ما تزال صور المعطلين وهم يحيطون بسيارة رئيس الحكومة ويحاصرونه مرددين شعارات مسيئة له، ومشيرين إليه بأنه "صفر" تمر أمامي في مشهد درامي أشبه ما يكون بحالة عقيد ليبيا وهو يستغيث وسط حشود غاضبة من ثوار آخر زمان... فرئيس الحكومة المسكين سقط فجأة في فخ تضاربت الأنباء عن من بناه له، وخر من على كرسي رئاسة الحكومة التي يجب لها ما يجب من حد أدنى من الاحترام ليجد نفسه محاصرا بعشرات المعطلين الجدد الذين لم يعودوا يؤمنون لا بالخطوط الحمراء ولا بوجوب احترام الآخر ولا أي شيء.. فقد أصبح كل شيء واردا وكل رد فعل مقبولا في زمن الربيع الذي أضحى "فاصّا" بدأ "المخزن" بحصدها في سوريا المبادة ومصر المنقلبة وليبيا غير الآمنة، وربما الدور آت رويدا رويدا على المغرب، بلد الاستثناء المزعوم، وتونس، مهد الثورة المزعومة... جميل أن يعلم بنكيران – الرجل الذي يتكلم عن قراراته بثقة زائدة وعن المغاربة وكأنهم صوتوا له مدى الحياة – أن شعبيته في تراجع مستمر، وأن نجمه ربما يأفل قريبا... جميل أن يعرف أنه غرد كثيرا خارج السرب، وأنه يتجه غربا فيما الشعب يتجه شرقا، كما يقول المغاربة، حتى أصبح أصحاب الفضائح الشهيرة يشمتون به وبالذين صوتوا له وهو حديث عهد بالمسؤوليات الجسام التي يتحملها.. لكن أن "يبهذل" بتلك الطريقة كأنه لص سرق حافظة نقود بسوق السبت، فهذه سابقة خطيرة.. أنا لا أدافع عن بنكيران، ف"اللي دارها بيديه يفكها بسنيه" كما في المثل الشعبي، لكن إذا لم تعد للسيد رئيس الوزراء – وما أدراك ما هذه التسمية – هيبة، فالأجدر بنا أن نخشى على البلد من الفوضى العارمة... إذا لم تعد هناك حصانة للمسؤولين، فعلينا أن نخشى على أنفسنا وأطفالنا من الآتي، إذا لم تعد هناك خطوط حمراء في التعامل مع القوة العمومية، فلنقرأ الفاتحة على الوطن.. وإذا حصل ما حصل من المعطلين، والذين هم نخبة، فلن نلوم الأغلبية الساحقة من المغلوب على أمرهم وعقولهم إذا ما قرروا يوما أن يخربوا كل ما وصلت إليه أيديهم ويدوسوا على كل ما تطؤه أقدامهم.. وإذا تلكأت القوة العمومية ولم تتدخل بالحزم الكافي لحماية رجل دولة بحجم رئيس الوزراء، فهل يحل لنا أن نحلم نحن بالحماية؟ حرية التظاهر والاحتجاج حق لا نقاش حوله، لكن الحرية سميت كذلك لأن لها ضوابط، وإلا أصبحت فوضى عارمة.. منذ أيام قلائل، وفي خضم عملية تسجيل التلاميذ، أتاني شيخ يبغي تسجيل ابنه، ولما أجبته أن المكلف بالعملية سيحضر بعد دقائق معدودة قال: "اسمح لي أن أكلمك، ولا تغضب، فأنت موظف؛ نحن "القدامى" لا نستطيع التعايش مع مبادئكم، ففي عهد الاستعمار، كان الموظف يحضر من الثامنة إلى الثانية عشرة، ومن الواحدة إلى السادسة، والويل لمن تخلف!!" أضاف: "نعم، الحرية ضرورية، لكنها تؤذي الآخرين"..