مشاكل الجامعة المغربية لا حصر لها، بعضها بنيوي يحتاج إلى تغيير جذري في السياسات والذهنيات والأعراف المحنّطة وفي الدينصورات التي انقرضت من الطبيعة وما تزال «تقاوم» الزوال في معظم جامعاتنا.. وبعضها متعلق بإصلاحات صِيغَت بطَعم التخريب، وأحد مظاهر هذا الأمر أننا نجد ما يسمى، باشتراك الاسم، «شهادة الماستر»، وهي -كما نعلم- شهادة حديثة، بالمعنى الكامل للكلمة، أنتجتها شعوب تحترم المعرفة العلمية والتكوينات العالية المتخصصة، لكنْ عندما تم «استنباتها» عندنا، صارت -بقدرة ذهنيات بعض المشرفين عليها- شهادة عشوائية بدون رهانات مجتمعية حقيقية وبتكوينات علمية هزيلة وبفوضوية و«إسهال» في التخصصات، حتى إن كلية الآداب والعلوم الإنسانية في إحدى المدن العتيقة أنشأت أكثر من 30 ماستر، ومن يقرأ بعض العناوين لا يمكنه إلا أن يستلقي من الضحك فقد صدق من قال: «إن من شر البلية ما يضحك»، عناوين «قلْ ما شئت»، وأحيانا عندما يغريك عنوان «ماستر» ما، نظرا إلى تركيبته اللغوية «الانفجارية» وتبدأ في البحث عن التخصصات التي تدرس فيه، لتفاجأ بكون بعض الأساتذة المكونين يُدرّسون في الماستر المجزوءات نفسَها التي يدرّسونها في مستويات ما قبل الإجازة بالفاصلة والنقطة، دون اجتهاد، وآخرون اهتدوا إلى طريقة عبقرية في التكوين سمّاها أحدهم «التعلم الذاتي»، وهي اعتمادهم كلية على عروض الطلبة فينتقون الجيد منها ويجمعونه في «منشور» يباع «كمقرر» في مراكز النسخ في الكليات. أما دكتور «رائج» الاسم في الرباط، فيتعامل مع الماستر بطريقة المقاولين المغاربة، أي يحضر اسمه على الأوراق المقدمة للوزارة فقط، بينما «يفوت» إنجاز المجزوءات ل«بريكولور» آخر، في تواطؤ واضح من طرف الإدارة، أما بعض «الماسترات» غير المجانية، والتي تفتح عادة في وجه موظفي وأطر القطاعين العام والخاص، فهي «تجارة مربحة» تدر مئات الملايين، وهي تخضع لرقابة صورية. ونظرا إلى التسيب، فقد أضحى هذا النوع من الماستر «موضة» في بعض الإدارات، كالأمن والقضاء والمالية، فتجد موظفا مهما يستهويه كثيرا أن يضيف «الماستر» إلى جملة مفاخره، فيدفع مسبقا ثمن الماستر، وليس من الضروري أن يواظب على الحضور، لذلك نجد أن بعض عمداء الكليات وبعض الأساتذة الجامعيين أضحى «اختراع» الماسترات هوايتَهم الرسمية وأضحوا معها أغنياء يسكنون الفيلات ويقودون سيارات رباعية الدفع، بعد أن كانوا يقودون «فياط أونو» ويكترون «شققا» في الأزقة الخلفية للمدن القديمة. تجعلنا بعض «الماسترات» نستغرب كيف استطاع منشئوها الأفذاذ انتزاع التراخيص من الوزارة، ففي الوقت الذي يعاني بعض الأساتذة الجامعيين، المعترَف بكفاءاتهم، الأمرّين لانتزاع قبول الوزارة للماسترات التي يقترحونها، نجد البعض الآخر، وفي نفس التخصصات في جامعات أخرى لا يجدون أي مشكلة تذكر، مع أنهم غير قادرين على الالتزام بدفاتر التحملات التي وضعوها، فنجدهم يغُضّون الطرف عن حالات الغش في الامتحانات، حتى عندما تنجز في حق الطلبة المخالفين تقارير، ويتساهلون في مواضيع الامتحانات ذاتها، إذ المهم هو أن تكون نسبة الطلبة الناجين مرتفعة... ويسدل الستار وتصفق الوزارة لهذا النجاح البارز.. ومع بداية «الموسم الاحتجاجي» الجديد، يلتحق هؤلاء المتخرجون إلى «سلَفهم» العاطل أمام البرلمان، للمطالبة بالشغل، وقد يحدث -إذا هبّت رياح الفرص كما تشتهي السفن- أن يُعَيَّنوا تعيينا مباشرا دون تكوين في التعليم لتعليم أبناء الشعب معنى العبث... أما أحدهم في كلية في الرباط فيجسد حكاية ولا في الخيال، إذ إن «حدسه العلمي» جعله متخصصا في ماستر للطالبات المختارات ب«عناية»، فبدل أن يركز على الاستحقاق المعرفي في المقابلات، يركز على الجمال الجسدي، حتى إنه عندما يدلف المرء إلى القاعة التي يدْرُسن فيها، يخيل إليه أنه في قاعة تابعة لمركز لتكوين مضيفات طيران، حيث يفرض عليهن «لباس الحداثة»، وعندما يستدعي هذا الأستاذ، «الحداثي» جدا، وفدا أجنبيا «لتبادل الخبرات» كذا... تتحول طالباته إلى «مرافقات» للوفد الأجنبي في زياراتهم ل«حسان وأسوار شالة» وإلى «ديكورات» لتزيين أبواب قاعة المحاضرات وزواياها، ويتوجب عليهن، استكمالا ل«المنظر»، أن يرسمن ابتسامات دائمة دون كلل أو ملل للحضور الأجنبي، وللمصادفة السعيدة وللحظ الحسن، فقد تخرّج فوج منهن في السنة الماضية «بتفوق» وشغّلتهن الحكومة الموقرة هذه السنة، هن أيضا، في قطاعات شتى، تعيينا مباشرا، إذ إن رياح التغيير، القادمة من الشرق هذه الأيام، شأنها شأن رياح «الشركي»، قد تأتي بالأمطار وقد تأتي ب«الجراد» أيضا. وأخيرا دكتور ذائع الصيت صير «ماستره» مجمع لعائلته الفاسية الممتدة ولبعض الأسماء العائلية، التي تدور في الفلك ذاته، فليس كل طالب، حسب هذا «الديناصور»، يستحق حق التكوين في الماستر، فهو خير من يطبق البيت الشعري للراحل درويش: «هل كل كائن يسمى مواطن»... إنها بعض المَشاهد من مسرحية اسمها شهادة الماستر في الجامعة المغربية والسؤال المطروح هو إذا كانت الجامعة المغربية تخرج معطلين أو هكذا كانت تهمتها، قبل خلق شهادة الماستر وما تزال اليوم تخرج معطّلين حاصلين على شهادة الماستر، فعن أي إصلاح جامعي نتكلم؟ يتبع...