لقد كان الحضور الثقافي الأمازيغي قبل بداية الألفية الثالثة جد محتشم، لا يمثل إلا بقلة قليلة من المنابر الورقية والجمعيات الثقافية والمساهمات الفردية، التي كانت لا تخرج إلى حيز الوجود إلا بشق الأنفس، نظرا إلى غياب الإمكانات المادية التي تسعفها على الظهور والاستمرار، وسيادة المساطير القانونية التي كانت تقلص من المد الثقافي الأمازيغي بالإقصاء والتهميش والتغييب، وهيمنة الرؤية الأيديولوجية الحزبية المعادية لكل ما هو أمازيغي. إلا أن أهم حدث تاريخي شهدته الأمازيغية قبل مطلع الألفية الثالثة، يتحدد في الخطوة غير المتوقعة التي قام بها ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، عام 1994 عندما دعا من خلال خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، إلى رد الاعتبار إلى الأمازيغية بإدخالها في المنظومتين التعليمية والإعلامية، فاستبشر الأمازيع حينئذ خيرا، والتمسوا في تلك الكلمات الدافئة التي قالها الملك، منابت الأمل وعبير الفأل. لكن، هل وفّى الملك بعهوده المعسولة؟ هل ترجم ما ورد في كلامه من مجرد مشاعر حالمة وأفكار واعدة إلى حقائق محسوسة ومنجزات ملموسة؟ تجنبا للوقوع في أي مزايدة أو مناقصة تاريخية، نعتقد أن مسلسل رد الاعتبار إلى القضية الأمازيغية كان قد بدأ مباشرة عقب خطاب الملك سنة 1994، لكن الأهم من ذلك كله هو، لماذا قررت مؤسسة القصر رعاية الأمازيغية بنفسها؟ وما هي الملابسات العامة التي تم فيها تبني هذه القضية؟ وكيف أصبح المشروع الأمازيغي الذي طرحه الملك ينفذ ويتحقق على مستوى الواقع السياسي والتعليمي والإعلامي؟ إن المجيل النظر في السير التاريخي للقضية الأمازيغية، منذ أن أعلن الملك في منتصف تسعينيات القرن المنصرم رد الاعتبار إليها، يدرك أن المشاريع الثقافية والتعليمية والإعلامية التي طرحت بشأنها، لم تتحرك بعيد ذلك الإعلان قيد أنملة، مما يجعلها لا تعدو أن تكون إلا وعودا سياسية معسولة، أراد من خلالها القصر احتواء القضية الأمازيغية لا غير! التي أصبحت آنذاك تكتسح أجواء المؤسسات الإعلامية والجامعية الوطنية والخارجية، وتنبئ المعطيات الجديدة بأنها سوف تتشعب، ليكون لها شأن عظيم، خصوصا وأن سقوط المعسكر الاشتراكي، وضع العديد من مناصريه في مأزق عارم، سوف لن ينفلتوا من ربقته، إلا بإيجاد بديل فكري وأيديولوجي جديد، يصعد بنجمهم في سماء السياسة، لذلك، كما يشهد التاريخ القريب، فإن ثلة من السياسيين اليساريين الذين كانوا ينشطون داخل الجامعة المغربية، اكتشفوا أن القضية الأمازيغية تشكل بديلا حيويا عن التوجه الاشتراكي الماركسي الذي كانوا يؤمنون به، وأنها سوف تكون عنوانا مناسبا لرحلتهم النضالية الجديدة، فكان هذا الشق أهم رافد للحركة الثقافية الأمازيغية، التي بدأت تتبلور في مختلف المكونات الثقافية والسياسية الأمازيغية والمغربية، من أحزاب وجمعيات ومؤسسات تعليمية وتوجهات فنية وأدبية وغير ذلك. في خضم هذا التحول الذي بدأ يغزو الوعي الأمازيغي، لم تكن السلطة المغربية بمنأى عنه، بقدرما كانت عيونها مزروعة في كل ركن، ومصوبة من كل جهة، بل وأنها كانت عضوا خفيا يشارك في سبك معالم القضية الأمازيغية، التي ترى فيها ورقة رابحة، قد يأتي اليوم الذي سوف توظفها فيها، ونظرا إلى أهمية هذه الورقة القصوى، فلم نشاهد هذه المرة السلطة المغربية وهي تقمع القضية الأمازيغية بنفس الأسلوب الذي كان سائدا في الماضي، وإنما نتحسس ليونة غير معهودة في الخطاب الفوقي، وتفهما غير مسبوق في الرؤية السياسية العامة، لكن هذا التغير الفجائي من موقف الرفض التام للحضور الأمازيغي في مختلف المشاريع الثقافية والسياسية المغربية، إلى موقف القبول التام له، ليس حبا في عيون الأمازيغ، وإنما استشعارا لمدى الخطورة التي قد يمثلها الملف الأمازيغي، إن أطلق له العنان، ولم يوجه توجيها مدروسا ومنظما، وفق فلسفة الجهاز الحاكم، وتماشيا مع الأهداف المرسومة من قبل مهندسي السياسة المغربية المعاصرة. هكذا أدركت السلطة المغربية، بلاطا وحكومة، أنه ينبغي أن توضع القضية الأمازيغية في الحسبان، وتحت مجهر المراقبة، لأن ترك الحبل على الغارب للأمازيغيين قد يجعل الأمر ينحو منحى معاكسا لسياسة البلاد، مما قد يقود إلى تصادم بين الحركة الثقافية الأمازيغية والجهاز الرسمي، كما كان يحصل في السابق بين السلطة وبين قوى اليسار من جهة، وبينها وبين التيارات الإسلامية من جهة أخرى، وكأن الملك استفاد من دروس الماضي، فسارع إلى تبني القضية الأمازيغية قبل فوات الأوان، فكان خطاب 1994 الذي خصها به، ذو مرميين؛ أولهما رد الاعتبار إلى الأمازيغية بوصفها مكونا أساسيا لهوية المغرب، وثانيهما احتواء الملف الأمازيغي الذي بدأ يتشعب ويخرج عن جادة الطريق، منبئا بما يشبه العاصفة أو الدوي! وكأن درس أمازيغ الجزائر فعل فعله السحري في فكر الملك وأسلوب تعامله مع الأمازيغية، وإلا فلماذا تأخر الإعلان عن هذا الود للقضية الأمازيغية إلى أن شارفت الألفية الثانية على النهاية، ولماذا حوصر الأمازيغ ظلما، ونكل بهم علانية، وعزلوا في المناطق غير النافعة رغم أنفهم، ومسخت هويتهم أيما مسخ، طوال عقود متتالية من تاريخ المغرب الحديث، ألم يكن الملك على دراية بأمازيغية المغرب، أم أنه كان يدرك ذلك حق الإدراك، إلا أنه كان يخشى من أن تشكل عامل تشتيت لوحدة المغرب، كما كان يفسر له كتبة القصر، أو يترتب عن إقرارها عزل العنصر غير الأمازيغي؛ الذي هو العرب؟ وإن كان الأمر كذلك، أو أننا سلمنا جدلا بصحة هذه التأويلات غير العلمية، فلماذا، بعد هذا التغييب الطويل للقضية الأمازيغية، يقتنع الملك بأن يهتم شخصيا بما هو أمازيغي، معترفا بأهمية الإنسان الأمازيغي التاريخية والثقافية والواقعية، وسوف يسلك ذات النهج بعض حكام المناطق الأمازيغية في الجزائر وليبيا، الذين سوف يرددون نفس الأنشودة، كل وفق أسلوبه وإيقاعه، التي تقول بأمازيغية شمال أفريقيا، وهم يعضون أصابعهم من الندم على ما تعرض إليه الأمازيغ أثناء العقود التي تلت الاستقلال من اضطهاد وإبادة وتهميش، وكأنك أمام مسرحية تاريخية كلاسيكية تريد أن تختم فصولها الدموية الرهيبة بنهاية سعيدة، يلتقي فيها الحبيب حبيبته على إيقاع الموسيقى الأمازيغية التي كانت ممنوعة، وهي تنبعث، بشكل لا يصدق، من القنوات المغربية والجزائرية! إن رؤيتنا لا تريد أن تكون حجر عثرة في طريق الأمازيغية كما يريدها الجهاز الرسمي، وإنما تسعى إلى فهم مجموعة من الملابسات التي تظل مبهمة، واستيعاب الظرف التاريخي والسياسي الذي حظيت فيه الأمازيغية بغتة برأفة الحاكمين الغامضة، لأن الحاكم العربي عموما مجبول على وضع جملة من الأمور والقضايا، التي تشكل كابوسا في ذاكرته أو حياته، في دائرة الممنوع، التي يعتبر مجرد الحديث اليومي العادي عنها، جريمة سياسية قد يحكم على مقترفها بالشنق! والآن نرى بأم أعيننا أن تلك المحظورات من الأمور بدأت تنتقل من دائرة الممنوع إلى دائرة المسموح، بتوقيعات رسمية من الدرجة العالية! فكيف يمكن التسليم التلقائي بذلك، والتبني الفوري لذلك الخطاب العجيب، الذي يبدو فيه، على حين غرة، الذئب والحمل صديقين ودودين! لا الأول يفكر في أكل الثاني، ولا الثاني يخاف من أن يأكله الأول! إن مسؤوليتنا باعتبارنا مثقفين، ليس أن نرفض أي خطاب أو نناوئه، بقدرما هي السهر على أن تكون الأمور واضحة، لأنها سوف تشكل جزءا من تاريخ المستقبل، الذي سوف يصبح ماضيا، يندرج في ذاكرتنا الناريخية والجمعية، التي كلما كانت واضحة، كلما كانت رؤيتنا للأشياء والأحداث واضحة، فكان، بذلك، استيعابنا لمقوماتنا الشخصية من معتقد ولغة وثقافة وهوية إيجابيا. من هذا المنطلق فإننا نقبل أي محاولة أو مشروع يكون القصد من ورائه، خدمة القضية الأمازيغية خدمة علمية تواكب حاجات الإنسان الأمازيغي إلى التنمية الشاملة، التي تبدأ من لقمة العيش والسكن والحق في ثروة الوطن... وصولا إلى ما هو كمالي، بيد أننا لا نقبل أن يجعل منا مطايا تمتطى من أجل تحقيق حفنة من المصالح الأيديولوجية والشخصية، كما هو الشأن لدى العديد من الأحزاب السياسية، التي ساهمت طويلا في نحر الإنسان الأمازيغي وطمس هويته وثقافته ولغته، والآن تسارع إلى تبني الملف الأمازيغي، سواء أيديولوجيا كما هو ملحوظ في برامجها الانتخابية والدعائية، أو إعلاميا بفسح المجال للتعبير عن القضية الأمازيغية في جرائدها الكهلة ومواقعها الصفراء، كل هذا يحدث باسم التجدد الفكري، والاستجابة لمتطلبات الظرف السياسي الراهن، وهي تتناسى أنها فقط قبل أقل من نصف عقد زمني كانت لا ترضى حتى بذكر مصطلح الأمازيغ عوض البربر، وكانت لا تكترث بما كنا نرسله إليها من كتابات في الشأن الأمازيغي، أليس، إذن، من حقنا أن نضع أكثر من علامة استفهام على هذا التبدل المباغت الذي مس موقف هؤلاء من الأمازيغية؟ ليس استغرابا من ذلك، وإنما رغبة في استكناه النوايا الحقيقية وراء هذا الاحتفاء غير المعهود بما هو أمازيغي. ثم إن التاريخ القصير الذي يمتد من خطاب الملك الراحل في 1994، إلى حدود إعلان الملك الجديد في 17 أكتوبر 2001 حيث تم إنشاء المعهد الملكي للأمازيغية، يلقننا أن ما تضمنه ذلك الخطاب من وعود ومشاريع، لم تكن إلا مجرد كلام في الهواء، وإلا فماذا تحقق للأمازيغية أثناء الثماني سنوات التي أعقبت ذلك الخطاب؟ إن هذه المرحلة التاريخية تشكل فجوة عميقة تبين كيف وظف القصر الأمازيغية توظيفا سياسيا لا أقل ولا أكثر، لأن الملك كان في حاجة ماسة إلى أن يمنح من حين لآخر نفسا جديدا لسلطته، لذلك نرى أنه كان كل مرة يعمد إلى طرح مشروع جديد يجدد من خلاله التواصل المباشر مع الشعب، حتى يطمئنه بمدى انشغاله الدائم بقضايا الأمة ومعضلاتها، وفي سنة 1994 جاء الدور على الأمازيغية، بعدما استنفذت الموضوعات الأخرى، كالصحراء المغربية والقضية الفلسطينية والديمقراطية والإصلاح الإداري وغيرها، التي أصبحت مكرورة ورتيبة، لا يستسيغها الشعب، فأحدث تناول الأمازيغية من قبل الملك تأثيرا عجيبا لدى مختلف شرائح المجتمع، التي لم تدرك وقتئذ أن طرح الأمازيغية في هذا الظرف، وبهذا الشكل، لا يعدو أن يكون إلا مجرد طرح سياسي، لا شأن له بالواقع الأمازيغي المتردي، الذي تنخر جسده السقيم جحافل الفساد والتعفن. حقا لقد تضمن خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 1994 طرحا فريدا من نوعه، لم يسبق للملك وأن قال مثله، وهو يؤكد أمرين؛ أولهما تدريس الأمازيغية، وثانيهما إدخالها في المنظومة الإعلامية، فيما يتعلق بالجانب الأول فلم يتحقق منه شئ يذكر، إلا بعد مضي أكثر من عقد زمني، عندما نهج الملك الجديد أسلوبا مغايرا لأبيه في التعامل مع الأمازيغية، فأدخلت في التعليم المغربي بشكل تجريبي، ما زال تحذوه الضبابية والإبهام، أما فيما يرتبط بالجانب الثاني، فقد استحدث ما يطلق عليه نشرة اللهجات الأمازيغية الثلاث التي هي: الريفية والشلحية والسوسية. لتعتبر بذلك الشئ الوحيد الذي وعد به الحسن الثاني في خطابه، فوفى به، ويا ليت لم يوف به! لأن نشرة اللهجات هذه كانت كارثة على الثقافة واللغة الأمازيغية، وتبريرا لحكمنا السلبي هذا نضع الملاحظات الآتية: 1- من الوهلة الأولى يتضح لنا أن مشروع نشرة اللهجات مبني على التلفيق والانتقاء والاحتواء، لأن مصطلح اللهجة من حيث استعماله في الصحافة المغربية، يوحي بالقدح والتنقيص والتحقير، وإن كان على المستوى اللساني يعني غير ذلك، فقد عهدنا على أن نسمع من الآخر عبارة اللهجة الأمازيغية، تصغيرا لها في وجه اللغة العربية، وادعاء بأنها لا تستطيع بتاتا أن ترقى فتصبح لغة مثل اللغات الأخرى، وكم كانت تتمزق أحشاؤنا عندما كنا نصغي للغير وهو يردد تلك النكتة القادعة التي فحواها؛ أن الأمازيغية بمثابة أصوات مبهمة، ومرد ذلك إلى أنه عندما كانت تفرق اللغات على الأقوام الأخرى، كان الأمازيغ غائبين، لذلك فهم لم يحظوا بلغة كسائر اللغات، فما كان أمامهم إلا أن يتعاملوا بهذه الأصوات الغامضة التي لا يمكن أن تشكل لغة راقية! وكأن إطلاق الخطاب الملكي تسمية اللهجات على اللغة واللغات الأمازيغية، ثم تسمية الأخبار التي تقدم بالأمازيغية نشرة اللهجات، ما هو إلا تكريس لذلك الخطاب المناوئ للأمازيغية الذي ينظر إليها نظرة سلبية، تراها مدعاة للتشتت والفوضى والتصارع. 2- كما أن المتمعن في الطريقة التي تقدم بها تلك النشرات، سواء من حيث الوقت الذي تستغرقه، أو طبيعة اللغة التي تستعملها، أو الموضوعات التي تتناولها، يدرك أنها لا تمثل الأمازيغية خير تمثيل، وأن الغاية منها ليس خدمة الأمازيغية لذاتها، وإنما لأجل مصالح لا تمت بصلة إلى الشأن الأمازيغي، مما يخادع الرأيين الوطنيين العام والخاص، اللذين يعتقدان مصداقية ما تضمنه الخطاب الملكي، غير أن الواقع يؤكد عكس تلك المصداقية، فنشرة اللهجات الأمازيغية تقدم بشكل بدائي، ينم عن قصور كبير في الأداء الإعلامي لدى المشرفين عليها، الذين يجعلون من تلك النشرة مجرد ترجمة حرفية لما يقدم في النشرات العربية والفرنسية، والأنكى من ذلك أنها لا تحرر باللغات الأمازيغية الحقيقية، لأن أكثر من 50% من الثروة اللغوية التي تتشكل منها منحدرة من القاموس العربي، وهذا راجع إلى نقص خبرة الفريق المقدم لها، سواء الإعلامية أو اللغوية أو الفكرية، وهذا أمر جد عادي، مادام أن أعضاءه، أي الفريق، ليسوا إلا مجرد موظفين عاديين في الإذاعة والتلفزة المغربية، يفتقر أغلبهم إلى المعرفة اللازمة باللغة والثقافة الأمازيغية، بالإضافة إلى انعدام إمكانات الكتابة الصحافية لديهم باللغات الأمازيغية، وإلا فكيف يقدمون نشرة ريفية أو شلحية أو سوسية معظم كلماتها مستقاة من اللسان العربي، ألا يدري هؤلاء أنه بالإمكان تنمية هذه اللغات الأمازيغية بعضها ببعض، وتغطية النقص المعجمي للغة معينة بالاستعانة باللغة الاخرى، وهذا ما يطلق عليه في الدراسات اللسانية الاقتراض اللغوي، وهو أمر محمود خصوصا في هذا الصدد، مادام أن هذه اللغات كلها تنحدر من أصل لغوي واحد: هو الأمازيغية الأم التي يسعى اللسانيون واللغويون الأمازيغيون إلى إحيائها، وتوحيد جميع اللغات الأمازيغية في شمال أفريقيا تحت مظلتها، وقد وعى في الآونة الأخيرة المشرفون على هذه النشرة، وبتوجيه من المعهد الملكي، بهذا الأمر، فبدأوا في تقديم نشرة أمازيغية واحدة تشارك فيها مختلف الألسنة واللغات الأمازيغية. 3- وتجدر الإشارة كذلك إلى أن نشرة اللهجات بقيت على هذا الوضع طوال أكثر من عقد زمني، إلى درجة أنه أصبح المواطن الأمازيغي العادي لا يستسيغها، وهذا إن دل على شئ، فإنه يدل على انعدام الجودة، وافتقارها إلى مكامن التشويق التي من شأنها أن تستقطب المشاهدين، والمسؤول عن ذلك هو غياب أي استراتيجية واضحة ومدروسة ارتكزت عليها تلك النشرة، لأنه كان لزاما على المشرفين عليها، أن ينطلقوا من التراكم الثقافي واللغوي والأدبي والإعلامي الذي كان قد حققه المثقفون الأمازيغ، فيستفيدوا من تلك التجارب في صياغة مشروع الأخبار باللغة الأمازيغية في التلفزة المغربية، أما أن يعمد المشرفون إلى تكليف بعض موظفي التلفزة بمهمة النشرة الأمازيغية، دون استيعاب لحيثيات هذا المشروع الحيوي الذي يرتبط بالذات والهوية والإنسان الأمازيغي، وماذا سوف يترتب عنه من نتائج تهم اللغة والثقافة الأمازيغية، فهذا يكشف عن مدى التوظيف السياسي للقضية الأمازيغية، الذي سوف لن يجني منه الأمازيغ سوى بذور الطمس والمسخ والتزييف. نافلة القول، إن القصد من تحبير هذا المقال، هو إماطة اللثام عن خيوط الملابسات الحقيقية التي كانت وراء الانقلاب المفاجئ الذي طبع الخطاب الفوقي في المغرب خاصة، وفي بعض دول شمال أفريقيا عامة، بخصوص القضية الأمازيغية، من خطاب كان يرفض مجرد الحديث عن الأمازيغية، إلى خطاب يحتفي بكل ما هو أمازيغي، معتبرا إياه مكونا أساسيا لشخصية الإنسان المغاربي، وكيف أن تبني السلطات للقضية الأمازيغية، كان بداية مبنيا على أساس التوظيف الأيديولوجي، والدليل على ذلك هو أن الأمازيغية لم تحظ أثناء هذا التبني بأي خدمة واقعية ملموسة، وخير ما يمثل ذلك هو النموذج المغربي، الذي بدأه الحسن الثاني في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب عام 1994، لكن تلك البداية أعقبها ركود استغرق حوالي ثماني سنوات، لم تنعم فيه الأمازيغية بما وعدت به، لكن بمجئ الملك الجديد سوف تفتح صفحة جديدة في تاريخ القضية الأمازيغية، حيث سوف تحظى بمختلف المشاريع اللغوية والتعليمية والثقافية والإعلامية، التي وإن كانت تنفذ بشكل يحتاج إلى إعادة النظر، فإنها تثبت أن الخيار الأمازيغي في المغرب خيار لا فكاك منه، وأنه آن الأوان لتصحيح الرؤية التقليدية التي ظلت تختزل الأمازيغية فيما هو سياحي أو دعائي. التجاني بولعوالي باحث مغربي مقيم بهولندا www.tijaniboulaouali.nl ""