حكاية سعيد تدل باختصار على أنه رجل يفتقد للسعادة. يقول إنه ارتبط بزوجة متسلطة وقاسية، استغلت نقطة ضعفه وهي حبه الكبير لها، لتجعل منه زوجا خاضعا وخنوعا، لا يقوى على معارضتها. الملاك الذي أحبه سعيد قبل الزواج، حسب وصفه، تحول إلى وحش منعدم الأحاسيس يتلذذ بتعذيب أقرب الناس إليه. معاناة زوجته من الغيرة الشديدة والشك جعلتها تحول حياتها الزوجية إلى مسلسل من الخصومات المتكررة، كان ضحيته سعيد أو بالأحرى “تعيس” وفق وصفه. لقد أصبح يجد نفسه مطرودا من البيت لأتفه الأسباب، طبعا بعدما يكون قد نال حظا وافرا من السباب. فما هي الأسباب التي قد تدفع زوجة لتعذيب وتعنيف زوجها؟ وما الذي قد يدفع بزوج مثل سعيد للصبر على هذا الوضع؟ أسئلة وأخرى حاولت “الأخبار” أن تجد لها بعض الأجوبة، بعدما سرد علينا سعيد تفاصيل قصته مع “معذبته”. صبر بلا حدود، وتضحيات بالجملة، هما العنوانان البارزان للحياة الزوجية لسعيد الذي أصبح كالخادمة يغسل ويجلي ويكنس، ولا يجد كلمة شكر من شريكة حياته القاسية. في حديث عن معاناته مع زوجته يقول إنه تجاوزت حدود العنف اللفظي ليصبح العنف جسديا. قطار الحب “ككل صباح كنت أصادف تلك الفتاة الجميلة، وهي تنتظر القطار، ولأنني كنت أريدها أن تظل أمام عيني لأطول فترة ممكنة كنت أحرص على الجلوس بجوارها في المقطورة، إلى أن نصل إلى وجهتنا. وبالرغم من أنني كنت قد تعودت على رؤيتها كل يوم إلا أنني كنت لا أتجرؤ على محادثتها. لا أعرف ما السبب الذي كان يمنعني من ذلك، ولكنني أدركت بعد ذلك أنني ارتكبت خطأ كبيرا وذلك لأنها اختفت ولم تعد تأتي إلى المحطة. ندمت حينها لأنني لم أتعرف عليها، كنت في تلك الأيام التي غابت فيها عن محطة القطار أنتظر تلك المعجزة التي ستجعلني ألتقيها ولو صدفة. إلى أن ظهرت من جديد بعد مرور شهر، عندما رأيتها قلبي دق حينها بسرعة خيالية إلى أن خلته سيخرج من مكانه، ولأنني لا أريد أن أضيع الفرصة مرة ثانية، استجمعت أنفاسي وكلمتها. وكانت هذه بداية حكايتي مع معذبتي، تطورت علاقتنا بسرعة، وأصبحت سناء الانسانة التي لا أستطيع الاستغناء عنها، فقررت بعد ثلاثة أشهر أن أتقدم إليها. كنت أبلغ من العمر حينها اثنان وعشرين سنة، وكنت لا أملك لا بيت ولا سيارة، حتى راتبي كان متواضعا”. فاتح سعيد والديه بالموضوع، والده الذي كان لا يبدي رأيه في أي شيء ترك لزوجته الكلمة الأخيرة في الموضوع. أم سعيد وافقت على العروس وباركت لابنها الزواج، هذا الزواج الذي على حد قول سعيد، كان معتمدا بالأساس على القلب، يضيف سعيد:” لو كنت فكرة ولو للحظة بعقلي لما كنت قد اتخذت هذه الخطوة، فبعد زواجي من سناء عشت أنا وهي في بيت أهلي. وكان هذا أسوأ قرار أقدمنا عليه، ولكن للأسف لم يكن لدينا بديل، لأن الراتب الذي كنت أتقاداه كان بالكاد يكفي لمصاريف البيت”. لحظات عسل تحولت إلى أيام بصل يقول سعيد :”أيام العسل سرعان ما انقضت وبدأت المشاكل، فسناء لم تكن تتفاهم مع أمي، فكنت بعد رجوعي من العمل أجد زوجتي وأمي تنتظرانني، لتشتكي كل واحدة من الثانية. زوجتي لأنها لم تكن سعيدة في بيت أهلي، أصبحت دائمة التذمر والشكوى، فاختفت تلك الفتاة الرقيقة والناعمة، لتظهر سناء أخرى لم أعرفها من قبل، سناء العصبية والقاسية. كانت كل يوم تهددني بطلب الطلاق إن لم أجد حلا لوضعنا، وغالبا ما كنت أجدها قد تركت الببت وذهبت إلى بيت أهلها”. ويضيف في حديث بوحه ل “الأخبار”: “في يوم من الأيام، اقترح علينا والدها أن ننتقل للعيش في بيته حتى نتفادى هذه المشاكل، ومن أجل إرضاء زوجتي قبلت باقتراحه وليتني لم أقبل. فقد أصبحت أكتشف في كل مرة صفات جديدة في سناء، تلك الفتاة التي أحببتها لم تعد كما في السابق. فبعد أن انتقلت إلى بيت أهلها، أصبحت متسلطة وكانت تخبر أهلها بكل صغيرة وكبيرة عن خصوصياتنا. وبدأت تبدي مشاعر غيرة مفرطة، فبدأت تطالبني بتغيير عملي لأن وظيفتي حينها كانت تجعلني في احتكاك دائم مع النساء. تذمرها الدائم وغيرتها جعلاني استغني عن الوظيفة التي كنت أحبها لأنتقل إلى وظيفة أقل أجرا. وبالرغم من أن وضعيتنا المادية كانت ستصبح أصعب إلا أن سناء لم تعترض، لأن همها الوحيد كان هو أن لا التقي بنساء أخريات غيرها. كنت أعتقد أن تغيير الوظيفة سيحل المشكلة، ولكن الوضع ظل على ما هو عليه، ظلت سناء تشك في تصرفاتي وتتهمني دائما بخيانتها، لدرجة أنها طردتني في يوم من الأيام من البيت أمام أنظار والديها. كنت أرى في تلك الفتاة التي أحببتها بجنون، ملاكا تحول إلى وحش، وحش منذ أن قابلته وأنا في تراجع، فلم أعد أهتم بمظهري خوفا من أن تتهمني بالتزين للأخريات، قاطعت كل أصدقائي من أجلها، لم أعد أجلس في المقاهي، تركت عملي من أجل وظيفة أقل أجر، انتقلت للعيش في بيت أهلها بالرغم من رفضي للمبدأ… كلها أمور ضحيت بها من أجل إرضاء زوجتي التي كانت تضرب كل ذلك عرض الحائط ومسحت بكرامتي الأرض وطردتني من البيت”. الزوج المطرود من بيته ويسترسل سعيد في بسط أحداث قصته مع زوجته قائلا: “مسلسل الطرد لم يتوقف عن هذا الحد، فقد كانت في كل مرة تطردني فيها سناء من البيت، أعود لطلب السماح ومصالحتها مع العلم أنني لم أكن أنا المخطئ. فبالرغم من أخطائها المتكررة وإهانتها لي إلا أن حبي لها كان أكبر من ذلك، وكنت أتنازل وأضحي بأشياء كثيرة من أجلها. رزقنا بطفلنا الأول، فقرر والديها أن يتركا لنا البيت ويذهبا للاستقرار ببيت آخر خارج الدارالبيضاء. فاقترحت علي سناء أن تبحث عن عمل لتساعدني في مصاريف البيت، لم أعارض الفكرة أو بالأحرى لا أستطيع المعارضة. بعد أن بدأت سناء في عملها الجديد، أصبحت لا تهتم بأي شيء يخص البيت، فكانت دائما ما تقول لي إنها لن تستطيع أن تعمل داخل وخارج الببت. ولأنني كنت أحاول قدر الإمكان تفادي المشاكل، أصبحت أنا من يقوم بكل الأعمال المنزلية، كالطبخ والجلي وغسل الثياب…حتى الحفاضات أنا من كان يغيرها لطفلنا. أصبحت أقوم بأشياء لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أنني سأقوم بها. ولكن مع ذلك كانت سناء دائما ما تبحث عن أتفه الأسباب لاختلاق المشاكل، وكانت بعد أبسط نزاع تقوم بطردي من البيت، كانت جملتها الشهيرة هي :”أخرج من بيتي فهذا ليس بيتك”. ويضيف: “في كل مرة كانت تقول لي فيها هذه الجملة كنت أشعر وكأنها تغرز سكينا في قلبي، فلم تعد لي أي قيمة في ذلك البيت، حتى الجيران كانوا دائما ما يشهدون على مسلسل إهاناتها المتكررة لي، ففي كل مرة كانت تطردني فيها من البيت، كانت ترمي لي ملابسي من النافذة وتبدأ بمعايرتي بجميع الألفاظ وتتهمني أمام الجميع بكوني زوج خائن يتردد على الحانات والملاهي الليلية. لم أكن أعرف السبب الذي كان يجعلني أصبر على إهاناتها، هل حبي لها أعماني؟ فقد كنت أشعر أنني لا أستطيع العيش بدونها، وهذا ما يدفعني للعودة بأسرع وقت إلى البيت لطلب السماح. وفي كل مرة كنت أعود فيها للبيت، كنت أرجع مذلولا، منساقا، خنوعا، لا أجرؤ على معارضتها أو إبداء رأيي في أي شيء”. أخت تتحسر على حال أخيها أخت سعيد التي أصبحت تتحسر على حال أخيها تقول ل “الأخبار”:” أخي كان وردة متفتحة، كان جميلا والسعادة بادية على وجهه، ولكن منذ أن تزوج بسناء أصبح يذبل شيئا فشيئا، لم يعد كما في السابق، حتى طبعه تغير. فقد كنت عندما أذهب إلى زيارته في بيته، دائما ما أرجع بمزاج مكدر، لأنني كنت أرى زوجته تعامله بطريقة سيئة، فقد أصبح منعدم الشخصية، هي الآمر الناهي في المنزل، وهو كالخادمة التي استأجرتها للقيام بأعمال البيت وتسيئ صاحبة البيت معاملتها. كان سعيد لا يجرؤ على معارضتها وكنت أرى ملامح الحزن بادية على وجهه، ولكنني لم أكن أعرف لماذا كان يصبر على هذا الوضع، ما الذي كان يعجبه في هذه الزوجة المتسلطة. فهل كان يتلذذ بتعذيبها له؟ أسئلة كثيرة طرحتها على نفسي لأفهم الأسباب التي تجعل أخي لا يقوى على فراق زوجته”. أما ابن سعيد الذي بلغ من العمر سبعة عشر سنة الآن يقول: ” أمي بطبعها قاسية، فهي برأيي تتلذذ بتعذيب الأشخاص الذين تحبهم، فحتى أنا كانت دائما ما تعنفني وتوبخني لأتفه الأسباب. ولكن كان أبي دائما ما يواسني، أبي بطبعه حنون جدا، فكنت أجد لدى والدي الحنان الذي افتقدته لدى الأم. فلم أكن أعرف لماذا كانت أمي تعامل والدي بطريقة سيئة، مع العلم أنه يحبها بجنون ويفعل أي شيء لإرضائها. كانت أمي ذلك اللغز الذي نحاول أنا وولدي فهمه ولكننا عجزنا عن ذلك”. من عنف لفظي إلى جسدي تصرفات سناء لم تتوقف عند هذا الحد، ففي أحد الأيام عاد سعيد متأخرا إلى البيت ووجدها تنتظره عند الباب لتبدأ بالصراخ، وعندما حاول تهدئتها وطلب منها أن يدخلا إلى البيت حتى لا يسمع الجيران صراخهما، قامت بدفعه إلى أن سقط من على الدرج وكسر ذراعه. يقول سعيد: ” لم أكن أتوقع أن تتجرأ سناء على دفعي أو ضربي، فقد دفعتني بقوة لدرجة اختل توازني وسقطت على الدرج. غبت حينها عن الوعي ولم أدرك ما جرى إلا وأنا في المستشفى. أحد الجيران قام بحملي إلى أقرب مستشفى، أما زوجتي فلم تهتم لأمري وظلت بالبيت. بعد أن تعافيت عدت إلى البيت لأخذ بعض الأوراق المهمة، فلم تتنازل لتسأل عني واكتفت بطلب الطلاق. لم أحاول الرد عليها وخرجت من البيت وأنا في أوج غضبي، كنت أتساءل هل أحبتني فعلا أم أنها كانت تعاني من خلل نفسي يجعلها تعذبني بهذه الطريقة. كل شريط حياتي مر أمامي، كيف كنت قبل الزواج، كيف أصبحت بعد زواجي بها، عشرون سنة من العذاب في سبيل حب مجنون، جردني من كل شيء، من كرامتي من شخصيتي، من كياني كرجل وزوج ومن قيمتي أمام عائلتي. أصبحت ببساطة إنسانا ضعيفا، خوافا، ضعيف الشخصية، كالدمية التي تحركها سناء كيفما شاءت ولا تقوى على التذمر”.