كما سبق لنا أن كتبنا من قبل، أرسل معاونو مدير المركز السينمائي المغربي عريضة موقعة من طرف بعض المخرجين والمنتجين السينمائيين و»عشاق» السينما، إلى مجموعة من الجرائد الوطنية، ليست «المساء» بينها بطبيعة الحال، رغم أنها المعنية أولا وأخيرا بعريضة نور الدين الصايل. ولكي يعرف مدير المركز السينمائي التغريبي، وليس المغربي، أن عريضته لا تخيفنا ولا ترهبنا ولن تمنعنا من مراقبة طريقة إنفاقه لأموال دافعي الضرائب، سنعمم فحوى عريضته على قراء هذه الجريدة الذين يعدون بمئات الآلاف. أولا، لأن الجرائد التي نشر فيها عريضته محدودة الانتشار، ومنها ما لا يقرؤه حتى رؤساء تحريرها. وثانيا، لأن بعض الذين وقعوا على العريضة لم يقرؤوها، وبالتالي فقد وقعوا على تضامن مبهم غير واضح الأهداف والمرامي. تقول العريضة: «يتعرض السيد نور الدين الصايل، المدير العام للمركز السينمائي المغربي، في الآونة الأخيرة لحملة صحفية هوجاء طابعها التشهير والقذف، وهي حملة تخوضها منذ فترة طويلة، ولأسباب مبهمة، صحيفة «المساء» التي تحاول النيل منه شخصيا ومهنيا. وإذا كان من غير المقبول، مبدئيا ومهنيا، التهجم على الحياة الشخصية لأي كان، فإنه من الناحية التاريخية يعتبر إجحافا كل نكران أو انتقاص من الدور الإيجابي الذي يلعبه نور الدين الصايل منذ أزيد من أربعين سنة في المجال الثقافي بصفة عامة وفي الميدان السينمائي والسمعي البصري على وجه الخصوص. وهو مجهود معترف به على الصعيدين الوطني والدولي، وكل محاولة للمس بهذه السمعة وهذا الرصيد لا يمكنها أن تكون سوى ضرب من ضروب الرداءة ووصمة عار على جبين كل من يتبناها». من يقرأ هذه العريضة يتصور أن مدير المركز السينمائي «التغريبي» يتعرض، فعلا، لحملة تشهير وقذف من طرف جريدة «المساء»، وأننا «نشتف» عليه و»نعفس» فوق حياته الخاصة كل يوم. ولذلك كان ضروريا حشد كل هؤلاء الحواريين من أجل تحذيرنا من مغبة الاستمرار في التعرض للصايل، وأن «كل محاولة للمس بسمعته ورصيده لا يمكنها سوى أن تكون ضربا من ضروب الرداءة ووصمة عار على جبين كل من يتبناها». لقد أخافتنا هذه العريضة فعلا. ليس بسبب لغتها المهددة، وإنما لأنها أعطت السيد نور الدين الصايل وضعا قانونيا ليس من حقه، لأنه إذا كان هناك من شخص مقدس في المغرب لا يجوز التعرض له والمساس به فهو شخص الملك، أما جميع المسؤولين الآخرين الذين يسيرون الشأن العام والمؤسسات العمومية فيخضعون للمحاسبة والنقد والمراقبة، من طرف المؤسسات المنتخبة كما من طرف السلطة الرابعة، التي توجد «المساء» في مقدمتها. وبالإضافة إلى رغبة نور الدين الصايل الغريبة في إحاطة نفسه بهالة قدسية لا يخولها له الظهير الشريف الذي تم تعيينه به على رأس المركز السينمائي، هناك رغبة واضحة في تعويم النقاش الذي فتحه تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص تدبير مالية المركز السينمائي المغربي، مما يعني أن السيد نور الدين الصايل عوض أن يجيب بوضوح عن اتهام قضاة المجلس الأعلى للحسابات له بتبديد المال العام، فضل أن يطبق سياسة الهروب إلى الأمام ويحول نفسه إلى ضحية مستهدف من طرف «المساء» في حياته الشخصية والمهنية. إنه لمن المفيد هنا فضح أكذوبتين شيد عليهما الصايل عريضته التي وقعها معه زملاؤه في المركز السينمائي ومخرجون ومنتجون يدورون في فلكه، سنوضح فيما بعد لماذا قبلوا طواعية أن تنطلي عليهم أكاذيب الصايل. الكذبة الأولى هي أن «المساء» تحاول أن تنال من الحياة الشخصية للصايل، والكذبة الثانية هي أن «المساء» تحاول أن تمس بما تسميه العريضة «الرصيد» المهني للصايل. لنتحدث عن «أسطورة» الحياة الخاصة للصايل. نحن في «المساء» نتحدى الصايل وحوارييه أن يأتونا بمقال واحد نتجرأ فيه على الحياة الشخصية لهذا الأخير. الجميع يعرف أن الصحافة المغربية لم تقتحم الحياة الشخصية للصايل وزوجته، بل هما اللذان يعرضان حياتهما الخاصة على الصحافة. لم يلو أحد ذراع نادية لارغيط لكي تعترف، على صفحات مجلة «فاميليا»، بأنها تعيش مع نور الدين حياة «الكونكيبيناج». كما أن أحدا لم يجبرها على إعطاء حوارات للصحافة تتحدث فيها عن علاقة الحب التي نشأت بينها وبين الصايل عندما جاءت إلى القناة الثانية لكي تشتغل كمنشطة. منذ سنوات ومدام نادية لارغيط تتنقل بين مجلة وأخرى للحديث مرة عن علاقتها العاطفية بالصايل، ومرة للتغزل فيه وفي قدراته العقلية والفكرية الخارقة للعادة، حتى إنها ذهبت ذات حوار إلى تشبيهه بالكائن الفضائي. ومرة ثالثة، خرجت تتحدث عن مولودها الأول «سليمان الإسكندر»، والذي قالت عنه إنه أخذ جمال والدته وذكاء والده. ولكي تكملها وتجملها قررت زوجة الصايل أن تنشر صور حملها وهي عارية على غلاف إحدى المجلات أسوة بنجمات سينمائيات عالميات كدومي مور وغيرها، مع أن لارغيط لا هي بنجمة سينمائية ولا هم يحزنون. وبعد هذا كله، يأتي الصايل ويتهم «المساء» باقتحام حياته الشخصية. والحال أن السيد الصايل وزوجته لا يتعبان من بسط وعرض تفاصيل حياتهما الخاصة والحميمية على صفحات الجرائد والمجلات. أما اتهام «المساء» باستهداف «رصيد» الصايل المهني بالتشهير والقذف، فيشهد الله والقراء الأوفياء أننا لم ننشر في يوم من الأيام تشهيرا بالصايل أو قذفا في حقه. وإذا كان الصايل يقصد بالقذف والتشهير خلاصات تقرير المجلس الأعلى للحسابات التي نشرناها، وتكتمت أغلب الصحف والمجلات عن مجرد الإشارة إليها، فيجب أن يعود إلى قانون الصحافة لكي يقرأ الفصل المتعلق بتعريف القذف والسب. إن ما نشرناه بخصوص تدبير الصايل ل«رصيد» المركز السينمائي المغربي من الأموال العمومية ليس تشهيرا ولا يعتبر قذفا، وإنما معلومات مستقاة من مصدر موثوق اسمه المجلس الأعلى للحسابات رئيسه معين بظهير ملكي يشبه الظهير الذي تم به تعيين الصايل على رأس المركز السينمائي المغربي. وإذا كان الصايل قد تضايق من زيارات قضاة المجلس الأعلى للحسابات لمكتبه فما عليه سوى أن يوجه عريضته إلى عنوان الميداوي. أما «المساء» فلم تصنع سوى تعميم خلاصات تقرير المجلس الأعلى على القراء لكي يعرفوا كيف يصرف الصايل أموال ضرائبهم. فأين هو، إذن، التشهير والقذف واقتحام الحياة الشخصية التي يتهمنا الصايل باقترافه. إذا كان لدى مدير المركز السينمائي أجوبة عن كل الاتهامات التي تطال تدبيره لمالية المركز، فما عليه سوى أن يكتبها ويرسلها إلينا لكي ننشرها ضمن حق الرد. وإذا أحس سعادة المدير بأننا شهرنا به وشتمناه فما عليه سوى أن يلجأ إلى القضاء لكي يقتص له منا. أما أن يبتلع لسانه كلما كشفنا عن خلل أو تبذير في مالية المركز، وعوض أن يكتب تكذيبا ويرسله إلى الصحافة كما يصنع كل المسؤولين «اللي ما فكرشهومش العجينة»، يفضل أن يعوم النقاش ويلتف عليه ويحول نفسه إلى ضحية مستهدفة ويتهم منتقديه باقتحامهم لحياته الخاصة وتشهيرهم به واستهدافهم لرصيده المعرفي والمهني، ثم يجمع توقيعات متضامنة من هنا وهناك لحماية نفسه، فهذا ما يسميه المغاربة «بيع القرد وضحك على من شراه». منذ توليه زمام الأمور في القناة الثانية والمركز السينمائي المغربي، والصايل يعزف على وتر مواجهة الإسلاميين والظلاميين باقتحام المحرمات سينمائيا وتحطيم «الطابوهات» عبر الجنس ومهاجمة الرموز الدينية كالحجاب وغيره ذلك. وقد رأينا كيف وظف الصايل أموال دافعي الضرائب في تمويل حفنة من الأفلام السينمائية الرديئة شكلا ومضمونا، والتي كانت مزيتها الوحيدة أنها أثارت حفيظة الإسلاميين وجعلتهم يهاجمونها حتى دون أن يكونوا قد شاهدوها. وهذا بالضبط ما كان يبحث عنه الصايل.. إثارة حفيظة الإسلاميين واستفزازهم لكي يعبروا عن مواقف متطرفة إزاء السينما والفن لكي يبرر بقاءه في المركز السينمائي ست سنوات بعد وصوله سن التقاعد القانوني. يعني أنه يريد أن يبيع نفسه للخائفين من الملتحين على أنه الوحيد القادر على التصدي لهم وإخراجهم من جحورهم، وذلك عبر ترويج خطاب منحل مائع وفارغ ثقافيا وفنيا. وهذا هو الفخ الخطير الذي أسقط فيه الصايل المدافعين عن بقائه في مكانه. فقد انخرط في معركة إيديولوجية هي من صميم معارك الأحزاب السياسية، ونجح في تمويل أفلام رديئة ساقطة ومائعة ذوقا ولغة ومضمونا غائبة عن القضايا الوطنية الجوهرية، تسيء إلى السينما الوطنية وإلى أموال دافعي الضرائب. وعندما أحس الصايل بدنو أجل هذه السينما التي جر إليها أغلب المخرجين الذين يسيل لعابهم أمام أموال الدعم، قرر أن يتستر وراء هؤلاء المخرجين والمنتجين والنقاد الذين ينتقلون في ركابه طيلة السنة من مهرجان إلى آخر، يأكلون ويشربون وينامون على حساب دافعي الضرائب. لقد اطلعت على لائحة الموقعين على العريضة التضامنية مع السيد الصايل. وأعترف بأنني لم أتعرف على أغلب الأسماء الموقعة، لكونها نكرات لا أحد سمع بها من قبل. أما الأسماء التي تعرفت عليها فلم أندهش لموقف أصحابها، لأن أسماءهم التي توجد على العريضة هي الأسماء نفسها المنشورة في تقرير المركز السينمائي لسنة 2009، وبالضبط في خانة المخرجين المستفيدين من منحة الدعم، أي التسبيق الذي يدفعه الصايل للمخرجين من أجل بدء تصوير أفلامهم. لذلك، فالإخوة المخرجون السينمائيون الموقعون على عريضة الصايل ليسوا محايدين تماما، ومن الطبيعي أن يتضامنوا مع من يوقع لهم على شيكات الدعم السخي، لا مع مدير الجريدة التي تنتقد أعمالهم السينمائية وتكشف ضحالة ورداءة مستوى ومضمون أغلبها. غدا نأتي على ذكر أسماء هؤلاء المخرجين الغاضبين من «المساء» والمتضامنين مع الصايل، كما نأتي على ذكر حجم المبالغ المالية التي سلمها لهم الصايل من أموال ضرائبي وضرائبكم.