قبل أقل من ثلاث سنوات لم يكن أحد يتوقع أن العودة إلى دوار إيضيس ستكون أمرا ممكنا، «من هنا مررنا وقضينا أربع ساعات في هذا المقطع الطرقي وسط الصخور والمطبات» بعبارات الإعجاب يتحدث محمد الذي سبق له زيارة جماعة بوتفردة، الطريق التي اخترقت وسط الدوار غيرت حياة الناس هنا، وأصبح اليوم الذهاب إلى جماعة تيفرت نايت حمزة وجماعة أربعاء أوقبلي، والوصول إلى تكلفت لا يكلف كثيرا، هل تغير دوار إيضيس عما كان عليه من قبل، وما هو واقع جماعة بوتفردة إحدى أفقر الجماعات القروية بالمغرب بعد الاستثمارات الكبيرة التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة. واقع دوار إيضيس يلخص الصورة التي أصبحت عليها إحدى أفقر الجماعات بالمغرب، جماعة بوتفردة الواقعة في أقصى شرق إقليمبني ملال، والتي تتمركز جغرافيا بين جماعة تيفرت نايت حمزة بإقليم أزيلال غربا، وجنوبا بإيملشيل التابعة لإقليم ميدلت، وشمالا تيزي نسلي، وشرقا أغبالة، بمساحة تقدر ب 708 كلم مربع منها 40000 هكتار من الغابات، عدد السكان حسب إحصاء 2004 يبلغ 6332 نسمة فيما يقدر اليوم بحوالي 9700 نسمة، وتضم أوسع جماعة ترابيا بإقليمبني ملال 16 دوارا، وأربع مشيخات، وتبقى حسب تصنيفات المسؤولين أضعف جماعة في الإقليم من حيث المداخيل والبنيات التحتية. تعتبر جماعة بوتفردة أفقر الجماعات بالمغرب إلى حدود 2006 حيث كانت تصل نسبة الفقر بالجماعة إلى حوالي 34 في المائة في الوقت الذي كانت هذه النسبة بالإقليم لا تتجاوز 7 في المائة، ورغم المؤهلات الطبيعية الكبيرة فإن واقع جماعة بوتفردة يكشف حجم الإهمال الذي كانت تعيشه واحدة من أسوأ مناطق المغرب المنسي. البنيات التحتية حلم من زمن آخر رغم المجهودات الجبارة وحجم الاستثمارات بهذه الجماعة فإن واقعها يؤكد أنها تحتاج إلى عصا موسى كي تتحول بين عشية وضحاها إلى مثيلاتها من الجماعات بالمغرب، يؤكد باسو أحد أبناء الجماعة القروية، فأرقام البنيات التحية تكشف هول ما كانت تعيشه الجماعة، ففي نهاية سنة 2006 كانت الجماعة تعيش في ظلام دامس، بينما لم تكن نسبة الربط بالماء الصالح للشرب تتجاوز رقم 10 في المائة، أما شبكة الطرق فإنها كانت شبه منعدمة، فباستثناء الطريق الجهوية رقم 317 العابرة للجماعة ومدخل الجماعة ب12 كلم، تبقى كل الدواوير محاصرة بفعل وجود طرق ومسالك غير معبدة، وكانت المعاناة تزداد شدة في فصل الشتاء الذي يدوم فيه حصار دواوير الجماعة لأكثر من أربعة أشهر بفعل التساقطات الثلجية الكثيفة، وبسبب انعدام المسالك الطرقية، لكن يكفي اليوم أن نعرف أن «الربط بالشبكة الكهربائية شمل كلا من دواوير تاغزوت وتزكات ايت وغاض وايت الربع بومية وتاوريرت بمبلغ يزيد عن 1.5 مليار سنتيم« يؤكد باسو الذي يفتخر بما وصلت إليه بوتفردة في السنوات الأخيرة، والتي لن يعرفها، حسب قوله، إلا من زارها قبل سنة 2006 . قبل أقل من ثلاث سنوات مرت «المساء« من هنا في طريق العودة من تاسرافت آيت عبدي باتجاه جماعة بوتفردة، كنا قد سلكنا طريقا طويلا قبل وصولنا إلى تاكلفت في طريق العودة عبر جماعة أربعاء آيت أوقبلي في الجهة الشرقية من جبل تاصميت المطل على مدينة بني ملال، كانت المناظر الخلابة على جانب الطريق المعبدة ومشهد وادي العبيد ينسيان زائر هذه المناطق معاناة ساكنة على بعد ساعات قليلة. بعد وصولنا إلى جماعة تيفرت نايت حمزة سلكنا طريقا أشبه بالجحيم، كانت الأحجار المكومة ذات النتوءات الحادة تنذر برحلة غير محمودة العواقب، اضطر معها ركاب سيارة رباعية الدفع إلى النزول مرات عديدة حتى تتمكن السيارة من المرور في الأودية والمنعرجات الحادة، قطعنا، وقتئذ، مسيرة أربع ساعات للوصول إلى الدوار، حيث تجمعت نسوة حول بئر يجلبن منها المياه ويحملن الحاويات على ظهور البغال والحمير، على بعد أمتار قليلة من مدرسة بقسمين وجهاز إرسال استغله السكان لينصبوا فوقه مكبر صوت لمسجد هو ثالث البنايات بهذه المنطقة. لكن اليوم كل شيء تغير هنا، فالطريق التي قطعناها في أربع ساعات لم تعد تكلف سوى 20 دقيقة، إذ أصبحت معبدة في أكثر من نصفها فيما تتواصل الأشغال لتصبح الطريق سالكة ويتجنب المسافرون إلى بوتفردة أو إملشيل ضنك السفر في المنعرجات الخطيرة بين القصيبة وجماعة ناوور، البئر الوحيدة التي كانت بالدوار أضيفت إليها بئر ثانية، وأهل دوار إيضيس أصبح انتقالهم إلى المراكز الجبلية والحضرية أكثر سلاسة، تقول زينبة، إحدى النساء المتحلقات حول البئر، «إن ساكنة الدوار اليوم مدينة للمسؤولين برفع العزلة القاتلة التي كنا نعيشها«. «مركز دوار إيضيس يضم 150 مسكنا لكنها متفرقة، ومركز اجتماع الدوار هو هذا البئر، لذلك بنيت المدرسة بالقرب منه وكذلك المسجد البسيط الذي ترون «يؤكد الشيخ البيقي موحى، أحد سكان دوار إيضيس، مضيفا أن المسجد كان عبارة عن بيت طيني، فيما تقع البئر في منحدر، لقد قطعت مسيرة 13 كيلومترا من تيفرت نايت حمزة للوصول إلى هنا». يتطلع سكان إيضيس لربط مساكنهم بالماء الصالح للشرب قريبا، لإنهاء المعاناة التي كانوا يتخبطون فيها والتي تحكي أمي حنا عنها قائلة: «من أجل جلب الماء من هذه المطفية، كنا نضطر إلى قطع مسيرة ساعتين على الأقل، وبمجرد أن تنضب المياه في هذه البئر في شهر يوليوز نضطر إلى مضاعفة المسيرة عشرات المرات حيث نتوجه إلى مركز جماعة بوتفردة على بعد 10 كيلومترات من هنا». كرونولوجيا الفقر المركب وبداية الإقلاع منذ أربع سنوات ومسؤولو عمالة إقليمبني ملال، يبذلون جهودا لإخراج جماعة بوتفردة من تصنيفها كواحدة من أفقر الجماعات بالمغرب، حيث تصل نسبة الفقر إلى 34 في المائة، لذلك يفاجأ كل من سمع بالرقم الخيالي الذي تم صرفه والذي وصل إلى حوالي 36 مليار سنتيم، لتأهيل منطقة نائية من المغرب المنسي.. جماعة بوتفردة المنطقة الجبلية التابعة ترابيا لإقليمبني ملال. تفاصيل الأرقام تؤكد أن الطرق والمسالك التي تمت تهيئتها يوجد من بينها الطريق الرابطة بين تزكات أيت الربع وتاغزوت على طول 9 كلم، وبناء المقطع الطرقي بين تينكارف وتاغزوت على طول 11.5 كلم بمبلغ يقدر ب 22.117 مليون درهم، وتهيئة المسلك الرابط بين تاسنت وتزكات على طول 5.2 كلم بمبلغ 7.6 مليون درهم، وبناء مقطع طرقي بين بوتفردة المركز واضيس على طول 13 كلم بمبلغ 1.2 مليار سنتيم، وفتح الطريق بين تغار وتاغزوت على طول 8 كلم من طرف المديرية الجهوية للمياه والغابات بمبلغ 120 مليون درهم، وتهيئة المسلك الرابط بين اسروتا وتزكات آيت الربع على طول 18 كلم، وبناء قنطرة على واد عطاش بكلفة 1.661 مليون درهم. مشاريع مهمة ولكن؟ يسعى المسؤولون، اليوم، بإقليمبني ملال إلى تزويد مجموعة من الدواوير، منها اضيس، والشركت، تاخرخدات، أغبالو نايت ايشو، ويرين، تزكات ايت وغاض، تزكات ايت الربع، تينكارف، بشبكة الماء الصالح للشرب بشراكة بين كل من المجلس الإقليمي والجماعة القروية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتم حفر 11 بئرا بكل من دوار تافراوت، تاغزوت، تغار، بوكرديم، تخرخدات، ايضيس، اكرض نتافويت، تاوفريت، بوكنار، بوينوكضن، بغلاف مالي يقدر ب1.360.000.00 درهم. ويبقى الجانب الاجتماعي الحلقة الأهم، إذ خصصت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية اعتمادات كبيرة للجماعة القروية التي طالب بعض منتخبي الإقليم، في وقت سابق، بتصنيفها جماعة منكوبة، واقتناء جرافة وشاحنة وسيارة الإسعاف بمبلغ قدره 220 مليون سنتيم، وبناء مركز لتأهيل الفتاة والمرأة بمركز جماعة بوتفردة للتعليم والتكوين الوظيفي، للفتيات والنساء، من أجل تأهيلهن لمزاولة أنشطة مدرة للدخل، والذي ستستفيد منه 100 فتاة، في الخياطة والتجهيزات المعلوماتية والمكتبية، وأنجز المشروع بشراكة بين الولاية والإنعاش الوطني ومندوبية التعاون الوطني والجماعة، بتكلفة مالية وصلت إلى 820 ألف درهم. وفي الوقت الذي كانت فيه نسبة الأمية تصل إلى 98 في المائة وسط سكان جماعة بوتفردة، كان جل أبناء الجماعة لا يتجاوزون في مستواهم الدراسي الأقسام الأولى من الابتدائي، فقد استجابت وزارة التربية والتعليم للاحتجاجات الكثيرة التي شهدتها الجماعة ليتم إحداث مدرسة جماعاتية بدوار تينكارف بمبلغ 8 ملايين درهم، وإحداث مجموعة من الأقسام بكل من دواوير بروتن، تاخرخدات، بوتفردة، وإحداث السكن من طرف وزارة التربية الوطنية بكل من بوتفردة، وتاخرخدات، وإحداث أربعة مساكن إضافية بكل من تاسنت، تاخرخدات، الشركت، واوركوت، بينما يتطلع أبناء الجماعة إلى تحقيق الحل السريع لمشكل الأرض الخاصة بالإعدادية، بعد زوبعة من الصراعات بين ذوي الحقوق الذين يبلغ عددهم 56 شخصا، إذ وهب 14 منهم الوعاء العقاري موضوع الصراع، وطالب الباقون بنصيبهم المالي المقدر بحوالي 300 ألف درهم، لبناء الإعدادية على مساحة هكتارين بالجماعة، وهو ما دفع الوالي لوعد السكان بتسديد المبلغ من ماله الخاص في حال عدم وجود موارد لذلك، ودافعت فتاة في ربيعها الثاني عشر وهي تذرف الدموع عن مستقبل زميلاتها من بنات الدوار اللواتي ينتقلن إلى مدينة القصيبة قصد متابعة دراستهن في ظروف وصفتها بالمزرية، ووصف كل من شاهد الطفلة وهي تذرف الدموع بغزارة بأنها «الطفلة المناضلة التي تدافع عن الحق في الحياة والدراسة«. ورغم الطابع الجبلي لكل دواوير الجماعة، فقد تم بناء حوالي 16 كيلومترا لتعزيز المجال الفلاحي، الحلقة الأضعف بدواوير تينكارف، تاغزوت، تاسنت، واوزكوت، الشركت، تاخرخدات، تاركا، نوناصر، بروتن، من طرف وزارة الفلاحة بشراكة مع الإنعاش الوطني، وبناء سقايات عمومية من طرف الجماعة في كل من بوتفردة، تاغزوت، تزكات، واوركوت، بومية.
هل تصلح 36 مليارا ما أفسدته سنوات من التهميش؟ المتجول في مركز جماعة بوتفردة يخيل إليه أنه بصدد زيارة دوار معزول من زمن آخر وليس في واحدة من أكبر الجماعات ترابيا بالمغرب والكبرى على مستوى إقليمبني ملال، فمقر البلدية المهترئ عبارة عن بناية صغيرة وضيقة تصل مساحة الغرفة المخصصة للاجتماعات بها إلى حوالي 20 مترا مربعا، بينما تصطف ثلاث قاعات صغيرة مخصصة للموظفين في بناية لا تتجاوز مساحتها الإجمالية 100 متر، يقابل مقر الجماعة شرقا مركز صحي تم بناؤه قبل أربع سنوات بمبلغ وصل إلى 90 مليون سنتيم، وينتظر السكان أن تتحقق الوعود قريبا ببناء مقر جديد للجماعة، والذي من المنتظر أن يتحقق قريبا بمبلغ يصل إلى 130 مليون سنتيم، لتبقى المجزرة الصغيرة التي تنبعث منها الروائح الكريهة وسط المركز تنتظر إلى أجل غير مسمى، كل المعالم هنا تبدو من مغرب آخر، فالصومعة الوحيدة للمسجد لم يتم تبليطها أصلا وبقيت لبناتها تشهد على أنك بالفعل في أفقر جماعة بالإقليم كما تدل على ذلك أحوال الناس ومساكنهم هنا، حجم الاستثمار الذي صرف في جماعة بوتفردة لوحدها وحجم الخصاص يطرح التساؤل عن حجم التهميش الذي لاقته ساكنة المغرب المنسي، «بناء مقطع طرقي غير معبد هنا بالجبل يكلف ضعف نفس المقطع في السهل وبجودة عالية ثمان مرات» يقول مهندس متخصص، ليبقى السؤال: كم يكفي اليوم لتخرج بوتفردة من وصفها دوارا معزولا يمثل مجموعة دواوير تشكل أفقر جماعات المغرب الحديث؟ قبل أن تفاجئك وأنت تفكر في الجواب في طريق العودة وسائل النقل الوحيدة المتوفرة للنقل الجماعي، سيارات وشاحنات من طابقين، الطابق السفلي مخصص للمواشي، والطابق العلوي للآدميين.