مساء الجمعة 16 ماي 2014، كان الجمهور المغربي على موعد مع برنامج فكاهي استهله صاحبه بسكيتش عن الممرضة، حيث وفق إلى حد بعيد في المقارنة بين الخيال والواقع، بين "التلاوة" والمستشفى، مما جعل الحاضرين يصفقون بحرارة ويضحكون بمرارة... ومساء الإثنين الموالي، كان لنفس الجمهور موعد مع نفس الكوميدي الذي وجد نفسه فجأة في قفص الاتهام وهو يقول بمرارة أيضا – ولو أنه حاول أن يضفي على تدخله ابتسامة باهتة – "الممرضة التي عنيتها في السكيتش هي ممرضة التلاوة فقط، وليست الممرضة الحقيقية".. ربما لم يكن اختياره لهذه الكلمات اعتباطيا، فهو يعلم – كما نعلم جميعا ويعلم لوبيات وزارة قلة الصحة أن الممرضة الحقيقية لم تنل ما تستحقه فعلا في ذلك السكيتش.. لأن الحقيقة أشد سوادا مما صوره المذيع في مقارنته لحالنا مع "التلاوة".. نفهم من اضطرار 2M إلى إخبارنا ب"بعض" ردود الأفعال، ونفهم من ظهور الفكاهي في غير وقته بمظهر الضعيف أن أصحاب هذه الردود أقوياء، وأن ردودهم قد تنقلب رضوضا في البرنامج أو ربما في ظهر صاحبه. نفهم كذلك أن الجسد الصحي بالمغرب متماسك، بعكس الصحة المتهالكة، وأن الجهود مكثفة للدفاع عن الفساد عوض الدفاع عن حق المواطن في التطبيب.. أستدرك قبل المضي قدما وأعلن وبصوت مرتفع احترامي، امتناني، تقديري وانحنائي أمام ملائكة الرحمة من الممرضات والممرضين، والأطباء والطبيبات، الأخيار الذين يبذلون الوقت والجهد، بل ينفقون الأموال من جيوبهم ليزرعوا ما استطاعوا من بسمة على وجوه المرضى، ولينشروا ما أمكن من الفرحة والرحمة في مستشفيات فلاة. كما أننا نقف إجلالا للذين يوصلون ليلهم بالنهار ليحاربوا الأنين، ويتحملون كل الضغوط ليداووا العلل. هؤلاء لن تكفي الإتاوات لرد جميلهم ولا الكلمات للتعبير عن الامتنان لهم..هم الأخيار متواجدون في الصحة والقضاء والتعليم والإدارات وفي كل مكان.. لكن ذلك لا يجب أن يكون غطاء ندثر به عورات من يقتلون المرضى إهمالا، ويقهرونهم ارتشاء، ويسببون لهم الذعر صراخا، ويزيدونهم عللا على علل.. لا أروم الدفاع عن برنامج "باسل" ولا عن أسئلة وتدخلات "حامضة" في حق الضيوف، لكن في نفس الوقت لا يجوز السكوت عن محاولات حجب الشمس بالغربال. لقد حز في نفسي أن يجد الصحفي الشاب نفسه مضطرا للاعتذار عن خطئه الأول، في حين لم نسمع طبيبا يعتذر عن موت مريض داخل مستشفاه بسبب إهمال أو "خطأ طبي" كما يحلو لهم أن يسموا ذلك.. كم من طبيب اصطادته الكاميرا متلبسا برشوة؟ كم من مولدة صفعت حاملا في عز مخاض عسير؟ كم من أم وجدت نفسها تضع وليدها في ردهات المستشفى أو أمام بابه؟ ألا تجسد هذه الأفعال الفرق الصارخ بين ممرضة التلاوة والواقع المرير؟ جميل أن يتعاضد ويتحد أطر كل قطاع ويكونوا اللوبيات في عالم تؤخذ فيه الدنيا غلابا، لكن من أجل انتزاع الحقوق والحفاظ على المكتسبات، وليس من أجل إسكات كل صوت يفضح الخروقات ويدعو لإصلاح الحال وترميم العقليات...