لا يستطيع المرء أن يكتم شعوره بالإمتعاض والإستهجان حين يجد رئيس الحكومة السيد بنكيران يقيم الدنيا ولا يقعدها صراخا وعنادا من أجل قطع الطريق أمام توظيف معطلي» محضر 20 يوليوز» الذين يتوفرون على التزام حكومي موثق يقر لهم بذلك الحق . ولا يستطيع المرء كذلك أن يخفي استياءه من إصرار السيد بنكيران على مصادرة حق تلك الشريحة من الأطر العليا في الإدماج المباشر بشكل فج و بحجة واهية وكأنه بصدد انتقام أو تصفية حساب. ولعل المتتبع لمسار تعامل السيد بنكيران مع هذا الملف سيهتدي لا محالة إلى أن الرجل مصر على إقصاء هذه الفئة من الأطر العليا من التوظيف لغرض معلوم ألا وهو سعيه نحو وضع حد لمسلسل التوظيف المباشر للأطر العليا المعطلة في أسلاك الوظيفة العمومية ، وهو لأجل ذلك الغرض أضحى لا يفوت فرصة تحت قبة البرلمان أو داخل مجلس المستشارين دون أن يجدد رفضه توظيف معطلي «محضر 20 يوليوز « لأنه في الحقيقة يخشى من أن يفضي إحقاق حقها في الإدماج إلى توافد فئات جديدة أخرى من الأطر العليا المعطلة إلى الرباط للمطالبة بإدماجها على غرارها . وليس سرا أن السيد بنكيران يؤمن في قرارة نفسه أن أطر « المحضر» قد مسها منه ظلم صارخ حين حرمها من حقها الموثق في التوظيف المباشر . ولعل مما يؤشر على ذلك أنه صرح خلال إحدى المناسبات أنه يشعر بالألم الذي يحس به معطلو «المحضر»، وهو التصريح الذي يتناغم مع ما صرح به أحد أعضاء حكومته الذي ينتمي إلى حزبه حين قال بأن لكل مرحلة انتقالية ضحاياها في إشارة إلى أن معطلي «المحضر» هم ضحايا المرحلة الإنتقالية التي شهدها المغرب بعد إجراء الإنتخابات الأخيرة وإقرار الدستور الجديد . يستخلص إذن مما سلف أن حكومة بنكيران قد اتخذت من معطلي «محضر 20 يوليوز» مطية أو بالأحرى أكباش فداء لوضع حد للتوظيف المباشر أمام الخريجين الجدد من حاملي الشهادات العليا ، وهي لم تراع في ذلك تداعيات قرارها المجحف في حق ضحاياها من ذوي المحضر الذين تفاقمت معاناتهم بعدما أمسى مستقبلهم عرضة للمجهول لاسيما بعد أن التزموا بمقاطعة جميع المباريات التي تنظمها القطاعات الحكومية إيمانا منهم بمظلوميتهم وبعدالة قضيتهم . ولا مراء في أن تنكر حكومة البيجيدي لحق أطر «المحضر» في الإدماج المباشر يعد ردة بل انتكاسة حقوقية في زمن أصبحت فيه تطلعات الجميع منصبة نحو تبديد العدمية والإحباط و تعزيز الثقة في النفوس. ولعل مما يثير الإستغراب هو أن نسمع بعض مسؤولي حكومة بنكيران البيجيديين بالخصوص يتباهون من حين لآخر عبر تصريحاتهم الإعلامية بأن حكومتهم تعد السباقة إلى امتلاك الجرأة السياسية التي وضعت حدا لتوظيف الأطر العليا بشكل مباشر ، وهي الجرأة التي حسب زعمهم حققت ذلك الإنجاز الذي عجزت عن تحقيقه الحكومات السابقة . ولنا أن نتساءل في هذا السياق فنقول ، هل يعد من باب الجرأة السياسية والإنجاز المحمود تقديم أطر «المحضر» قرابين من أجل قطع الطريق على بقية فئات الأطر العليا أمام التوظيف المباشر؟ إن الجرأة السياسية الحقيقية تقتضي من أصحاب القرار داخل حكومة البيجيدي التحلي بالشجاعة اللازمة من أجل إعادة الحق المصادر إلى أهله تماشيا مع المبدأ الأخلاقي القائل بأن الرجوع إلى الحق فضيلة.ثم إن التمادي في الإجهاز على حق مشروع لمعطلي «المحضر» المستضعفين والإستخفاف بصيحات ومناشدات الفاعلين السياسيين والحقوقيين المطالبة بإنصافهم ليعد بحق شططا مذموما يتعين على أصحاب القرار النأي بأنفسهم عنه عبر إرجاع الحق إلى ذويه من أصحاب المحضر ثم في مقابل ذلك يلزمهم صياغة استراتيجية محكمة وواضحة المعالم للتعاطي مع إشكالية عطالة الأطر العليا بما يخفف من حدتها ، وعند ذلك يحق لنا أن نثمن موقف أولائك المسؤولين ونصنفه في خانة الشجاعة السياسية .