في البداية استسمح أفراد عائلة المرحوم علال الفاسي وخاصة منهم السيدة ليلى البركة والدة نزار البركة وزوجة صديقي المرحوم حسن البركة. استسمحها هي وإخوتها لكوني أعود إلى عنوان (لكي لا ننسى) اعتاد زعيم التحرير أن يخصصه لمقالات كان يكتبها في «صحراء المغرب»، ليؤكد مدى تتبعه رحمه الله لتطورات قضية الصحراء ومدى تعلقه بقضية الوحدة الترابية، والتاريخ يشهد على أن الزعيم علال الفاسي أول من قال للمغاربة وهم مازالوا في نشوة استعادة بلادنا حريتها واستقلالها بأن المعركة ما زالت مستمرة، معركة استعادة موريتانيا، وادي الذهب والساقية الحمراء وغيرها من المناطق التي سلبها الفرنسيون والإسبان من المغرب في عهد الحماية وقبل سقوط بلادنا في فخ معاهدة فاس. والجدير بالذكر أن الصحفي المقتدر باهي محمد رحمه الله كانت بداية تجربته الصحفية بجانب السي علال في جريدة «صحراء المغرب». وأصل إلى بيت القصيد، أي حدث خطير كاد يطيح بالنظام الملكي لولا لطف الله، وأعني بالحدث الخطير ما وقع في قصر الصخيرات بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين لميلاد ملك البلاد «الحسن الثاني». الأحداث الدموية التي عاشها قصر الصخيرات جعلت المغرب يدخل في مرحلة سياسية شبيهة بما يعتبره المختصون في الملاحة الجوية منطقة اضطرابات أو منطقة العواصف الجوية التي تجعل ركاب الطائرات يرفعون أكفة الضراعة إلى الله تعالى لكي يخرجوا سالمين من العواصف الجوية. مع الأسف فإني، مثل عامة الناس، لا علم لي بما جرى بالضبط في قصر الصخيرات ولست أدري إلى متى سيظل هذا الأمر من أسرار الدولة رغم مرور أربعين سنة على وقوعه. قبل الاحتفال بعيد العرش لهذه السنة، حلت الذكرى الأربعون لأحداث الصخيرات ولا أحد تفضل ليقول للمغاربة ماذا حدث بالضبط في ذلك اليوم منذ أربعين عاماً. وكأن المسؤولين اليوم لا علم لهم بما سبق أن قاله الحسن الثاني: «من يقودون الشعوب ولا علم لهم بتاريخ بلادهم فكأنهم يقودون سيارة لا تتوفر على مرآة لرؤية المشاهد الخلفية، رؤية هدفها استمرار العلاقة مع ما يجري وراءهم». هل التوفر على معلومات تاريخية، أي المرآة التي تجعل سائق السيارة في الصورة الخلفية حق الحاكمين أم من حق عامة الناس كذلك ؟ المهم أنني كباقي عباد الله في بلادنا سمعت على أمواج الإذاعة الوطنية من يردد: «الجيش، الجيش، أقول الجيش» وسرعان ما تعرفت على صاحب الصوت الذي لم يكن إلا الفنان الراحل عبد السلام عامر صاحب رائعة «القمر الأحمر» التي غناها عبد الهادي بلخياط من شعر الصديق عبد الرفيع الجواهري. صوت المرحوم عبد السلام عامر، أو بالأحرى تسجيل بصوته يضيف: «لقد طلعت شمس جديدة وتخلصنا من الملكية ومرحى بالجمهورية والسلطة الآن بيد الجيش ومجلس الثورة يطلب منكم الهدوء»، حسب لاجودان الرايس بعد خروجه من محنة «تازمامارت»، وهو الوحيد الذي حكم عليه بالإعدام، وكان الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو هو الذي دافع عن الرايس أمام المحكمة العسكرية بالقنيطرة. عبد السلام عامر كان في مقر الإذاعة بزنقة البريهي لتسجيل نشيد جديد كفنان كفيف من حقه أن يطلب رزق الله، فأخذه الضباط الذين احتلوا مقر الإذاعة والتلفزة وفرضوا عليه أن يقول يوم السبت 10 يوليوز 1971 مخاطباً الشعب على أمواج الأثير بأن «مجلس الثورة يطلب منكم الهدوء». ولا أحد يعرف، أو بالأحرى لا يعرف كل الناس، بأن عبد السلام عامر أخذوه بعد فشل الإنقلاب إلى دار المقري ووضعوا قيوداً حديدية على يديه كما هي العادة، بالإضافة إلى «الشرويطة» التي توضع على العينين لمنع ضيوف دار المقري من النظر، علما أن المرحوم عبد السلام عامر الكفيف لا يتوفر على حاسة البصر. زوال السبت 10 يوليوز تحول قصر الصخيرات من مكان للاحتفال إلى مذبحة بشرية في سياق محاولة عسكرية أراد لها الله تعالى أن تكون محاولة فاشلة، لكنها خلفت ضحايا مغاربة وأجانب. من المحقق أن الحسن الثاني جلس يتأمل تلك الأحداث على امتداد الأيام والليالي التي تعاقبت في صيف 1971، ومن المحقق أنه في تلك الأيام والليالي استحضر أول سوء تفاهم حصل له مع عبد الرحيم بوعبيد الذي قال عنه الحسن الثاني - وهو ما زال أميراً - في إحدى سهرات ثقافية لشهر رمضان عام 1956: «هذا هو الرجل الذي يعتبر الأكثر تعلقاً بالقيم الديمقراطية». عند تأسيس الجيش الملكي (14 ماي 1956) قال بوعبيد للأمير مولاي الحسن الذي عينه والده القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية رئيسا للأركان، بأن من الأحسن أن تتشكل نواة الجيش الملكي لا من ضباط شاركوا في حروب استعمارية كالحرب في الهند الصينية التي أدت في ربيع 1954 إلى هزيمة «ديان بيان فو»، بل «أن نأخذ الوقت الكافي لنجعل النواة الصلبة تتكون من ضباط مغاربة يجب أن نتأكد مما كان عليه سلوكهم إبان محنة المؤامرة ضد العرش». هذا ما سمعته من السي عبد الرحيم ذات يوم زرته رحمه الله في منزله بحي بطانة في سلا. سيغيب عبد الرحيم بوعبيد عن حفل الصخيرات كعادته منذ أن فك ارتباطاته بالحكومة في ماي 1960 رغم استمرار توصله باستدعاءات للمشاركة في المناسبات الرسمية، وإذا عدنا إلى خطاب الملك بعد فشل المحاولة الانقلابية سنقرأ كيف تأسف الحسن الثاني لكون الزعيم علال أهين في الصخيرات على يد المتمردين «ولا شك أن آخرين كانوا سيتعرضون لنفس المعاملة لو أنهم حضروا حفل الصخيرات». ولا يجب على أي كان أن يكون متوفراً على ديبلوم في العلوم السياسية ليدرك آنذاك بأن الوحيد المقصود ب»الآخرين» هو بالذات عبد الرحيم بوعبيد. كان من ضمن المتآمرين على العرش ضباط شكلوا في ماي 1956 النواة الصلبة للقوات المسلحة الملكية وهذا ما يكون الملك قد استحضره بما يكفي من المرارة والندم. لنعد إلى مقر الإذاعة والتلفزة بالرباط الذي انتقل إليه الانقلابيون بعدما فشلوا في الصخيرات. الكولونيل اعبابوا كان من الذين وصلوا إلى زنقة البريهي بعدما اغتال في الصخيرات الجنرال المذبوح حسب ما جاء في عدة روايات، اغتال الكولونيل اعبابوا الجنرال لمّا أدرك أن المذبوح بدأ يخاف من احتمال امتداد المذبحة إلى مناطق أخرى من البلاد ويقال (والله أعلم)، بأن المذبوح حاول توقيف المذبحة فأدّى الثمن عندما أمر اعبابوا مساعده لاجودان عقا بإطلاق النار على من كان قائداً للحرس الملكي. وفي رواية أخرى، أن الطبيب الخاص للحسن الثاني الدكتور بنيعيش اتجه إلى الجنرال المذبوح ليطلب منه توقيف المذبحة، وكان يتوسل إلى قائد الحرس الملكي وهما في عناق حار، فأشار الجنرال إلى لاجودان عقا بإطلاق النار على الطبيب الخاص للملك، وأطلق لاجودان عقا رصاصات أصابت الطبيب والجنرال معا. وحسب هذه الرواية فإن المذبوح مات بدون قصد على يد لاجودان عقا. وقيل أن اعبابو، وببرودة دم (وكان قد أصيب بجروح خطيرة) أخذ الطريق في اتجاه جامع السنة بالرباط ليصل في النهاية إلى زنقة البريهي. في كتابه «رحلة حياتي مع الميكروفون» يقدم الزميل محمد بن ددوش تفاصيل عاشها في ذلك اليوم حيث كان ملازماً بيته بسبب وعكة صحية ألمت به وحالت دون توجهه إلى العمل ويقول: «في الساعة الثانية بعد الزوال تلقيت إشارة من الزميل أحمد اليعقوبي : «عليك التوجه حالاً إلى الإذاعة لأن شيئاً ما يحدث بالبلاد».» ويواصل بن ددوش الحديث عما حصل في زنقة البريهي : «أمر مباغت كان ينتظرني في الأستوديو رقم 4 : وجدت عبد السلام عامر وزوجته والفنان عبد الحليم حافظ ... الموسيقى العسكرية من جهة وتسجيل بصوت عبد السلام عامر من جهة أخرى، يُذاع من حين لحين على إيقاع نغمات المارش : «الجيش، الجيش، أقول الجيش» لقد تخلصنا من الملكية ومرحى بالجمهورية والسلطة الآن في يد الجيش ومجلس الثورة يطلب منكم الهدوء». هذا ما جاء في مذكرات الرايس الذي يُضيف بأن بن ددوش أُحضر من منزله وأُجبر على الإعلان عن الانقلاب العسكري. من جهته يقول بن ددوش بأن اعبابوا وجد صعوبة للعثور على مُذيع للقيام بمهمة إشعار المغاربة بوقوع الانقلاب فكان لجوءه إلى عبد الحليم حافظ الذي رفض على اعتبار أنه كمصري لا دخل له في الشؤون الداخلية المغربية وأنذاك لجأ اعبابوا إلى عبد السلام عامر. ويُضيف صاحب «رحلة حياتي مع الميكروفون» : «جاءني القبطان الشلاط وطلب مني أن «أعمل شي بركة» بمعنى أن أتدخل بكلمة دون أن يُحدد لي أو يشرح لي ما يتعين قوله باستثناء كون «الجيش قد استولى على الحكم بواسطة انقلاب على النظام الملكي وأن قصر الصخيرات يعيش أحداثاً خطيرة». (1) استمر البث من إذاعة الرباط عدة ساعات بكل وضوح إلى أن وقع تعطيل جهاز الإرسال غير بعيد عن مقبرة النصارى في حي العكاري، وقيل والله أعلم أن كوميسير سابق في قسم الاستعلامات العامة بالأمن الإقليمي بالرباط والذي أصبح رئيس ديوان الدليمي في الإدارة العامة للأمن هو من تكلف بتخريب جهاز الإرسال واسم الكوميسير إدريس البصري وقيل بأنه أخذ معه لهذه المهمة مجموعة ممن كانوا يعملون معه في كوميسارية الرباط، وبعد ذلك لم يعد أحد يتمكن من الاستماع إلى إذاعة الرباط خارج دائرة تحيط بزنقة البريهي لا يتعدى قطرها كيلومتر واحد. وما يؤكد هذا الاحتمال كون الحسن الثاني عين أسابيع بعد «الصخيرات» إدريس البصري على رأس مديرية الشؤون العامة في أم الوزارات قبل نهاية عام 1971. وكان ذلك بداية لمسلسل تولي المسؤوليات، مسلسل سيضع له محمد السادس حدا يوم 9 نونبر 1999. قبل تعطيل إذاعة الرباط الوطنية كانت الإذاعة المحلية لطنجة قد تولت المهمة، مهمة إخبار المغاربة بتطورات الوضع في المغرب للحد من تأثير «نداءات» عبد السلام عامر ومحمد بن ددوش. ولإنقاذ الموقف إعلامياً كان لا بد من مبادرة جريئة على مستوى دور إذاعة طنجة المحلية وهنا سيصبح من كان قبل سنوات حارساً لمرمى فريق الجيش الملكي لكرة القدم، مؤتمنا على الحراسة الأمنية الإعلامية انطلاقاً من طنجة. عامل طنجة حسني بن سليمان قام أولا باحتلال مقر الإذاعة غير بعيد عن «البولفار» وبعد ذلك شرعت إذاعة طنجة في المواجهة مع إذاعة الرباط قبل تخريب جهاز الإرسال، القريب من مقبرة النصارى. وسبحان الله فمن عجائب الدنيا وسخريات القدر أن تعود إذاعة طنجة المحلية إلى الإضطلاع بنفس الدور الذي لعبته إذاعة طنجة الدولية عندما تصاعدت وثيرة عمليات المقاومة المسلحة في عهد الاستعمار. في سنة 1955 كان مصطفى العلوي، صاحب «الأسبوع الصحفي» الآن، يقول بصوته عبر الأثير في راديو ماروك بأن: «الإرهابيين قتلوا مُقدما في الدارالبيضاء» أو»أن أحد الإرهابيين قتل أحد الشيوخ بمدينة سطات». بينما كانوا في «طنجة الدولية» يقدمون نفس الأحداث بصيغة أخرى: «عُلم من الدارالبيضاء أنهم قتلوا مقدماً أوأنهم اغتالوا أحد الشيوخ في مدينة سطات». هكذا شاءت الأقدار أن تلعب «طنجة المحلية» في عهد الاستقلال نفس الدور الذي اضطلعت به «طنجة الدولية» في عهد الاستعمار. في فرنسا يصفون مؤسستهم العسكرية بالبكماء الكبرى، وفي المغرب نقول عن أي كان لا يتكلم بأنه «زيزون». في المغرب لا فرق بين ضباط يتكلمون وآخرين يختارون الامتناع عن أي كلام، والذين تكلموا في الصخيرات كانت وسيلتهم للتعبير هي السلاح لإثبات وجودهم، الأمر الذي تكرر بالهجوم على الطائرة الملكية في 16 غشت 1972. والحمد لله على أن العاقبة لم تكن وخيمة. وما حدث في صيفي 1971 و1972 لم يكن هو الخرجة الأولى للعسكر إلى الواجهة السياسية الإعلامية بل كانت الأولى مساء السبت 29 غشت 1959 بصدور بلاغ للديوان الملكي جاء فيه بأن وفداً من الضباط تحت رئاسة مولاي الحسن رئيس أركان القوات المسلحة الملكية حظي بالمثول بين يدي صاحب الجلالة، ليعبر للقائد الأعلى للجيش عن التأثر العميق الذي شعر به الجيش إثر التهجمات الصادرة خلال مؤتمر الطلبة بأكادير والمنشورة في جريدة لم يقل البلاغ بأنها جريدة التحرير. ويشير البلاغ الذي نشرته جريدة التحرير يوم الاثنين 31 أكتوبر بأن جلالته عبر عما حصل له قبلهم - قبل ضباط القوات المسلحة الملكية طبعاً- «من استياء عميق بمجرد ما اطلع على تلك التهجمات». عن مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في أكادير كتبت التحرير: «الطلبة يدخلون ميدان النضال الشعبي». كان ذلك عنوانا لجريدتنا يوم نشرت مراسلة من أكادير مفادها أن الطلبة يطالبون في ملتمس متعلق بنظام الحكم بتحديد السلط وتوضيح المسؤوليات ويطالبون بانتخابات عامة بهدف الوصول إلى مجلس تأسيسي لإعداد الدستور. وفي ملتمس آخر خاص بالجيش طالب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بأكادير في غشت 1959 بتطهير الجيش من الخونة وإخضاع الجيش للسلطات المدنية وتجنيده للتشييد والبناء بدلا من الحفلات والسهرات. كما عبر الطلبة بأكادير في غشت 1959 بضرورة إجراء تحقيق في الأسباب الأساسية لحرب الريف (نهاية 1958 وبداية 1959) ومعاقبة المسؤولين عن التمرد الذي هدد كيان الدولة آنذاك. هذه هي ظروف الخرجة الإعلامية الأولى لمؤسسة يصفون مثيلاتها في فرنسا بالخرساء أو «الزيزونة». ومن الأفضل أن تظل كل المؤسسات العسكرية في جميع أنحاء العالم هكذا بكماء بدلا من أن تعبر عن وجودها السياسي والإعلامي بالطريقة الوحشية التي عاشها قصر الصخيرات زوال السبت 10 يوليوز 1971 أو الهجوم على الطائرة الملكية في 16 غشت 1972. كل هذه الوقائع توالت على امتداد أكثر من نصف قرن من عهد الاستقلال استحضرتها مؤخراً عندما «طارلي النعاس» فسهرت مع الأولى المصرية لا المغربية لأتابع تصريحات لضباط مصريين يعبرون بصدق وأمانة عن الحالة المؤلمة السائدة الآن في أرض الكنانة فقال أحدهم بأن المشكل الحقيقي في مصر هو التخلف الذي معناه الفقر، المرض والجهل. وقال ضابط آخر «لم يسبق لقوات مسلحة في العالم أن مهدت لقيام نظام ديمقراطي» ليقول ثالث «نحن الآن عدنا إ لى مرحلة قال عنها حافظ إبراهيم في «مصر تتحدث عن نفسها» التي ستصبح أغنية شهيرة بعد ثورة الضباط الأحرار مع أن أم كلثوم سجلتها عام 1951» : «نحن نجتاز موقفاً، تعثُر الآراء فيه وعثرة الرأي تردي فقفوا فيه وقفة الحزم، وارموا جانبيه بعزمة المستعد» إلى أن تقول سيدة الطرب باسم مصر: «أنا إن قدّر الإله مماتي، لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي» في مثل هذه الحالة يحق لكل مؤسسة عسكرية أن لا تبقى بكماء والحمد لله على أن عندنا الآن في المغرب جيل جديد من الضباط ممن يحق لهم، بداية من الضباط التلاميذ لفوج محمد الخامس (1956) أن يعبروا عن مشاعرهم على عكس الذين تعلموا العسكرية في حروب استعمارية وكان منهم مع الأسف مسؤولون عن ما حدث في قصر الصخيرات منذ أربعين عاماً. عبد اللطيف جبرو (1) لم أقرأ كل ما جاء في كتاب الزميل محمد بن ددوش «رحلة حياتي مع الميكروفون» (حوالي 600 صفحة) وما قرأته لحد الآن لا أثر فيه إلى لقاءي مع بن ددوش يوم الأحد عاشر رمضان موافق 26 فبراير 1961 : قبل الزوال كنت أسوق سيارتي في «ديور الجامع» غير بعيد عن منزل المهدي بن بركة في شارع تمارة وكان السي المهدي غائبا عن المغرب أنذاك في منفى اضطراري، فجأة توقفت لتحية ابن خالتي المرحوم سيدي عبد الكريم الرفاعي الذي قال : « آ ولد خالتي عندك الخبار؟» «طبعا هذه هي مهنتي فهل عندك خبر غير الأخبار المتداولة هذا الصباح؟»، هنا كانت المفاجأة : «يا ولد خالتي الملك في ذمة الله !» لم أصدق في البداية وبينما أنا في حالة ذهول شرح لي سيدي عبد الكريم الرفاعي رحمه الله كيف أن عمال أوراش في قصر دار السلام طلبوا منهم بأن يتوقفوا عن العمل وقالوا لهم : إن الملك مات ! بسرعة وصلت إلى مقر لاماب فوجدت الزميل محمد بن ددوش يغادر الوكالة ليتجه إلى زنقة البريهي وسألته : - «هل عندك شي خبار؟ - لا الدنيا عادية في هذا الأحد الرمضاني. - هل علمت أن الملك مات ؟ - أسكت ! لا فال ولا هذا الفال بالذات، أنتم الاتحاديون وصلتم الآن إلى هذا المستوى من ترويج أخبار لا أساس لها من الصحة !» تركت الزميل بن ددوش وتوهمت أن ما سمعته من ابن خالتي لا أساس له من الصحة واتجهت إلى ملعب الفتح وهنا «اقتنعت» بأن ما قاله لي ابن خالتي لا أساس له من الصحة. انتصرت الفتح فكنت سعيدا بهذا الانتصار وأخذت السيارة لأعود إلى المنزل حتى أتناول الفطور مع العائلة. وأنا في السيارة متجها إلى المنزل في حي المحيط سمعت على أمواج الأثير صوت المرحوم عبد الرحمن موسى يرتل آيات من الذكر الحكيم فلم يخطر ببالي أن لذلك علاقة بما سمعته في الصباح عن «موت الملك» معتقدا بما أننا في اليوم العاشر من رمضان فشيء عادي أن تبث الإذاعة ما تيسر من الذكر الحكيم. ونسيت نهائيا ما قيل لي بأن «الملك مات» وقلت مع نفسي «لا حق لي في ترديد إشاعة لا أساس لها من الصحة.» وفجأة سمعت صوت الأمير مولاي الحسن ينعي من كنا نسميه «أبو الأمة». إذن مات الملك و الموت علينا حق وربما أن الصديق بنددوش نسي ذلك وهو معذور لأن الأمر يتعلق بما يسميه الفرنسيون «التاريخ الصغير».