بقلم: موظف بمستشفى الفارابي بوجدة توصلت وجدة نيوز بمقال/ رد على إحدى الجرائد الجهوية، ننشره لفظا ومضمونا مع تسجيل أننا حذفنا إسم الجريدة المعنية، احتراما لمضمون من مضامين شرف المهنة؛ الذي ينص عليه ميثاق الفيديرالية الوطنية للصحافة المغربية، كما أننا نوقع على تقدير خاص لصاحب الرد الذي فضل عدم ذكر أسمه ، تقدير نستند فيه إلى الهدوء الذي ميز مقاله، وبعد النظر الذي به أطره، مستهدفا المشاركة في تفكيك بعض تقاطعات المشكل الصحي ببلادنا، وتقديم إضاءات من موقع" صاحب الميدان"، مترفعا عن زلة السير وراء التجريح، وحب الغلبة التي تحكم كثيرا من الردود... محمد عثماني تشكل الصحافة الجادة، رقابة مجتمعية على القضايا الحساسة، ويتم هذا من خلال الوقوف على مكامن الخلل، ونقط الضعف في القضايا المعنية، وهذا، لن يتأتى إلا من خلال توظيف أقلام متمرسة على العمل الصحفي، وملمة بالقضايا التي تشكل مادتها، وفي حالة انعدام ذلك، يمكن اللجوء إلى مستشارين في المجال المعني، لكن هذا، لا يمنع من وجود حالات شاذة، تعتبر الصحافة عملا تجاريا بامتياز، همها الوحيد والأخير، جمع المال بكل الأشكال الممكنة، دون الخضوع لأي ضوابط مهنية وأخلاقية، فتعتمد الإشاعة خبرا موثوق المصدر، والسب والقذف، حرية للتعبير والرأي، ونجد الجرائد تتناسل؛ حتى أن بعضها، لم تجد إسما جديدا، تختاره، فتكتفي بإضافة حرف، أو حرفين لأسم جريدة سابقة، فقط.. لقد أثار انتباهنا، المقال/ التقرير باعتبارنا نشتغل في القطاع المعني بالمقال حول الوضع الصحي بمستشفى الفارابي، والصادر ب" إحدى الجرائد الجهوية"، العدد:30، يوم الخميس:20 مارس 2008، ص:12.. وإذ نعتبر أن البادرة، كانت ستكون إيجابية، لو حاول صاحبها الوقوف على مكامن الخلل في المنظومة الصحية، والناتجة عن سياسة الحكومات المغربية؛ المرتكزة أساسا على التقليص مرحليا من نفقات القطاعات الاجتماعية( التعليم، الصحة، السكن...)، وذلك في أفق خصخصتها، بحيث إن المشاكل التي تعيشها مختلف المؤسسات الصحية، من نقص حاد في الموارد البشرية، والتجهيزات، والأدوية، وارتفاع الفوترة، وخصخصة مجموعة من المصالح بالمستشفيات( التغذية، النظافة، الحراسة...)، ما هي إلا تمظهرات لهذه السياسة الصحية، وبالتالي، فالدفاع عن القطاع الصحي بطابعه الاجتماعي، لن يتم إلا بالوعي الحقيقي بسياسة الدولة في هذا المجال.. وعدم إلمام صاحب التقرير/ المقال، بما سبق ذكره، جعله يختزل أزمة القطاع الصحي، في أخلاق العنصر البشري، معتبرا إياه سبب كل الاختلالات، فهو المسؤول عن نقص الأدوية، وسوء التغذية، بل، هو سبب وفاة المرضى.. ولم يبق لصاحب التقرير، إلا الدعوة صراحة إلى محاكمة الممرضين والممرضات؛ بتهمة القتل العمد؛ متى شاء القدر أن يودع أحد المرضى، دار الدنيا بإحدى المؤسسات الصحية.. ويمكن أن نثير بعض النقط الواردة في تقريره؛ حتى تتضح انتقاداتنا أكثر: 1 يشد الحنين، صاحب التقرير إلى أيام زمان، يوم كان مستشفى الفارابي، يخضع لإدارة المستعمر الفرنسي، معتبرا الخدمات خلال تلك الحقبة ذات جودة عالية، والعاملين به" ملائكة"، دون أن يكلف نفسه إسناد قوله بأي دليل، أو حجة.. ومادام سنٌه برهانا على عدم معايشته لتلك الحقبة، وحكايات الأجراء هي الأخرى، لا تعكس الصورة التي يحاول من خلالها تزيين وجه المستعمر، فأظن أن قوله، لم يأت إلا تقديما للصورة البشعة التي يحاول من خلالها تقديم موظفي القطاع، وله أن يراجع سياسة المستعمر في المجال الصحي، بحيث إن اهتمامه بهذا المجال، لم يكن إلا لخدمة المعمرين، والفئات المرتبطة به، أما نصيب أبناء الوطن، فلم يكن إلا حمامات محاربة القمل، والحكة، والمراقبة الصحية لدور الدعارة، حماية لجنوده من الأمراض الجنسية. 2 لقد اعتبر تصريح وزيرة الصحة حول ظاهرة الرشوة، مدخلا لكل الاتهامات؛ التي لم يكن بخيلا في توجيهها إلى موظفي القطاع. وإذا كنا من موقعنا في القطاع نعتبرها ظاهرة مرضية، يجب محاربتها، إلا أنه يجب التمييز بين العلة والنتيجة؛ فخضوع المريض للابتزاز نتيجة العراقيل التي توضع أمامه؛ خلال ولوجه إلى العلاج وللتوضيح أكثر، فالوزيرة، لم تكن الوحيدة التي أثارت الموضوع، فقد سبقها إلى ذلك وزراء أخرون يراد منه الهروب من الوقوف على المعيقات الأساسية لنهوض القطاع الصحي بدوره الاجتماعي، وذلك بتوجيه المواطن في اتجاه مغلوط؛ لئلا يقف على الخلل الحقيقي، والذي يتجسد في السياسة الصحية.. وإذا خضعنا لنفس منطق التحليل الوارد في تقرير الجريدة ، سنخلص إلى أن الصحة مفلسة لفساد الممرض، والطبيب... والتعليم، مفلس لفساد الأستاذ... وكل قطاع، مفلس لفساد موظفيه، وبالتالي، فالمجتمع، يتخبط في المشاكل الاجتماعية، نظرا لفساد عناصره، وليس لفساد سياسة الدولة.. وغياب رؤية واضحة للاشياء، ومنطق تحليل سليم، جعله يبرر النقص الحاد في الأدوية، بوجود ممرضات، وممرضين لصوص.. وليعلم أن هؤلاء المتهمين من طرفه، قد أثقلتهم ديون الصيدليات، وأن ولوجهم إلى العلاج، يتم بنفس السبل التي يمر منها أي مواطن. 3 أما حديثه عن سرقات أدوات الطبخ والأكل، فلا تعكس سوى جهله بواقع المستشفى، حيث إن مصلحة التغذية، قد تم تفويتها إلى شركة خاصة منذ سنوات، وبالتالي، فلا علاقة لموظفي القطاع بالأدوات السالفة، وله أن يستقي الخبر الصحيح من الشركة المعنية. 4 أما عن تعاكي الممرضين والممرضات لشرب الشاي، والقهوة على أنين المرضى بقسم المستعجلات، فطبيعة العمل بالقسم المعني وهندسته، لا تسمح بذلك، وكان عليه أن يلتقط لهم صورة بهاتفه النقال؛ حتى يوجد سندا لادعائه، آملا ألا يعتمد على الصور المفبركة، كما فعل لتحويل طبيب إلى بائع ماء؛ لاعتبار ذلك منحطا أخلاقيا. 5 النقطة الأخيرة التي حاول أن يختم بها" تقريره"، والتي تمس شرف مهنيي القطاع، أنه تطاول على الجانب الأخلاقي، متهما إياهم بالفسا،د والزنا بمستودعات الملابس، محاولا أن يحول كل ممرضة في ذهن القارىء إلى زانية، وكل ممرض، إلى زان.. ولا أجد من تصنيف لهذا الاتهام، إلا غياب أي إحساس بالمسؤولية لدى صاحبه. ختاما: إن سياسة الدولة في القطاع الصحي، تتجه في اتجاه حرمان فئات واسعة من خدماته، عن طريق الرفع من الفوترة، وعدم إحداث أي تغطية صحية لمنعدمي الدخل، وحرمانهم من العلاج المجاني، والتقليص من الموارد البشرية؛ من خلال المغادرة الطوعية، وتقليص مناصب الشغل بالقطاع؛ وبالتالي، فالدفاع عن الطابع الاجتماعي، والعمومي لقطاع الصحة العمومية، يتطلب اصطفاف كل الفاعلين في القطاع، من نقابات، وجمعيات، إلى جانب كل الإطارات المهتمة بقضايا المواطن( الجمعيات الحقوقية، جمعيات الدفاع عن المستهلك، تنسيقيات محاربة الغلاء...)، ووضع ميثاق وطني للصحة، يشكل أرضية مشتركة، تتحد من خلالها المطالب الآنية والمستقبلية، مع تسطير برنامج نضالي فاعل، وإلا ستجرفنا جميعا سياسة الخصخصة التي أتت على الأخضر واليابس...