خارت القوى من كثرة النداءات اختنقت الحناجر من حرقة الغصة جفت الألسن من فرط الصياح وخفقت الأصوات من كثرة الاحتجاج ولا جواب، فلو كنت تنادي حيا لأجاب، لكن ...... لقد صمت الآذان من كثرة الشحوم المحيطة بها.. فنحن نتساءل عن حال الطرق التي تربط بلدتنا بالعالم، وهم يتساءلون عن الطرق الرابطة بالحقائب الوزارية.. نحن نخشى على حياتنا من منعرجات الطريق وحافاتها التي لم يتغير حالها، وهم يخشون على أنفسهم من منعرجات السياسة وحافاتها التي لا يستقر لها حال.. فعندما تسوق كومة حديد، أو تتكدس مع إخوانك بسيارة أجرة، وتجبر على تجاوز أكثر من 200 منعرج، وعشرات الحفر، بطريق لا يتجاوز عرضها المتر الواحد في بعض النقاط، وبزوايا مائلة تكاد ترميك إلى الهاوية، وحافات تكاد تجرك إلى الهلاك، ومنعرجات حادة غير محمية ولا مشورة، تتنفس الصعداء بعد وصولك سالما، لتجد المسؤولين ينشغلون بأشياء لا علاقة لها بمعاناتك، هنا تعلم يقينا أن شعارات الحداثة لا يرام منها إلا ضرب الدين والدوس على الأخلاق.. وعندما تضطر لإنزال عجلات عربتك من على طريق ترتفع عن مستوى الأرض بعشرين سنتمترا وأكثر لتفادي السائق القادم من "الاتجاه المعاكس"، فاعلم أنه حتى صياح الدكتور فيصل القاسم لن يثير اهتمام من لا يهتم أصلا.. عندما تحمل سيارة أجرة أكثر من عشرة أشخاص وتتجاوز بهم هذا الصراط غير المستقيم، فاعلم أنها المناضلة في زمن لا يعدو فيه النضال كونه مقاومة للتغيير وحرص على المكتسبات مهما كانت غير شرعية.. عندما تستمر الأشغال ببعض أشباه القناطر شهورا وشهورا فاعلم أن القنطرة الأهم في نظر المسؤولين هي المؤدية إلى المراكز، وأن الأهم عند المقاول هو الحصول على الصفقة.. عندما يباغثك منعرج حاد دون تشوير ولا حماية، فتقترب النهاية، فاعلم أنه الحدث رقم 31 الذي أغفله الشيخ حسان في أحداثه.. عندما يجبر الأصحاء على التقيؤ في طريق أغبالة، فاقرأ يس على المرضى، وعندما تضطر سيارات الإسعاف القادمة من أغبالة، بوتفردة، تيزي نسلي وناوور للمرور عبر الحفر العميقة والوديان الهائجة والمنعرجات الخطيرة والحافات الهالكة فاقرأ الفاتحة على الحوامل والحالات الاستعجالية.. عندما تضطر لقطع 60 كيلومتر في ساعتين أة ربما أقل بقليل، فاعلم أن ما يسمى ب"التي جي في" لا يعدو كونه شريطا للخيال العلمي يصعب تصديق أحداثه.. عندما يضطر رواد الاقتصاد إلى قطع حوالي مائتي كيلومتر إضافية للالتفاف حول سلاسل الأطلس والوصول إلى الراشيدية، فمن سيصدق شعارات المشاريع الكبرى والنهوض بالعالم القروي؟؟ عندما تتساقط الثلوج فيعزل سكان أغبالة والجماعات المجاورة عن العالم الخارجي، فاعلم أن دول العالم الثالث متطورة، وأن هناك عالما رابعا وخامسا وسادسا... عندما تصيح وتحتج فلا تجد صجى لنداءاتك، وتضيع صيحاتك سدى، فاعلم أنك في قاع الدنيا، وأن من تنادي صم بكم فهم لا يسمعون..