موحى ابن ساين بعد سماعي متم الموسم الجامعي الماضي نبأ فتح "ماستر اللسانيات والآداب الأمازيغيين" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية "فاس، سايس" بادرت إلى كتابة مقال عنونته ب: "الدراسات الأمازيغية: من أجل "ماستر"منصف للجميع"، مستبشرين خيرا ومحذرين من الوقوع في انزلاقات قد تعصف بالأهداف التي من شأنها أنشئ هذا "الماستر"...
على طول فترة استلام ملفات الترشح (من 17 أكتوبر إلى 24 منه) كان التذبذب سيد الموقف، ففي اليومين الأولين قبلت الإدارة استلام ملفات المترشحين الموظفين ثم أوصدت هذا الباب بدعوى أوامر فوقية، لتعود في اليوم الأخير لفتح هذا الباب من جديد وبهذا تعذر على العديد من الموظفين المشاركة في الانتقاء الأولي وعبروا عن تذمرهم من مزاجية الإدارة ...
بقليل من (الحظ)، ويا ليته ما كان! تمكنت من إيداع ملفي ليكون ضمن الملفات التي ستخضع للانتقاء الأولي، وكما كان منتظرا كان اسمي ضمن المدعوين إلى اجتياز الامتحان الكتابي نظرا للنقط الجيدة المحصل عليها على امتداد فصول سنوات الإجازة ... نتائج الامتحان الكتابي صنفتني ضمن الأربع الأوائل، تنامت معها الأحلام، وتراءت لي الأماني قد أصبحت حقيقة، هكذا نحن !!!بالآمال أحياء وبالأماني سعداء و إن كانت كاذبة...
كنا 38 مترشحا مدعوا إلى اجتياز الامتحان الشفوي يومه 16-10-2012، وصل يوم الحسم تجمعنا أمام القاعة 106... وفجأة ساد صمت مطبق كصمت القبور أرجاء المكان فالتفت ورائي، إنها لجنة مكونة من ثلاثة أساتذة : أستاذ اللسانيات الأمازيغية وأستاذ الآداب الأمازيغية و الأستاذ المشرف على" الماستر"، كانت تخميناتي إذن صادقة بهذا الخصوص، دخل الأساتذة إلى القاعة وأغلق أحدهم الباب من ورائهم بعد أن قال: "انتظروا الإشارة! "
"لنلتزم بالترتيب الذي أسفر عنه الامتحان الكتابي..." قال أحدهم، " لكن سنبدأ من أسفل الترتيب ..." قال آخر، نطقت إحدى المترشحات حاسمة النقاش:" ليبدأ من هو على أتم الاستعداد ويرغب في المرور أولا، ويترك الآخرين ريثما يلملموا قواهم وأفكارهم..."
بادرت بفتح لائحة لتسجيل الأسماء حسب الرقم الترتيبي الذي يريده كل مترشح وخلصت في النهاية أن هناك أربعة مترشحين تغيبوا... فرح الكثيرون بارتفاع منسوب الأمل في النجاح خاصة بعد أن تناهى إلى علمنا أنهم يريدون فصلا بثلاثين طالبا... قالت إحداهن لزميلتها بصوت أقرب إلى الهمس بعد أن دنت من أذنها: "نحن 29 طالبا وخمسة موظفين، مبروك عليك زميلتي، الموظفون حتما سيطردون، الداودي ماكيلعبش...."
وأنا أحاول إلصاق تلك اللائحة بباب القاعة كإجراء تنظيمي أتى إلي طالب، حليم، صديق، همس في أذني مايلي: "رغم ما يشاع عن عدم رغبتهم في قبول الطلبة الموظفين فأنت تشكل الاستثناء، أنت معروف لديهم بجديتك و استقامتك وحماسك، فتفاءل! أكيد أنك ستكون معنا خاصة أنك من الأربع الأوائل في الامتحان الكتابي وأنت تعلم أن هذا الأخير له دور كبير في حسم نتيجة الشفوي..." أجبته بعد تنهيدة عميقة لحدسي بخواتم الأمور:"والله يا صديقي أنه على امتداد الفصول الستة للإجازة لم يسبق لي أن ارتحت إلى أحد من هؤلاء الأساتذة، ولم أكن في يوم من الأيام مقتنعا بكفاءتهم في مجال تدريس الأمازيغية لغة وهوية وحضارة... فكم مرة احتقرتهم وكم مرة أشفقت لحالهم.. .ما عدا ما استفذناه من الأساتذة الذين يأتوننا من "الإيركام" على سبيل التعاقد مع الكلية أما الباقي فبفضل التكوين الذاتي، فما هو إذن الجميل الذي تريده أن نعترف به لهؤلاء؟ حري بهم أن يشكرونا على الدينامية التي خلقناها والقيمة المضافة التي شكلناها في المسلك ".
مر الطلبة تباعا إلا أن حان دوري، دخلت القاعة بثقة كبيرة في النفس وتفاؤل كبير رغم كل شيء... ألقيت على أعضاء اللجنة تحية أمازيغية، ردوا بمثلها، ثم بادر الأستاذ المشرف على الماستر بالكلام بلغة فرنسية تفوح منها رائحة المكر والشماتة، قائلا: "بصفتك موظفا كيف يمكنك الحضور من الاثنين على الساعة الثامنة صباحا إلى يوم السبت على الساعة السادسة مساء؟" وأحيطك علما أن دفتر التحملات ينص على أن ثلاثة غيابات بدون مبرر تعني قرار الطرد..."
حملقت برهة من الزمن في وجوههم فقلت بيني وبين نفسي: "يا لوضاعتكم! لماذا تركتمونا حتى حرقنا كل هذه المراحل؟ ماذا ستخسرون لو قلتم ذلك قبل الانتقاء الأولي؟ أم أنتم محتاجون إلينا لنكون أرانب السباق أو "كومبارسات" لفيلم رديء الإخراج، وتضفون على" ماستركم" هذا المفترى عليه شرعية غير مستحقة؟"، إنكم فعلا محتاجون إلى تمارين إضافية لتقدير واحترام الطلبة الموظفين الذين يضمون في صفوفهم من هم أكثر إلماما منكم بالأمازيغية لغة وثقافة.
ثم نطقت أخيرا، قائلا: "طبعا لا يمكن لي الحضور لجميع الحص. ..ولكن سأبذل قصارى جهدي لأحضر لنسبة كبيرة منها، وسأحاول أن أجد صيغة توافقية بين عملي باعتباري مدرسا والحضور قدر المستطاع، مع النيابة التي أعمل ضمن مجالها الترابي والتي لم تكن سوى نيابة "تنغير"..." وأردفت قائلا: "لا أعتقد أن هناك" ماستر" بالمغرب يدرس فيه الطلبة طيلة أيام الأسبوع وبثمان ساعات في اليوم، هل بقولكم ذلك تريدون زرع اليأس في نفوسنا؟ أم حاجة في نفس يعقوب قضاها؟..." قاطعني قائلا:" قمت بعمل رائع في الامتحان الكتابي، وأحترم طاقاتك، وبالطبع نريد أمثالك معنا، لكن آسف أنت موظف!" انتهى كلام الأستاذ المشرف على" الماستر". بعد هذه الجملة أحسست بوحشة المكان وانتابني دوار من خواء هذه الأقدار... فكرت مليا، أأداريها في الأعماق وأستمر في عض أظافري؟ أم أنفجر أمام هؤلاء المنافقين الكذابين، أساتذة الكارطون...؟ وأبصق في وجوههم وأمضي...
قصفت ذاكرتي جملة أحد فلاسفة الأنوار:"إن أقسى أنواع الاضطهاد هو الذي يمارس في ظل القانون ويلون بألوان العدالة".
أحسست بدمعة ساخنة حبيسة جفوني وغصة في الحلق ترافقها، دمعة تصورتها تلمع بكبرياء، تظهر حين أهان، حين أظلم، حين أساوم... تتحدى الألم والانكسار، دمعة خلقت فوضى في الجسد والحواس، دمعة مكابرة رفضت السقوط لمعرفتها أن دموع "موحى" في الحوادث غال...
اختلطت علي الأمور، تحسرت، تمزقت أسى، نفثت آهات، لعنت هذا العالم الجامعي الموبوء...
نطق أستاذ الأدب الامازيغي قائلا :"دعنا نتحدث قليلا عن الأدب الأمازيغي..." قاطعته :"أعتقد أن أمري قد حسم وأن أمثالي لم يعد تواجدهم بينكم مرغوبا فيه، لماذا إذن نصر على الكذب على أنفسنا بأسئلة وأجوبة لا تغني ولا تسمن من جوع؟"... سكتت عن الكلام المباح لردح من الزمن أحاول ابتلاع خيبتي... وبضحكة صفراء وخبثه المعهود أومأ إلي أنه رغم ما قيل فهناك بارقة أمل، سرت معه في الخط حتى أعطى الكلمة لأستاذ اللسانيات الذي اعترف بدوره بالقيمة المضافة الملموسة للموظفين بصفة عامة ولأبناء الجنوب الشرقي على وجه الخصوص على مسلك الدراسات الأمازيغية بهذه الكلية... أيعتقدون أنهم بمجرد قولهم أولاد الجنوب الشرقي "رجال" وطاقات جديرة بالاحترام أننا سنبتسم في وجوههم ونعود إلى دواويرنا ونحن لهم شاكرون على تلك المسكنات التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟ عذرا يا سادة نحن هنا ونريد مكافآتنا على جديتنا ولا نطلب صدقة من أحد، ولن تكل ألسنتنا ولن تجف أقلامنا في رفض وفضح كل المنغصات الرامية إلى تجفيف مشاتل آمالنا المشروعة...
ما ذنب أستاذ في السلك الابتدائي مثلا، يسكن في الجنوب الشرقي و مجاز في الدراسات الأمازيغية و ذو كفاءة و إلمام بالأمازيغية لغة وهوية وثقافة حتى يقصى من الولوج إلى سلك الماستر؟ أيريد هؤلاء أن تسند أمور الأمازيغية ثانية إلى غير أهلها؟ مستقبل الأمازيغية يا سادة!! يجب أن يكون بين أياد آمنة و على ظهور من يستطيع تحصينها والرقي بها إلى مصاف الثقافات العالمية.
أكثر من ثمانين في المائة من طلبة سلك الإجازة المتخرجين الموسم الجامعي الماضي طلبة موظفين وأكثر من تسعين في المائة منهم من الجنوب الشرقي، شكلوا قيمة مضافة لمسلك الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب"فاس سايس، خلقوا دينامية لا توصف، وساهموا في الرفع من مستوى التحصيل العلمي، فيهم مبدعون في مختلف المجالات من شعر و قصة و موسيقى ومسرح وفن تشكيلي... اكتسبوا إلى جانب النسبة المتبقية من الطلبة عدة معرفية ومنهجية لا يستهان بها فمن العار أن يحرم هؤلاء من فرصة متابعة دراستهم في سلك "الماستر" تحت ذريعة سخيفة: "موظف يسكن في المغرب العميق"...إجازاتنا يا هؤلاء!! لن يلق بها في مدارج النسيان وتحت مواطئ النعال، أو حبيسة الرفوف، فعولوا علينا وانتظرونا إننا قادمون... إزاحتكم مسألة وقت ليس إلا.
لم يسبق لي إلى حدود كتابة هذه الأسطر أن سمعت بدولة تحترم نفسها تحرم أبناءها كانوا من كانوا من التحصيل العلمي.
خيبة أمل كبيرة وأنت في غمرة طقس الامتحان أن تتراءى لك بل وتمر بين عينيك مؤشرات فشل مشروع طال انتظاره بسبب سوء التنزيل منذ البداية وتتهاوى أمامك أحلام تكوين نخبة قادرة على إيصال الأمازيغية نحو بر الأمان
ألم كبير أن تتسرب إلى نفسك شكوك وتتناسل في رأسك تساؤلات حول مدى حقيقة صدق نية هؤلاء القيمين على "ماستر الدراسات الأمازيغية" في الرقي بالأمازيغية لتنتصب أمامك شمس الأمازيغية وهم يدحرجونها نحو مرافئ الغروب...
ألم كبير أن تجتهد طيلة سنوات الإجازة وتتوج بنقط جيدة، لتكون بوابتك نحو "الماستر" ويقف أمامك أحدهم ويمنعك كأنك تريد الدخول إلى حديقته الخلفية، تحت ذريعة سخيفة ما أنزل الله بها من سلطان.
عبث كبير أن يتم إقصاؤك من الولوج إلى هذا السلك تحت ذريعة واهية:" موظف"، ضاربين عرض الحائط جديتك التي تشهد عليها نتائجك على امتداد فصول سنوات الإجازة الثلاث، واجتيازك الامتحان الكتابي بنقطة جيدة صنفتك ضمن الأربعة الأوائل، واعتراف اللجنة في المقابلة الشفوية بمؤهلاتك المعرفية والمنهجية التي لا غبار عليها، واعترافها بقدرات الطلبة الموظفين العالية التي لا تقارن بالطلبة العاديين إلا أن عيبهم كونهم موظفين... ألم يتذكروا مسارهم كيف أصبحوا أساتذة جامعيين؟ أم في قلوبهم شيء من مرض عقدة التفوق؟
شعور بالهوان أن ترى مترشحين تعلم علم اليقين أنهم أقل منك مستوى بكثير معرفيا ومنهجيا ونضاليا ينتشون بفرحة نجاح غير مستحق، وتتجرع أنت مرارة كأس ملؤها الخيبة وتفاهات محبطة لآمال الحالمين بأمازيغية مزدهرة...
تقزز فظيع أن تسمع من شهادة إحدى المترشحات الجميلات ، الريفية المنبت، ذات القد الممشوق والشعر الحريري الذهبي المسدل على الأكتاف، لابسة سترة حمراء تظهر أكثر مما تستر، تفوح منها رائحة عطر أكيد أنه غالي الثمن... أنها ارتبكت و لم تنبس ببنت شفة أمام اللجنة وأنه وقع لها ما يشبه الانهيار...وتجد اسمها من المقبولين.
انتصار العبث أن تنجح زوجة أستاذ ضمن اللجنة الساهرة على إجراء الامتحان وزوجة صديق لهذه اللجنة وتطرد أنت لأنك فقط معلم مغبون بإحدى قرى الجنوب الشرقي...
ما أجمل الكلام حين تسمع لهم وما أبشع النموذج حين تقف على ممارساتهم ومواقفهم التي تضحك الثكلى لغرابتها وشذوذها.
أم المهازل أن تحس بهم يظنون أنهم محاطون بالبلداء وهم الأذكى ويمارسون عليك شططا لا يليق بالعقلاء وتضحك رغم تراجيدية الموقف...
أسف كبير أن يخرج مترشح من المقابلة رافعا راية النصر قبل خروج النتائج وهو يردد: "لم يسألوني قط لا من قريب ولا من بعيد عن شيء فيه رائحة الأمازيغية بل دخلوا معي دروب حياتي الشخصية...وختمناها بمستملحات كانت بمثابة ملح على الطعام" وعندما تفكر في الانتفاض في وجوههم تفكر أنك لازلت في موقف ضعف..
عبث كبير أن يقول أستاذ لبعض المترشحين الذين يعرفهم عن قرب :" « vous massacrez le français »، مستواكم كارثي في اللغة الفرنسية، فلتعلموا أن زمن"دبز، دبز" قد ولى، ونحن نراهن عليكم بتحسين مستواكم في هذه اللغة لتتمكنوا من مسايرة الدروس".اسمح لي أن أقول لك أستاذي الفاضل، إنكم على نهج "دبز، دبز" سائرون وحتما سيأتي يوم للثمن غاليا ستدفعون، فلتعلم أن التاريخ صارم يتجاوز طموحات البشر...
إن تجربة الرباط للسنة الماضية إن كنا شعبا يستخلص العبر ستساعد في استيعاب بعض الدروس، فبشهادة أهل الدار من أساتذة وطلبة، حقيقة هزالة التحصيل والتكوين العلميين مرة ولا مجال للشك فيها جراء إقصاء الطاقات وسيادة منطق الولاءات والميز العنصري وأشياء أخرى ترفضها منظومة قيم" تيموزغا".
سيكون ألما وما بعده ألم إن أصبحت صيحتنا هذه مجرد صرخة في واد أو همسة في عالم الضجيج...
واجب الرقي" بماستر" "الدراسات الأمازيغية" يدعونا إلى التحلي بالديمقراطية وتكافؤ الفرص والتشبث بمعيار السلطة العلمية و التخلي عن المحسوبية و الزبونية و الولاءات من أجل تكوين أجيال قادرة على السير بالأمازيغية بخطى ثابتة في طريق التقدم نحو بر الأمان وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.