الباحث الجامعي والإعلامي مصطفى عنترة حول موضوع "الأمازيغية بين التطرف والمطالب الديمقراطية" معروف عنكم اهتمامكم بالحركة الأمازيغية، وصدر لكم مؤخرا كتاب تحت عنوان "المسألة الأمازيغية بالمغرب: قراءة في مسار التحول من الثقافي إلى السياسي"، نود منكم أن تعطونا تقييما لهذه الحركة؟ تتسم الحركة الأمازيغية بالمغرب بعدة مميزات تضفي عليها طابع الخصوصية كحركة مدنية، اجتماعية، هوياتية، ثقافية، حقوقية، احتجاجية وسياسية، فهي: أولا ديمقراطية في مطالبها المشروعة والعادلة على اعتبار أن الحركة الأمازيغية لا توجد خارج الصف الديمقراطي، فهي واعية كل الوعي بأن مطالبها لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل المشروع الديمقراطي، وهي بذلك جزء فاعل ونشيط داخل الحركة الديمقراطية ببلادنا. ثانيا حداثية في مشروعها الثقافي والسياسي، فهي تتوق إلى بناء مجتمع تسود فيه قيم المساواة، المواطنة المشتركة وتصان فيه كرامة وحقوق الإنسان... ثالثا نسبية في خطابها وتصوراتها لكون الأمازيغية هي ثقافة عقلانية تتميز بتعارضها مع كل ما هو مطلق. رابعا علمانية في طروحاتها الفكرية والثقافية وفي سلوك وممارسة فاعليها، على اعتبار أن الأمازيغية هي ثقافة علمانية في الجوهر، تستمد أصول هذه العلمانية ليس من أوربا أو أمريكا بل من ثقافة وممارسة القبيلة وتنظيم العلاقة بين الدنيوي والديني داخل إطارها. فالحركة الأمازيغية هي رقم أساسي ولا بد منه في كل معادلة تهم المستقبل السياسي للبلاد، لاعتبارات مرتبطة بقوتها الجماهيرية وعدالة مطالبها ومشروعها الديمقراطي الحداثي. أكثر من ذلك أن انهيار الإيديولوجيات الكبرى وسيادة ثقافة حقوق الإنسان وانتصار اقتصاد السوق وبروز نظام عالمي جديد بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية وغير ذلك من التحولات الهامة التي شهدها العالم.. لعبت في جزء منها وبشكل إيجابي لفائدة مطالب الحركة الأمازيغية على الصعيد الوطني والإقليمي، الشيء الذي ترتب عنه انفتاح الدولة عليها و"الاستجابة" لبعض مطالبها. لكن هذا لا يعني أن ما تحقق اليوم جاء نتيجة المناخ الدولي الإيجابي، فنضال الحركة الأمازيغية كان له دورا مركزيا في التحول الذي عرفته الدولة في علاقتها مع هذا الموروث الثقافي الأمازيغي. ويمكن تحديد بعض المطالب الجوهرية التي تتقاسمها الحركة الأمازيغية، في ما يلي: دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وجعلها متساوية مع اللغة العربية في جميع المجالات، ومدها بكل الإمكانيات الضرورية لتطويرها، وعلى المغاربة الحق في استعمالها والمشاركة بها في الحياة العامة، والتزام الدولة بالتعامل بالأمازيغية والعمل على إدماجها في التعليم، الإعلام، الإدارة، القضاء.. وفي مختلف المرافق العمومية؛ جعل الانتماء إلى شمال إفريقيا (بلاد تامزغا)، ذو هوية موحدة أساسها أمازيغي وغنية بأبعادها المحلية المتعددة والمنفتحة على باقي الثقافات المتوسطية والحضارات الإنسانية؛ اعتبار الأعراف الأمازيغية مصدر من مصادر التشريع الوطني؛ فصل علاقة الدولة عن الدين ومنع احتكار أي ديانة أو التعبير باسمها واستعمالها لأغراض سياسية سواء من طرف الدولة في سياساتها العمومية أو الأحزاب السياسية في برامجها الحزبية، والتزام الدولة بحماية حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية؛ اعتبار المعاهدات الدولية الخاصة بالحقوق والحريات فوق التشريع الوطني، وجعلها تطبق بشكل مباشر، كما أن البرلمان يجب أن يتمتع بسلطة المصادقة على كل الاتفاقيات باستثناء تلك التي تمس الوحدة الترابية أو الحقوق والحريات؛ الانتقال من دولة المركز إلى دولة الجهات ضمن إطار تتمتع فيه الجهات باستقلال ذاتي وسلطة واسعة في تدبير شؤونها المحلية من طرف مجالس منتخبة بشكل ديمقراطي، وتعرف تقسيما مبنيا على أسس جغرافية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية.. مع مراعاة التضامن والتكامل بين الجهات في إطار الوحدة الوطنية تفاديا لحدوث اختلالات بين مختلف الجهات. انتقلت الحركة الأمازيغية من العمل في المجالات الثقافية والحقوقية إلى الفعل السياسي، ما هي قراءتكم لهذا التحول؟ نعتقد أن عمل الإطارات الأمازيغية كان منذ البداية ذو طبيعة سياسية، نظرا للجدلية القائمة بين الثقافي والحقوقي والسياسي. فالمناخ السياسي العام الذي كان سائدا في مغرب الحسن الثاني سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي لم يكن يسمح بالعمل السياسي، وهو الأمر الذي جعل هذه الإطارات تتجه إلى ما هو ثقافي أي المسرح، الموسيقى، الشعر.. كمجالات ثقافية من أجل تمرير خطابات سياسية. فكما تعلمون الأمازيغية كانت مقصية من طرف سياسة الدولة، كما أن العمل الأمازيغي كان يتعرض للحصار والتضييق، قبل أن تلعب مجموعة من العوامل دورها في هذا التحول التدريجي. فخطاب هذه الحركة أصبح شموليا في منظوره ومعالجته لقضايا المجتمع، حيث انفتح على قضايا متعددة كالمساواة بين المرأة والرجل، فصل الدين عن الدولة، إصلاح الدستور، دمقرطة الإعلام العمومي، تحديث المؤسسة الملكية، التمثيلية السياسية... أكثر من ذلك أن تدخل الدولة كفاعل أساسي داخل الحقل الأمازيغي من خلال قناة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، جعل غالبية الأطراف داخل الحركة الأمازيغية تتجه إلى تركيز اهتماماتها على قضايا اجتماعية تهم المعيش اليومي للمواطن من قبيل الأرض وملكيتها، تنمية العالم القروي... كيف ذلك؟ هذا التحول مرده لأسباب متعددة، منها ما هو مرتبط بظهور " الجمعيات التنموية" كمكون جديد يشتغل داخل المناطق التي يتكلم أهلها باللسان الأمازيغي، هذا المكون استطاع بفعل الإمكانيات المادية التي يتوفر عليها أهله من جهة ودعم السلطة من جهة أخرى الاستجابة لبعض المطالب اليومية للسكان، في مقابل خطاب الحركة الأمازيغية الذي ظل نخبويا، ومحدودا من حيث التعبئة والتأطير. ومنها ما يعود إلى الإمكانيات المادية والبشرية التي يتوفر عليها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة رسمية، ذلك أن هذا الوضع دفع الحركة الأمازيغية إلى التفكير في الخروج من مجالاتها التقليدية والاهتمام بقضايا توجد خارج مقتضيات الظهير المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ومن هذا المنطلق لم تعد "الجمعيات التنموية" التي يرأس أغلبها وجوه معروفة بقربها من السلطة وتتوفر على ميزانيات ضخمة وتضع السلطة رهن إشارة البعض منها كل الإمكانيات اللازمة.. وحدها المهتمة بما هو اجتماعي واقتصادي، ذلك أن الحركة الأمازيغية ضمت هذا المجال إلى دائرة اشتغالها مستفيدة بذلك من الدعم المادي الذي تقدمه بعض المنظمات المدنية والهيئات الدولية المهتمة بقضايا التنمية في شكل شراكات. لقي تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي معارضة من طرف فاعلين سياسيين وجمعويين على اعتبار أن "تحزيب" المسألة الأمازيغية يمكن أن يترتب عنه منزلقات سياسية، هل تتفقون مع هذا الرأي؟ بداية يجب التأكيد أن وجود الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي أو الحزب الديمقراطي الفيدرالي هو استمرار طبيعي لكل تراكمات الحركة الأمازيغية. وقد طرح مطلب تأسيس الحزب الأمازيغي لأول مرة وبشكل متقدم في عقد التسعينات من القرن الماضي، وعرف النقاش حوله تطورات هامة. لكن الشروط السياسية التي كانت تؤطر الساحة الوطنية آنذاك لم تسمح بترجمة هذا المشروع على أرض الواقع، مما جعله يدخل "قاعة الانتظار" إلى حين نضج الشروط الضرورية لذلك. ومعلوم أن الحقل السياسي ببلادنا يتسم بكونه (إلى حد ما) غير طبيعي في تركيبته الاجتماعية وتحالفاته السياسية نظرا للتدخل المباشر للإدارة في رسم هندسته، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها أي أحد لدرجة أن اعترافات آخر وزير داخلية الحسن الثاني أشارت في أكثر من مناسبة إلى عدة وقائع وأحداث تدل على دور النظام السياسي في عملية تأسيس الأحزاب وشق بعضها وخلق تحالفات وما شابه ذلك. لكن نعتقد أن التطورات السياسية الراهنة فرضت على النظام السياسي الكف عن مثل هذه الممارسات وفرضت على الجميع التفكير في إعادة تشكيل الحقل السياسي على أسس سليمة تجعل لكل المكونات الاجتماعية تمثيلية داخله بما فيها طبعا المكون الأمازيغي الذي مازال يوجد خارج الحقل الرسمي. لقد استطاعت الإدارة أن تدمج مؤخرا أحد الفصائل الإسلامية المعتدلة وهو حزب البديل الحضاري، فيما لازالت تراقب وترصد التحولات السياسية والسوسيولوجية التي تعيشها صفوف وتنظيمات جماعة العدل والإحسان بغية توفير الشروط الملائمة لدمجها داخل الحقل الرسمي ضمن إستراتيجية الإقصاء والإدماج التي ينهجها النظام السياسي في علاقته مع النخب. فكل الشروط الراهنة تبقى إيجابية لكي يجد المكون الأمازيغي مكانته الطبيعية إلى جانب باقي الفاعلين داخل الحقل السياسي، إذ كيف يفسح المجال لأحزاب تنهل من مرجعية إسلامية كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وحزب البديل الحضاري (الذي استطاع انتزاع حق الوجود الشرعي) مع العلم بأن الاثنين ينهلان في مرجعيتهما من الثقافة الإسلامية دون التأكيد على أنهما يمثلان الإسلام، أو حزب الأمة الذي سينجح هو الآخر في الحصول على حقه المشروع في العمل السياسي، في حين يحرم المكون الأمازيغي من حق الوجود تحت تبريرات أن "تحزيب" الأمازيغية يمكن أن يترتب عنه منزلقات سياسية؟ هناك تيارات متطرفة داخل الحركة الأمازيغية، يقوم خطابها على تصريف منطق الصراع بين الأمازيغ والعرب، وهو الشيء الذي قد يؤدي إلى منزلقات خطيرة، في نظركم ما هي أسباب هذا الموقف، وهل لهذه التيارات تأثير داخل الجمعيات الأمازيغية؟ "" إن القراءة الإيديولوجية هي التي تتحدث عن الصراع بين الأمازيغ والعرب، بل والأكثر من ذلك تضخمه وتحذر المجتمع من منزلقاته التي تصفها بالخطيرة. والمسألة الأمازيغية عانت منذ سنوات من مثل هذه القراءات الإيديولوجية التي يعرف العام والخاص الخلفيات السياسية التي تتحكم في أهدافها ومنطلقاتها، كما عانت من وجود عدة دوائر كانت تصر على إقصاء المكون الثقافي الأمازيغي والتأكيد على أن هوية المغرب لا تخرج عن ثنائية الإسلام والعروبة، كما أن السياسية الرسمية التي كانت متبعة لعبت دورا تدريجيا في عملية الذوبان في الحياة المدنية من خلال قوانين وآليات إدارية وثقافية واجتماعية (منع الآباء من تسمية أبنائهم بأسماء أمازيغية..). إن الحركة الأمازيغية لا تطرح مطالبها في إطار منطق الصراع بين العرب والأمازيغ، فهي مطالب ذات صبغة حقوقية وثقافية واجتماعية وسياسية، أي جزء من المطالب الديمقراطية الشاملة التي يتوخى حاملوها والمدافعون عنها تأسيس مجتمع المواطنة المشركة والمساواة والحريات ودولة القانون والمؤسسات. عن يومية الناس