حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : حين تأملت في المستقبل والحاضر والماضي ، وتذكرت كيف يحكم علينا بالجور كل قاضي ، وكيف انتهى بنا الجهاد والإجتهاد " الفاضي " ، إلى تمزق يجر المخازي والمآسي ، ويكشف عورة العريان والكاسي ، ويجلب الذل للمتذكر والناسي ، حزنت حزنا بالغ الغايهْ ، واتجهت صوب خلي ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، لأسمع من جديد ما يحكي ويقولْ ، ولأنسى حزنا في الأعماق يجول ويصولْ ، ولأشفي بسخريته الجسد المذلولْ ، فوصلت إلى حلقيته بعد جهد جهيدْ ، وجلست إليه بعدما أنخت في مكان بعيدْ ، كل ما يربطني بماضينا السعيدْ ، فإذا هو ككل المناسباتْ ، لا يمل من كثرة الأف والآهاتْ ، ولا يغضب لكثرة التساؤلات والتعليقاتْ ، وإنما يجلس كعادته القرفصاءْ ، ويدعو رب الأرض والسماءْ ، ويتوجه لنا بالنصح من غير عناءْ ، فطلبت منه كما طلب غيري ، بعدما انتهى من كلام النصح والخيرِ ، أن يحكي لنا حكايات ما جرى وما يجري ، فقال بلسان عربي فصيحْ ، ومرارة نابعة من وضع غير مريحْ ، ولوعة صادرة من قلب جريحْ ، : إليكم يا إخواني وأحبتي ، أروي حكاياتي وقصتي ، وبكم تشتد عزيمتي وهمتي ، فكونوا لي بالنصح إخوانَا ، وكونوا عن زلاتي عميانا ، أكن للجهاد والنضال عنوانا ، وبعد فإني يا أيها الإخوة الأعزاءْ ، كنت أتصفح جرائد الصباح والمساءْ ، بلهفة المتشوق لجديد الأخبارو الأنباءْ ، علني أجد فيها ما عنه أحكي ، أو ألفي لديها ما يجفف الدمع المُبكي ، وما يفند في عدم تغير الحال شكي ، فلم أجد لبحثي جوابا شافيَا ، ولم أجد فيها إلا اللغو لاغيَا ، والتقاطع في الكلمات ساريَا ، فالكاتب اللبيب الهمامْ ، إما يغازل بعبارات الحب والغرامْ ، حكومة الدجاج والنعامْ ، وإما ينتقدها بنقد من أجل النقدْ ، تشتم فيه رائحة الفلس والنقدْ ، وتلتمس من خطوطه شدة الخوف من اللحدْ ، والصحافي القديم في المهنهْ ، يرحل بأقلامه بعيدا عن الفتنهْ ، ويختار المنحة على كتاباته لا المحنهْ ، ومقص الرقابة العتيدْ ، لا يفتأ يذكرنا من زمان بعيدْ ، بأنه قادر حتى على قطع حبل الوريدْ ، وبأنه لا يختار من الكلام إلا ما يناسبهمْ ، وبأنه غير قادر على نشر ما يغضبهمْ ، من غير توضيح أو تبيان لضمير " همْ " ، والجرائد التي تظن أنها مفيدهْ ، صارت بكل جمل أكيدهْ ، محطة إعلانات للشركات العتيدهْ ، فالكل يلهث وفي تنافس ملحوظْ ، ليضع في جريدته إعلانات الغني المحظوظْ ، ليكون هو دون غيره الفائز والمحظوظْ ، وهكذا صارت معظم الجرائد الوطنيهْ ، قبلة لقضاء الحاجات الشخصيهْ ، من غير تذكر منها لميثاق الصحافة المنعدمة الحريهْ ، .... فلما رأيت الخبر فيها غير مقدسْ ، والصدق في صفحاتها يقمع ويحرسْ ، والربح من ورائها في البنوك يكدَّسْ ، إقتنيت بعض الجرائد الأجنبيهْ ، للإطلاع على جديد الأخبار العالميهْ ، والإستفادة من كتابات الأقلام الغربيهْ ، فوجدت بعد تفتيش يسيرْ ، مقالا صغيرا لكاتب شهيرْ ، يتحدث فيه عن بلد المغرب المريرْ ، ومما شدني إلى هذا المقالْ ، هو هذا الخبر الأقرب لحكي الخيالْ ، فقد ذكر هذا الكاتب المعروف بالنضالْ ، أن السادة النواب المغاربهْ ، قد قرروا في اجتماع داخل القبة الغائبهْ ، بعد الأخذ والرد للأصوات الغالبهْ ، تقليص أجورهم من غير زيادهْ ، والتصريح بممتلكاتهم بدءا من أيام الولادهْ ، وإلى حين دخولهم لقبة الرئاسة والريادهْ ، وقد جاء هذا القرار العجيبْ ، بعد دراسة لوضع الميزانية المريبْ ، بينت بناءً على البحث والتنقيبْ ، أن عجز بيت مال المغرب الوديعْ ، أسبابه كثيرة بشهادة الجميعْ ، وأن هذا العجز الملاحظ بالصيف والربيعْ ، يرجع بالدرجة الأولى لا الثانيهْ ، إلى تلك الأجور الباهظة العاليهْ ، والتي يتلقاها وزراء وجنرالات ونواب الدولة الغاليهْ ، وقد أوضح التقرير المشكورْ ، بأنه لا يعقل أن يتساوى أجر النائب المذكورْ ، بما يتلقاه رئيس أمريكا لعدة شهورْ ، وأنه حري بدولة مغمورة كالمغربْ ، إن هي أرادت للعجز أن تذهِبْ ، أن تأخذ أجر النائب الطيبْ ، فتقسمه على عدة أقسامْ ، قسم للنائب النائم على الدوامْ ، والباقي للجوعى والأرامل والأيتامْ ، ثم تأخذ رواتب المستشارين والجنرالاتْ ، الغارقين في الحروب على مختلف الواجهاتْ ، فتقلصها لمواجهة بعض الأزماتْ ، والشيئ نفسه بالنسبة لأجور الوزراءْ ، فأجورهم بشهادة المرضى والأصحاءْ ، كافية لإعمار دولتين من دول الحروب والشقاءْ ، ... وقد تم الإتفاق على هذا الأمرِ ، المتعلق بالنقص لكل نائب ومسؤول في رواتب الشهرِ ، بحضور العديد من شخصيات القطرِ ، على رأسهم وزير المالية الغارقة في الخسرانْ ، ، ووزير الإتصال مع الإعلام والنسيانْ ، والوزير المكلف بالعلاقة مع بر الأمانْ ، وكذا بعض الشخصيات الوطنيهْ ، المهتمة بالنظر في الحالة المدنيهْ ، والحزينة لإرتفاع الأسعار المعيشيهْ ، وقد وقع على هذا الإتفاق المرضي للشيب والشبابْ ، والذي من شأنه أن يحد بأس الإرهابْ ، ويعطي بعض المصداقية لمجلس النوابْ ، كل من مشايخ الأحزاب المحترمينْ ، والسادة النواب والمستشارينْ ، وكل من خفَّض في أجره الثمينْ ، ... قال المفجوع : قلت لابن أبي الرعايهْ ، بعدما انتهى من ذكر هذا الخبر والحكايهْ ، ترى يا صاحب الطباق والكنايهْ ، أحقا وقع أصحاب الأمور على هذه الأمورْ ، أم هي الخدعة في خيالك تسري وتدورْ ، فقال: يا مفجوع الزمان الجوعاني ، دعك مني حتى أبرح مكاني ، ولا تسألني في هذه الثواني ، وإن كنت مصرا على الجواب أيها الخليلْ ، فإني أقول لك بلسان عليلْ ، هذه كذبة الفاتح من أبريلْ ، ووالله الذي لا إله إلا هو يا مفجوعْ ، لم أتمنى في يوم راحل ومدفوعْ ، أن تصبح الكذبة حقيقة يرويها المقموعْ ، سوى في هذا اليوم العابرْ ، الذي لا تسمع فيه إلا ما يبكي الخاطرْ ، ويعمي عين المشاهد والناظرْ ، فكيف يعقل يا سادة الجوع والكربْ ، أن يتربع على ملايير الشعبْ ، ثلة من نواب ومستشاري القمع والنهبْ ، بل لا يرضى رب الأرض والسماءْ، أن تصل أجور النواب والمستشارين الأجلاءْ ، إلى القمم والجبال العلياءْ ، في وقت يقتات فيه البعض على المزابلْ ، ويترك فيه العالم والمتعلم والمناضلْ ، عرضة للبطالة والضياع القاتلْ ، بل لا يجوز عرفا وشرعَا ، أن يرفع من أجورهم رفعَا ، والشعب يلقى وأدا وقمعَا ، ثم خبروني يا من تاهوا في الشيب والشبابْ ، ماذا صنع لكم هؤلاء المستشارون والنوابْ ، ألم يحيوا في النور ليتركوكم عرضة للظلام والضبابْ ، ولماذا تحركوا بالليل والنهارْ ، من الوسط والجنوب واليمين واليسارْ ، ليرفعوا ألف شعار وشعارْ ، ضدإحصاء الممتلكات التي تخصهمْ ، وتدوين كل متاع يهمهمْ ، وحساب ما لديهم وما عندهمْ ، وفي المقابل أيها النائمون على ما تبقى من الموائدْ ، لماذا لم يتحرك منهم ولا واحدْ ، ضد غلاء المعيشة المتزايدْ ، وما دام المثل الرفيع المصدَّقْ ، يقول إن الزيادة من رأس الأحمقْ ، فالحمق يا سادتي بكل مسؤول عندنا يُلصقْ ، ولمن يمحو عنهم صفة الجنونْ ، أقول بلسان مكين مسنونْ ، إن العاقل يا أيها المخالف المصونْ ، هو من يغيَّب ذاته الطمّاعهْ ، ويرد على القوم ما لديهم من بضاعهْ ، إن هم أضروا بمن إختاروه نائبا عن الجماعهْ ، أما من يترك الشعب في العذاب يرزحْ ، بحجة أن القافلة تسير والكلاب تنبحْ ، فهذا أحمق له الحمق يقدحْ ، وإني أقول لكم يا أحباب الغمز والهمزِ ، إن دواء ميزانية الفقر والعجزِ ، وشفاء ما تعانيه من العوزِ ، موجود في صيدلية القبة والبرلمانْ ، والأطباء أنتم من غير لف أو دورانْ ، فأنتم الذين تختارون من يمثلكم في ذلك المكانْ ، فلا يغرنكم في أيام الإنتخابات العجافْ ، من يرفع شعار لا للقحط والجفافْ ، ليعلنها ولائم تجول في المدن والأريافْ ، وليترككم بعد نجاحه وانتخابهْ ، عرضة لقمع حراس قصره وبابهْ ، فهذا ذئب تابع لأصحابهْ ، ولا يجرمنكم شنئآن الفقر المتنامي ، أن تختاروا الخب والحرامي ، بدل اختيار المناضل السامي ، ثم لا يمنعنكم من الإحتجاج مانعْ ، إن أنتم رأيتم بالنهار الساطعْ ، أن من يمثلكم في البرلمان الرائعْ ، قد أخلف في وعوده وكذبْ ، وجمع الملايين وهربْ ، وأشهر في وجوهكم الحصانة وذهبْ ، ليمررعلى حين غفلة منكمْ ، قوانين تعود بالضر عليكمْ ، ومدونات تسعى بالهلاك إليكمْ ، وليوافق بعين الرضى والسماحْ ، على رفع أجره الجالب للسعادة والإرتياحْ ، مقابل تركه للنضال والكفاحْ ، ولينام بعدها في سبات عميقْ ، تاركا لكم مرارة الزفير والشهيقْ ، والتحدث عن منجزاته في منتصف الطريقْ ، ... فهذي نصيحتي إليكم يا إخوانْ ، ولو لم يكن النواب في أمن وأمانْ ، لأحسوا بتصدع جدران البرلمانْ ، والسلام عليكم يا ساسة هذا الزمان ... محمد ملوك- كاتب من المغرب