نحن الآن في التاسع من شهر يوليوز 1971، وهو التاريخ الذي سبقت أسوأ يوم في تاريخ الملك الراحل، الحسن الثاني الذي كان يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الثاني والأربعين، يتصفح لوائح السفراء والوزراء والأصدقاء والفنانين وكبار ضباط الجيش أيضا، يمر على هذا ويتذكر اسما آخر ويصر على استدعاء ذاك، والجنرال المذبوح اليد اليمنى للملك داخل القصر، وعينه على ما يحدث خارجه، في الجيش والحكومة والأحزاب والبلاد. يتابع حينها كل التفاصيل، بما في ذلك فقرات المسابقة الدولية التي كانت ستجري في ملعب الغولف، ولذلك استفسر الملك ما إذا استدعى لها الجنرال لاعبين من فرنسا واسبانيا وبلجيكا… لم يكن المذبوح ليلتها هو الجنرال الذي اشتغل إلى جانب الحسن الثاني لعقود، كان شخصا آخر حتى و إن حافظ على هدوئه المعتاد، وهو يعيد استفسار الملك أكثر من مرة ما إذا كان سيشارك في المسابقة الدولية بملعب الغولف، و المخطط الكبير الذي يحمله يدفعه للبحث عن كل التفاصيل الدقيقة لبرنامج الملك يوم عيد ميلاده، دون أن يثير انتباهه غير طاقم الحراسة في ملعب الغولف، فاستبعد العسكرييين الذين يحرسونه حينما يكون الملك، واستقدم مساعدين من الدارالبيضاء. لا أحد كان يعرف أن الجنرال كان يخطط للانقلاب على الملك، أو سيكون العقل المدبر لأول محاولة قبل انقلاب الصخيرات الفاشل، والحسن الثاني الذي استقدم المذبوح إلى بلاطه من بداية حكمه لم يكتشف المؤامرة إلا حينما علا صوت الرصاص بالقصر وسقط العشرات من الضيوف ومنهم الحراس الذي استقدمهم الجنرال من الدارالبيضاء. حينما فتح المذبوح عينه سنة 1927 بمنطقة "غزناية" بالريف، وهي مسقط رأس الكلونيل اعبابوا أيضا، والجنرال والكلونيل رفيقان في الانقلاب على الحسن الثاني قبل أن ينقلب الثاني على الأول في قصر الصخيرات وكان حينها المغرب لا يزال تحت الإستعمار، وكان الشاب المذبوح أكثر طموحا من والده الذي بدأ مشواره قائدا على منطقة "أكنول" بالريف قبل أن ينتهي مذبوحا بسبب خيانته للمجاهد الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي بعد اشتغاله قائدا تحت لواء "ليوطي" ضد أسد الريف ومن هنا جاءت تسمية العائلة، و هي الحرقة التي ظلت تعصر قلب الإبن وبصمت شخصيته الغامضة. وحتى حينما حجز مقعده الفضي بالمدرسة العسكرية الفرنسية "سومير" ظلت حادثة ذبح والده الذي تجسس على عبد الكريم الخطابي لفائدة الاسبان مقابل المال، علامة سيئة ترافقه بين زملائه الذين يعرفون تفاصيل الخيانة، لكنها كانت ممرا للتسلق إلى أعلى الرتب في هرم الجندية، والاستعمار يعوضه ويكافئه عن عمالة والده، ولعل منطق لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو الذي اختاره للعمل بالقوات المسلحة كأحد اصغر الضباط في الجيش. حينما التحق الضابط محمد المذبوح بالقوات المسلحة الملكية كان عمره 29 سنة، سنة أخرى قضاها في الحرب الهند الصينية التي اندلعت في منتصف 1960، فيعود إلى المملكة التي تغيرت قيادتها برحيل محمد الخامس، ومجيء الحسن الثاني، لكن مسار الضابط لم يتراجع وقد أصبح عين الملك في الحكومة الرابعة التي قادها الراحل عبد الله إبراهيم والتي لم يتجاوز عدد أعضائها 11 وزيرا فقط، يتقدمهم الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، واختير فيها الجنرال محمد المذبوح وزيرا للبريد والمواصلات وهو الوزير الوحيد بنياشين عسكرية في حكومة إنقاذ سياسية. المذبوح ليس فقط ضابطا في القوات المسلحة الذي خطط لتصفية الحسن الثاني إنه أيضا الشاب الذي خطف قلب مريم شقيقة ليلة زوجة الملياردير عثمان بن جلون، والصورة التي التقطت يوم الانقلاب بقصر الصخيرات، والمذبوح ثم عثمان بنجلون بلباسهم الصيفي بجوار الملك يرتدي زيا رياضيا، تحكي درجة القرب أعلى سلطة في البلاد. فالمخزن لا يهمل أبناءه، وإذا حدث ذلك فيكون ذلك استثناء وهي القاعدة التي توطدت مع الشاب المذبوح وهو يقترب أكثر من ديوان الملك الراحل، فالصهر ليس إلا الماريشال الوحيد في تاريخ المغرب محمد أمزيان.