حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : أيقظني في ليلة بها القمر اتّسقْ ، حمار بالقرب من داري نهقْ ، قال بعدما قطع علي حلما بزوجتي التصقْ ، لتركبن طبقا عن طبقْ ، ولتعيشن في أرق وقلقْ ، فأنت وإن كنت ممن بالحق نطقْ ، مغربي ماله وسق أو شفقْ ، بأرضك الحق احترقْ ، والشعار فوقها " عفو على من سرقْ " ، مغلوب على أمرك في الواقع كما في الورقْ ، وتلك لعمري مصائبٌ ما مست من سبقْ ، ... ودعك من السؤال عني الآنْ ، أأنا إنس أم جانّْ ، أم أنا ملك أو شيطانْ ، ؟؟؟ فلست هذا ولا ذلكْ ، وكل ما يخطر على بالكْ ، فهو مخالف لذلكْ ، فما أنا إلا أنت يا مفجوع الزمانْ ، وما أنت إلا أنا من غير بهتانْ ، وما نحن عندهم يا غريب الأوطانْ ، إلا حمير بالعصي تساسْ ، تطيع أوامرهم من الولادة إلى آخر الأنفاسْ ، فإن اعتراها وسواس أو خناسْ ، أو فكرت في اجتهاد أو قياسْ ، أو عبرت عن شعور أو إحساسْ ، أو تكلمت سرا عما تعانيه من كل خب وشريرْ ، فذلك يوم عليها غير يسيرْ ، جهنم تصلاها بين كل شهيق وزفيرْ ، وعذاب شديد يعتريهَا ، يفنيها ولا يبقيهَا ، فلا خير فيهم ولا فيهَا ،...وإن ترضى بهذا الذل الذليلْ ، فأنت حمار ممنوع من الصرف والتحويلْ ، وإن تنهق بصوت قبيح غير جميلْ ، فالإرهاب سيلبسك بالحجة والدليلْ ، وإن تنهق بصوت معتدلْ ، فأنت عندهم للتشويش ترتجلْ ، وإن لم تجعل نهيقك لطاعتهم يختزِلْ ، فاعلم أنك عن أحبابك بالإكراه سترتحلْ ، وإن تنهق بنفاقْ ، وتردد مع الرفاقْ ، واق واق واقْ ، عفا الله عن اللصوصْ ، بناؤنا بنيان مرصوصْ ، حقوقنا منصوص عليها بالنصوصْ ، والعام رائعْ ، ولا وجود للظلم على الواقعْ ، وكافر من قال فينا جائعْ ، وبلادي وإن جارت علي عزيزهْ ، وما سرقتها إلا شهوة وغريزهْ ، ولا خير في حمار نفسه للنهب غير مجيزهْ ، ...فأنت عندهم مواطن صالحْ ، تقضى على ظهره المصالحْ ، وتمسح فيه وبه القبائح والفضائحْ ، وتعطى له بالمجان النصائحْ ، فانهق بما شئت يا ناصحْ ، وانهق بعيدا عن الموتْ ، وتأكد قبل الفوتْ ، أنت أنا وأنا أنتْ ، فاسمع لهذا الصوتْ... . قال المفجوع : " فلما انتهى الحمار من كلامه المريبْ ، نهق بصوت قوي وعجيبْ ، ثم اختفى تاركا أسئلة بدون مجيبْ ، فاستفاقت زوجتي من شدة النهيق الغريبْ ، وقالت ما هذا الصوت يا مفجوعْ ؟؟؟ : قلت في تأن وخشوعْ ، هذا صوت المقموعْ ، هذا صوت من أغرقته السيول أمام الجموعْ ، وصوت من جفت له أمامهم الدموعْ ، وصوت طفل بالهامش أماته الجوعْ ، وصوت شيخ أجبروه على الخضوعْ ، ثم رموه في قرى منسية ما لها من فروعْ ، وصوت مريض دخل المستشفى فما له من رجوعْ ، وصوت شاب لم يجد أي عمل مدفوعْ ، وصوت أم مكلومة من هذا الموضوعْ ، وصوت جيل جعلوا له من الكوابيس ألف مشروع ومشروعْ ، ...هذا صوتي فلا تفزعي منه يا حبيبة المفجوعْ ".