع إلى جانب المواثيق والمعاهدات الدولية، وعلى إقرار النظام الفيدرالي في الدستور المغربي، والتصيص على اعتماد مبدإ العلمانية ضمانا للتعدد والاختلاف والتعايش بين مكونات المجتمع المغربي. فرية إعادة كتابة تاريخ المغرب من مرتكزات خطاب التيار الأمازيغي المتطرف بالمغرب أنه يدعي أن تاريخ بلدنا شابته تحريفات وقراءات مغلوطة، ويركزون في ادعائهم هذا على ما يسمونه التجاوزات العسكرية للفاتحين العرب، الذين يلصقون بهم تهمة طمس معالم الهوية الأمازيغية، ويدعون إلى إعادة قراءة تاريخ الأمازيغ، ولكن بنظرة استشراقية كتلك التي حاول بها المستشرقون المغرضون تقديم التاريخ الإسلامي وتشويهه، بل وتشويه حتى السيرة النبوية والتشكيك في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا النهج سار دعاة الاستشراق الجديد في المغرب، حيث يشككون في نوايا الفتح الإسلامي للمغرب، ويقدحون فيه بنعته بما يسمونه بالإسلام الأموي، ومن جهة أخرى ينطبق عليهم ما كتبه الكاتب الجزائري عبد النور بن عنتر في حق التيار الأمازيغي القبايلي بالجزائر، حيث يستبعدون قرونا إسلامية صاغت هويتهم وتاريخهم، ويعتز خطابهم بكسيلة والكاهنة وحتى القديس أوغسطين، ربما لإثبات علاقة تاريخية بأوروبا المسيحية عبر المتوسط، وهنا المفارقة، يرفضون الإسلام باسم علمانية عتيدة لكنهم يمجدون القديس أوغسطين وهو من أكبر أقطاب المسيحية في عصره وأحد رموز كنيستها، وهو الذي شرعن تقتيل بربر مسيحيين كما نظر للحرب الدينية العادلة، واستبعد هذا الخطاب وبمرجعية انتقائية أمجاد البربر وعزتهم الإسلامية حيث أسسوا دولا كالمرابطين والموحدين من سجله، لتكون أمازيغية كسيلة لا أمازيغية طارق ابن زياد... والمثير أن يتحدث البعض عن أصالة الأمازيغية عند الرافد العربي الإسلامي، بينما ينسونها لدى محاولة ربطها بماض مسيحي متوسطي وبالتالي غربي... (جريدة أكراو أمازيغ عدد 157 من 06 إلى 24 يناير ,2006 نقلا عن موقع الجزيرة نت). مسؤولية تيار الاعتدال ما سردناه من مقتطفات من التصريحات والبيانات لم يكن سوى نماذج قليلة مما يعج به الخطاب الأمازيغي المتطرف من أدبيات معادية للغة العربية ورافضة لتدخل الدين الإسلامي في الشأن العام وداعية إلى إحياء التراث الوثني والمسيحي واليهودي للأمازيغ، وهي دعوات تقع مسؤولية تصحيحها وترشيدها بالدرجة الأولى على تيار الاعتدال داخل الحركة الثقافية الأمازيغية، الذي تبرز يوما بعد يوما جسامة المسؤولية التي على عاتق المنتسبين إليه في التصدي لهذه الأطروحة المدمرة للخصوصيات المغربية والوالغة في الاغتراب والتبعية لمنظومة غربية تغريبية تبحث لها في كل مرة عن رداء وتربة تستنبت فيها أفكارها وتصرف فيها برامجها ومخططاتها. وعلى التيار الأمازيغي المعتدل أن يتجاوز مرحلة الركون والسكون هذه إلى مرحلة الفعل الحقيقي للدفاع عن الهوية المغربية، الذي يبدأ حتما بالوقوف الصريح في وجه التيار العلماني المتطرف حتى لا يحسب عليه التاريخ هذه الممالأة والسكوت على تيار يصادم الهوية الحقيقية للأمازيغ.