ويسألونك عن معطلي» محضر 20 يوليوز « وعن قضيتهم وأحوالهم ، قل إنهم شريحة من الأطر العليا التي وقعت معها الحكومة المنتهية ولايتها التزاما مكتوبا يقضي بتوظيفها في أسلاك الوظيفة بموجب مرسوم وزاري صدر لأجل ذلك الغرض تحت رقم 100-2-11 ،إلا أن الحكومة الحالية أبت إلا أن تضرب عرض الحائط بمقتضيات ذلك الإلتزام وتنأى بنفسها عن تنزيل مقتضياته دون أي مسوغ قانوني مقنع لتشعل بذلك فتيل احتجاجات المعطلين المشمولين به ، وهي الإحتجاجات التي ارتفع منسوبها في الآونة الأخيرة في ظل حالة الإحتقان والإستياء والتوتر التي أصبح يعيشها معطلو « المحضر « بسبب سياسة التجاهل واللامبالاة ولغة الخشب التي أصبحت تعتمدها حكومة بنكيران في التعاطي مع ملفهم . ويسود الإعتقاد لدى معطلي « المحضر» كما لدى العديد من المتتبعين أن تراجع السيد بنكيران عن توظيفهم لا يحكمه أي مسوغ قانوني كما ادعى ،وإنما تؤطره بالدرجة الأولى خلفيات شخصية و سياسية كما أنه يشكل خرقا لقاعدة ديمومة المرفق العام وانتهاكا لمبدأ عدم رجعية القوانين المنصوص عليه في الدستور الجديد. ومن خلال رصد المنعطف الذي نحته هذه القضية منذ إعلان السيد بنكيران عن تراجعه عن تنفيذ مضمون المحضر المذكور ، يبدو جليا أن أطرافا حكومية من البيجيدي هي التي تقف دون غيرها حجرة عثرة في سبيل إحقاق حق معطلي «المحضر» في التوظيف المباشر. وهذه الأطراف تصرعلى موقفها المجحف القاضي بإقصاء تلك الأطر من التوظيف المباشر بالرغم من وجود محضرحكومي يترجم تفعيل مقتضياته مبدأ استمرارية المرفق العام، وبالرغم كذلك من وجود أصوات وإن كانت باهتة ومحتشمة تصدر من حين لآخر بعيدا عن دائرة الإعلام عن أطراف حكومية حليفة تدعو إلى تنفيذ مقتضيات محضر 20 يوليوز باعتباره التزام دولة .وغني عن البيان أن بعض وزراء البيجيدي المعارضين لتوظيف الدفعة الثانية من الأطر العليا المعطلة قد حاولوا سدى البحث عن مخرج سليم يتحللون من خلاله من تبعات تصريحات كانوا قد أطلقوها عبر العديد من خرجاتهم الإعلامية والتزموا من خلالها بتوظيف أطر الدفعة الثانية فلم يجدوا من سبيل لتحقيق ذلك المبتغى غير التشكيك في قانونية المحضر المذكور ودستوريته. والكل يذكر في هذا الصدد كيف استفتى السيد بنكيران رجال القانون خلال جلسة برلمانية مشهودة يوم الإثنين 14 ماي المنصرم في شرعية المحضر وطلب منهم حينها بأن يثبتوا له قانونيته مقابل تفعيل مقتضياته ، ليفاجأ فيما بعد بسيل من الشهادات التي توالت من أفواه كبار فقهاء القانون بمختلف مشاربهم و التي أقرت بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة بقانونية المحضر المذكور وبوجوب تنفيذ منطوقه. ولا شك أن تلك الشهادات قد أحرجت وزراء البيجيدي المعارضين لتوظيف ذوي « المحضر» وأربكت حسابهم ،حيث لم يجدوا بعدما حاصرتهم تلك الشهادات المقرة بقانونية المحضر غير الصمت والتجاهل ملاذا في ظل حملة المطالبة بإحقاق حق الأطر المتضررة التي أطلقها العديد من الفاعلين القانونيين و السياسيين والحقوقيين والنقابيين .و في خضم تزايد وتيرة احتجاجات أصحاب المحضر بشوارع الرباط بسبب عجز حكومة بنكيران عن تدبير ملفهم انعطف أصحاب القرار نحو اعتماد المقاربة الأمنية بدلا من مد جسور الحوار لتتأجج بذلك أجواء ضحايا « المحضر « احتقانا وغليانا .هكذا توارت شمس الحق خلف سحب الإجحاف بفعل تمادي تلك الأطراف في تعنتها لتتفاقم بذلك معاناة معطلي «محضر 20 يوليوز» الذين استنزفت من حياتهم قرابة سنة وتسعة أشهر من الإحتجاجات والإعتصامات السلمية المطالبة برفع الحيف عنهم وتمتيعهم بحقهم المكتسب في الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة بناء على محضر حكومي قانوني ودستوري لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ومن خلال رصد سيرورة معاناة هؤلاء المعطلين منذ إعلان السيد بنكيران عن تراجعه عن التزام قطعه على نفسه بتوظيفهم ، يتجلى حجم المعاناة الأسرية والمادية والمعنوية التي أصبحوا ينوؤون تحت أثقالها في عهد الحكومة الحالية ،إذ كما لا يخفى على أحد أنهم بعد توقيع ممثلي القطاعات الحكومية محضرهم القاضي بتوظيفهم يوم 20 يوليوز 2011 ساد لديهم إيمان راسخ بأنهم أصبحوا في عداد الموظفين اعتقادا منهم بأن الإلتزام الحكومي لا مناص من تنفيذه .ومن ثمة راحوا ينسجون تطلعاتهم وانتظاراتهم بخيوط التفاؤل بل اليقين ، فكان أن أبرم العديد منهم التزامات وعقودا مصيرية تخص حياتهم ومستقبلهم ، بينما أثقلت كواهل السواد الأعظم منهم الديون والقروض التي تراكمت عليهم بشكل مهول بفعل تنقلاتهم المستمرة على مدى فترة زمنية مديدة إلى الرباط لخوض الإحتجاجية السلمية المطالبة بإنصافهم ليجدوا أنفسهم في النهاية عرضة للضياع والتشرد والقهر بعد أن وضعت حكومة بنكيران على آذانها وقرا.وفي ظل هذه المعاناة التي أضحت تؤرق مضجع هؤلاء المعطلين الذين لم يعد بمقدورهم تحمل المزيد من تبعاتها المنهكة لأعصابهم والمستنزفة لأموالهم والمهددة لمستقبلهم ، تبقى احتجاجاتهم متواصلة و تطلعاتهم مشرئبة بتفاؤل نحو يوم يصحو فيه ضمير مدبري الشأن العام فيعيدوا إليهم حقهم المسلوب .