كلما اشتد الخناق على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وكلما عجز عن تدبير الشأن العام بالشكل المناسب استدعى مخزونه الانقلابي التاريخي، منذ كان عضوا بسيطا في الشبيبة الإسلامية تم الالتفاف على قيادتها وتأسيس الجماعة الإسلامية. فليس أمرا مفصولا أن يقول عبد الإله بنكيران أنه كان مع مطالب حركة 20 فبراير ووقف ضدها حفاظا على الاستقرار لكن المرة القادمة لن يقف ضدهم. وهي رسالة معروفة الهدف، وإلا ما معنى أن يقول بنكيران فلينظر هؤلاء إلى مصير بنعلي؟ وهدد أكثر من مرة بعودة الربيع العربي الذي يتجول في شوارع الرباط ويمكن أن يعود حسب مزاج حزب العدالة والتنمية. لم يأت بنكيران بشيء جديد عندما يقول هذا الكلام. فبنكيران نشأ وتربى على أفكار الإخوان المسلمين وأفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودي والحاكمية الإلهية وكل تطلعات هذا الخليط كانت تسعى إلى استعادة الخلافة السلطانية، ولما اشتد عليه الأمر ولم يكن معروفا عنه الشجاعة انحنى للعاصفة حتى لا يكسر ظهره، وكان دائما يقول لأصحابه اصبروا حتى تتمكنوا وطبقوا مشروعكم الإسلامي.
إن بنكيران لم يأت للديمقراطية من موقع التجديد الديني ولكن لأنه كان مضطرا لذلك، ويوم يظهر أن الديمقراطية لا تناسب بنكيران فسوف يستغني عنها، ويعود إلى لغة التهديد بالشارع وكأن الشارع طوع يديه. وبالتالي لما يقول مثل هذا الكلام فهو يستدعي عقيدته الانقلابية التي تربى عليها. وما زال بنكيران انقلابيا من خلال دعمه لخرجات إخوانه التي لا تنسجم مع الدولة الديمقراطية المدنية ومن خلال دعمه للسلفية الجهادية، أي ان كل واحد من هؤلاء قد يساهم في تحقيق المشروع الكيراني.
ما لا يعرفه الكثيرون أن بنكيران الانقلابي لم يقم بمراجعات فكرية، فأقصى ما قام به هو إقناع أتباعه بالتحول من السرية إلى العلنية، والصبر حتى مرحلة التمكين، ولم يقل أحد منهم بأن حصولهم على الرتبة الأولى هو فوز في الانتخابات ولكن تمكين إلهي ينبغي استثماره، وهذا ما عبر عنه عزيز رباح وزير التجهيز والنقل وأحد تلامذة بنكيران النجباء.
لكن ظهر أن بنكيران يتميز بغباوة سياسية لا نظير لها، حيث ما زال يعول على الربيع العربي ظنا منه أنه سينجيه من مسلسل إسقاط الحكومات الإخوانية الفاشلة. وإذا صح أن نسمي ما حدث ويحدث ربيعا عربيا فأولى ببنكيران أن يتطير منه لأنه إذا نزل الشعب للشارع فهو سيفعل ذلك قصد إسقاط الحكومات الإسلامية التي أزّمت الأوضاع وبالتالي يكون بنكيران ضد نفسه.